الوهاب | من أسماء الله الحسنى | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع اسم من أسماء الله الحسنى، ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، نعيش هذه اللحظات مع اسمه تعالى الوهاب. وكلمة الوهاب صيغة مبالغة لأنه سبحانه وتعالى من عنده المواهب، والإنسان في حياته أشياء قد يكسبها. بحوله وقوته وقد تكون هبة من الله لا حول له فيها ولا قوة ولا كسب إذا هناك أشياء من قبيل الوهب وهناك أشياء من قبيل الكسب وربنا سبحانه وتعالى ليس الواهب فقط للمنح وللعطايا وللمنن بل هو وهاب أي كثير الوهب فالإنسان ليس بيده أن يكون صحيحا أو
ضعيفا وليس ليس بيده أن يكون في عائلة غنية أو فقيرة وليس بيده أن يكون عالما أو جاهلا لكنه له أن يكتسب الرزق حتى يصير غنيا وله أن يكتسب العلم حتى يصير عالما إنما من قبل ومن بعد ربنا سبحانه وتعالى هو الموفق وهو الوهاب، الهبة معناها العطاء بلا مقابل وربنا سبحانه يعطينا بلا مقابل في حياتنا كلها من أول ولادتنا وإلى نهاية حياتنا من أول ولادتنا وإلى نهاية حياتنا بموتنا فالله سبحانه وتعالى هو الوهاب وقد تكون هذه الهبة إنما تعليما من رب العالمين
للأدب معه وللسير في طريقه فهو وهاب فيفتح على الإنسان فتوح العارفين به سبحانه فيعلمه الأدب معه ومن الأدب مع الله التوكل عليه فالوهاب يهب هذه المنة لعباده المؤمنين فيشعر الإنسان بطمأنينة في قلبه وبأمان وبتوكل وبثقة فيما عند الله سبحانه وتعالى وبما في يده أكثر من الثقة بما في يد نفسه هذه هبة لا كسب فيها لا يستطيع الإنسان أن ينشئ التوكل في قلبه لكنه بيده أن يرغب في ذلك وبيده أن يتوجه إلى ذلك وبيده أن يبدأ في ذلك والله سبحانه وتعالى
يساعده على ذلك ويمن عليه في ذلك ويهبه هذا الوهاب كلمة لطيفة خفيفة على اللسان ندعو الله سبحانه وتعالى بها بالليل والنهار يا وهاب ويتسمى بها الناس وينسبون أنفسهم إليها فنسمي أحدنا عبد الوهاب وعبد الوهاب يكون فيه طلب من الله سبحانه وتعالى أن يتجلى عليه بذلك الاسم فيمنحه من عنده سبحانه ما الله به عليم من أمور القلب وأمور الجوارح من أمور الدنيا ومن أمور الآخرة لا تنس هذا الاسم في دعائك وعليك أن تفهمه وأن تعيش أسراره وأن
تتعلم آدابه تفهمه في معناه وتعيش أسراره بملاحظة مني والنعم التي يهبها الله إليك دائما وتعيش معه بالتعلق به والدعاء له وأيضا تتعلم من آدابه أن تتخلق بذلك الخلق وأن تكون معطيا ومانحا بلا عوض وبلا ثمن وبلا مقابل، صل رحمك فإن هذا من الهبات التي تهبها إلى الناس ولا تنتظر من رحمك أن يصلوك فليس المكافئ بالواصل، إذا كانت المسألة هي قضية المكافأة بينك وبين ذي الرحم فلا تكون واصلا حينئذ وإنما تكون رادا للجميل وشاكرا له وحامدا لشأنه،
ولكن الله سبحانه وتعالى يعلمك أن تكون واهبا ولا أن تكون مطالبا ومحققا فيما أعطيته من آداب أن تكون متعلقا ومتخلقا بهذا الاسم العظيم أنك لا تلتفت إلى عطاياك فأنت تعطي ثم بعد ذلك لا تلتفت إلى أنك قد أعطيت وهذا من الصفات التي تجعل الإنسان في ظل الرحمن يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله فإن الله سبحانه وتعالى جعل من أولئك رجلا أعطى بيمينه فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما يمينه في العطاء والهبة ينبغي أن يكون فيها شيء من السر بحيث إن اليد اليسرى في غيبة وهي حاضرة عن هذا الذي قد أعطيته
وهذا هو معنى الهبة ومعنى الوهاب من الآداب أنك أيضا تكون متواضعا حيث إنك لا تلتفت لما أعطيت وتترك الأمر لله وتسأل الجزاء من الله وحينئذ لا تغضب من أحد ولا تحقد على أحد ولا تتدخل في حياة أحد إلى لقاء آخر مع اسم آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته