برنامج السراج المنير: المدينة المنورة تستقبل الرسول

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته، حلقة
جديدة من حلقات برنامجكم السراج المنير عن التعايش كما جاء في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور. علي جمعة مفتي الديار المصرية، أهلاً ومرحباً بك يا مولانا، أهلاً وسهلاً بكم. في الحلقة الماضية مولانا وصلنا إلى بدء رحلة الهجرة إلى يثرب التي أصبح اسمها بعد ذلك المدينة المنورة. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. النبي صلى الله عليه وسلم قرر أن يهاجر إلى المدينة هجرة إيمان لأن الصحابة الكرام من الأنصار من الأوس والخزرج قد أسلموا وأن الصحابة الكرام من المهاجرين قد ذهبوا إلى هناك حتى بلغوا نحو خمسين رجلاً والنبي صلى الله عليه وسلم قرر أن يهاجر فهاجر معه أبو بكر ومعه عامر بن فهيرة
مع أحد المشركين كدليل وهو عبد الله بن أريقط الذي لم يرد في الكتب أبداً أنه أسلم، وفي طريق الهجرة التقوا بسراقة بن مالك من بني مدلج، والتقوا أيضاً بأم معبد التي وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفاً كاملاً، وحديث هند بن أبي هالة وأم معبد هما فيهما حلية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الوصول إلى قباء التقوا بالزبير بن العوام وهو قادم من الشام فأهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة ودخل النبي قباء يوم الاثنين وفي هذا اليوم كان قد أتم
ثلاثاً وخمسين عاماً عليه الصلاة والسلام يعني هو دخل في يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم دخل قباء وجلس هناك في مضارب عمرو بن عوف الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، ثم أخذ الناس وذهب إلى المدينة. من قباء للمدينة مسافة حوالي سبعة أو ثمانية كيلومترات، فنقول مثلاً أنه في الساعة العاشرة أو الحادية عشرة غادر قباء متجهاً إلى المدينة، فأذّن عليهم الظهر وهم. في مضارب أو في منطقة سالم بن عوف فصلى بهم الجمعة، صلى بهم بمائة رجل. انتبه أن الناس وهو في المدينة في قباء أرسل إلى بني النجار فخرجوا
بالسلاح لاستقبالهم. قبل ذلك كما ورد أن الأنصار كانت تتوقع قدوم النبي بعد أن سمعت أنه خرج من مكة قالوا كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرتنا الحرة التي هي مثل هضبة المقطم هكذا، هضبة تكون موجودة في ظاهر حرتنا، يعني المكان الذي نظهر فيه لكي نستطيع الرؤية لمسافة بعيدة، ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال بحيث أن الشمس تكون حميّة وذلك في أيام الحر حتى إذا كان اليوم الذي قدم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسنا كما كنا نجلس يعني كل يوم، فلم يبق
ظل، لقد انتهى، الساعة الثانية عشرة قد حانت، نعم، دخلنا بيوتنا، قدم رسول الله مع وصوله، صلى الجمعة في بني سالم بن عوف ودخل. المدينة، فلما دخل كانت قد أصبحت الساعة الواحدة، فلما حلّت الساعة الواحدة كانوا هم قد دخلوا البيوت. فكان أول من رآه رجل من اليهود، كان هذا الرجل اليهودي على نخلة يجني بعض البلح أو شيئاً ما، فرأى النبي من بعيد فقال: "هذا جدكم يا بني قيلة"، بني قيلة الذين هم الأنصار يعني. جدكم يعني الرجل الكبير الذي لكم الذي أنتم تنتظرونه قال: فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدناه قد جلس إلى ظل نخلة، يعني هو تعب من المشي من
بني سالم حتى المدينة، ومعه أبو بكر في مثل سنه، يقال إن أبا بكر كان أكبر من النبي. أو أصغر من النبي. النبي هو الذي كان أكبر منه بسنتين، ويُقال أنه بالرغم من أن أبا بكر كما قيل أنه أصغر من النبي، إلا أن شكله كان يبدو أكبر من النبي. نعم، كان هناك شيب في اللحية أو شيبة في اللحية، وإجهاد في الوجه. يعني كانوا الذين يعطونه يعطونه هذا. أكبر من هذا وكان أكثر الصحابة لم يشاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك فيذهبون لأبي بكر. الصحابة الذين هم في المدينة، الأنصار الذين في المدينة، نعم، فيذهبون لأبي بكر فيشير لهم. لماذا؟ لأنهم لا يعرفون من هو الرسول، ومن هو الرسول؟ أبو بكر أم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام. الصلاة والسلام حتى سخنت الشمس قليلاً بهذا الشكل على الواحدة أو الاثنتين، فذهب أبو بكر وخلع الرداء
وظلل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فعرفناه عند ذلك. يا حبيبي، أصبح الذي ماذا الذي أبو بكر يفعل معه هكذا؟ سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم عندما نزل إلى المدينة ما... رُفِعَ التكليف، تُرِكَت الدابة تسير، نزلَ عند أبي أيوب الأنصاري، الدابة بركت في مكان أوحى الله إليه أنه سيكون مسجدك، ووجدوا أنه ليتيمين من بني النجار فاشتراه بالمال عليه الصلاة والسلام، وبدأ في بناء المؤسسة، في بناء المسجد. إذن لا بد عندما ندخل هذه البلاد أن يكون لنا. مرتكز مكان نتحرك منه ونذهب ونأتي ويكون هو هذا المكان، ومن غير مكان يكون هناك تيهان. والأمر
الأول قال الله. إذ كان اليهود يصنعون المكائد بين الأوس والخزرج، والأوس والخزرج يتقاتلون مع بعضهم البعض، وبعد ذلك أتيت عليهما. فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ في بناء العلاقات الاجتماعية. وذلك كان على وجوه: الوجه الأول يقول لهم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" ويشبك بين أصابعه هكذا. "مثل المؤمنين في تَوادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". هذه الأشياء أنتجت ثقافة جديدة، فيجب إذاً على المسلمين في هذا النموذج من... بناء الثقافة من تصحيح العلاقات، القضية الثانية التي نأخذها أنه
آخى بين المهاجرين والأنصار، جمعهم فبلغوا حوالي تسعين رجلاً. هؤلاء التسعون، نصفهم من المهاجرين ونصفهم من الأنصار. قال له: أنت أخو هذا، وأنت أخو هذا، وأنت أخو هذا، ثم آخى علياً. علي، رضي الله تعالى عنه وعليه السلام، لحق. بالنبي في قباء فدخل معه المدينة، فلما دخل معه المدينة قال: وقف في هذا الموقف ووزع الناس على بعضهم. قال: "هذا أخي" وأخذ بيده. بعد ذلك أصبح سيدنا لأنه هو أخوه، لماذا؟ لأنه تربى في بيت أبي طالب، هذا من ناحية، ثم إنه أخذ علياً عليه السلام كما أخذ. العباسُ جعفرَ أي ابنَ أبي طالب حتى يخفف من العبءِ على أبي طالب، فالذي نأخذه في هذا النموذج أن النبي
صلى الله عليه وسلم بمجرد ما دخل بدأ في إصلاح العلاقات بمجموعة من التربية والأحاديث وبقضية التآخي. عليه الصلاة والسلام في التآخي كان الأخ من المهاجرين أو الأنصار يرث أخاه. يرث أخاه يرث أخاه كأنهما ولدا أبٍ وأمٍ واحدةٍ كأنهم، حتى نزل في ذلك القرآن فنسخ هذا "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله"، فلما نزلت الآية نسخت المؤاخاة. إنما فكرة المؤاخاة كانت تريد أن تحل مشكلة وهي الوافد مع الأصيل. نستأذن حضرتك يا مولانا نذهب إلى فاصل ونعود. لنستكمل هذا الحوار إن شاء الله. فاصل ونعود إليكم فابقوا معنا. السلام
عليكم ورحمة الله وبركاته. عدنا إليكم من الفاصل. الجزء الثاني من حلقة اليوم من برنامجكم السراديو المنير مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. كنت فضيلتك تصحح لنا المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، هذه المؤاخاة هي... شيءٌ بديعٌ جديدٌ وفكرٌ عالٍ لحل مشكلة من المشكلات وهي مشكلة الوافد والأصيل. المؤاخاة التي آخى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
المهاجرين والأنصار كان وراءها الحب. وأنا ألفت كُتيباً صغيراً اسمه "حاكم الحب"، حاكم الحب، لأن الناس عندما يقرؤون هذه النصوص ويقيسونها بما هم عليه الآن بعد... ما نسوا الحب لا يفهمونها ويفهمونها على غير وجهها بل ويسخرون منها في بعض الأحيان والعياذ بالله تعالى، فقلت لهم لا تسخروا، إنما هاتوا الحب وحاكموه واقتلوه، لا حول ولا قوة إلا بالله، وبعدما تقتلون الحب عيشوا إذاً حياتكم في كراهية، في غباء، في أي شيء إذاً، حاكموا الحب. قبل أن تعترضوا على هؤلاء الأكابر، ذكرت هذا شرحاً وتفهيماً وليس دفاعاً؛
لأن هذا أظهر من الظاهر وأقوى من أن يُدافع عنه. بعدما قتلنا الحب في قلوبنا وفي حياتنا، نأتي ونتكلم عن الأكابر ونسخر أو نتعامل معها بهذا الأسلوب المتدني. إذاً، هذا لا يحتاج إلى دفاع، إنما هو... يحتاج إلى التفهيم وإيضاحه، لعل الله سبحانه وتعالى أن يُحدِث بعد ذلك أمراً. جاء في صحيح البخاري عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قدِم علينا عبد الرحمن بن عوف. طبعاً أنس بن مالك أمه هي أم سليم بنت ملحان، وزوجها أبو طلحة، وأتت أم سليم بأنس خادماً. للنبي صلى الله عليه وسلم فهو مدني، أنس عنده عشر إلى إحدى عشرة
سنة يخدم النبي في المشاوير وفي غيرها. قدم علينا، يعني على المدينة، عبد الرحمن بن عوف، فآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع، وكان سعد كثير المال، طبعاً الكثرة هنا كثرة نسبية لأنه... أهل المدينة لم يكونوا بغنى أهل مكة، ولكن هذا كان سعد بن الربيع أحد الأغنياء، فقال سعد: "قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالاً. أخي عبد الرحمن بن عوف، سأقسم مالي بيني وبينك شطرين، أنت تأخذ نصف المال وأنا آخذ نصفه. ولي امرأتان". عبد الرحمن بن عوف لما نزل... على أخيه سعد بن الربيع، فسعد
بن الربيع عنده زوجتان كانتا تأكلان معاً وتشربان معاً. هؤلاء الناس ألقى الله الحب في قلوبها، فأصبح عبد الرحمن يحب هذه الأسرة، وهذه الأسرة تحب عبد الرحمن. فيقول سعد بن الربيع: أنا مالي سأقسمه نصفين، نصف لك ونصف لي، ولي امرأة. ثانياً فانظر أعجبهما إليّ فطلقها حتى إذا حلّت تزوجتها. لا إله إلا الله! الناس تقف عند هذه النقطة وتتساءل: ماذا يعني أنه يتنازل عن زوجته؟ أهي زوجته هذه كانت شاة أو بقرة حتى يطلقها؟ ربما إذا طلقها لن ترضى أن تتزوج عبد الرحمن بن عوف، لا. لا حول ولا قوة إلا بالله. كل هذه الأسئلة أسئلة مشروعة في غياب الحب، وأسئلة
عجيبة في وجود الحب وفي معيشة الحب. هؤلاء الناس كانوا يحبون بعضهم. فإذا قلنا للناس الآن هم ليسوا متصورين لأن عمرهم ما أحبوا ولا عمرهم أحبوا، قتلوا الحب ثم أتوا فاعترضوا على ما ورد عن الأكابر. عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، لا يا أخانا، هؤلاء كانوا يحبون بعضهم حباً لم ترَ مثله قط. كان سعد يحب عبد الرحمن فيقول له هكذا، وكان يحب زوجتيه، وكانت الزوجتان تحبان عبد الرحمن وتحبان سعداً في الله. ويبدو أن كلمة الحب في الله أصبحت غريبة، لا أحد يعرف ما... هذا خلاص الحب أصبح محصوراً في الجنس في الحب بطريقة معينة. لا، لم يكونوا هكذا، بل
كانوا يحبون في الله. هذا الحب الذي افتقدناه. انظر إذاً إلى - يعني هذا كلام سعد، وكلام سعد منطلق من أننا الأربعة نحب بعضنا ونحب بعضنا في الله - فقال عبد الرحمن: يا أخي. بارك الله لك في أهلك وفي مالك، دلني على السوق. وذهب إلى السوق، وكان عبد الرحمن ناصحاً في التجارة، وأخذ يتاجر حتى اغتنى جداً ما شاء الله. ولما مات عبد الرحمن بن عوف بعد ذلك، وكان من السابقين الأولين من المهاجرين، لم يستطيعوا أن يحصوا
أن يعدوا ماله وتركته، فكانوا... يعدونها بالكيل وليس بالعد، لن نعد ديناراً ودراهم، بل بالكيل، بالكيل، ما شاء الله. فإذا نحن أمام قصص نجاح شخص ليس معه ولا مليم. انظروا إلى الحب، انظروا إلى ماذا فعل القلب في هؤلاء الناس، ما شاء الله. حسناً يا سيدنا، هكذا وصلنا إلى المؤاخاة وروح التكافل منهج. رسول الله عليه الصلاة والسلام في المدينة في التعامل مع أصحابه، النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن علمهم ورباهم، بعد أن وقف هذا الموقف من المسجد وإنشائه، بعد أن آخى بينهم، بدأ في الدائرة الأوسع. ولذلك أيضاً نحن في
هذه البلاد نأخذ قضية التدريج في البناء شيئاً فشيئاً إلى أن... نصل إلى بناء جماعي ثابت في هذا النموذج وهو نموذج الدولة متعددة الأطراف. النبي صلى الله عليه وسلم انتقل إلى الدائرة التي بعدها وهي إنشاء ما يسمى بوثيقة المدينة أو بصحيفة المدينة بين المسلمين والمؤمنين من قريش ويثرب ومن تبعهم وبين أيضاً اليهود لأنهم كانوا مقيمين في المدينة وبين كل. من هو مدني يحب هذه المدينة، يعشقها، يدافع عنها، هي وطنه، فبدأ مفهوم المواطنة
في صحيفة المدينة. طيب، وقت الحلقة انتهى يا سيدنا، سنخرج إن شاء الله ونعود في الحلقات القادمة لنستكمل مشروع المواطنة في وثيقة المدينة، هي مثل دستور المدينة، ونبدأ مع حلقة جديدة مع هذه الوثيقة. التي كانت أول دستور عرفه البشر ما شاء الله وكانت أنبه دستور ينبه على المواطنة ما شاء الله. ربنا يفتح عليك يا سيدنا. اسمحوا لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة على الوعد باللقاء مع فضيلته في حلقات قادمة إن شاء الله لنستكمل موضوع السراج المنير والتعايش. مع الآخر، فإلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.