برنامج السراج المنير: الحكم بظاهر الأشياء

برنامج السراج المنير: الحكم بظاهر الأشياء - السراج المنير, السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامجكم السراج
المنير صلى الله عليه وسلم مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً. بك يا مولانا أهلاً وسهلاً بكم مرحباً. في الحلقة الماضية مولانا كنا نتحدث عن إفشاء السلام، وفي نهاية الحلقة تطرقنا إلى موضوع الحكم بظاهر الأشياء. هذا شققت عن قلبي، نريد أن نستكمل هذا الأمر يا سيدنا. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه والله عليه الصلاة والسلام في النموذج الثاني الذي تعددت فيه أنواع المواطنين يظهر لنا نوع وهو النفاق. النبي صلى الله عليه وسلم وضع لنا في هذا النموذج طريقة للتعامل مع هذه القضية. أول
هذه الطريقة أن نحكم بالظاهر وألا يتهم بعضنا بعضاً بالنفاق لأن النفاق أمر قلبي لا يطلع عليه. إلا الله سبحانه وتعالى وقد يطّلع عليه رسوله أو قد لا يطّلع عليه رسوله، ولذلك فبعد انتهاء الرسالة وانتقال النبي إلى الرفيق الأعلى فإنه لا أحد يستطيع أن يتهم أخاه بالنفاق حتى لو كان عند الله فعلاً منافقاً، ومن هذا المفهوم وضع النبي صلى الله عليه وسلم علامات هي أقرب للنفاق العملي من أجل أن يكرهنا فيها أو يبعدنا عنها أو يحذرنا منها فقال عليه الصلاة والسلام: "ثلاث من كن فيه كان
منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منها فهو على شعبة من شعب النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر"، وفي رواية أخرى "آية". المنافق أربعة وزاد وإذا خاصم فجر، وفي رواية أخرى آية المنافق ثلاثة، وجاء بثلاثة من هذه يعني خاصم فجر بدل إذا عاهد غدر. إذا هو يحذرنا من الكذب، يحذرنا من الخيانة، يحذرنا من الفجور في الخصومة، يحذرنا من كذا. طيب افترض أن الإنسان في هذا، قال فهو منافق، كيف؟ أصبح يقول إن هذا العلامة، أصبحوا يقولون نفاق عملي وليس نفاقاً اعتقادياً. إذاً ما شكل النفاق الاعتقادي؟ شكله أن فيه
كفراً. قال تعالى: "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله"، نحن ناقصين شهادة المنافقين، "والله يشهد إن المنافقين لكاذبون". إذاً هو يقول إنك لرسول الله المقولة تخالف اعتقاده فهو كاذب في الاعتقاد ليس في المقولة نفسها. نعم، لأن هذه المقولة التي قالها بلسانه لا يعتقدها، فهو كاذب حينما يقول "نشهد" يعني: نقرّ ونعترف ونؤمن أنك لرسول الله، لكنه ليس كذلك، بل إنه لا يعتقد في هذا. طيب، هو يحلف كثيراً عندما تقول له أنت... يقول لك مؤمن: "نعم والله، نعم والله". اتخذوا
أيمانهم جُنّة - أي حماية، يعني شيئاً يحميهم، حصناً يحميهم - فصدوا عن سبيل الله. إنهم ساء ما كانوا يعملون. ذلك... انظر إذن، هذا هو الكلام هنا: "ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا". أي أنهم أولاً آمنوا فعلاً، وفعلاً دخل في عقولهم أنه الله وفعلاً دخل في عقولهم أنه وحي من عند الله، وفعلاً دخل في عقولهم أن الإسلام هو دين الله، وبعد فترة ثم للترتيب مع التراقي كفروا فطُبِع على قلوبهم فهم لا يفقهون. الطبع أصبح تماماً على قلوبهم، والله سبحانه وتعالى في القرآن وصف هذه القلوب سواء من الكفار. وصف المنافقين بعشرة أوصاف من ضمنها هذه الطبيعة، بعشرة أوصاف نعم: القفل
والران والغين والطبع وهكذا. "وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم" - هذا هو الظاهر - "وإن يقولوا تسمع لقولهم" يعني فصحاء جداً، ولذلك أخاف من كل عليم اللسان. "كأنهم خشب مسندة، يحسبون كل صيحة عليهم، هم العدو فاحذرهم، قاتلهم الله هذه الآيات المباركات من سورة المنافقون سورة نزلت لهؤلاء تفضح أحوالهم. فالحقيقة العلاقة مع المنافقين أُسست على هذين الأمرين: الأول أننا
نأخذهم بالظاهر والله يتولى السرائر. بعض الناس يظن أن هذا التركيب حديث، لا، هو ليس حديثاً إنما هو مأخوذ من مجمل الأحاديث. الأمر الثاني أن هناك نفاقاً عملياً نحذر نَمتنع منه ونَحذر منه وهو يتعلق بسلوك نُربي أبناءنا على البُعد عنه، مثل البُعد عن الكذب، عن الخيانة، عن الغدر، عن الفُجور في الخصومة ونحو هذه الآيات. فضيلتك يا مولانا أوضحت لنا أن الإسلام لا يُربي منافقين، ولذلك لا إكراه في الدين. نريد أن نعرف ما خطورة وجود المنافقين في يقومون بإثارة الفتنة، نعم، أو يعودون مرة أخرى إلى الجاهلية، نعم. الإنسان من الممكن أن يخطئ، ومن الممكن أن تصدر منه أشياء مخالفة. سيدنا أبو ذر
قال لسيدنا بلال: "يا ابن السوداء"، نعم. فعندما قال له ذلك، غضب بلال وأخذ موقفاً. فالنبي عليه الصلاة والسلام قال له: "يا أبا ذر، مليء فيك جاهلية قوم. نبّهوا سيدنا أبا ذر، هذا أمر عظيم جداً، وسيدنا النبي واحد يُبعث لأمة واحدة، يعني أمر عظيم جداً، لكن أخطأ خطأً، فالنبي نبّهه أن هذا من فعل الجاهلية. المنافق جالس يخرّب في المجتمع لكي يُرجع الناس مرة أخرى من هذه القيم العالية التي نحن جالسون نبنيها فلسفة الكراهية، فلسفة الانتقام، فلسفة الفساد في الأرض، فلسفة الخصومة. النبي عليه الصلاة والسلام لم يدخر وسعًا في تعليمنا كيف نسد
أبواب الخصومة والفساد. يقول ماذا؟ "فلا يبع أحدكم على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبته حتى يذر"، أي حتى يدع، حتى يترك، يعني نعم، حتى يذر يعني حتى. يدع هذه الحاجة، فلماذا يقول هكذا؟ لكي لا تخاصم أخي، ولكي لا تتشاجر معه. وهو يقول لي لا تتشاجر معه. فإذا ذهب ليستأجر شقة، أذهب لأستأجر نفس الشقة، وصار ازدحام. قالوا: لا، قياساً على النهي عن البيع على البيع والخطبة على الخطبة، كذلك يكون الإيجار على... الإيجار لم يذكر الإيجار عن الإيجار، لكنه علمنا أن نقلل الخصومة ونكثر المودة والحلاوة ونسير مع بعضنا هكذا وهو في أمان الله. فأمرنا بصلة الرحم، وأمرنا بالانتماء إلى الأمة، وقال لنا
لينوا في أيدي إخوانكم، وأمرنا بالجماعة. كلها أشياء تجعلنا نقلل الخصام والنزاع. يأتي المنافق، أما المنافق... يعلمني كيف أكره، كيف أنتقم، كيف أفسد وهكذا. حسناً، فلنعرف يا مولانا ماذا يفعل المنافق بعد الفاصل بإذن فضيلتك إن شاء الله. فاصل ونعود إليكم فابقوا معنا. السلام عليكم ورحمة الله، عدنا إليكم من الفاصل. الجزء الثاني من حلقة اليوم من برنامجكم السراج المنير مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور. علي جمعة مفتي الديار المصرية: قبل
أن ندخل في الفصل يا مولانا، كنت فضيلتك تخبرنا أن المسلم لا يبيع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبته، بينما المنافق يريد أن يوقع العداوة والشحناء والبغضاء بين المسلمين. هكذا شأن المسلمين فيما بينهم، وكذلك شأن المجتمع حتى بين المسلمين وغير المسلمين. الحب والود والبر يعني الشيء بمفرده هكذا هو، لكن يأتي ويقول له: لا، أنت ستسكت له، أنت! أنت تحبه أم ماذا؟ أعطيك مثالاً على هذا عن سيدنا جابر بن عبد الله قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد اجتمع معه أناس من المهاجرون كثيرون، حيث سار معه عدد كبير من المهاجرين حتى أصبحوا كثرة. وكان معه أيضاً أنصار وهم ذاهبون في غزوة في أمان الله. وكان من
بين المهاجرين رجل مرح يحب اللعب والمزاح، يعني يحب المزاح. وبينما هو يسير يضرب أخاه بمرفقه هكذا، ويضربه على رأسه من الناحية الأخرى، وقال إنه وهكذا دفع مهاجراً أنصارياً، أي أسقطه وعرقله وأعطاه ضربة قوية. الذي نقول عنه في لغتنا المصرية "أعطاه ضربة قوية" باللغة الإنجليزية، نعم يعني شيئاً كهذا. فدفع أنصارياً، فغضب الأنصاري غضباً شديداً. يعني عندما يكون المرء سائراً ويعرقلني شخص هكذا، هو يمزح فقط، كل شيء على ما يرام، ما موقفي إذن أحبه، فأقوم وأقول له: "ماذا هكذا؟ طيب، لم يرد عليك يا صديقي. سأضايقك مرة أخرى هكذا". قالوا إنهم يحبون بعضهم،
لكن هذا الغضب وثوران الغضب والزيادة، يعني لا، لن نسكت. والله لقد ضربك، أستسكت له؟ لقد ضربك! وفي المرة القادمة سيكسر يدك. نعم، هذا به ماذا؟ ماذا هذا؟ استولى على مكانه، فأصبح أحدهم يُشعل غضب الأنصار غضباً شديداً، فصاحوا: "يا للأنصار! يا للأنصار!" يعني أنني سأستعين بالأنصار ضد هذا الرجل. فقال المهاجري: "يا للمهاجرين". انتبه أنهم استعملوا ألفاظ المحبة "الأنصار والمهاجرين"، هذه ألفاظ المحبة، سبحان الله! فهو لم يقل مثلاً: "هيا يا أوس". هيا الخزرجي هذا يقول هيا الأنصار، يعني مسلمون طيبون وجيدون
وهم إخوان المهاجرين، والآخر يقول هيا المهاجرين، وهذا يبين لك مدى تغلغل ثقافة وعلم سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم في تربية هؤلاء الناس حتى في غضبهم، يعني حتى في غضبهم، حتى فيما يحدث هكذا من الفتنة. فخرج عليهم النبي: "ما الأمر؟ ما هذا؟ ما بال دعوى أهل الجاهلية؟ يا للأنصار! يا للأنصار! أتضربون بعضكم؟ ما هذا؟" عليه الصلاة والسلام: "ما الحكاية؟" قالوا: "يا رسول الله، هذا وقع، وهذا ضربه". فقال النبي: "دعوها فإنها خبيثة"، هذه الدعوة التي فيها الفتنة وفيها الهيجان وفيها كذا إلى آخره. نزل الكلام برداً وسلاماً عليهم، فهذا ما يفعله المربي في مقابل الذي يشعل النار.
هذا فعل المنافقين من ناحية، وهذا فعل الباني الذي يبني إنساناً ويبني أمة من ناحية أخرى. يتبين لنا من هذا أن بعض الناس يريدون البناء، وبعض الناس فنهم في الهدم. بعض الناس يريد أن يهدم وحسب. بكل وسيلة، بعض الناس نخاطبها هكذا ونقول له: "لا يا بني، يا بني، الخير والخير سيتم به الإزاحة". عندما تبني تُزيح الباطل وتُزيح الخطأ، فيقول لي: "لا، أنا أريد الإزالة لا الإزاحة". نعم، يريد أن يزيل تماماً، يعني يهدم. أنت الآن أزلت، لكن عندما تزيل، هل عندك
شيء تبني به؟ كان رجلٌ يمتلك بيتاً ضاق به وبأهله حيث إنهم قد كثروا، فهدَّد بهدم البيت لكنه لا يملك مواداً ولا أموالاً ولا مكاناً ولا قدرة ولا مهندساً يبني له البيت. فهدم البيت، فأصبح بدلاً من أن كان في بيتٍ ضيق، أصبح في الشارع. إنما الصحيح أن نبني حوله. نوسعه أي نبني غرفة ونضمها إلى البيت ونضمها ويصبح هكذا إلى آخره مثل الفندق الذي لدينا هذا الذي كان قصراً من أصول العائلة الملكية وبعد ذلك جاءوا وقالوا إنهم يريدون هذا المكان ليجعلوه فندقاً، قالوا سنهدم هذا القصر، فقالوا لهم: ألا تعرفون أنكم لن تستطيعوا بناءه مرة أخرى؟ فالصناع الذين
مثلهم، ماذا نفعل إذن؟ ابقوا على القصر وابنوا هنا وهناك حوله. هذا تفكير سليم، قم بعمل توسعة وليس هدماً لما لا يمكن أن يُبنى مرة ثانية. فحافظوا على المبنى الأثري ووسعوه من هنا ومن هناك، وأصبح شيئاً جميلاً جداً. أريد أن أقول إن هناك منهجاً في العقل اسمه الإزاحة، أن يُبين الشرع أنه كلما انشغلنا بالبناء فإنه يقضي على الخراب. وفي منهج اسمه الإزالة، وهذه الإزالة تحتاج إلى وقت وجهد ومال، وقد تفلت منا بلادنا إذا قدمنا الإزالة على الإزاحة. وعندما نتأمل
في المنهج النبوي نجد أنه مبني على الإزاحة، فهو لا يمكن أن يقضي على الشر لكنه بالمداومة. افعل الخير يختبئ الشر، يقل الشر. التفكير الخاص بالإزالة هذا يسمونه ماذا؟ التفكير الراديكالي. ماذا يعني راديكالي؟ يعني جذري، يعني يريد أن تتوقف الدنيا لكي نعيد بناءها. هذا كلام غير واقعي. نحن نعمل في البناء فيقل الخراب، ونعمل في الخير فيقل الشر، ونعمل بالصدق فيقل الكذب. فهكذا
كانت حالة المدينة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد إذنك يا مولانا، لأنه تبقى حوالي دقيقة، لقد خطر في ذهني مثال وفضيلتك تحدثنا هذا الكلام العلمي الجميل، إنه مثل الفرق بين الإزالة، كمن بدأ يقلم فروع الشجرة، فهذا يريد أن يزيلها من جذورها ليبدأ في زرع بذرة جديدة تنبت. له بعد سنين هكذا الأفضل أن يقلم الأشجار هذه. تماماً هذه هي قضية التفكير. المصيبة الأكبر من ذلك أنه ليس معه البذرة، ليس معه البذرة أيضاً التي سيزرع بها الشجرة الجديدة، ولا المياه. لا حول ولا قوة إلا بالله. ولكنه يريد أن يزيل الشجرة على أمل، وهنا يختلط المأمول والمرغوب الممكن، نعم، حتى عندما عرفوا السياسة قالوا إنها فن التعامل مع الممكن. فن التعامل مع الممكن. ليس الخيال والرغبات. نحن نريد أن تصبح هذه الأرض جنة، نعم، لكنها لن تكون جنة أبدًا،
ولن يكون فيها إلا الخير والشر، والصحيح والخطأ، والمرض والصحة، وعلينا أن نثبت نجاحنا في هذا الابتلاء. وهذا الامتحان بارك الله فيك يا مولانا. اسمحوا لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة على وعده باللقاء في حلقات قادمة إن شاء الله من برنامجكم السراج المنير. فإلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله