برنامج السراج المنير: القضاء العادل

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامجكم "السراج
المنير" مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بك يا مولانا. أهلاً. مرحباً وسهلاً بكم وصلنا يا مولانا ونحن نتحدث عن النموذج الثالث إلى بني قريظة وخيانتهم لسيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. كان آخر من تبقى من اليهود هم بنو قريظة وكانت آخر خياناتهم كانت دعوة. المشركين إلى أن يحيطوا بالمدينة، ونبَّه الله سبحانه وتعالى نبيه وألهمه، وجاء سلمان الفارسي وقال: "يا رسول الله، أعطي لكم نصيحة بأنكم تعملوا خندقاً حول
المدينة". فعملوا الخندق وحفروه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحفر معهم ويقول: "اللهم إن العيش عيش الآخرة، فاغفر اللهم للأنصار والمهاجرة". النبي صلى الله عليه وسلم جاء المشركون وانهزموا بالريح، وفي هذه الحالة كان أحد المشركين ألقى سهماً فأصاب سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه، إصابة بليغة. عندما يُصاب المرء بجرح كهذا ترتفع درجة حرارته ويصبح جسمه غير مستقر، فأثناء هذا البلاء الذي نزل به والنزيف وما إلى ذلك وارتفاع درجة. الحرارة
دعا سعد، وكان سعد مستجاب الدعاء. ابنه معاذ من سادة الأنصار. "اللهم أرني يوماً في بني قريظة الذين أحضروا المشركين، والذين ضربه أحدهم بهذا السلاح القاتل". حُمل سعد بعد ذلك إلى المسجد وضُرب له خباء حتى يحضر الصلاة حرصاً منه على العبادة، وفي نفس الوقت حدثت الهزيمة للمشركين. وتفرَّقوا في البلاد. النبي صلى الله عليه وسلم رجع ولكن رجع مع صحابته في حالة من الإجهاد، الإجهاد في عمل الخندق، الإجهاد في الترصد حتى قامت الريح وأخذتهم وضرب بعضهم بعضاً، الإجهاد
في حالة الحرب المستمرة والتوتر المستمر. فلما رجع تحكي عائشة أن جبريل قد أتاه، أن النبي عليه الصلاة. والسلام خلع اللباس الخاص بالحرب، فجاءه جبريل وقال: أقد وضعت السلاح؟ للنبي ما هو يراه قد خلع عُدة سلاحه. والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم. الخروج إلى بني قريظة الآن لا يمكن أن يكون من رأي النبي ولا من رأي صحابته، فهم قادمون مُجهَدين مُرهَقين. نعم، هؤلاء مرضى، من سيذهبون ليقاتلوا بإذن الله وبأمر الله. يعني هناك أشياء هكذا ترى الله سبحانه وتعالى وهو يؤيد ذلك الرجل وذلك
النبي ويثبت فؤاده وفؤاد أصحابه لأجل شيء في قدره لازم ولازب ومقضي بإذنه سبحانه وتعالى. بنو قريظة يا مولانا خانوا سيدنا رسول الله وأرادوا أن هم. يفتحون أبواب قلاعهم ويُدخلون الأحزاب من الخلف، أي تكون المواجهة من الأمام ومن الخلف خيانة. هذه خيانة، نعم. وهناك خيانة أخرى أنهم هم الذين أحضروهم، فهم الذين أتوا بهم وأرشدوهم إلى عورات المدينة وما إلى ذلك. النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال له جبريل هذا، والله ما وضعت الملائكة بعد. السلاح فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لامته ولبس العدة مرة أخرى عدة السلاح وأذن في الناس بالرحيل: "نعم أيها الناس، إننا ذاهبون مرة أخرى، تعالوا". النبي عليه الصلاة
والسلام وصحابته وصلوا إلى بني قريظة، طبعاً في أفواج، أي في سرية في البداية ثم سرية ثانية وبعدها السرية التي... فيها سيدنا فكان يقول لهم: "لا يُصلِّينَّ أحدٌ منكم العصر إلا في بني قريظة" يعني أسرعوا لكي تصلوا العصر في بني قريظة. فأذَّن عليهم المغرب، فاختلف بعضهم، فقال: "أنا لن أصلي العصر إلا في بني قريظة" كما قال، يطيع صوت النص الخاص بسيدنا رسول الله. وقال آخرون: "لا، نصلي الآن" احتراماً. للوقت فلما لحق بهم النبي فتجاوز الاثنين، فهذا يعني أن النص قد يكون حمّال أوجه، وحملي له على وجه لا يعني خطأ أو ضلال من حمله على وجه آخر ما دام النص ظنياً محتملاً. فيجوز لي أن أحمله على ما فهمته، ويجوز لغيري أن يحمله
على ما فهمه، وكلانا على الصواب، ثم يوم القيامة من أخطأ له أجر ومن أصاب له أجران ما شاء الله. النبي صلى الله عليه وسلم وصل إلى بني قريظة في الأفواج التي كذا، وحاصرهم نحو خمسة وعشرين يوماً حتى اشتد عليهم البلاء واشتدت عليهم هذه المحاصرة، وقيل لهم: انزلوا على حكم رسول. الله عليه الصلاة والسلام لأنه هذا لن يترككم أبداً فاستشاروا شخصاً يُقال له أبا لبابة بن عبد المنذر. أبو لبابة رضي الله تعالى عنه كان صحابياً وكان من أتباع النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي عليه الصلاة والسلام تحدث أن هؤلاء الناس قد خانوا هذه الخيانة العظمى في وقت الحرب. لا بد أن نحاكمهم، فأبو لبابة
لا يريد إفشاء سر رسول الله وما يتحدث به من أنه سيحيله إلى المحاكمة وما إلى ذلك. يسألونه أبا لبابة وكانت بينهم معاملات وغيرها: "ماذا سيفعل بنا؟" فلم ينطق، وإنما أشار بيده هكذا يعني سيُذبحون. فأبو لبابة بعد أن فعل... هكذا قال الله: "أفشيت سر رسول الله". ظن أنه أفشى سر رسول الله، فذهب أبو لبابة وربط نفسه في سارية من سواري المسجد عقاباً لنفسه من عند نفسه، وذلك لأنه قام بهذه الإشارة واعتبر أن هذه الإشارة نوعاً من أنواع الخيانة. انظر إلى القلب الراقي أو القلب الذي اعترف
بخطئه. وأنزل على نفسه العقاب وقال: "والله لا أحلُّ نفسي، بل يحلّني رسول الله عليه الصلاة والسلام". وكان يذهب وقت الصلاة ليتوضأ ويصلي ثم يربط نفسه مرة أخرى، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل في خلوة وفكَّه سيدنا الرسول عليه الصلاة والسلام. وكانت جماعة بني قريظة قد سمعوا بأن سعد بن معاذ مصاب. وسعد بن معاذ في المسجد في خيمة وعنده حمى، أي أن عقله ليس معه، بمعنى أنه غير متماسك. من ناحية أخرى، سعد بن معاذ حليفهم، ومن ناحية ثالثة بينه وبينهم مصالح مادية في التجارة، ولو
أنه حكم ضدهم سيضيع عليه هذه المصالح. النبي عليه الصلاة والسلام قال فقال لهم: "مَن تُحبون أن يحكم فيكم؟" قالوا: "سعد بن معاذ". نعم، الكلام أصبح فيه بعض المكر. حسناً، بإذنك يا مولانا سنذهب إلى فاصل ثم نعود لنرى ماذا فعل سيدنا سعد بن معاذ في الحكم على بني قريظة. نعم، فاصل ونعود إليكم، فابقوا معنا. السلام عليكم ورحمة الله. عُدنا إليكم من الفاصل. الجزء الثاني من حلقة اليوم من برنامجكم "السراج المنير"
مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. مولانا، قبل أن نذهب إلى الفاصل، وصلنا إلى بني قريظة الذين اختاروا سيدنا سعد بن معاذ ليحكم لعدة أسباب رأوها فيه، هم رأوه هكذا، وذلك كما قال النبي عليه الصلاة والسلام كما ذكرنا سابقاً. وأشرنا يعني أن هذا لا يوجد في أي نظام قانوني حتى الآن أن يختار المتهم قاضيه، المتهم يختار القاضي الذي يحكم عليه. هذا غير موجود حتى الوقت الحالي. صحيح، يعني ما يحدث أن يقال لك يُحاكم المتهم أمام قاضيه الطبيعي ولا مانع، ولكن أن يكون المتهم هو من يقولون له من نأتي لك ليحكم. فيكَ، نعم، هذا لم يحدث حتى الآن، هذا نوع من أنواع العدالة الراقية جداً عليه الصلاة والسلام. حسناً، أنا أريد القاضي الفلاني. حسناً، حاضر سنُحضر لك القاضي الفلاني. ما معنى هذا؟ أولاً:
الثقة بالقضاء التي بدأنا نشكك فيها والعياذ بالله من أجل الوصول إلى انهيار المجتمع البشري، لن أقولها. انهيار الدولة هو انهيار الاجتماع البشري، انظر إلى الفرق بين هذا البناء الذي كان يبنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثقة الناس بالقضاء. من تريد أن يكون قاضيك؟ من تختار؟ فلان؟ حسناً، فليتفضل فلان ليحكم، والذي يحكم هو الذي سيمضي حكمه. سبحان الله، يختار المتهم قاضيه، وهذه لم... لم نرها. يجب على العالمين أن يتعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأولى الناس بأن يتعلموا من رسول الله المسلمون، وأن ننظم هذا، وأن نجعل في بعض المواقف اختيار القاضي جزءًا من حقوق المتهم، وهذا لم يحدث إلى
الآن فيما أعلم في النظم التي اختاروا وقالوا سعد بن معاذ. فوضع، فأرسل النبي إلى سعد فأُتي به على حمار يحيط به قومه. الرجل متعب ومريض ومصاب بالسهم، فقومه معه. فالنبي عليه الصلاة والسلام قال ماذا صلى الله عليه وسلم؟ "قوموا إلى سيدكم". فأنزلوه، ومن هنا أخذ بعض القوم الأفكار. سيدنا جاء. القيام لذوي الفضل. الله. بعض الناس طبعاً الذين في وقتنا الحاضر. يقول لك لا، هو يقول أنزلوه، فهذا يعني أنهم كانوا يريدون إنزاله ولكنهم لم يتمكنوا. ليس هذا المقصود، فالأئمة
القدماء استنبطوا من هذا الحديث "قوموا إلى سيدكم فأنزلوه" وفي رواية "قوموا إلى سيدكم"، أن القيام لأصحاب الفضل جائز، واستدلوا بأحاديث كثيرة أوردها الإمام النووي في كتابه "القيام لذوي الفضل"، وهو كتاب بهذا الاسم، فأنزلوا. فقال رسول الله له رسول الله: "هذا رئيس الدولة، والقاضي يُوكَل ويُعيَّن من رئيس الدولة. احكم فيه لأنه يحكم بماذا ولا يتدخل في القضاء. هو الذي عينه ولكن لا يتدخل في القضاء، وهذا نظام ومعمول به إلى الآن، أن الرئيس يعين قاضي القضاء لكن لا يتدخل في قضائه. احكم فيهم." لم يقولوا له احكم بهم. درس سعد القضية
وفهم الكلام وعرف وكيف الجريمة بأنها جريمة شديدة جداً، جريمة أدت إلى العدوان على حوزة الوطن، جريمة أدت إلى ضياع الأموال، جريمة شغلت المجتمع وكادت أن تودي به، جريمة فيها عدوان على الدعوة والقضاء على مستقبل الأيام. حكمت المحكمة فيهم بالقتل. مقاتلتهم تعني أن الناس الكبار الفرسان الذين فيهم يُقاتَلون ويُقتَلون لأنهم خانوا الله ورسوله وخرجوا عن حد الدستور وخالفوا القوانين بخيانة عظمى في وقت الحرب. نعم، أما
الشيخ الهرم الكبير فلا، ليس لنا شأن به. وتُسبى ذراريهم، وكان السبي إلى هذا الحد نظاماً عالمياً فيه نوع من أنواع العقوبة ولكن. أيضاً الإسلام يعتبرها عتقاً حتى إذا اتفق العالم على إنهاء هذا النظام، دخل المسلمون كلهم والحمد لله ابتداءً من سنة ألف وثمانمائة واثنين وخمسين، وهكذا أي تُقسم أموالهم. وقد كان عدد هؤلاء الناس حوالي ستمائة وأربعين، مجموع القتلى هؤلاء الستمائة من دعوة الإسلام. خلال ثلاثة وعشرين سنة ألف وربما سبعين أو شيء من ذلك، منهم الست مائة وخمسين التي بالحكم القضائي في كل الحروب والغزوات والسرايا وكل شيء، أربع مائة،
نعم يعني هؤلاء الأربع مائة لا يساوون قيمة من يموتون في حوادث السير في باريس في سنة أو في شهر، أظن في شهر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد حكمت فيهم بحكم الله عز وجل وحكم رسوله، فهكذا صدر الحكم. جاء أيضاً في سيرة ابن هشام: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله، إنه قد كانت للزبير علي منّة، وقد أحببت أن أجزيه بها". كانت لديه مكافأة هكذا عندي. واحد من اليهود اسمه الزبير - ليس الزبير بن العوام - بل هذا الزبير رجل من
اليهود، نعم. فوجب له دمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو لك". انظر إلى التنفيذ في الحكم. نعم، نحفظ الدماء بقدر المستطاع. "يا رسول الله، هذا صاحبي، نعم، ومرة قدم لي خدمة كان..." النبي يحب كثيراً شكر الجميل، ما شاء الله، كما رأيناها في الحبشة وغير ذلك إلى آخره. أي هو لك، فأتاه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك فهو لك. قال: شيخ كبير لا أهل له ولا ولد، فما يصنع بالحياة. يعني هو ماذا يفعل بالحياة. نفسه يعني ماء يعني لا يحدث له شيء. فأتى ثابت رسول الله فقال: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله، هب لي امرأته وولده".
يعطيني أهله أيضاً لكي يخدموه، لكي لا يشعر بالغربة، لأنه رجل كبير. قال لهم: "لك". اللهم صلِّ على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. قال: فأتاه فقال: "قد". وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك فهم لك. قال: أهل بيت بالحجاز لا مال لهم، فما بقاؤهم على ذلك؟ أريد أموالي! كم أنا؟ الموت أفضل لي إذا كنتم تأخذون مني أموالي وهكذا. فجاء ثابت إلى رسول الله. انظر إلى وفاء ثابت! أنا ثابت هذا، ماذا يعني؟ يعني هذا الرجل لم يستحِ من رسول الله لماذا؟ لأنه يسعى إلى الخير ويسعى إلى رد الجميل. نعم يا رسول الله، ما له، أعطني ماله، أمواله. قال: هو لك، ونحن سنفعل، نحن نريد أن نضبط الأمور،
نحن لا ننتقم. فأتاه ثابت فقال: قد أعطاني رسول الله. صلى الله عليه وسلم، ما لك فهو لك. أصبح الرجل منزعجاً، ذلك الرجل الذي له المنّة، الذي كان اسمه الزبير. وانظر، انتبه جيداً، اسمه الزبير، وفي الصحيفة بنو عوف، يعني تسمّوا بأسماء لأنهم كانوا من هنا منذ مئات السنين بعد الأحداث التي حدثت في فلسطين، إذاً نحن أمام... إمام سماحة سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام نظام سمح، نظام يُستفاد منه في حسن الخلق، ونظام حازم ليس نظاماً ضعيفاً أو نظاماً متآكلاً أبداً. هذا نظام قوي لكنه يملك من السماحة
ما يُعلي شأن الإنسانية وما يُعلي شأن القانون وسيادة القانون، وما يُعلي شأن المواطنة. شأن المشاركة شأن المسؤولية شأن الالتزام، هذه المعاني والمبادئ العليا التي إذا ما خولفت وصلنا إلى حالة الفوضى وإلى حالة تداعي الأمور بحيث لا تستقر. بارك الله فيك يا مولانا، إن شاء الله نلتقي في حلقات قادمة من السراج المنير لنستكمل النماذج الأربعة بإذن الله. اسمحوا لي. باسم حضراتكم نشكر فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة على وعده باللقاء مع فضيلته في حلقات قادمة إن شاء الله من برنامجكم "السراج المنير"، وإلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.