برنامج السراج المنير: الانتماء للوطن

برنامج السراج المنير: الانتماء للوطن - السراج المنير, السيرة, سيدنا محمد
بسم آله وصحبه أجمعين، أما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامجكم السراج المنير مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة
مفتي الديار المصرية. أهلاً. ومرحباً بك يا مولانا، مرحباً أهلاً وسهلاً بكم. في الحلقة الماضية يا مولانا، فضيلتك تحدثت عن مفاهيم المواطنة في وثيقة المدينة، وفضيلتك قلت لنا إنها دوائر متداخلة أحياناً ومترابطة أو متوازية أحياناً. نريد مزيداً من التوضيح يا سيدنا. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. وآله وصحبه ومن والاه، وثيقة المدينة كنز لا ينضب ومعين لا ينتهي، ولذلك نريد من أبنائنا ونرجو إخواننا من العلماء أن يزداد اهتمامهم ببحث هذه الوثيقة، بتجريد ما فيها من القواعد، بنشر ما فيها من المبادئ، بمقارنة ما وُضع فيها مع ما أنتجه العقل البشري بعد ذلك موافقة. أو مخالفة إضافة
أو تفريعًا على هذه الوثيقة وما تفردت به أيضًا من كنوز. ذكرنا في الحلقة السابقة ما جاء في الوثيقة من أنهم أمة واحدة من دون الناس. هذا يعني مفهومًا للمواطنة، وأن هذه المواطنة ترتبط بحقوق وواجبات وترتبط بمكان، لأن عبارة "من دون الناس" تشير إلى كلمة "الناس". هنا هي تفيد العموم جميع الخلق بعد ذلك، لكن هؤلاء الذين يسكنون في يثرب سواء كانوا من الوافدين من قريش المهاجرين أو سواء كانوا من الباقين في المدينة
بنسبتهم الأنصار، هؤلاء أصبحوا لهم مواطنة، قد التحق بهم اليهود ولذلك فيها في هذه الوثيقة وأنه من تبعنا من يهود فإن له. النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليه. يعني إذا كان لليهود حق البقاء المكاني في يثرب، فلهم فيها الحق الذي لهم. فمن أهل مكة جاء النبي فوجدهم، فهنا يجب عليهم أن يراعوا حقوق المواطنة. ولذلك عندما خان اليهود هذا وناصروا على المواطنة، أصبحوا مرتكبين للخيانة العظمى، فأجلاهم من المدينة وفقدوا حقهم. فيها ولم يعد لهم
حق لا تاريخياً ولا واقعياً ولا قانونياً لأن هؤلاء قد خرجوا عن مفهوم المواطنة بنصرة أعداء هذا الوطن عليه وبالإخلال بالدستور الذي ارتضاه أهل المدينة ووافقوا عليه وأمضوه وجعلوه نبراساً لهم "من تبعنا من يهود فإن له النصر" يبقى إذاً من حقوقه علينا أن نحميه وأيضاً من واجباته عليه الواجب الذي عليه ألا يناصر غيرنا علينا، وهذه واحدة، وأن يكون أسوة حسنة، وأن من واجبه علينا ألا نظلمه لأن العدل هو أساس الملك. يعني كان فيها سيدنا نوع من أنواع المساواة بين اليهود الذين في المدينة وبين المهاجرين وبين
الأنصار، هذا النبي لم يساوِ فقط. بين المشركين وبين اليهود وبين الأنصار وبين المهاجرين، هذا الغريب أنه أقرَّ بقاء المنافقين. نعم، ربنا سبحانه وتعالى أباح للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل المنافقين لأن الإسلام يكره النفاق كراهية عجيبة؛ إذ أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار. الإسلام لا يمكن أن يبني النفاق ولا أن يوافق عليه. ولذلك أتاح الحرية الدينية فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. نعم، وضّح بعد هذه الحرية الدينية جزاء من يكفر في الآخرة: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا
بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا". لكن بالرغم من ذلك لكم. دينكم ولي دين، إنك لا تهدي من أحببته ولكن الله يهدي من يشاء، إلى آخر الآيات، لست عليهم بمسيطر، ما على الرسول إلا البلاغ، وأمره فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا، وهكذا عليه الصلاة والسلام، لكن مع هذا هذه حرية العقيدة وحرية المعتقد، لكن هناك المواطنة تستلزم عدم الخيانة، خانه اليهود فكان من جراء هذه الخيانة [حكم على] الأرض، كان من جراء هذه الخيانة حكم قضائي صدر عليهم بالقتل في وقت الخيانة العظمى في وقت
الحرب. وذهب اليهود من المدينة، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يقول في نفس الوثيقة: "وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين لليهود". دينهم وللمسلمين دينهم، يعني ليس هناك أفضل من هذا في إقرار التعددية أثناء المواطنة. مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته. يوتغ، ماذا تعني يوتغ؟ تعني يهلك، يقضي على. فإنه لا يوتغ إلا نفسه، لا يوتغ إلا نفسه، يعني لا يهلك إلا نفسه وأهل بيته. وهنا أيضاً نقف عند كلمة نفسه وأهل بيته.
نحن نعلم أن القاعدة العامة هي أنه "لا تزر وازرة وزر أخرى"، نعم، لكن في بعض الأحيان يُؤاخذ الشخص بجريرة مَن هو مسؤول عنه. بمعنى ماذا يقول عندنا في القانون بالعبارات الحديثة؟ "مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعيه". حسناً، نحن الآن نقول لا تزر. وزيرة وزارة أخرى تأتي لتحاسبني على شخص تابع لي، لماذا؟ قال لأنك أنت كان يجب عليك أن تكون ضابطاً له، أن تكون مراقباً عليه، أن تكون مانعاً من تصرفه الخطأ ومن جريمته التي وقعت. وهذا ما يُعرف بمسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه، وهي موجودة في القانون،
في كل قوانين العالم وفي فرنسا. موجودة في أمريكا، موجودة في كل هذا. صحيح أنها تكون مسؤولية من نوع معين، لكن هناك مسؤولية. إن عبارة "لا تزر وازرة وزر أخرى" ليست على إطلاقها تماماً، لأن الإنسان راعٍ وهو مسؤول عن رعيته. انظر إلى الكلام، فيكون هنا "لا تزر وازرة وزر أخرى" إلا في نطاق المسؤولية. أي إلا في نطاق المسؤولية، ولذلك، ومن ظلم فإنه لا يؤذي إلا نفسه. أهل البيت هؤلاء يا مولانا نستطيع توضيحها بعد إذن فضيلتك أنهم إذا رأوه وهو يرتكب الجريمة وسكتوا عنه يُعتبر ذلك مشاركة. أحياناً لا يكونون قد رأوه، وإنما أحياناً يكونون مقصرين في أنهم لم يربوه، نعم مثل...
مسؤولية الولي أو الوصي أو الأب وهو الولي الطبيعي على أبنائه وتصرفاتهم، فلو أنهم أتلفوا شيئًا وهم يمزحون أو يلعبون أو يتسلون، يقوم الأب بالدفع. نعم، صحيح. قد يقال: "لماذا؟ هذا طفل يلعب وهكذا"، فيُرد عليه: "حسنًا، ولماذا لم تقيد هذا الطفل؟" صحيح، أحيانًا ليس هكذا، وليس الطفل فقط، بل إن هذا الطفل مسؤول عنه. عليه أيضاً، البهيمة ذهبت وأكلت زرع جاري، فلماذا أدفع أنا ثمن هذا الزرع؟ قال: لأنك لم تحفظها، لم تربطها، لم تضعها في الحظيرة، أنت لم تراقبها، فأنت مسؤول عن تصرفات هذا الأعجم البهيم. فإذاً هناك مسؤولية تترتب خاصةً عند التصرفات، فانظر. لا يُؤذي
إلا نفسه وأهل بيته، أي انتبه جيداً، فالضرر لن يقع عليك فقط عند مخالفة الدستور أو القانون، بل قد يقع عليك وعلى أهل بيتك إذا كانت هناك علاقة سببية أو مسؤولية ارتباطية بينك وبينهم في هذا المجال. حسناً مولانا، لنخرج إلى فاصل بإذنك، نعم، ثم نعود. نستكمل استخراج الكنوز من وثيقة المدينة المنورة إن شاء الله. فاصل وعدنا إليكم من الفاصل، الجزء الثاني من حلقة اليوم من
برنامجكم السراج المنير مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. مولانا، قبل أن نخرج إلى الفاصل كانت فضيلتكم تتحدث لنا عن مسؤولية المتبوع عن تابعه ولازمنا... نستخرج كنوز وثيقة المدينة المنورة. نعم، في هذه الوثيقة كما قلنا عند قوله "إلا نفسه وأهل بيته" هنا تتضح مدى مجال المسؤولية المتبوعة عن أعمال تابعه. في هذه الصحيفة أيضاً من الكنوز "وأن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة" يبقى إذاً أيضاً... قضية الانتماء
التي كثيراً ما ينكرها بعض الجماعات، الانتماء للوطن، الانتماء للوطن في الحقيقة هو الفاصل بين هل أنت معنا أو أنت ضدنا. الانتماء للوطن هو في جوهر هذه العبارة التي بيّنت الحقوق والواجبات، وبيّنت حقيقة هذا الانتماء وحقيقة المواطنة في نفس الوقت، وأن يثرب ليست كل البلاد. التي نتحدث عنها صحيفة المدينة وأن يثرب حرام جوفها. أول ما قال "يثرب" حدد لي النطاق المكاني للوطن، "حرام جوفها" لأهل هذه الصحيفة. إذاً، منع الخيانة بكل أنواعها، نعم، ومنع الجريمة. لأنه ما
معنى أن يثرب حرام جوفها؟ إنني لا أعتدي عليها، على من؟ على أشخاصها، على... أموالهم على أنفسهم على عقولهم على أعراضهم على كرامة الإنسان فيها، وبذلك فإنه قد قرر بذلك بكلمة "حرام". هذه الكلمة "حرام" جعلت هناك مبادئ عليا للوطن من العدل الذي يضاد الظلم، من المساواة، من الحرية، من الإخاء والانتماء، من أشياء كثيرة أصبحت تسمى المبادئ العليا إذا أخلّ بها أحد الأفراد. ولو كان رئيساً فإنه يكون قد خرج عن نطاق المواطنة، نعم، وأن يثرب
حرام جوفها. ماذا يعني حرام جوفها؟ يعني لا تتعدى أيها الساكن فيها، أيها المواطن، لا تتعدى بأي نوع من أنواع التعدي وعلى أي جهة من جهات الحرمة. المبادئ العليا، عندما يأتي الإنسان ويتجاوز المبادئ العليا وينسى العدالة. وينسى التداول للسلطة وينسى المسؤولية وينسى نفع الناس، وينسى أنه إذا فعل الإنسان هذا فقد قدح في المبادئ العليا. ماذا يحدث عند القدح في المبادئ العليا؟ الثورة، الفوضى، التضارب، ضياع الدين والدنيا، فتنة، فتنة. أي إن الفتنة على فكرة
مرتبطة بسقوط الدم، فأول ما يقع الدم على الأرض يصبح ملعوناً، ولذلك... نحن أصحاب حساسية كبيرة جداً وعدم استهانة، فالناس تستهين بالدم، يقول لك: ما المشكلة؟ دعها تذهب هدراً. لا، نحن لا نعرف هكذا، ولا نستطيع أن نتصور. النبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى الكعبة وقال: "ما أشد حرمتك على الله، ولدم امرئ مسلم أشد عند الله حرمة منك، وإن ثرباً حرام". جوفها لأهل هذه الصحيفة هذا وضع مبادئ المواطنة والمبادئ العليا التي لا يجب علينا أن نستهين بها والتي يجب على كل مواطن ابتداءً من الرئيس إلى أدنى مواطن الحفاظ عليها. كانت الفتنة نعم فيها أيضاً، وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه،
وأن النصر للمظلوم. هنا أيضاً تقوية للعلاقات الاجتماعية، نحن رأينا. كيف أنه قوّى العلاقة بين الناس عن طريق تحويلها إلى علاقات عائلية؟ العلاقة هنا ليست في المساحة الضيقة، بل في المساحة الأوسع، ليست في المجموعات الضيقة مثل المهاجرين أو الأنصار أو اليهود أو غيرهم، بل هي حاجة اجتماعية أنه لا بد علينا من أن نتحالف وما... لا تخف من التحالف فإنه لم يأثم امرؤ بحليف، يعني لو حليف فعل شيئاً فأنا لن أُحاسَب. لا تخف، نعم، جميل. لأن المبدأ هنا هو ألا تُخَوِّف الناس من الإقدام على الخير، لا تُخِفْهم. احذر
أن تضر شخصاً شهد بالحق، لأن الإضرار بالشهادة سيجعل الناس لا تشهد وتكتم الحقيقة. الشهادة ومن كتمها فإنه آثم قلبه ولا يُضار كاتب ولا شهيد. احذر أن تفعل شيئاً يجعل الناس تحجم عن العارية، مثلاً أنك تعير كتابك لكي يقرأه الناس، فيقول لك: أنت الآن عندما أخذت منك كتاباً، يدي عليه ماذا؟ يد أمانة أم يد ضمان؟ قال: والله الأصل هكذا أنها يد. أمانةً وضعتُ عندك وديعةً وبيدك عليها يدُ أمانة. قال له: حسناً، هكذا الناس لا ترضى أن تُعير. صحيح أنه لو هذا الكتاب، هو لن يأخذ بدلاً منه، لن يأخذ بدلاً منه ولا سيأخذ ثمنه ولا أي شيء.
نعم، وهو عندما يعرف أن الأمر هكذا، يتهاون فيه، فذهب الفقهاء من أجل المبدأ. هذا وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه. ذهبوا وقالوا ماذا؟ قالوا: لا، هذه يد المستعير على العارية على الشيء المعار، يعني على الكتاب. هذه يد ضمان، ضمان وليس ثمناً. وإذا تلفت فسيدفع ثمنها. هكذا لماذا؟ لكي يجعلوا الناس لا تمنع الماعون، ويمنعون الماعون. ما هو إلا أن يجعلوا الناس تبذل مما عندها. وتعطي وتفعل الخير وافعلوا الخير لعلكم تفلحون وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه وأن النصر للمظلوم، ما هذا العدل وما هذا؟ لأن هذا المظلوم إما أن يكون ضعيفاً وإما أن يكون قوياً، فإذا كان قوياً واستمر الأمر
في ظلمه أفسد في الأرض وانتقم، وإن كان مظلوماً وكان ضعيفاً غضب. الله من فوق سبع أراضين، لا إله إلا الله، فاحذروا أن يكون بينكم مظلوم سواء كان ضعيفاً فإن ذلك يغضب الله، أو كان قوياً فإن ذلك يفسد وتفسد به الأرض. إذاً، الوثيقة الحقيقية أنها مليئة بهذه المعاني الجليلة القانونية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية، وكل هذه الأشياء نحن في حاجة إليها عند. تأسيس المجتمع الجديد جميل يا مولانا. لقد نَفِدَ وقت الحلقة تقريباً، إلا أننا نريد كما قال فضيلتك لنا أن دعوة الضعيف والمظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. بدون شك دعوة المظلوم
قوية، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب، وفي الحديث أن الله سبحانه وتعالى يستجيب للمظلوم ولو. كان كافراً، ولو كان كافراً، فقضية الإيمان هذه قضية أخرى، لكن المظلوم ولو كان كافراً، الله سبحانه وتعالى يغضب من وقوع الظلم على البشر. إن أصل البشر هؤلاء صنعة الله، ربنا هو الذي صنعهم بيده، ولذلك فهو يغضب، ولذلك فهو رحمن الدنيا ورحيم الآخرة. رحمن الدنيا يعني ماذا؟ يعني يرحم. المؤمن والكافر، ويرزق المؤمن والكافر، ولذلك فعلينا أن نتقي دعوة المظلوم حتى ولو كان كافراً، لأنها ليس بينها وبين الله حجاب. على فكرة، نحن نرى الظلم
ليلاً ونهاراً يقع على الناس الآن لأنهم يتكلمون بغير علم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع". ويتكلمون وكأنهم شاهدوا هذا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "رأيت الشمس فعلى مثلها فاشهد". الناس خاضوا في الأعراض وخاضوا في أناس آخرين هم مظلومون عند الله، ولو كان كافرًا فإن الله يغضب. لا إله إلا الله. اسمحوا لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة على وعده باللقاء. سنكون مع فضيلته إن شاء الله في حلقات قادمة، فإلى ذلك الحين نستودع الله
دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شكراً لكم.