برنامج السراج المنير: إقامة العدل

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته حلقة جديدة من حلقات برنامجكم
السراج المنير مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية أهلا ومرحبا بك يا مولانا، أهلا بكم مرحبا. تكلمنا يا مولانا في الحلقات السابقة عن التعايش مع الآخر تحت ضوء السراج المنير صلى الله عليه وسلم. نريد اليوم أن نتحدث عن إقامة العدل بين المسلمين وغير المسلمين. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه. ومن ولاه موقف المسلمين من غير المسلمين بُنِيَ على أن الإسلام قد اعترف بكل الأنبياء السابقين وبكل الأديان التي أتى بها هؤلاء الأنبياء من لدن آدم وإلى خاتمهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الأنبياء إخوة من علات وأمهاتهم شتى ودينهم واحد وهذا
جعل المسلمين أصحاب نموذج مفتوح لأنهم لا يذكرون لا سراً ولا جهراً لا اعتقاداً ولا فعلاً ولا سلوكاً جعلهم يؤمنون بالأنبياء جميعاً بالأمم جميعاً وبأن هؤلاء الأنبياء إنما هم أنبياؤهم هم فموسى نبي وعيسى نبي وإبراهيم نبي إلى آخره. هذا المدخل كان في منتهى الأهمية لإقامة العدل. بين المسلمين وبين غير المسلمين، القضية الثانية والأساس الثاني لإقامة العدل هو التحرر من مفهوم العرق واللون: "أنا
عربي وأنت لست بعربي، أنا من قبيلة كذا وأنت لست من قبيلة كذا". يقول صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على..." لا فضل لأعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى. إن أكرمكم عند الله أتقاكم. هذه العبارة قالها كجزء من خطبة الوداع، أي في أواخر حياته، وهذا يعني أنه يخرج للعالمين عندما تصل الدعوة إلى مرحلة العالمية، فإنه يؤسس هذا التأسيس. كان هذا في أصل الديانة.
من البداية أي الاعتراف بالأنبياء من ناحية ثم نبذ العنصرية من ناحية أخرى، مرة كما أخرج البخاري عن أبي هريرة: استب رجل من المسلمين مع رجل من اليهود، يحدث أن اثنين في مجتمع تخاصما، فقال المسلم: والذي اصطفى محمداً على العالمين - يُقسم وهو يتكلم - فقال اليهودي: نعم، والذي اصطفى موسى. على العالمين يريد أن يقول له أن موسى أفضل من محمد وأعلى منزلةً من محمد عليه الصلاة والسلام. فتشاجرا مع بعضهما، ورفع المسلم يده
ولطم اليهودي. أخذ اليهودي نفسه وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما كان من أمره مع ذلك المسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم. أمام العالم ويعلِّم أصحابه ويعلِّم العالمين: "لا تخيِّروني على موسى". الله في هذا الوقت يعني ما قال لليهودي: "حسناً، وما المشكلة يا أخي؟ أنا سيد العالم، أنا سيد ولد آدم ولا فخر". ما هو له حق أيضاً، أبداً ما قال له هكذا. لقد جبر بخاطره وأسس لما بعد ذلك. ونهى المسلمين قائلاً: "لا تفضلوني على موسى، فإن الناس يُصعقون يوم القيامة، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى ممسكٌ بجانب العرش. لا أدري
أكان فيمن صُعق فأفاق قبلي، أو كان ممن استثناهم الله سبحانه وتعالى". يعني أن أول من يُبعث سيدنا النبي، لكن عندما يُبعث سيجد موسى هناك. وهذا ما هو؟ ألم يصعق أو ماذا؟ والنبي لا أعلم، أو هو لم يخبرنا بذلك. يعني إذا هنا أيضًا قال: "لا تخيروني على يونس بن متى عليه الصلاة والسلام". هذه الوضعية التي أسّس لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني جعلت هناك تعاملًا وتعايشًا. في هذه المرحلة، وحتى قال أموراً عالية جداً، فقال: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة"، أي لو
قتلت شخصاً مسيحياً فلن تدخل الجنة، وأن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً من أعوام ربنا. ويقول صلى الله عليه وسلم: "من آذى ذمياً..." فقد آذاني. ما هذا؟ هذه أحاديث ذمي كأنه يؤذي النبي عليه الصلاة والسلام على الدوام هكذا بنفسه. تخيل إذن أيها المسلم الذي تقدس النبي وتحبه وتتبعه وتلتمس حركاته وسكناته صلى الله عليه وسلم أنك عندما تؤذي غير المسلم فإنك قد أوقعت الأذى بالنبي صلى الله.
عليه وسلم كيف يكون ذلك؟ يعني ماذا؟ لم يقل أحد هكذا في الدنيا. نحن شيء رقيق جداً. أصبح سيدنا شيئاً رقيقاً جداً في التعامل مع الآخر وفي حفظ نسيج المجتمع وفي التعايش الذي نتحدث فيه. حسناً، انظر إلى ما أخرجه أبو داود عن... عن واحدٍ أو اثنين؟ هذا عن جمعٍ من الصحابة: "مَن ظلمَ معاهداً أو انتقصه... ظلمه أو انتقصه، لا ليس ظلمه فقط أو انتقصه، أو كلَّفه فوق طاقته". خذ الرابعة الآن: "أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة". يا حبيبي يا رسول الله، ماذا يعني؟ هذا الكلام يا
إخواننا تعايش كان يعني فيه لحمة وسداء وفي نسيج ما يبنيه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ليس من أجل هذه الفترة الزمنية الكريمة الفاضلة فقط، بل من أجل أن يكون كذلك حال المسلمين إلى يوم الدين، فنحن أمام الحقيقة نموذج فريد في هذا التكاتف. هذا التداخل، هذا النسيج الذي بناه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام يبسط العدل بين المسلمين وغير المسلمين، حتى أنه صلى الله عليه وسلم أخذ أهل الذمة أو المعاهدين إلى جانبه، وهو يحميهم بنفسه، فلا أحد سيؤذيهم، لأن الله أرسل الإسلام. ليكون حكماً
بين الناس، والحاكم الذي بين الناس ينبغي أن يكون عادلاً. يقول الله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا﴾ يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً. إذاً نحن هنا أمام شيء راقٍ، يقول ربنا سبحانه وتعالى: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى". أقرب للتقوى. حسناً، لنخرج إلى فاصل يا. سيدنا ونعود لهذه الآيات القرآنية الكريمة التي تتكلم
عن العدل. نعم فاصل ونعود إليكم فابقوا معنا. السلام عليكم ورحمة الله، عدنا إليكم من الفاصل. الجزء الثاني من حلقة اليوم من برنامجكم السراج المنير عن العدل مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. مولانا ونحن خارجون للفاصل يا... مولانا كنا نتحدث عن أن النبي صلى الله عليه وسلم بسط العدل بين المسلمين وغير المسلمين، نريد أن نعرف نموذجاً إذا حدث نزاع بين مسلم وغير مسلم ورفعوا القضية إلى النبي عليه الصلاة والسلام، كيف كان يحكم؟ ذكرنا في الجزء الأول من الحلقة أن الله
سبحانه وتعالى خاطب نبيه. وأمره ألا يكون للخائنين خصيمًا يعني محاميًا، لا تدافع عن الخائن، نعم حتى لو كان مسلمًا، حتى لو كان مسلمًا. القضية أننا نبحث عن العدل في ذاته. هذه آيات نزلت من سورة النساء وفيها: ﴿وَمَن يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ﴿وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا﴾ ثم يرمي به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً. سبب نزول هذه الآيات أنه في قصة فيها رجل من الأنصار، من الأنصار يكون مسلماً اسمه طعمة بن أبيرق. كان طعمة بن أبيرق من المسلمين الذين يصلون وكل شيء مع النبي، في أمانة الله، نفسيته ضعيفة
قليلاً، فذهب وسرق درعاً. من جارٍ له يُقال له قتادة بن النعمان أي سرق الدرع، يعني السارق ابن قبيرق. الدرع كانت في كيس دقيق، فلما أخذها بدأ الدقيق يسقط من الدرع وترك أثراً هكذا. نعم، يمكنك تتبعه، أو أن هذه الدرع كانت داخل الكيس فذهب حاملاً الكيس بما فيه. قال... استفد من الدقيق ومن وعاء الشوال في ثقبه فتتبع نقاطه يا عيني، نعم، شيء سيكشفه في النهاية. فعندما فعل ذلك،
من البيت الذي سُرق منه قتادة إلى بيت ابن أبيرق، فهذا هو أثره، ما هذا الخط؟ دقيق واضح هنا، هكذا تتبعنا الدقيق ووصلنا إلى أنه هو الآتي. من هنا هذا الرجل طعمة كان يعني ماكرًا قليلًا فأخرج جراب الدقيق أو الدرع وأخفاه عند رجل يهودي اسمه زيد بن السمين، نعم، الذي أخذ الدرع وحمله عنده، نعم نعم، وبعد ذلك عندما رأوا الدقيق ذهبوا إلى طعمة وقالوا له: "يا طعمة، أنت الدقيق آتٍ من عندنا الذي عندك يكون أنت الذي سرقته.
قال لهم: فتشوني. نعم، فتشوا البيت فلم يجدوا الدرع، لم يجدوا الدرع. وقال لهم: حسناً، أنا أقول لكم لكي أريحكم، والله ما أخذتها ولا أعلم عنها أي شيء، لا حول ولا قوة إلا بالله. فذهبوا إلى النبي وقالوا: الآن هذا الرجل سرق الدرع، وعلى فكرة كانت الدرع غالية. الدرع كانت تساوي وقتها أربعمائة دينار، يعني الدرع ليست مجرد قطعة صفيح، بل هي درع يحمي نفسه بها من الأعداء، فكانت غالية، الدرع كانت غالية جداً، أربعمائة دينار، أي مبلغ كبير، فذهبوا وقالوا للنبي: "الحق، هذا الرجل وجدنا الدقيق وصل إليه إلى..."
آخره وطلبناه وبعدين هو يحلف ونحن لا نعرف ماذا نفعل عندما حلف، تركناه. بعد ذلك قالوا: "الله، حسناً، ما دام الدين مستمر أيضاً كما هو عندما ننقله لليهودي، فالدين مستمر". لقد خرج من البيت وذهب إلى مكان آخر. ذهبوا إلى بيت اليهودي، دخلوا عليه وقالوا له: "هل عندك الدرع؟" قال: نعم، الدرع هذا أحضره ابن أُبيرق. قال لي: "خذ، أَزِل هذا عنك"، وقال لي: "خذ هذا، أَزِله عنه". نعم، وإخوان اليهود الذين حوله قالوا: "نحن نشهد بذلك، نحن رأيناه وهو قادم مسرعاً به". انطلق بعد ذلك الناس الذين هم عائلة طعمة بن أبيرق هذا إلى الذي هو السارق الحقيقي فكلموا. فقالوا له: "يا رسول الله، أتبيع مسلماً ليهودي؟
إن اليهودي الذي لديه الدليل هو السارق، هو السارق، فلماذا لا تنسب التهمة إليه حتى ننقذ صاحبنا؟ لا حول ولا قوة إلا بالله، لأنك إن لم تفعل ذلك ستُفضح، وإن لم تفعل ذلك سيهلك صاحبنا، وإن لم تفعل ذلك سيُبرأ اليهودي." فهكذا إذاً نزلت الآيات في حق هؤلاء، وربنا سبحانه وتعالى علمنا عن طريق نبيه صلى الله عليه وسلم أننا لا نحامي عن الخائنين، "ولا تكن للخائنين خصيماً". النبي عليه الصلاة والسلام قال لهم: "لا يا جماعة، أنا الحق أحق أن يُتبع"، وأن يُفتضح ويُقام عليه الحد ويضمن ويرجع الشيء.
كذا إلى آخره هذا شيء لا بد منه لأننا نحكم بالحق والعدل وهذا أساس الملك وتتهدم الدنيا لو لم نفعل هكذا وقال لهم قبل ذلك وعلمهم كان الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد فالحقيقة أن النبي عليه الصلاة والسلام وقف ضد أبيرق ولما وقف ضد أبيرق أبيرق هذا يعني أنه خرج عن الإسلام، إذاً هذا صحيح، فهو ليس متهماً بالسرقة فحسب، وليس هذا فقط، بل هو أيضاً أعمى القلب عن الصلاح. لم يعترف، بينما كان هناك صحابة يرتكبون الذنوب ويأتون معترفين، منهم ماعز الأسلمي، ومنهم نعيمان. كان نعيمان هذا مسكيناً.
مُبتلى بقصة الخمر لكن كان يأتي في الصباح ويقول: "يا رسول الله أقم عليّ الحد" ويبكي. فلما تكررت منه مرة واثنتين وثلاثة وأربعة، قال سيدنا عمر: "دعني أقتل هذا المنافق". فقال: "أبداً، إنه يحب الله ورسوله". هذه تُبيّن لنا أيضاً الرحمة، أو أننا نرحم الضعيف، ليست القضية أنه ارتكب. إنَّ مَن ارتكب ذنباً ووقع في خطيئة، عليه أن يتوب ويرجع إلى الله، لكنَّ القضية هنا أنه تمادى في الطغيان واتهم بريئاً ورمى الإثم لهذا البريء. ربنا سبحانه وتعالى برَّأ اليهودي وعاقب مُبيرقاً، بل إنه لم يوفقه إلى الهداية، وفضيلتكم أوضحتم لنا
مثلما قال الرسول عليه. الصلاة والسلام، إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، أو في رواية أخرى أقاموا عليه الحد. نعم مولانا، اسمحوا لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة مولانا الإمام العلامة على وعده باللقاء مع فضيلته في حلقات قادمة إن شاء الله من برنامجكم. السراج المنير، وإلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.