برنامج إحياء علوم الدين | حـ2 | الوسوسة | قناة اقرأ | 2011 - 08 - 02 | أ.د علي جمعة

برنامج إحياء علوم الدين | حـ2 | الوسوسة | قناة اقرأ | 2011 - 08 - 02 | أ.د علي جمعة - إحياء علوم الدين, تصوف
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامجكم "الحياء علوم الدين" مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بك يا مولانا. أهلا وسهلا بكم في الحلقة الماضية، الحلقة التي كانت للمقدمة. يا مولانا، كنا قد وصلنا في نهاية الحلقة إلى بداية الحديث عن كتاب "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي، فنريد أن نستكمل الحوار فيه يا مولانا. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. إحياء علوم الدين. يبدو أن صاحبه الإمام أبو حامد الغزالي كان رجلاً مخلصاً ولذلك بارك الله في هذا الكتاب عبر العصور. عجيب
هذا الكتاب، عندما يؤلف المرء كتاباً وتجده أنه مقبول عند الله فإنه يلقي عليه القبول في الشرق والغرب، فكان هذا شأن إحياء علوم الدين. إحياء علوم الدين من الكتب التي نجد لها مخطوطات كثيرة جداً في العالم بلغت نحو مائة وعشرين مخطوطة ما شاء الله. تخيل أن هناك مائة وعشرين مخطوطة باقية من تراث هذا الكتاب، مخطوطة أصلية يكتبونها بخط اليد، مخطوطة أصلية يكتبونها بخط اليد من أولها إلى آخرها. تجدها في دار الكتب في الأزهر في باريس في اسطنبول في الهند في إيران في كل مكان ما شاء الله موجود إحياء علوم الدين. إحياء علوم الدين عندما دخلت المطابع طُبع شأنه شأن الكتب. فهو مثل رياض الصالحين للإمام النووي. رياض الصالحين هذا لا يستطيع أحد أن يقول كم
مرة طُبع، كما هو الحال مع إحياء علوم الدين. طُبع من المرات الكثيرة التي نستطيع القول فيها أنها فوق الحصر، لا حصر لها، يعني لا حصر لها ما شاء الله. يعني لا نعرف كم طبعة، نعم لا نستطيع أن نقول مائة أو خمسين أو ستة، يعني كم طبعة، فهذه عملية فوق الوصف ما شاء الله. فإحياء علوم الدين تُرجم إلى لغاتٌ عالميةٌ كثيرةٌ جداً تُرجمت إلى الألمانية مثلاً، ما شاء الله، وإلى الفارسية منذ زمن، والأردية، والتركية، والإسبانية، والإنجليزية في خمس مجلدات. ترجمها واحدٌ هنديٌ إلى الإنجليزية وتُرجمت النصوص، يعني إحياء علوم الدين اختُصِر ثلاث أو أربع مرات، وإحياء علوم الدين شُرِح في عشر مجلدات للمرتضى الزبيدي "إتحاف السادة". المتقين في شرح إحياء علوم الدين، إحياء علوم الدين كتاب قسَّمه الرجل إلى أربعة أقسام: العبادات والمعاملات
والمهلكات والمنجيات. ما هي الفكرة؟ الفكرة أنه لا بد حتى تصحح طريقك مع الله أن تصنع إناءً تأخذ به فضل ربنا ورحمته، وهذا الإناء هو العبادة والمعاملة، العبادة مع الله: الصلاة والصيام. الوضوء والكفارات وما إلى آخره، والثاني المعاملات مع الخلق على مقتضى كلام ربنا سبحانه وتعالى. القسم الثاني يكون ربعين نعم، ربع المهلكات نريدها تخلية، وربع المنجيات نريد تحليته. التحلية تعني أن نتخلى عن هذا السكوت، نتخلى عن القبيح ونحلي قلوبنا بالصحيح. جميل ما شاء الله، التخلية والتحلية لأن هذا هو الذي. سيؤدي إلى جلاء القلب، وما
معنى جلاء القلب؟ يعني أن يصبح مثل المرآة يعكس الأنوار، يصبح هكذا مثل شيء مجلوّ، كالفضة المجلوة التي تلمع. نعم، كالمرآة عندما تُنظَّف بورق الجرائد، شيء مثل الزجاج، مثل البلور. نعم، ما شاء الله. فهذا سيؤدي إلى أن يصبح الإنسان. عبداً ربانياً، عبدي أطعني تكن عبداً ربانياً، تقول للشيء كن فيكون، بمعنى الدعاء، يا رب، يأتي مستجاباً له فوراً، الله، هذا ربنا يدلله الآن، هي بالدعاء ما شاء الله، نعم لأنه أطاع الله، نعم لأن قلوب العباد الصالحين هي آنية لله في الأرض، قلوب العباد الصالحين، ولذلك الإمام الغزالي. مبدعٌ مبدعٌ في كل شيء، مبدعٌ في كتابه المستصفى في الأصول، ومبدعٌ في رده على الفلاسفة، ومبدعٌ في إنشائه لهذا الكتاب الماتع
إحياء علوم الدين. إحياء علوم الدين للإمام الغزالي أورد فيه كثيراً من الأحاديث الضعيفة أو التي لا أصل لها، لكنها كانت منتشرة بين أهل الصلاح، أي أهل الصلاح. يقولون هكذا، ماذا يعني هذا الكلام؟ كلام سيكون بيننا وبين هذه الحكاية. مسألة، مسألة أكاديمية، أي هذا القول الذي نقل وقيل إن رسول الله قاله. اعتمدوا العراقي وقال: لا، هذا ليس له أصل. نعم، يمكنك أن تقول: ورد في الأثر. نعم، فلا يكون رسول الله قد قاله، أليس كذلك؟ حديث هذا قول مأصول وعلى فكرة قول حلو جداً وجميل جداً لكن هو الذي عقّد علينا حكاية "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" لأنه موجود في الكتب هكذا، لكن عندما جاء الحافظ العراقي وألّف كتاباً ماتعاً اسمه "المغني عن حمل
الأسفار في الأسفار" الله المغني عن حمل الأسفار الذي هي الكتب في الأسفار التي هي في السفر، يعني أن يكون معك شيء صغير هكذا وتخرجه بشكل ممتاز. والمرتضى الزبيدي فعل هكذا أيضاً وأبدع وأجاد، وكذلك العراقي. نعم، الشيء الذي أجده في الإحياء وأجده ضعيفاً، أنظر أسفل هكذا فأجده يقول لي: لا، هذه ضعيفة أو لا أصل لها. قم وأخبرها ولكن بعيداً عن سيدنا رسول الله، لا أقل "قال رسول الله"، لأن كلام سيدنا رسول الله إنما هو شيء سامٍ جداً. إذا بدأ بالمهلكات ثم المنجيات، ذكر المهلكات لأنه حاول أن يشرح عجائب القلب، أي حاول أن يشرح رياضة النفس وكسر الشهوتين: البطن. والفرج اضمن لي ما بين لحييك وفخذيك أضمن لك الجنة. ولا شيء في الإحياء هذه إلا ولها
أصل. نعم، تحدث بعد ذلك عن آفات اللسان، ذم الغضب، الحقد، الحسد، ذم الدنيا، ذم البخل، ذم التعلق بالمال حتى يعمل الإنسان أي شيء في سبيل الحصول على المال. وها أنت ترى. ما يترتب على ذلك من فساد عريض ومن فتنة ذم الجاه والرياء والكبر والعجب، وتحدث بعد ذلك عن الغرور والتكبر الذي نراه في عصرنا هذا، وكأنه أمر مطلوب، كأننا يجب أن نتحلى بالغرور، وهذا أمر مصيب، بعد ذلك تكلم عن المنجيات فذكر التوبة والصبر والشكر والخوف والرجاء. والفقر والزهد والتوحيد والتوكل والمحبة والرضا، الرضا الذي افتقدناه
كثيراً، الإخلاص، الصدق، المراقبة، المحاسبة، التفكر، وبعد ذلك ذكر الموت الذي نراه دائماً ونذهب للتعزية ثم ننسى. ثم ختم الكتاب بباب عجيب في سعة رحمة الله، سعة رحمة الله. ربنا واسع يا إخواننا، نعم ما شاء الله، الناس تتعبد. لا نتعامل مع ربنا بالخوف فقط، بل هو خوف كالإسفنجة مغموس في الحب. أتعلم عندما تضع الإسفنجة في الماء، تأخذ ماءً وتمتصه، هكذا هو الخوف من الله. "ولمن خاف مقام ربه جنتان" معناها أنه حب، نعم. لا تظنوا أنه فزع أو رعب، فهذه قضية إحياء علوم. الدين وكيف كتبه الغزالي وكيف قسمه. طيب، سنخرج فاصلاً ونعود لنبدأ بالوسوسة. نعم، الوسوسة التي
تأتي إلى القلب، لأن هناك أناساً كثيرين لا يعرفون ما هذا الصوت الذي يأتيهم، هل هو ملاك أم شيطان أم النفس؟ فنريد أن نعرف التفاصيل مع فضيلتكم. فاصل ونعود إليكم، فابقوا معنا. السلام عليكم ورحمة الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عدنا إليكم من الفاصل في الحلقة الثانية من برنامجكم "إحياء علوم الدين" مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. قبل أن ننتقل إلى الفصل يا مولانا، وصلنا إلى الوسوسة، ونريد أولاً أن نتعرف على ما هي الوسوسة. الإمام الغزالي في كتابه الماتع "إحياء علوم الدين" تحدث عن هذا. يقول: إنَّ قلب العبد دائماً متغير، وما سُمي القلب إلا لأنه يتقلب، وما أول ناس إلا أول الناس ما شاء الله، فينتقل من حالٍ إلى حال.
ولذلك فلسفة اللغة العربية عميقة جداً في تسمية هذه الكينونة الإنسانية المسماة بالقلب بهذا الاسم، قلب يتقلب. أكثر الآثار الحاصلة في هذا القلب المتغير. الخواطر الخواطر الخواطر تعني ما يحدث في القلب من الأفكار ومن الأذكار. هذا القلب عندي في عقلي، إما فكر في الواقع والتأمل والتدبر وإما ذكر. من أين جئنا بكلمتي "فكر" و"ذكر"؟ جئنا بهما من آل عمران: "الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما" خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار، فعرفنا أن القصة فيها فكر وذكر لما يحصل للإنسان. فكّر قوم،
يحصل له خواطر في ذهنه، فمبدأ الأفعال كما يقول الإمام الغزالي: "الخواطر مبدأ الأفعال". الخواطر هذه تحرك الرغبة، والرغبة تحرك العزم، والعزم هذا يحرك النية، والنية هذه تحرك الأعضاء ما شاء الله. الخواطر المحركة للرغبة تنقسم إلى ما يدعو إلى الشر ويضر في الدار الآخرة ويضر في الدنيا أيضاً، وإلى ما يدعو إلى الخير. فالخاطر المحمود الداعي إلى الخير يُسمى إلهاماً، والخاطر المذموم الداعي إلى الشر يُسمى وسواساً. الذي تسأل عنه إذن هو أن لدي خواطر، وهذه الخواطر مقسومة. قسمان، قسم سنسميه الإلهام، وقسم في مقابله سنسميه وسواساً. لماذا سميته إلهاماً؟ لأنه يدعوني إلى الخير.
لماذا سميته وسواساً؟ لأنه يدعوني إلى الشر. فيكون الوسواس يدعوني إلى الشر. إذاً، هذه الخواطر لها أسباب، ما هي أسبابها؟ يقول إن أسبابها التي تدعو إلى الخير رحمانية، والتي تدعو إلى الشر شيطانية. جميل، ونحن ولذلك. شيء عندنا أن هناك أولياء للرحمن وأولياء للشيطان. هناك خواطر تأتيني من ملك الرحمن سبحانه وتعالى، فتكون خواطر طيبة و بتساعدني وهناك خواطر أخرى تأتيني من قِبَل إبليس وأعوان أولاده، وهذه تدعوني إلى الشر. الشر يعني، إذا يا سيدنا، أننا نستطيع أن نميز ما بين هذه وتلك في الخير أنه... هذا يدعوني للخير وذاك يدعوني للشر. أنظر إلى الخاطر الذي في عقلي، نعم، فهل يدعوني إلى الخير؟ إذاً هذا إلهام من ربنا، ألهمني. يقول لك: الله هو من ألهمني أن أفعل كذا وأصنع كذا، فحصل
لي خير. أم يدعوني إلى الشر؟ إذا دعاني إلى الشر فهذا وسواس، حسناً. الذهن يا سيد محمد، نعم. تأمل العلماء فيه وقسموه إلى خمسة أجزاء. يقولون إن الذهن البشري، أي التفكير، أي الهاجس، ثم الخاطر، ثم حديث النفس، ثم الهم، ثم النية أو العزم المؤكد. خمس مراحل جميلة. فمراتب القصد خمس: هاجس ذكر، فخاطر، فحديث النفس، فاستمع، يليه هم فعزم. كلها رُفعت سوى الأخير، ففيه الأخذ قد
وقع. إذا الشخص الذي تأتيه الوساوس يعرف أنها من قبيل الخاطر، وأن الخاطر معفو عنه، ويتجاوز عنه إذا استطاع أن يعفو عنه ويتجاوزه، فلن يكون هناك وسواس وسيقاومه، وهذا ما أمرنا به النبي قائلاً: "فمن وجد ذلك فليستعذ بالله". مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ". فَالإِنْسَانُ عِنْدَمَا يَجِدُ وَسْوَاسًا عِنْدَهُ، يَقُومُ عَلَى الْفَوْرِ بِمُقَاوَمَتِهِ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خَاطِرٍ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِهِ. يَعْنِي كَشَخْصٍ وَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى القَاذُورَاتِ وَسَأَقُومُ بِالتَّطَهُّرِ الآنَ وَهَكَذَا، وَأَنِّي سَأَتَجَاوَزُ هَذَا، فَالإِنْسَانُ بِذَلِكَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يعدي الوسواس: طيب، افترض أنه ترك نفسه لمدة سنة واثنتين
وثلاث سنوات للوسواس، ثم يأتيني بعد سنتين أو ثلاث ويقول لي: "لقد مضى علي ثلاث سنوات وأنا موسوس". فأقول له: "اذهب إلى الطبيب فوراً، هذا ما يسمى بالوسواس القهري يا سيدنا". نعم، لقد انتقلنا هكذا إلى مرحلة المرض العضوي، تحول إلى مرض عضوي. والناس لا يفرّقون بين الاثنين، يقول لي: "حسناً، ألا ترى لي شيئاً أقرؤه؟" نعم، لا بأس أن تقرأه. نعم، لا مانع للدعاء والأمور المتعلقة بالتقوية، لكن يجب أن تأخذ علاجاً مادياً لأن كيمياء مخك قد أفسدتها، أفسدتها بنسبة الوسواس. يعمل معي بنسبة الوسواس، إذاً النصيحة للناس أنه بمجرد أن يأتي الوسواس للإنسان يقاوم. كل ما فيه من عزم على هذه القواعد هذا إلقاء شيطاني، هذا خاطر لا أُؤاخذ عليه، هذا لا بد علي من التخلص منه لأنه ضار في دنياي وفي آخرتي، هذا أنا قوي ولا بد أن أتعدى وينتهي الأمر وكلنا
نعاني من الوسواس، وكلنا خفنا من الوسواس وقدرنا أن نتعداه، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما منكم من أحد إلا وله شيطان". قالوا: "وأنت يا رسول الله؟" قال: "وأنا، إلا أن الله أعانني عليه فلا يأمر إلا بخير". ما شاء الله، هذه معجزة سيدنا أنه عليه الصلاة والسلام قيل إنه أسلم الشيطان، أسلم، نعم فلا يأمر. النبي إلا بخير، ربنا يقول أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير. قال تعالى: "ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين". فيجب على العبد أن ينشغل بدفع هذا العدو، والله على الدوام ينتهي الأمر ويذهب الوسواس إذا فعل. الإنسان هذا ولم يبق
معه هذا الوسواس إلا يوماً أو يومين أو ثلاثة على الأكثر وهو يقاوم وهكذا وانتهى الأمر والله. وإن كان محتاجاً إلى طبيب أو غيره. أما إذا تمكن منه فلن ينفع هذا الكلام، والموعظة وحدها لا تكفي. يعني مثلاً جاءني شخص وقال لي: أنا أريد أن أجري عملية، فالزائدة الدودية عندي. مقلوبة وذهب وكشف وأجرى عملية الزائدة الدودية من غير حاجة له، فعلوها له لكي يطمئنوه ويسكتوه لأنه غير قادر. آه، لا، هذا مريض، أي أن هذا ليس بوسواس، هذا أصبح الوسواس القهري. هذا مريض يجب أن يذهب إلى الطبيب النفسي، ويجب، وللأسف، فإنه سوف يحتاج إلى مدة كبيرة، وهذه حكاية. مهمة جداً أنه سيحتاج إلى مدة كبيرة للعلاج لأن بعضهم فور أن يأخذ الدواء، وبعد شهر أو شهرين
يذهب الوسواس، فيتوقف عن الدواء، فيرجع إليه أشد مما كان عليه من قبل. فنحن لدينا نوعان من الوسواس: الوسواس الأول بسيط، والوسواس الثاني قهري ومركب. الوسواس الأول هذا نستطيع التغلب عليه بالموعظة الدينية وبالحكمة. وبالآيات وبالتدبر وبالمقاومة وبكذا إلى آخره، أما الثاني فلا بد فيه من علاج لكي لا يختلط على الناس الأمران. هل هو مثل من يسمونه موسوساً في الوضوء، الذي بعد أن يتوضأ يعود ويقول: "أنا لم أتوضأ"؟ إن هذا المجال، مجال الوسواس، واسع جداً. أحياناً تأتيه الوساوس في النظافة، وأحياناً تأتيه في الوضوء، وأحياناً تأتيه في اتهام الآخرين، فيقول لك إن الآخرين يضطهدونني، وأحياناً تأتيه في أن الآخرين يراقبونه أو مثلاً وهكذا. فأي من هذه الوساوس، هي كلها مجال الوسواس، نعم. حسناً سيدنا، بقي حوالي دقيقة، نريد فقط أن
نطمئن السادة المشاهدين أن... المراتب التي أخبرتنا عنها فضيلتك كلها لن تُحاسب عليها، حتى "ولقد هم بها وهمت به ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه". فهذا الهم ضمن الوساوس التي ستدفعني إلى أن أبطش أو أن أتصرف. الإنسان كما أقول لحضرتك مراتب. المقصود خمس هواجس: الهاجس الأول كيف تأتي زجاجة خمر أمام وجهي هكذا وتمضي، فهذا هو هاجس الخاطر أن تثبت الخاطر، أن تظل واقفة قليلاً، تظل واقفة هكذا، وبعد ذلك يأتي حديث النفس: شخص يقول: "الله، ما رأيك أن أشربها؟ نعم. لا يا ولد، هذا حرام"، وبعد ذلك أدخل في حوار مع نفسي. وبعد ذلك لا، خلاص سأشربها. ها هو الهم صار الهم. كفى، ما هذا؟ نويت. وبعد ذلك لا، أنا لم أنوِ إلى الآن. لا يوجد مؤكد. أنا ملت إليها، نعم. ها هو الهم. كل هذه الأشياء ربنا لن يؤاخذنا عليها من فضله ومن كرم أمة محمد عليه الصلاة والسلام. لا
الهاجس ولا... الخاطر أو حديث النفس أو الهم أو غيرهما. حسناً، عزمت ونزلت لأشتري كحول الخمر، فوجدت الرجل مغلقاً، فأكرمني الله، لكن على كل حال، انظر كيف منعني الله. نعم، وجدت الرجل مغلقاً، لكنني الآن على كل حال، لأنني نويت، لقد نويت بالفعل وبدأت أعمل هكذا. نعم، عزمت وقلت من المؤكد أنني سأفعل هذا الذنب والعياذ بالله تعالى، فأكون بذلك قد وقعت في الخطيئة ويجب علي التوبة منها، وبذلك ستُحسب لي بفضل الله خطيئة واحدة. نعم، فالناس ونحن في الدرجات الأربع: الهاجس، والخاطر، وحديث النفس، والهمّ، كلها والحمد لله رُفعت، بل إن الله سبحانه وتعالى يكرمنا فيعطينا ثواباً عندما نقف ونمنع أنفسنا، لكن الذي حصل أن هذه الخواطر تصيب البشر
سواء الأنبياء أو الأولياء أو الصالحين أو العامة، نعم، يعني عندما تأتيني هذه الوساوس لا أقول إنني سيئ، لا، لست سيئاً ولا شيء، لا تخف، نعم، تجاوزها أنت قوي، نعم. والمؤمنُ القويُ خيرٌ وأحبُ عند الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، بارك الله فيكم يا مولانا، شكرًا لك. اسمحوا لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة على هذا الجهد وعلى هذا العلم، على وعد باللقاء مع فضيلته في حلقات قادمة إن شاء الله من برنامجكم إحياء. علوم الدين. وإلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.