برنامج إحياء علوم الدين | حـ11 | الغضب | قناة اقرأ | 2011 - 08 - 11 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامجكم "إحياء علوم الدين" مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بكم يا مولانا. أهلاً ومرحباً، مرحباً بكم. لازلنا يا مولانا مع فضيلتك. نتحدث عن الآفات التي ذكرها الإمام أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين، واليوم إن شاء الله نتحدث عن الغضب. الإنسان عندما يغضب يقول: "أنا أشعر بالدم يجري في عروقي". فما الذي يُنشئ الغضب، ولماذا يشعر الإنسان بهذا الإحساس؟ بسم... الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. عرَّفوا الغضب بأنه شعلة نار، شعلة
نار. نعم، التعريف هكذا: الغضب شعلة نار مستكنة في طي القلب، داخل القلب يعني، نعم، مثل استكنان الجمر تحت الرماد. ما شاء الله، عندما نرى الرماد لا نرى النار تحته يقول لك النار تحت الرماد أي قابلة للاشتعال وللظهور لكنها مستكنة يعني غير ظاهرة. فالغضب إذًا هو كأنه غريزة من غرائز الإنسان أن يغضب، نعم، من أجل أن يدافع عن نفسه. جميل، يعني ربنا وضع هذه الغريزة لكي يدافع بها عن نفسه، ولذلك نحتاج إلى توجيهها لا إلى... نفيها، الله، ما شاء الله، توجيهها وليس نفيها، لا نلغيها تماماً، فنحن لن نستطيع أن نلغيها تماماً، نعم، مثل الحب، نعم، نريد
أن نوجهه لكننا لا نلغيه، إننا في أشد الحاجة إليه، ما شاء الله. فكان سيدنا صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تغضب ولك الجنة" وكان لا يغضب. عليه الصلاة والسلام، ولكن انظر، إلا أن يكون هناك استثناء. نعم، نحن في حاجة إلى النار صحيح، ولكن النار إذا اشتعلت في البيت تحرقه وتدمره. لكننا في حاجة إليها من أجل إنضاج الطعام ومن أجل التدفئة ومن أجل الإنارة ومن أجل أشياء أخرى. كثيرة، نعم، ونُخيف بها الحيوانات الضارية، وهكذا يكون إذا أنا في حاجة إلى النار، لكن النار مدمرة، فلا بد علينا أن نتعامل مع الغضب باعتباره شعلة نار مستكنة في طي القلب - ما
شاء الله - كما تستكن الجمرة تحت الرماد، أي مثلما نراها سيدنا، بدون القطع، لكلام فضيلتك. نعم، الذي يشوي الذرة يكون شيئاً مثل ترابه، عندما يهب عليها الهواء يظهر الجمر، يظهر الجمر والشعلة الجميلة. فكان يقول: "لا تغضب"، وكان لا يغضب إلا أن تُنتهك حُرمات الله، إلا أن تُنتهك حُرمات الله. نعم، يقول لك هنا: "فتمعَّر وجهه غضباً"، تمعَّر يعني احمرَّ وجهه وظهر فيه الدم. وهكذا صلى الله عليه وسلم من الغضب، لكنه غضب لله. الغضب لله يكون منضبطاً. يقول لك: أنا أريد أن أفعل شيئاً تحت السيطرة. الغضب لله ولأنه منضبط فلا يؤدي إلى الأذى ولكن يؤدي إلى التأديب. لا
يؤدي إلى الأذى، لا أؤذيه لكن أؤدبه. جميل! لا يؤدي إلى الانتقام ولكن يؤدي... إلى التربية ما شاء الله، وهذا هو الذي الناس لا تعرف كيف تسيطر عليه. ولذلك قلنا لهم: على فكرة، أنتم ما دمتم غير قادرين، فليكن عندكم هذا الضابط: لا تضربوا الأولاد الله يحفظكم، لأنكم عندما تضربونهم لا تفرقون بين التربية والتأديب وبين الانتقام والأذى. صحيح؟ فتُعرّضون الطفل... قد يكون للهلاك، فما دمتم ليست لديكم القدرة الضابطة هذه، وأنا أضرب الولد على يديه لكي أؤدبه، أضربه ضرباً خفيفاً هكذا، يعني أنزل الشيء هكذا للتخويف فقط، وفقط لكي تحمرّ
يده قليلاً، فلماذا يغضب؟ يغضب لأنه في موقف عقاب، في موقف أنا أقول له: أنا لا أحب العمل الذي أنت فعلته هذا والعمل الذي أنت فعلته هذا سيء. لو فهم الناس هكذا لما كان هناك مشكلة، ولكن ذلك الغضب المنتشر هذا الذي ليس لوجه الله وإنما لأنه قد ناله شيء من نقص مراده، فغضب لغير وجه الله يصبح غير متحكم فيه. نعم، ولهذا السبب سيدنا، نرى بعض الآباء... الذين يضربون أولادهم حتى يكسروا عظامهم أو يمكن أن يموتوا بين أيديهم والعياذ بالله، ولذلك هذا الغضب منه ما هو تفريط ومنه ما هو إفراط ومنه ما هو اعتدال جميل. فالتفريط يعني وصف الله سبحانه وتعالى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالشدة فقال: "محمد رسول الله والذين
معه أشداء". أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً. فأشداء على الكفار، نعم، فهناك غضب. يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم، واغلظ عليهم. هذه الغلظة هنا لله، يعني أنا أفعل ذلك لمصلحتهم لكي أردعهم. نعم، وهناك نوع آخر فيه إفراط وخروج. عن الحد وفي اعتدال يعني يكون معتدلاً عندما يكون لله. نعم، طيب. هنا يا سيدنا الإفراط في الغضب يكون له تأثير على اللسان وعلى الأعضاء وعلى القلب. نحن نعرف من الناحية الطبية أن الإنسان عندما يغضب هناك شيء اسمه الأدرينالين يُفرز، فالشرايين تضيق لكي يندفع الدم، أما من ناحية الروحانيات... والإمام أبو حامد الغزالي تحدث عن تأثير الغضب على اللسان والجوارح والأعضاء والقلب،
فالغضب يؤثر على الجسد واللسان فيؤدي بالإنسان إلى الشتم والفحش والبذاءة. وقد نهينا في حلقات سابقة عن هذه الأمور، عن الشتم والبذاءة والفحش وغيرها، وتكلمنا عنها بالتفصيل، فإذا هو... يؤدي إلى شيء من المهلكات المتعلقة بالأعضاء كاليد والرجل، وكذلك يؤدي إلى الضرب، فأحياناً يضرب الحيوانات، وأحياناً يضرب الجماد، فيكسر شيئاً ما، أو يركل الطاولة برجله، ويكسر الأشياء. نعم، ومن الممكن أيضاً أن هذا الإفراط يؤدي إلى القلب، فيؤدي إلى الحقد والحسد والغل، والحسد والحقد يدومون. لديك أحكام غير صحيحة تجعلك تكره، فأنا سأطلب منك أن تحب أن تكره، وأنك لا تحسد بينما أنت
تحسد، ولا تحقد بينما أنت تحقد. فهذا النوع عندما يزداد الغضب إلى هذا الحد الذي يؤثر على الجسد واللسان والأعضاء والقلب وغير ذلك، إذا لم يكن هناك... نحن أيضاً... نحن نريد أن نصل إلى الحمية المعتدلة وليس الضعيفة التي هي التفريط، فالتفريط يجعلنا نتحمل الذل ونهين أنفسنا وهكذا. لقد كان النبي يمدح سعداً نعم، ويقول إن سعداً لَغيور وأنا أغير من سعد والله أغير مني ما شاء الله. فعندما كان يرى سعداً يغار على أهله ويغضب في بعض الأحيان. في بعض الأحيان يقول: نعم، الغضب الذي ضمن هذه الحدود هو الذي يحافظ على الأسرة، ويحافظ على الحرمات، ويحافظ على
الهيبة، ويحافظ على هذه الأمور، فيكون هذا الغضب مطلوباً. نعم، إذن لا نفرط في الغضب فينكسر، ولا نفرط فيه بحيث يصبح غير مناسب، بل المفروض أن أغضب لله أو أغضب بسبب امر خطأ يحدث أمامي وأنا جالس يقول: الله يفتح على حضرتكم سيدي نذهب لفاصل ونعوض لاستكمال حلقتنا عن الغضب برنامجكم "إحياء علوم الدين". عن الغضب نتحدث مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. مولانا، قبل أن نذهب إلى الفاصل، أوضحت لنا بين الإفراط والتفريط ونريد
أن نصل إلى الاعتدال، نريد أن نتحدث مع فضيلتك أو أن توضح لنا ما هي الأسباب المهيجة للغضب عند الإنسان. الإمام الغزالي في كتاب "الإحياء" يُرجع هذا إلى مجموعة من الأسباب، فيقول وهو رجل مفكر ومتأمل ومتدبر ومستقرئ لهذه الأشياء أن منها الزهو، نعم، العجب، الفخر، والسخرية والتعيير وشدة الحرص والبخل والشح، كل هذه أشياء هي عبارة عن دوافع إلى الغضب ومسببة للغضب أو إغضاب من أمامك. الإمام الغزالي كان لديه نظرية في العلاج، نظرية عامة وهي أن الأشياء تعالج
بأضدادها، يعني إذا كان لدي حرارة فنضع ثلجاً لكي تنخفض الحرارة، وإذا كنت تشعر بالبرد. يعني أحضر شيئاً دافئاً، وبأضدادها تتميز الأشياء، وهذا ما طبقوه حتى في الطب الجسدي والبدني، وكذلك طبقوه في طب الروح إن صح التعبير. فكيف أعالج الكِبر؟ يكون ذلك بالتواضع، عكسه تماماً. نعم، حسناً، أما العُجب فيجب أن تعرف نفسك، فمن عرف نفسه ووصفها بالافتقار. عَرَفَ ربه بأنه العظيم وعَرَفَ الحقيقة فينبغي أن يتواضع. حسناً، كيف نُزيل الفخر دائماً؟ بالتذكر بأنك
أقل المخلوقات مثل مشايخنا. وكان أحدهم يقول: "أنا تراب بن تراب". يقولون له: "يا سيدنا"، فيرد: "سيدكم؟ أنا تراب بن تراب". فهذا يعالج نفسه، أي أنه ينتبه إلى نفسه حتى لا يتكبر. المزاح يكون لا بد من الانشغال بمهمات الدين لأن الله نهانا عن اللغو. نعم، الهزل يُزال بالجد، ونزيل هذا الاستهزاء بالاحترام. الاحترام قيمة كبيرة جداً أصبحت تُسمى من القيم النشطة العالمية، كيف تحترم نفسك وتحترم غيرك وما إلى ذلك من الأمور التي تخرجك من دائرة إلى دائرة أخرى. نعم، فشدة.
الحرص يأتي بالتوكل على الله بالصبر على المعيشة وكذلك بالقناعة. القناعة كنز لا يفنى، فكان دائماً الإمام الغزالي يعلمنا هذه العبارة أن الأشياء تعالج بأضدادها، وهي نفس فكرة ما أشرنا إليه ربما في حلقات سابقة في مسألة التخلي والتحلي، لأن العالم لا يعرف الفراغ فإذا... جعلت قلبك خالياً من القبيح فاحتله الصحيح المريح الجميل. فالتخلية ليس معناها أن القلب سيكون فارغاً، هذا لا يحدث أبداً. إنه دائماً سيمتلئ بشيء ما، سيمتلئ دوماً بضد الذي أخليته. جميل، ولذلك الأمر ميسر. صحيح أننا نتحدث عن المهلكات، لكن
كان يكفي أن نتحدث عن المنجيات. سنتحدث عن المنجيات لكن... كان يكفي أن نتحدث عن المهلكات لأنك إذا تخليت [عن الصفات السيئة] وجدت في نفس الوقت أنك تحليت [بالصفات الحسنة]، وإذا تحليت وأدخلت في قلبك التواضع فإنه يطرد الكبر ويطرد غيره إلى آخره. فإذاً نستطيع أن نقاوم الغضب بالنظر إلى مجموعة من الآيات والأحاديث النبوية التي تساعدنا في هذا، كما وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ
والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ما شاء الله في هذه الآية تذكرت رواية في الكتب عن سيدنا الحسن أنه كان عنده عبد من العبيد يخدمه فسقط الإبريق من يده وكأنه يعني أحدث مشكلة في ثيابه وما إلى ذلك، فنظر العبد إلى سيدنا الحسن بن علي رضي الله تعالى عنه وعليه السلام وقال هذه الآية: "والكاظمين الغيظ"، "والكاظمين الغيظ"، فنظر إليه هكذا وقال له: "كظمت غيظي" قال له: "طيب، والعافين عن الناس". قال: "عفوت عنك". قال له: "طيب، والله يحب المحسنين قال له اذهب فأنت حر ما شاء الله، انظر دائمًا نقف عند هذه القصص. بعض الناس تتعجب ولهم الحق أن يتعجبوا لأن
هذا قلب مستعد للتنفيذ في الحال، في الحال. الناس ليسوا هكذا الآن، صحيح أن الناس يقولون يعني أصدق ماذا؟ أعتقك يعني، حسنًا، يعني تضيع عليها قيمتك؟ لا، هم لم يكونوا. هكذا كانوا متربين والقلوب مستعدة للعمل، ولذلك نجحوا وبنوا حضارة ونحن ما زلنا نذكرهم حتى يومنا هذا. لماذا؟ لأنهم كانوا خير أمة أخرجت للناس، بماذا؟ بالاستعداد الفوري هكذا للعمل، للإسراع هكذا. سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام كان يقول: "ما تعدون الصرعة فيكم؟" من المصارع القوي الشديد القوي، قلنا: هو الذي لا تصرعه الرجال الذين يغلبون في مباريات المصارعة، أليس كذلك؟ قال: ليس ذلك، ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب.
القوي الذي يستطيع أن يملك نفسه عند الغضب، هو المصارع الحقيقي. إنه يملك نفسه عند الغضب وهو في وزن الذبابة أو وزن - لا أعرف - يملك نفسه عند الغضب، إنه هو المصارع القوي. كان يقول صلى الله عليه وسلم: "من كفّ غضبه كفّ الله عنه عذابه". ما شاء الله، يعني فضل كبير. الإنسان عندما يتدبر هذا، يساعده ذلك على مقاومة الغضب وعلى تربية نفسه. "من كفّ غضبه كفّ الله عنه عذابه". ومن اعتذر إلى... ربه قبل الله عذره من غلب نفسه
عند الغضب، أحلمكم من عفا عند القدرة. فهذه الأشياء عندما يتدبرها الإنسان ويقف عندها تساعده على مقاومة الغضب، أي لا تغضب ولك الجنة ما شاء الله. كذلك يتذكر أيضاً حب الله لعدم الغضب وكراهية الله للغضب. وفي بعض العلماء يقال أنه في الآثار الواردة أو الأحاديث أن الإنسان عندما يغضب يتوضأ لأن الغضب من النار والماء يُطفئ النار، وفي حديث آخر أو في معانٍ أن الذي يغضب يُحرك جسده، يعني لو كان واقفًا يقعد، أو لو كان سائرًا يجلس، إلى آخره. كل هذا موجود أن يفعل فعلًا، نعم فعلًا، فإذا كان... جالسٌ يقوم وإذا كان قائماً يجلس، وإذا
كان هكذا قريباً من الماء يتوضأ. وأيضاً كان سيدنا رسول الله يقول: "إني لأعلم كلمة لو قالها هذا لسكن غضبه: ما شاء الله، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، الله أكبر". وفي الحديث أيضاً: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فان ذهب عنه الغضب والا فليضطجع، كان واقفاً فليجلس، وإذا كان لا يزال غاضباً فلينم. ما شاء الله عليه، يعني هناك فعل وحركة لكي تنصرف الطاقة بعيداً. وبعض العلماء أيضاً تحدثوا عن أخذ النفس، نعم يعني يأخذ نفساً عميقاً هكذا. وبعضهم يقول لك: حسناً، عُدّ من واحد إلى عشرة، من واحد. لعشرة، حسناً، بعضهم يقول لك: اذكر الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بعضهم يتكلم عن الوضوء.
فكل هذه الأشياء أيضاً من الأشياء المادية التي تساعد على ذهاب الغضب. ربنا يبارك فيك يا سيدنا، وينفعنا بعلمك ويزيدك علماً يا سيدنا. اسمحوا لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة. وعلى وعد باللقاء مع فضيلته في حلقات قادمة إن شاء الله من برنامجكم "إحياء علوم الدين"، فإلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.