برنامج السراج المنير: النماذج الأربعة لكيفية التعايش

برنامج السراج المنير: النماذج الأربعة لكيفية التعايش - السراج المنير, السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات برنامجكم السراج المنير.
مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية، أهلاً بكم، أهلاً وسهلاً بكم، أهلاً بك يا سيدنا. في الحلقة السابقة يا مولانا، كنا قد وصلنا في نهاية الحلقة إلى الكلام عن نموذج مكة، وأن النبي عليه الصلاة والسلام رد الجميل لأبي طالب بأنه أخذ سيدنا علي أو تبنى سيدنا علي. وربّاه نريد أن نستكمل الحوار أو نستكمل التعرف على نموذج مكة. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. سيدنا صلى الله عليه وسلم وُلِد في مكة وعاش في مكة، فإذا به يحب وطنه ويعلمنا حب الأوطان. جميل ما شاء الله بالرغم من... أنَّ أهلَ مكةَ أهلُ أذى، نعم، وقد آذَوْه، وأهلُ جاهليةٍ وقد جَهِلوا عليه،
إلا أنه كان يحب مكة جداً ما شاء الله، وكان صلى الله عليه وسلم في هذا الحب يقول لما أخبره ورقة بن نوفل: "يا ليتني كنت فيها جذعاً إذ أخرجوك منها"، قال: "أَوَ مُخْرِجِيَّ هم؟" والتفت إليها. وقال: "إنكِ أحب أرض الله إليّ، ولولا أن أهلكِ أخرجوني ما خرجت منكِ". ما شاء الله، هذا عند الهجرة، كان قلبه معلقاً بالوطن، عليه الصلاة والسلام. الذكريات، إلى أين سيذهب؟ هنا كانت سيرته، كانت عبادته، كانت خلوته، كان عمله، كانت زوجته عليه الصلاة والسلام، كان
أولاده، ومن مات منهم. ومن عاش يعني شيئاً حبّ الأوطان، الوطن يعني ماذا؟ مجموعة من الذكريات. والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام عندما ذهب إلى المدينة أيضاً كان قلبه متعلقاً بمكة، ووجد أن أبا بكر مرض وأن بلالاً قد مرض، وبادئ الأمر ما هي الحمى التي حدثت؟ هذه الحمى جعلتهم يتذكرون ماذا؟ "أين أنت يا مكة وأيامك"، نعم، فقال. اللهم أخرج الحمى من المدينة عليه الصلاة والسلام واضعف المرض ولا حاجة. اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة، فإذاً أول درس للتعايش هو الحب، أن يحب الإنسان وطنه. ما شاء الله، ماذا سيفعل الحب في الإنسان؟ إنه سيجعله
يفصل بين الشخص وبين الفعل، يفصل بين الشخص وبين الفعل على. طوال الذين يقولون عنها "حبيبك يبتلع لك الحصى"، شيء كهذا يعني أنه لا يكره الناس، نعم، يكره الأفعال، لا يكره الناس ولكن يكره أفعالهم السيئة، أفعالهم السيئة. جميل، لكن لا يكره الناس، ما شاء الله. وهذه تؤدي إلى حسن النصيحة، أي وتؤدي إلى حسن التبليغ، وتؤدي إلى الهداية. في النهاية، ما شاء الله، إذا كان أول درس هو حب الوطن الذي سيؤدي إلى الفصل بين الأشخاص والأفعال، الذي سيؤدي إلى حسن النصيحة والحكمة، فسيدنا النبي عليه الصلاة والسلام بهذه الصفة، صفة الحب، حدثت معه أمر
غريب وهو أن كل المشركين قبل النبوة وكل شيء أحبوه واستأمنوه، فسُمي بالصادق الأمين عليه الصلاة والسلام. الصلاة والسلام هذه رقم واحد، نعم، التوجه إليه والرضا بحكمه بين الناس هذه رقم اثنين، كان محلاً لإيداع ودائعهم عنده، نعم، يتركون الأمانات عند النبي عليه الصلاة والسلام، عند النبي مرة واحد جاء واضعاً وديعة عند أبي جهل، لكن هذا بعد النبوة، نعم، فذهب إلى أبي جهل وقال له ليس لك لدي شيء، نعم، فذهب يبكي عند الكعبة، والمشركون جالسون ليس لديهم أخلاق. قالوا له: "أتعرف من الذي سيجلب لك حقك؟ ذاك الذي هناك"، وأشاروا إلى سيدنا
النبي عليه الصلاة والسلام. طبعاً، أبو جهل يكره النبي ويسعى بكل وسيلة لإيذائه، فكانوا يدبرون مكيدة للأعرابي ومكيدة لسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل شاهد على ذلك. التعبيري... آه، فالرجل ذهب إليه وقال له: "أنا عند أبي جهل لي وديعة وجئت أطالب بها الآن". قال له: "ليس لك شيء". وقال له الناس الذين هناك إنك أنت الذي تستطيع حل هذه المشكلة. قال له: "حسناً، توكلنا على الله، ما دام قالوا لك إنني أنا الذي سأحل المشكلة، تعال معي". وذهب إلى منزل أبي جهل ودخل عليه وقال له: أعطني هذا الرجل الذي وعدته به. فقال له: حاضر. ودخل وأحضرها من البيت وأعطاها له. فالمشركون أرسلوا رسولاً ليفعل ماذا مع النبي؟ وأبو جهل ماذا سيفعل مع النبي؟ كان أبو جهل هذا ضراباً وكان شريراً، أي كان مؤذياً. هل سيضرب سيدنا النبي أم ماذا سيفعل؟ ماذا؟ وكيف سيسخر منهم يعني؟ يريدونه أن
يتحكم فإذا به ذهب داخلاً إلى الوادي. فيقولون لأبي جهل: "أنت أحرجتنا"، نعم، نحن نعطيه كي نصنع نوعاً من الضحك وما إلى ذلك. قال: "والله رأيت فحل إبل خلف محمد كاد أن يلتهمني". إنه أحضر معه فحل إبل ليخيفني. ها هو الله قد ألقى. في قلبه الرعب الشديد، وجاء إلى سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم. وسيدنا النبي ماذا فعل؟ سيدنا النبي اشتُهر فيما بينه من حسن خلقه، ومن حبه لوطنه، ومن الفصل بين الفاعل والفعل، بالصادق الأمين. فمرة عليه الصلاة والسلام وهو عنده خمسة وثلاثين سنة تقريباً، يعني قبل الوحي، قبل النبوة، قبل النبوة. بقيمة خمس سنوات، نعم كانت قريش قد هدمت الكعبة وبنتها من جديد، نعم، وأرادوا أن يعيدوا الحجر الأسود
إلى مكانه. كان كل زعماء القبائل يتخاصمون قائلين: "أنا الذي سأضع الحجر"، "أنا الذي سأضع الحجر"، "ألست أنا من دفعت كذا"، "ألست أنا من فعلت كذا"، "ألست أنا...". وهكذا اشتدت الخصومة، فقالوا: "حسنًا، سنحتكم إلى أول شخص يدخل علينا". من هنا فلما دخل وجدوه محمداً استبشروا وهللوا وكبروا وقالوا: جاءكم الصادق الأمين الذي هو الشخص الذي نرتضيه جميعاً واستبشروا خيراً أنه كيف يرسل ربنا سيدنا النبي الذي اتفق عليه الجميع ناهضين بحكمة والذي هو حَكَم مرضي عند الجميع، كيف يرسله الآن، وعرضوا عليه المشكلة كل واحد منا. يريد أن ينال شرف الوضع، فماذا نفعل؟ قال لهم: هذه مسألة بسيطة، وذهب وخلع عباءته ووضعها ووضع الحجر
فيها، وقال لهم: كل واحد يشارك في النقل، ثم بعد ذلك أنا سأضعه، فيكون كلكم قد اشتركتم في النقل والوضع والتبرك، ويكون لكم أن تقولوا هكذا: أنا الذي وضعت الحجر، أنا الذي وضعت الحجر مع... إننا متعددون من غير ذلك ما شاء الله، النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطينا نموذجاً لأنه يفعل هذا، فها نحن نترجم ذلك. لقد وصل إلى مرتبة الصادق الأمين عندهم جميعاً، والحكم المرضي عندهم جميعاً. لماذا؟ لأنه حب الأوطان صحيح. تعال اليوم إذاً، شخص يأتي ويظهر. من يقول لي إنني لا أحب مصر لأنني مسلم، فهذا كلام فارغ. كيف يكون المسلم
لا يحب وطنه؟ عندما يقول: "أنا أحب الإسلام كله"، ماذا يعني بذلك؟ وهل يتعارض حبك للإسلام مع حبك لوطنك؟ هذه القضية عندما تؤسس بشكل صحيح من البداية، فإن سيدنا النبي علمنا أن نحب الأوطان وأن نفصل بين... الأشخاص والأفعال علمتنا أننا نحكم بينهم، علمتنا أننا نتخلق بالأخلاق التي تجعلنا مقبولين قبولاً عاماً منهم: الصدق والأمانة والنصيحة والإخلاص. علمتنا أننا أمناء، ولذلك نحن نبدأ بالمبادئ ولا نضيع المصالح، ونعمل التوازن
ما بين المبادئ والمصالح. حسناً، نذهب إلى فاصل يا مولانا ونعود لنستكمل الحديث عن التوازن بين المبادئ والمصالح. ها قد عدنا. إليكم بعد الفاصل الجزء الثاني من حلقة اليوم من برنامجكم "السراج المنير" مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. مولانا، فضيلتكم أوضحتم لنا في الجزء الأول أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب الوطن وتكرّم بوضع الحجر الشريف بيده الشريفة بعدما وضعه على عباءته إذ هم... كانوا يتقبلون تصرفات النبي أو حكمته، لكن هل توجد نماذج أخرى للصبر على المكاره من بعض المشركين؟ كلنا نعرف بعض الأحداث
التي فيها بعض السفهاء من المشركين يؤذون النبي عليه الصلاة والسلام. نريد أن نتطرق إلى هذا الأمر. كان النبي عليه الصلاة والسلام إماماً في الحلم، كان إماماً في الحلم. نعم، كان إماماً في الحلم والصبر كما أنه كان إماماً في الحكمة. وما ذكرناه من حب الوطن ومن الحكمة والنصيحة والأمانة والصدق والصبر إلى آخر هذه الصفات كانت أيضاً قبل النبوة. ووضع الحجر الأسود الذي تحدثنا عنه كان قبل النبوة عندما واجههم في قضية التوازن ما بين المبادئ والمصالح. هذه مشكلة كبيرة في العالم خاصة في هذه الديار التي تحارب الدين وتحارب خاصة الإسلام وما إلى ذلك، وتحارب الدين كله. قضية بماذا نبدأ: بالمبادئ أم بالمصالح؟ فهو
لديه فكرة المشرك هذه أنه مصالح فقط ولا مبادئ. وإذا تخلقنا أو التجأنا إلى مبادئ فمن أجل المصالح، فمن أجل المصلحة يعني. من أجل المصالحة، وهذه هي نظرية يسمونها البراجماتية، نعم مصالحة، لكن ما شأني بذلك؟ وهذا هو ما يقوله فريدمان الآن أنه مات، وأن كل شيء يقوم بالدولار، حتى الأخلاق، حتى المقدسات، حتى كل شيء. وهذا ما كانت الجاهلية تقول لك فيها: الذي تعرف ديته اقتله، أي لا، نحن عندنا لا يقتلونه. صحيح أن الذي يعرف ديّة أحدهم يستطيع التعامل معها، لكنني لن أقتله. هل تقدر على دفع ديته؟ نعم، تقدر على دفع ديته، ولكن القتل حرام، وهذا سيُدخلني جهنم إذا قتلت عامداً متعمداً. فإذاً
هذه النظرة المادية التي تقدم مصالح الدنيا على المبادئ كانت هي المسيطرة على المشركين، ولذلك أول ما أُرسل النبي صلى الله عليه وسلم وجهر بالرسالة. رأينا سفهاءهم وهم يؤذونه، فعقبة ابن أبي معيط، نعم، وجد النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد يصلي في الكعبة، نعم، فجاء بعباءته ولفها وخنق النبي، لا حول ولا قوة إلا بالله، خنق النبي من الخلف هكذا، أي أنه غير متمكن منه، نعم، كان من الممكن أن يموت في يديه ولكن الله سبحانه. وتعالى قال بعد ذلك أي علمه وقال والله يعصمك من الناس، لم يستطع أحد قتله بالرغم من كل ما حضره من الغزوات وكل ما حارب في سبع غزوات
كبيرة بنفسه، وكنا إذا اشتد الوطيس احتمينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يستطع أحد قتله عليه الصلاة والسلام لأن الله قال: "والله يعصمك من الناس"، هذا عقبة ابن أبي معيط عندما خنق النبي مرة واحدة، فذهبت وأخبرت أبا بكر، فجرى إلى صاحبه ودفع عقبة بعيداً عنه قائلاً: "أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟" نعم، "أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟" هذا معناه أن عقبة كان يخنق خنقاً قاتلاً ليس... لا أريد حقًا، يعني هذه قضية تتعلق بالنبي عليه الصلاة والسلام واجه هذا واجه غيره، ولكن واجه هذا بأن هؤلاء هم العملاء خاصتنا، أصحاب الدعوة، نعم الذين يجب أن ندعوهم حتى آخر رمق فيهم. النبي صلى الله عليه
وسلم كان ساجدًا أيضًا، فجاؤوا وقالوا: لا يوجد أحد يذبح اليوم. قالوا: بنو فلان. كانوا يذبحون، فعقبة بن أبي معيط هذا أيضاً نعم ذبح جزوراً فأتاه بأحشائها الداخلية ورماها على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم. لو قام النبي عليه الصلاة والسلام هكذا لاضطربت الدنيا، يعني لحدثت فوضى والفتنة كلها. فالنبي عليه الصلاة والسلام لم يرفع رأسه بل ظل ساجداً. بينما كان أحدٌ ينتظر مَن يُزيل هذه المصيبة، جاءت السيدة فاطمة عليها السلام، فأخذته من على ظهره، ودعت على
مَن صنع ذلك بالنبي، قالت: "اللهم عليك بالملأ من قريش، أبي جهل، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأمية بن خلف"، ودعت عليهم. السيدة فاطمة بدأت بالدعاء على الذين كانوا يؤذون النبي عليه الصلاة والسلام. على أبيها والنبي عليه الصلاة والسلام يقول الذي روى الحديث: "فرأيتهم قتلى يوم بدر". ستون شخصاً، دعت فاطمة عليهم، وهم الذين قُتِلوا، سبحان الله. "فرأيتهم قتلى يوم بدر فألقوا في بئر"، باستثناء أمية بن خلف الذي كان جسيماً، أرادوا إلقاءه في البئر لكن فوهة البئر لم تكن متسعة بما يكفي لضخامة جسمه وطوله. فتقطعت أوصاله من محاولة
الرمي هكذا تمزّق فلم يلقِ البئر، حفروا له حفرة ودفنوه فيها. كانوا يسمون هذه البئر القليب، نعم، فسُمّي هؤلاء بأهل القليب الذين دعت عليهم السيدة فاطمة ودعا عليهم النبي. على فكرة أيضاً في موقف آخر، إذاً نحن أمام شخص قد علّق قلبه بالله، شخص صبر. على الأذى شخص قدّم الدعوة متجاوزاً الانتقام الشخصي فلم ينتقم، فهناك صبر جميل والله المستعان على ما تصفون. عندما جاء إليه خباب بن الأرت وقال: "يا رسول الله، استنصر بنا"، يعني تعال لنفعلها، ننزل ونضربهم ونجعلها
دامية، نقوم باغتيالات وقتال. فاحمرّ وجهه غضباً، أي تغير لونه من شدة الغضب. غَضِبَ صلى الله عليه وسلم وقال: ألا إني رسول الله ولينصرني الله حتى تسير الظعينة من مكة إلى الحيرة لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها. رفض هذا وقد كان يؤتى بالرجل ممن كان قبلكم فيوضع المنشار في مفرق رأسه فينشر ما بين لحمه وعظمه لا يرده ذلك عن دينه. شيئاً يعني الصبر لدرجة العدوان على الذات، ماذا سنفعل؟ فنحن في النموذج المكي في بلاد هي أوطاننا لكن السيطرة لغير المسلمين الذين يؤذون
المسلمين ولا يرضون لا بحرية العقيدة ولا بحرية الممارسة، فعلينا أن نصبر. النبي صلى الله عليه وسلم في مكة أيضاً بدأ سراً ولذلك كان يجتمع مع. أصحابُه في دارِ الأرقمِ بنِ أبي الأرقم. حسناً يا مولانا، انتهى وقتُ الحلقةِ، هل يمكننا أن نستكملَ في الحلقةِ القادمةِ "الدعوةَ سراً" ونستكملَ "الصبرَ على المكارهِ في الأوطان". نعم، في النموذجِ الأولِ، اسمحوا لي باسمِ حضراتِكم أن نشكرَ فضيلةَ الإمامِ العلامةِ الدكتورِ علي جمعة على وعدٍ باللقاءِ مع فضيلتِه في الحلقاتِ القادمةِ إن... شاء الله من برنامجكم السراج المنير، فإلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم
وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شكراً.