برنامج السراج المنير:المسئولية..المشاركة..تداول السلطة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامجكم
السراج المنير مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بك يا مولانا، أهلاً. مرحباً وسهلاً بكم. تحدثنا في اللقاء السابق يا مولانا عن وثيقة المدينة وكنا نتحدث فيها عن المواطنة. نريد أن نعرف هل الوثيقة لها علاقة بالشؤون الاقتصادية والشؤون العسكرية؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. الوثيقة ضمت مبادئ وتوجهات اقتصادية ومبادئ وتوجهات. عسكرية كما ضمَّت مبادئ اجتماعية وسياسية كما ضمَّت مبادئ أخلاقية ودينية. الوثيقة الحقيقة كما قلنا مرات أنها كنز وأنها معين لا ينضب وأنها بئر يعني نشرب منه ماءً قراحاً زلالاً طيباً من سيرة
سيدنا صلى الله عليه وسلم. فمثلاً أنا أتذكر أنه جاء في الوثيقة: "اليهود ينفقون مع المؤمنين ما". ما داموا محاربين، وفيها على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم. عندما نضع هاتين العبارتين تحت بعضهما، يظهر قانون يتعلق بما يمكن أن نسميه بالإنفاق الحربي أو بما يمكن أن نسميه بالضرائب وقت الحرب، مثلاً شيء من هذا القبيل. يقول: يا جماعة عندما تكون هناك حرب، فهذه الحرب نحن ندافع عن هذا الوطن يثرب سوياً، ولذلك نعطي نفقة هذه الحرب جميعاً،
نعطيها إلى الجهة المركزية مثلاً، وحينئذٍ ننفق سوياً، وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين، لا يتحملها المؤمنون فقط، بل المسلمون واليهود ينفقون سوياً معاً. وهنا يعني لزاماً ما دام محاربين، فإنه في وقت الحرب، ووقت الحرب هذا يكون مقسماً إلى ثلاثة. الأقسام: القسم الأول ما قبل الحرب، والقسم الثاني أثناء الحرب، والقسم الثالث الآثار المترتبة على الحرب. الآثار المترتبة على الحرب يمكن أن تكون في صورة تدمير، وفي مرحلة تالية إصلاح ما تدمر. ففي هذه المراحل الثلاث: ما قبل الحرب، وما هو أثناء الحرب، وما هو بعد الحرب، هناك حالة
حرب، هذه الحالة ينبغي... أن يتحد الجميع على سبيل المواطنة تحت عنوان الضرائب في وقت الحرب أو تحت عنوان النفقة العسكرية يتفقون فيها، وهذا ليس معناه تحميل جهة على جهة، فتأتي العبارة الأخرى: "على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم"، وهذا معناه كما هو موجود في الزكاة "فَخُذْ من أغنيائهم فَرُدَّ على فقرائهم"، ولذلك في... مجال الزكاة مثلاً وهو في نفس المبدأ، مبدأ أن المجموع يذهب أولاً لأهله، وهذا هو المبدأ الذي تسير عليه الولايات المتحدة الآن في قضية الضرائب. عندما
تسير في المدن الكبرى تجد أن بعض أحياء السود محترقة قذرة، البيوت مهدمة ليس فيها صيانة، والبيض تجدهم بخلاف ذلك موجودين في هيئة فخمة. فخمة وإنسانية وأكثر رفاهة من هذا، ونسأل: ماذا يا جماعة؟ هل أنتم تضطهدون السود؟ قالوا: لا، نحن لم نضطهد السود ولا أي شيء، القضية كلها أن لدينا نظاماً نجمع فيه ضريبة هذا الحي ونصرفها في الحي نفسه. هذه الضريبة ماذا تفعل؟ تُنشئ الطرق والكباري والصيانة والنظافة والمنشآت الأساسية مثل... الكهرباء مثل تحلية المياه أو تنظيف
المياه مثل الغاز مثل كذا وكذا، فهذه الأشياء آخذ من الحي وأعطي الآخرين. هؤلاء يدفعون وأولئك لا يدفعون، نعم هؤلاء لا يدفعون. انظر إلى الكلام: على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم. الله، إنه يتكلم عن المضارب والأحياء بأنه كما قال صلى الله عليه. وسلم في شأن الزكاة نأخذها من الأغنياء ونعيدها إلى الفقراء، لنفترض أن الأغنياء لم ينفعوا، فهل سيضيع الفقراء؟ هل سيضيع الفقراء؟ ولنفترض أن هؤلاء الجماعة لم يعطوا المقرر عليهم، فهل سيصبح المجتمع قذراً والعياذ بالله تعالى؟ إذاً هذا الذي ورد في الصحيفة يؤسس لمبادئ اقتصادية من ضمنها هذا المبدأ المجتمعي.
أو المكاني الذي تُخصَّص فيه المبالغ المجموعة سواء كانت زكاة أو ضرائب أو نفقات عسكرية أو غير ذلك، تُخصَّص لجهتها. وهذا هو الذي جعل فيما بعد قضايا الأوقاف عند المسلمين، حينما عيَّنوا لها جهات معينة، فكان هناك أوقاف للعلم، وكان هناك أوقاف للصحة، وكان هناك أوقاف. لجهات معينة مثل الأزهر الشريف، وكانت هذه الجهات تستفيد من الأوقاف، والأوقاف تقوم بدورها الحضاري في دفع عجلة الإنتاج. فهذه بعض المبادئ الاقتصادية التي يتاح لنا في مثل هذا اللقاء، وهو لقاء مبارك إن شاء الله، أن نلقي الضوء عليها كأمثلة لاستخراج
مزيد من المبادئ الاقتصادية. في هذه الصحيفة يمكن أن نقول يا مولانا بعد إذن فضيلتك أن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يطمئنهم أننا لن نأخذ أموالكم نصفها لأنفسنا، فأنتم أموالكم تؤخذ منكم وترد إليكم سواء كنتم يهوداً أو غير يهود، يمكن أن نقول هذا ويمكن أيضاً أن نقول إننا لن ننفق عليكم وهو. نفس الفكرة التي رأينا بها أحياء السود محترقة ومتهالكة أننا لن ننفق عليكم، لا تعتمدوا علينا، نحن لن ننفق عليكم. على فكرة، نحن سنحترمكم وسنعطيكم حقوقكم وسنفعل ونساوي، لكن لن ننفق عليكم. كل حي ينفق على نفسه، جميل! ليس فقط أننا لن نأخذ منكم، بل أيضاً لن نعطيكم، نعم. وهنا سيظهر
أمام الناس مدى حضارة وتقدم ورفاهية هؤلاء الناس، وهنا يأتي أمر آخر، عندما أذهب للسكن، نعم، أقول لهم: أنا أريد أن أسكن في هذا الحي لأنه نظيف، ولأن مرافقه جيدة. وماذا يعني ذلك؟ أن الناس طيبون متعاونون، ولا أريد أن أسكن في ذلك الحي لماذا؟ مُحترق هذا متهارق، هؤلاء أناس تجدهم يضربون بعضهم، وفعلاً تجد هذا صحيحاً، تجد في هذا الحي الناس تضرب بعضها، والبلطجة منتشرة، والفقر متدنٍ، وهنا الأمن مستقر بعض الشيء، وما إلى ذلك. طبعاً هناك من يرى - ونحن نضرب المثل بدولة كبيرة قوية مثل أمريكا في
عصرنا الحاضر - أن المنظومة ليست هكذا. تماماً، أي حتى هناك في أمريكا، نحن نضرب المثل بما هو ظاهر أن حي البيض في رفاهية ونظام، وأن حي السود كذلك. هناك أناس لديهم تحليلات أخرى وهي أنه ما زالت العنصرية والتعصب وراء هذه المظاهر، ليس فقط أن هؤلاء قصّروا وهؤلاء لم يقصروا، لأن المسألة أكثر تعقيداً من ذلك. تركيباً من هذا، لكننا لن ندخل في هذا. يعني نحن ليس غرض برنامجنا أن نحلل أو ندافع عن البيت ضد السود أو غير ذلك إلى آخره. ليس هذا هو الموضوع. الموضوع أنه يوجد شيء أمامنا حدث بالفعل، وهذا الشيء يوافق ما هو مذكور في وثيقة المدينة، لكن قد يكون... حقاً إن البيض يظلمون السود وإن هذا الظلم متجذر، فقد
حرمهم من التعليم مما جعلهم أكثر جهلاً، فصاروا أكثر عنفاً، وأصبحوا أكثر فقراً، مما أدخلهم في دائرة الحلقة المفرغة: الجهل والمرض والفقر. قد يكون هذا ليس شأني الآن، لكنني أقول لكم يا جماعة إننا لو نفّذنا هذا. التوجيه النبوي يمكننا أن نصل بالعدالة إلى أمرٍ مُرضٍ، وهو أننا نصل إلى الرفاهية ونصل إلى النظام ونصل إلى النظافة ونصل إلى هذا الشيء العالي الغالي. لنذهب إلى فاصل
يا مولانا ونستكمل هذا الحوار. فاصل. وعدنا إليكم من الفاصل، الجزء الثاني من حلقة اليوم من برنامجكم "السراج المنير" مع فضيلة الإمام. العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية: مولانا، لقد وصلنا إلى بند النفقة، واليهود الذين ينفقون على أنفسهم، والمسلمون ينفقون على أنفسهم. نريد أن نتحدث عن الأجزاء العسكرية في الوثيقة، فماذا نفعل كمواطنين إذا حاول أحد مداهمة المدينة أو مهاجمتها في هذه الوثيقة المباركة؟ نتذكر قوله أن على اليهود نفقتهم وعلى... المسلمون نفقتهم وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة. يبقى الله إذا اعتبر
أن اليهود والمسلمين بل والمشركين في هذه المدينة يحاربون معاً دون الإثم. النصح والنصيحة، النصح يأتي بالعمل والنصيحة تأتي بالموعظة والكلام باللفظ. النصح نصحه، يعني هذا ناصح وهذا ناصح، يعني ذكي، فالنصح. أرى أنكم تقدمون لنا شيئاً بالعمل، فعندما تجدون مثلاً الجيش داخلاً من قِبَلكم، لا تسكتوا وكأنكم
لم تفعلوا شيئاً، لا ساعدتموهم ولا أرشدتموهم ولا فعلتم شيئاً بل سكتم، نعم، والجيش داخل ليهاجمني هناك في يثرب ويقضي عليّ. لابد أن تقدم النصيحة، أن أقول لك: والله لا نفعل كذا، هذا أفضل. من عدة فترات، وهنا يأتي دور المشاركة. نحن الآن نقول إن هناك ثلاثة أمور افتقدناها في نظمنا: تداول السلطة، المسؤولية، والمشاركة. عندما يكون هناك تداول للسلطة وكل أربع سنوات يأتي رئيس أو كل فترة محددة إلى آخره، فإنه يعرف أن مدته محدودة، فلا يفسد ولا يفسد ما حوله، أي أن هذا هو معنى التداول. عندما يكون عالماً بأنه سيرحل قريباً، فإنه يصبح خائفاً من المساءلة والمسؤولية. وعندما
يرحل، نحتاج إلى اختيار شخص آخر. فتتحقق المشاركة كون الدين ينص على النصيحة، وكون الوثيقة تنص على النصيحة، فهذا يعني المشاركة، أي أن هناك أناساً سيجلسون بهيئة معينة نسميها اليوم البرلمان، ونسميها مجلس الشورى، ونسميها النقابات. ونسميها المجالس المحلية ونسميها كذا إلى آخره. لنقم بالتناصح فيما بيننا. ماذا يعني نتناصح؟ يعني نتشاور، يعني نقوم بعصف ذهني، نتحدث، نقول: أفيضوا مجالسكم بينكم بالبر دون الإثم. هناك حد وسقف لهذه النصيحة. لا تنصحني أن أفعل أشياء خارج الشريعة، فهذا هو السقف الخاص بنا وهو البر، وهنا
تتميز الدولة المدنية. عن الدولة العلمانية: ليس هناك سقف في الدولة العلمانية، ويمكن أن نتشاور حتى في الإثم. المهم هو المصلحة، ولا نهتم بالمبادئ إطلاقاً إلا في الدرجة الثانية. لكنني لا... أنا عندي بر لا أستطيع أن أتجاوزه، ولذلك في الدول العلمانية أجازوا الشذوذ الجنسي - والعياذ بالله - وأجازوا الإجهاض، وأجازوا الإلحاد، وأجازوا... لكن... البر لا يستطيع أن يجيز هذه المخالفات التي هي ضد الفطرة وضد المعقول وضد سلامة الطوية وضد أشياء كثيرة، فهذه مبادئ عسكرية بالأساس، يعني حددها النبي، كان
منها أيضاً وأن بينهم النصر على من هاجم يثرب. كلما يقول لي مكاناً، دائماً أتذكر التحديد المكاني للمواطنة، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه. فإنهم يصالحونه ويلبسونه، يعني لا مانع من أن نعقد صلحاً وأن نلتزم به، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، يعني هم ذهبوا واصطلحوا بالمعروف، ونحن كمؤمنين سنلتزم بما يقولون لأننا نريد المعروف لأننا مواطنون مع بعضنا البعض. أنتم عقدتم صلحاً مع عدو كان يهاجمنا. سنقبل هذا الصلح. حسناً، افترض أننا نصنع صلحاً على شيء خارج النظام، فقال: إلا من حارب في الدين. لا تأتني
الآن بأمر يخرج عن النظام. نعم، لا مانع من الصلح، نعم، لا مانع من الاتفاق ما دام بالمعروف وليس فيه أي نوع من أن يعود على هذا المجتمع مرة أخرى بالبطلان. وبعد ذلك يقول هكذا وهو في الحرب، أصبح على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي أمامهم، يقوم بالمهمة التي كلفه الله بها في موقعه، يحرس المنطقة التي لديه، فلا يدخل إلينا أحد من طريقه. وهذه مبادئ من المبادئ العليا للوثيقة في الجانب العسكري التي تظهر فيها الوحدة. والمواطنة وأننا في مفهوم الوطن وأن الدفاع عن الأوطان ليس بدعة وليس
شركاً وليس شيئاً من هذا القبيل، بل إنه في الأصل كان هو الذي بُنيت عليه هذه النماذج، والنموذج الثالث بالذات في المدينة المنورة. إذاً، يا مولانا، بعض الناس المستشفقين الذين يقولون إننا غدرنا ببني قريظة وقتلناهم، الوثيقة واضحة. تماماً أن الذين يدخلون المدينة أو يهاجمونها عن طريقهم يكونون بذلك قد خانوا هذا الدستور بخيانة عظمى. في الحقيقة، بنو قريظة حُكم عليهم حكم قضائي لكنهم كانوا كثيرين نوعاً ما، أي كانوا ستمائة إنسان. تخيل أن ستمائة إنسان في عصرنا أو في أي من... الدول في جميع العصور وفي أي مكان في العالم ثبتت عليهم تهمة الخيانة العظمى وقت الحرب. ليس هناك خيانة عظمى تكون وقت السلم،
وهذه تكون عقوبتها أخف من عقوبة وقت الحرب. وقت الحرب هذا ليس فيه مزاح، لماذا؟ لأنه سيترتب عليها ضياع الدنيا، سيترتب عليها دماء، سيترتب عليها ضياع أموال. ضياع أعراض ثم ضياع الوطن، وماذا سيترتب على ضياع الوطن؟ أننا أصبحنا محتلين وأصبحنا عبيداً لهؤلاء الناس. نعم، ما حدث أن هؤلاء الناس حُكم عليهم بناءً على حكم قضائي أصدره سعد بن معاذ، وسعد بن معاذ كان حليفهم. وهنا يأتي الكلام أن سيدنا النبي وضع... قاعدة قانونية عجيبة لم تطبق إلى اليوم في أي نظام في العالم. نعم، إلى يومنا هذا. وبما أن وقت البرنامج قد انتهى، يمكننا أن نؤجلها
للحلقة القادمة لنتحدث عن حكم القضاء الخاص بسيدنا سعد بن معاذ. نعم، إن شاء الله. إن شاء الله. اسمحوا لي باسمكم جميعاً أن نشكر فضيلة الإمام العالمي الدكتور علي جمعة على... وعد باللقاء مع حضراتكم في حلقات قادمة إن شاء الله من السراج المنير، فإلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم.
شكراً،