برنامج السراج المنير: حال المدينة المنورة عند الهجرة

برنامج السراج المنير: حال المدينة المنورة عند الهجرة - السراج المنير, السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد. وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة
من حلقات برنامجكم السراج المنير مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بك يا مولانا. أهلاً وسهلاً بكم يا مولانا. كنا في الحلقة الماضية في أواخر النموذج الخاص بالحبشة، النموذج الثاني. وكنا قد وصلنا إلى أن النجاشي كان يهنئ المسلمين بفوز الرسول عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر. نريد أن نعود إلى الوراء سنة صغيرة لكي نبدأ نموذج المدينة، وما هي الأحداث التي كانت تحدث كي يستعد الرسول عليه الصلاة والسلام للهجرة إلى المدينة. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. وآله وصحبه ومن والاه عليه الصلاة والسلام حتى يكون جل المشاهدين معنا في حلقاتنا هذه فإننا نرجع ونقول إن هناك نماذج أربعة تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين للمسلم منهاج معيشته
وتعايشه مع العالم. النموذج الأول هو نموذج مكة، والنموذج الثاني هو نموذج المسلمين في الحبشة. النموذج الثالث هو نموذج المسلمين في المدينة في أول الأمر، والنموذج الرابع هو نموذج المسلمين في المدينة في آخر أمرهم إلى أن انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى. هذه النماذج الأربعة هي عبارة عن معيشة المسلمين أو المسلم في بلاد تحارب الإسلام أو في بلاد لا. تحارب الإسلام وإن كانت غير مسلمة أو في بلاد تتعدد فيها الأعراق والأديان وهكذا، أو في بلاد تتمحض للمسلمين ويكون الغالبية العظمى أو كل الناس في هذه البلاد من المسلمين. المسلم عندما يعيش في كل
واحدة منها فإنه يعيش بطريقة مختلفة على قواعد تركها لنا الشرع الشريف، هدانا إليها رسول. الله صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام، نحن أنهينا في كلامنا في حلقات سابقة نموذج مكة ونموذج الحبشة، ووقفنا وأعطينا أمثلة كيف نقرأ هذه النماذج حتى نستفيد من كل لحظة من لحظات حياة سيدنا صلى الله عليه وسلم، وكيف نحولها إلى هداية بل وإلى برامج عمل وإلى قواعد نعيش. بها في عصرنا الحاضر بل وفي العصور الآتية مع أبنائنا وأحفادنا. كيف نفعل ذلك؟ ضربنا الأمثال ونحن الآن على مشارف الدخول إلى النموذج الثالث وهو نموذج المدينة. المدينة لم
تكن هي المكان الوردي الذي سينتقل إليه المسلمون فتحل مشكلتهم وينطلقون إلى الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، بل المدينة في حد ذاتها كانت مقسمة في داخلها إلى قسمين كبيرين، القسم الأول هو قسم المشركين والقسم الثاني هو قسم اليهود. كان اليهود على ثلاثة أقسام، ثلاث قبائل كبيرة: بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة. وكل من هذه القبائل أتت قديماً عندما حدثت الهجرة إلى السبي البابلي أو عندما
طُردوا من أماكنهم في فلسطين على يد الرومان إلى آخره، ولذلك كان هؤلاء يتكلمون العربية لكنهم يحافظون على ديانتهم اليهودية. وكانوا في الحقيقة لهم أحلاف ولهم تكتلات، أما فيما بينهم فكانوا على كلمة واحدة في الظاهر، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، فكانوا يكره بعضهم بعضاً، ولكن في الظاهر هم على كلمة واحدة. ثم إنهم يحالفون أيضاً المشركون المشرك العربي الأصيل كان ينقسم إلى قسمين: الخزرج والأوس أو الأوس والخزرج. كانت قبيلة الخزرج هي القبيلة الأقل، وكانت قبيلة الأوس هي القبيلة الأكبر. وكانت
الخزرج توالي بعض اليهود، والأوس يوالون يهوداً آخرين. هذه هي حالة المدينة، اليهود يعملون على إيقاع العداوة بين الأوس والخزرج. النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو قبائل العرب كل موسم عندما يأتون إلى الحج، والموسم يحدث في ذي الحجة، فكان يجلس مع زعمائهم ومع أفرادهم يحاول أن يعرض عليهم الإسلام، منهم من يُسلم ومنهم من يأبى، وكان أهله يحذرون الناس منه مرة بأنه ساحر، ومرة بأنه مجنون، ومرة بأنه مدعٍ. بأنه لديه مصالح وأغراض إلى آخره حتى ينفِّر الناس منه. خرج
رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة التي حدثت فيها بيعة العقبة الأولى، وعند جمرة العقبة، وكان ذلك ليلاً، لقي رهطاً من الخزرج فقال لهم: "مَن أنتم؟" قالوا: "نفرٌ من الخزرج". فقال: "أمِن موالي يهود؟" يعني من حلفائهم. قالوا نعم، إذا كان الموالي يهوداً من حلفائهم معناها أنهم استمعوا لهم وعرفوا أن هناك إلهاً، وعرفوا أن هناك كتاباً، وعرفوا أن هناك نبياً، وعرفوا أن هناك يوماً آخراً، عرفوا ذلك من اليهود حتى لو لم يؤمنوا به. قال: أفلا تجلسون لأكلمكم؟ طبعاً اليهودية ليست دين دعوة، يعني هي
مرتبطة ببني إسرائيل. ولذلك لم يدعُ اليهود غيرهم من الأمم لأنهم هم يعبدون ما كان يعبد آباؤهم عليهم السلام سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل وسيدنا إسحاق وسيدنا يعقوب إلى الأسباط وإلى آخره، لكن مع هذا فإنهم لا يدعون غيرهم إلى أن يفعلوا هذا، لأنهم يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار ولا يريدون أحداً أن يدخل معهم. معه ليس لديه، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أفلا تجلسون فأكلمكم؟" قالوا: "بلى"، فجلسوا معه صلى الله عليه وسلم، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم الإسلام، وقالوا له: "إننا تركنا قومنا في يثرب" يعني الأوس والخزرج، بينهم من العداوة والشر ما بينهم، فإن
الأوس والخزرج كانا أخوين لأب وأم. أي أنهم إخوة، فوقعت بينهما العداوة وتطاولت بينهما الحروب، فمكثوا على تلك الحروب والمقاتلة أكثر من مائة عام، يا ساتر! فإذا الحقيقة أن اليهود هم الذين أحدثوا هذه الفتن بين الأوس والخزرج الإخوة الذين هم من أب واحد ومن أم واحدة، بنظام فرّق تسُد، أي يوقعون بينهم حتى يسودوا هم. في الواقع هكذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم يعني لم تكن يثرب هي المكان المنفتح الذي ليس فيه مشاكل أبداً، بل فيه مشاكل في أصل التركيبة. نعم، يعني ماذا نقول أكثر من أن هذا أخو هذا وشقيقه، إلا أن الوضع في المدينة لم يكن مريحاً ولم يكن ولكن.
النبي صلى الله عليه وسلم لا يطلب مُلكاً، ولا يطلب كرسياً، ولا يطلب شيئاً من هذا، إنما هو يطلب الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. هكذا كانت بدايات النموذج المدني: أنني ذاهب إلى مجتمع متعدد، سأذهب إلى مجتمع مليء بالمشاكل المتراكمة، هذه المشاكل عبر مائة سنة، هناك فاعل وراء هذه المشاكل. وهي هذه القبائل الثلاث اليهودية التي من مصلحتها تطبيق مبدأ فرّق تسُد، ثم إن هناك من المشركين من سوف يعارضني، ثم إن هناك من المتلونين الذين سيكونون بعد ذلك تحت عنوان النفاق أو المنافقين، ثم إن هناك أيضاً تيارات
أخرى خارجية ستكون ضد حركة الإسلام والمسلمين. كيف ننشئ الدولة؟ مع هذه التعددية ومع هذه الأخطار الداخلية والأخطار الخارجية، وفي ظل الحفاظ على التوازن ما بين المبادئ والمصالح، إنها مهمة صعبة شاقة. ولكننا لأننا لا نريد الحياة الدنيا فقط، ولا نريد مُلكًا أو كرسيًا أو غير ذلك، بل نريد وجه الله ونريد الدعوة إلى الله ونريد الحق الذي اقتنعنا به. به أن نبلغه للناس فإننا ومع هذا الحال سوف نذهب إلى تجربة فريدة تمثل نموذجاً يُستفاد منه إلى يوم الدين. الله يفتح عليك يا مولانا. سنخرج إلى فاصل ونعود لنستكمل هذه التجربة. فاصل
ونعود إليكم فابقوا معنا. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عدنا إليكم من الفاصل، الجزء الثاني من حلقة اليوم. من برنامجكم الإذاعي المنير مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. قبل أن نخرج إلى الفاصل يا مولانا، كنتم قد أوضحتم لنا المخاطر التي كانت تنتظر المسلمين في يثرب، ومع ذلك قرر النبي عليه الصلاة والسلام أن يواجه هذه المخاطر لإنشاء الدولة الإسلامية. في العقبة الأولى جاء حوالي... اثنا عشر الذي جلس معهم من الخزرج، بعد ذلك في
المرة الثانية في العام الذي بعده جاء نحو السبعين وكان فيهم من النساء، وبعد ذلك أرسل معهم مصعب بن عمير من أجل أن يعلمهم الدين، ونزل في هذا الحد صلاة الجمعة فصلى بهم الجمعة، وأول من جمع في المدينة هو مصعب بن عمير، ثم بعد ذلك قرر سيدنا صلى الله عليه وسلم بعدما سافر بعض أصحابه، منهم أبو سلمة وله قصة طويلة مع أم سلمة ذكرناها في السيرة، ومنهم عمر بن الخطاب ومنهم غير هؤلاء من الصحابة، سافروا إلى المدينة بعدما جاء الأوس والخزرج وأسلموا على. يدُ النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة الثانية. بعد ذلك قرَّرَ النبي الهجرة. مشهد
من مشاهد المدينة مهم وهو أنه حصل عدوان على المدينة من قِبَل قوم بأس اليهود، وانتصرت المدينة على هؤلاء الأعداء في حرب سُمِّيَت بموقعة بُعاث. فلما انتصرت المدينة في موقعة بُعاث كان قائد هذا الانتصار... رجلٌ يُسمى عبد الله بن أبي ابن سلول، وكان عبد الله بن أبي ابن سلول كأنه زعيم المدينة الأول من الأوس والخزرج، ثم إنه انتصر وجاء بالنصر، وهذا جعلهم يُقدّرونه ويفكرون في أن يُملّكوه على المدينة فيصير مَلِكاً، ثم إن عبد الله
بن أبي ابن سلول أرسل من أجل صنع التاج يعني انتهى من صناعة التاج الذي يضعه على رأسه. نعم، كان عبد الله معه في العقبة الثانية، فسأله أبو جهل: "سمعنا أن قومك قد أسلموا"، فقال: "لو فعلوها لذكروا ذلك لي" باعتبار أنه الكبير وأنه هو الذي سيصبح الملك وأنه هو كذا إلى آخره. هذا حدث بعد ذلك عندما جاء. شعر النبي بأن النبي قد أخذ منه شيئاً وأراد أن يلتف حول هذه الحالة من خلال ذكائه وقياداته وكاريزمته السياسية، فأصبح من المنافقين، نعم، بل أصبح كبير المنافقين - رضي الله عنه - ورأس النفاق في المدينة، وكان يُعظِّم النبي صلى الله
عليه وسلم وفي نفس الوقت لا يستطيع أن ينسى. أنه الذي أخذ منه هذا فكان يفتخر به ويتقرب إليه ويخادعه وفي نفس الوقت يتبرك به، يعني شيء غريب عجيب من الحيرة والتردد، لكنه كان منافقاً خالص النفاق، طلب من النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءته الوفاة أن يعطيه بردته حتى يُكفَّن فيها، يعني ليس في الدنيا فقط. لا بل حتى يقال بعد وفاته أنه قد أخذ عباءة الرجل الكبير الذي لدينا فأعطاها له النبي، أعطوه شملته وصلى عليه عليه الصلاة، حتى نزل في ذلك القرآن. المهم أن النبي صلى
الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة وهو يعلم حال هذه المدينة من وجود اليهود ومن وجود الانشقاقات. من أنَّ هناك نصراً قد حدث يفتخر به أهل المدينة، ومن أنَّ هناك من سوف يحاول سرقة هذه الدعوة، ومن أنَّ المدينة كانت فقيرة من ناحية، وكان بها وباء الحمى من ناحية ثانية، وكان دخول المهاجرين من أهل مكة، أهل السعة والراحة وأهل العاصمة الأساسية، إلى هذه المدينة تُحدث نوعًا من أنواع الاختلاف والاختلال الطبقي فيما بين الوافد والمقيم،
كل هذه مشكلات سنرى في نموذج المدينة كيف تعامل معها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أسس بها قواعد لإنشاء الدولة الجديدة، أو تجاوز الكيان المشكلات الطاحنة التي تجعل الإنسان يائسًا من أن يفعل شيئًا، ولكنه صلى الله عليه وسلم علمنا كيف نتجاوز هذا. هذا هو المشهد قبل أن ندخل بالتفصيل على ذلك النموذج. بدايته أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مهاجراً وكان معه أبو بكر، وكان معه عامر بن فهيرة من موالي أبي بكر، ولحق بهم في قباء سيدنا علي. وصل النبي صلى الله عليه وصل إلى قباء
يوم الاثنين هو وأبو بكر وعامر وكذا، وكان معهم عبد الله بن أريقط وهو الدليل. عبد الله بن أريقط لم يُسلم، لكن النبي وثق في شرفه وفي عهده وفي خبرته وعلمه، لأنه لما خرج بهم من مكة ذهب إلى اليمن في طريق اليمن حتى. لا يعلم أحد أين ذهب ثم جاء والتف وصعد إلى الشمال في طريق غير مطروق لكنه يعلمه، وهنا شاهدهم سراقة، وعلى هذا الطريق التقوا بأم معبد، وعلى هذا الطريق وقبل أن يدخلوا قباء قابلهم الزبير وهو راجع من الشام بتجارة، وكل هذه الحركة كانت بفضل وبخبرة وبعلم عبد الله بن أرأيت المشرك؟
نعم، هذا أيضاً نموذج من نماذج التعايش الذي أسس له رسول الله صلى الله عليه وسلم في كيفية أن نعيش في الدنيا. سيدنا، لقد انتهى وقت الحلقة، ونحن في كل حركة أو في كل خطوة من خطوات الرسول عليه الصلاة والسلام نجد تعايشاً حتى في استخدام عبد الله. بن أوليك التلمشق كدليل في رحلة الهجرة نبدأ بهذا في حلقة قادمة إن شاء الله. اسمحوا لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة على وعده باللقاء مع فضيلته في حلقات قادمة إن شاء الله من برنامجكم السراج المنير. فإلى ذلك الحين نستودع الله دينكم. أماناتكم وخواتيم
أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شكراً لكم.