برنامج السراج المنير: عالمية الدعوة الإسلامية ج1

برنامج السراج المنير: عالمية الدعوة الإسلامية ج1 - السراج المنير, السيرة, سيدنا محمد
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى المَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. أَمَّا بَعْدُ، فَسَلَامُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ. حَلْقَةٌ جَدِيدَةٌ
مِنْ حَلَقَاتِ بَرْنَامَجِكُمْ "السِرَاجٌ المُنِيرٌ" مَعَ فَضِيلَةِ الإِمَامِ الْعَلَّامَةِ الدُّكْتُورِ عَلِي جُمْعَةَ مُفْتِي الدِّيَارِ المِصْرِيَّةِ. أَهْلًا وَمَرْحَبًا بِكُمْ يَا مَوْلَانَا. أهلاً وسهلاً بكم في الحلقات السابقة يا مولانا. لا زلنا في برنامج السراج منير نتعرف على كيفية التعايش مع الآخر. نريد أن نعرف في حلقة اليوم يا مولانا كيف تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وفد نصارى نجران. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وضع الله سبحانه وتعالى لنبيه معالم الطريق، قال له: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" أي أنه خلى مسؤوليته البشرية، خلى عنه مسؤولية الهداية. إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله من يشاء رسم الله له معالم الطريق بأن
الأمر قد يقوم على شيء من البر، "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم". والقسط هو العدل، إن الله يحب المقسطين. رسم له معالم الطريق وهو يتعامل مع الآخر فقال له لا. إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. الله سبحانه وتعالى مع أهل الكتاب بالذات يقول: "يا أهل الكتاب لِمَ تُحَاجُّون في إبراهيم وما أُنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون. ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديًا ولا نصرانيًا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين. إن أولى الناس بإبراهيم
للذين اتبعوه وهذا النبي. إذا كنتم تريدون الديانة الإبراهيمية فهذا النبي هو خير من يمثلها وهو من أبناء إبراهيم من طريق سيدنا إسماعيل. ابن سعد يخرج في طبقاته أن رجلاً من الأحبار قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم للنبي صلى الله عليه وسلم: "يا محمد، أتريد منا أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم؟" فهناك إذاً نموذج هو نموذج النصارى الذين رأوا الخلاص في سيدنا عيسى باعتباره - كما قالوا عنه - أنه ابن الله. فهذا نموذج أمام اليهود، فيقولون: "ماذا تريد أنت؟" الجديد: هل تريدنا أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ابن مريم؟ وقال
رجل من نصارى نجران: يا محمد، هل تريد أن نعبدك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر أحداً بعبادة غيره، ما بذلك بعثني ولا أمرني" عليه الصلاة والسلام. أنزل الله. سبحانه وتعالى في هذا الشأن قوله: "ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون، ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً، أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون" وفي هذا الشأن... نزلت الثمانون
آية الأولى من آل عمران في هذا الوفد الذي استضافه النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، ولم يمنعه من الدخول فيه، فهم ضيوفه. فأكلوا وشربوا وجلسوا ورأوا. أظهر لهم أنه ليس في دين الإسلام أسرار، ولذلك فنحن ما نكتبه هو ما هو موجود في القرآن، هو ما في خطبة الجمعة ليس هناك حياة خاصة، بل ما نقوله وما نعتقده هو معلن من قِبَلنا أمام العالم. فلا، ليس عندنا دين سري ولا دين مخصوص بحيث أنه يعلمه بعضنا ولا يعلمه الآخرون، كما في بعض الأديان تجد أنهم هناك طائفة من الحكماء تعلم وهناك طائفة لا تعلم، هناك طائفة... من الكهنة تعلم وهناك طائفة من
الشعب لا تعلم أبداً. المسلمون يسعى بذمتهم أدناهم. ربنا سبحانه وتعالى يقول بعد هذه الحكاية التي حكاها عن قصة الجدال الذي حصل بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين وفد نجران: "وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم مصدق لما معكم، لتؤمنن به ولتنصرنه قال: أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين. صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم نصارى نجران وأقامهم في شطر مسجده يؤدون شعائر دينهم داخل المسجد الخاص بسيدنا ومولانا، داخل المسجد نفسه، وكتب
لهم عهداً جاء. ولنجران وحاشيتهم جوار الله، نجران وحاشيتهم يعني مَن تبعهم من القبائل العربية الأخرى، فلهم جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله عليه الصلاة والسلام على أنفسهم وملتهم وأرضهم وأموالهم وغائبهم وشاهدهم وبِيَعهم. لا يُغيَّر أسقف عن مكانه ولا راهب عن رهبانيته، لا يتدخل في العبادة ولا يتدخل. في التَّرتيب حتى الإداري الأساقفة والمطارنة وما إلى ذلك، ولا واقفٌ عن وقفانيته وهو المسؤول هذا الذي هو ناظر الوقف أو ناظر البيت أو
من يُطلِقون عليه القيِّم لأنه يقوم بشؤون هذا البيت الذي فيه صليب النصارى. إذًا العلاقة التي كانت بينه وبين الآخر هي احترام العقائد وعدم ازدراء الأديان في حريتها وكذلك إلى آخره أيضاً في طبقات ابن سعد في نصوص غريبة عجيبة يمكن تتبعها والتمتع بها. أنا أستعمل هذه الكلمة "التمتع بها" لأن المرء وهو يقرأ يكون مسروراً. يعني في طبقات ابن سعد أنه نص - صلى الله عليه وسلم - في معاهدته معهم أن لهم ما تحت أيديهم من قليلٍ وكثيرٍ من بيعهم وصلواتهم ورهبانيتهم لا يُحشرون ولا يُعشرون، يعني لا أحد يأخذ منهم ضرائب.
هذه الأملاك التابعة للكنيسة ليس عليها ضرائب لكي نتيح فرصة العبادة، ولكي لا يأتي الشعب المسيحي بعد ذلك ويقولوا: "أنتم منعتمونا من العبادة بفرض ضرائب علينا". لا، هذه معفاة من الضرائب. لماذا؟ لأنها تقوم بمهمة اجتماعية، ما هي؟ هي أن تجعلك متديناً، وما معنى كونك متديناً؟ أن تعمل وأنت تعرف الحلال والحرام، وأنه خطأ أن تقتل الناس، وخطأ أن تكذب، وخطأ أن تسرق، وخطأ أن تزني، وخطأ أن تفسد في الأرض. هذا أيضاً سينتج لي المواطن الصالح. فأنا أعفيها من الضرائب لكي تقوم بدورها الاجتماعي هذا. حسناً، دعنا نخرج يا مولانا إلى فاصل بعد إذن فضيلتك. نعم، نعود لنستكمل موضوع الإعفاء من الضرائب. والله إن كلام سيدنا كله عبر ومواعظ ومليء بالفوائد، ما شاء الله. فاصل، نعود إليكم
فابقوا معنا. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عدنا إليكم الجزء الثاني من حلقة اليوم من برنامجكم "السراج المنير" مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. قبل أن ننتقل إلى الفصل، يا مولانا، كنت تخبرنا عما ورد في طبقات ابن سعد عن إعفاء الكنائس من الضرائب. في طبقات ابن سعد توجد روايات كثيرة تصف حال... النبي صلى الله عليه وسلم ومن حوله من القوانين ومنها الجدال الذي تم مع وفد نجران. النبي عليه الصلاة والسلام، لو قرأت الثمانين
آية الأولى من سورة آل عمران ستجد أنها تحكي هذا الجدل، ولكن بالرغم من هذا الجدل العلمي الأكاديمي فإنه مفصول تماماً عن كيفية المعاملة العادلة معهم، يعني نعم نختلف اختلافاً في العقيدة واختلافاً بيّن واختلافاً واضحاً، لكنه في المجال الأكاديمي. أما في المعيشة فيدعهم يصلون في المسجد، ويأكلون ويشربون ويذهبون ويأتون، ولا يظلمهم في بلادهم، ولا يرسل إليهم جيشاً يضربهم ولا غير ذلك إلى آخره، ويتفق معهم اتفاقات فتكون اتفاقات عادلة ترضي الجميع. هذا هو الذي نأخذه الذي تم بين النبي صلى الله عليه وسلم ووفد نجران يكون
له شقان: شق نستطيع أن نسميه الشق الأكاديمي الديني، وشق آخر هو الشق المدني وكيفية التعامل معه. الشق الأكاديمي الديني وصل الأمر فيه إلى قوله تعالى: "فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعو أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. هنا رفض وفد نجران المباهلة. يعني تصور أن الجدل الديني يصل إلى حد ما يمكن أن يكون دعاءً إلى الله: هيا بنا نذهب إلى الله حتى يُظهر آياته فينا إذا كانت الحجج قد انتهت في
الجدل. وانتهت، وإن كنتم لا تريدون ذلك، فهيا نذهب إلى الله، وهذا ما يُسمى بالمباهلة. هذه المباهلة في الحقيقة رفضها وفد نجران، إذ خافوا وكانوا يستشعرون صدق النبي وقوة إيمانه، واستشعروا هذه الحالة التي كانت قلوبهم فيها شيء من الإيمان، والأمر مخيف يخشونه، فخافوا ولم يدخلوا في هذه المباهلة. استعد سيدنا النبي للمباهلة وأحضر الحسن والحسين وفاطمة وعليًا وبسط الكساء وقال لهم: "تعالوا تعالوا، إذا كنا سنرفع الأمر إلى الله،
سنرفع الأمر إلى الله". فهذا كان يعني جزءًا مهمًا في قضية وفد نجران. وفي الحقيقة، توجد سنة تُسمى بسنة الوفود، نعم، جاءت إلى سيدنا رسول الله وفود كثيرة جدًا من الطريف في هذا أنه في وفد من الصين جاء من الصين من إمبراطور الصين، نعم، ويُذكر في بعض الأدبيات أن هذا الوفد رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه الصلاة والسلام لكي يُروه للإمبراطور في الصين. هذا الكلام ليس عندنا وليس في مصادرنا لكنه موجود. في أدبيات أخرى في الشرق أنه وفد الصين رسم النبي صلى الله
عليه وسلم، طبعاً هذا الرسم غير موجود الآن. من ضمن الأدبيات التي موجودة أيضاً أن هناك وفداً من المجر من بلاد المجر أتوا إلى النبي وأسلموا، سبحان الله. من ضمن هذا يعني هنا بدأنا في النموذج الرابع. الذي يعطينا عالمية الدعوة والذي يعطينا مركزية الإدارة يعني أصبح أن المدينة صارت مع المسلمين، لكن أيضاً بدأ الإسلام ينتشر في كل العالم. حتى في سنة الوفود هذه، كان هناك رجل في الأزهر في الستينيات اسمه الدكتور إسماعيل من المجر، وذكر أن هناك عقائد عندهم بأنهم أبناء الصحابة. لأن أجدادهم
الكبار جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا ورجعوا إلى المجر، ما شاء الله، وأنهم لا يعرفون متى دخل المسلمون المجر لأنهم دخلوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وطُبعت هذه المحاضرة من ضمن الأعمال الثقافية أو الموسم الثقافي للأزهر وأنا عندي نسخة منها، يعني هذا. للتوثيق وللتاريخ أو ما إلى ذلك، معلومة لم يعرفها كثير من الناس يا مولانا. نعم، فكان الصحابة موجودين بأولادهم في الحبشة، وكان الصحابة موجودين في الجزيرة العربية، وكان الصحابة موجودين في المجر. كان الصحابة... لا، الصحابة انتشروا، وهم الذين رأوا النبي وأسلموا به، وهذا العام الذي سُمي بعام الوفود يوجد وفود كثيرة لم تُذكر منها وفد الصين الذي نقول عنه، ومنها وفد
المجر، لم يقولوا أنه وفد المجر أو البلغار أو كذا أتوا، لكنهم كانوا يذكرون ما يعرفونه. فجاء وفد عبد القيس، وفد عبد القيس هذا يعني من ضمن الأشياء أنهم حين دخلوا على النبي عليه الصلاة والسلام قبّلوا. فوق يديه ورجليه، أي أنه كانت لديهم عادة تقبيل اليد وتقبيل الرجل. طبعاً تقبيل اليد والرجل أخرجه أبو داود، وهذا كان لرسول الله عليه الصلاة والسلام. إذن تقبيل اليد ليس فيه شيء، وتقبيل الرجل أيضاً ليس فيه شيء، ويفعلها الأبناء مع الآباء والأجداد وغيرهم إلى آخره. بشرط أن يكون التقبيل ليس إلا لوجه الله، يعني تعظيماً للنبي، حباً للنبي، وليس لأجل الدنيا. فالذي يُقبِّل من أجل الدنيا يكون مكروهاً، لكن الذي يُقبِّل من أجل الآخرة أو
إظهاراً للحب والاحترام كالوالدين أو كالعلماء أو ككبار السن أو شيء من هذا القبيل فلا بأس بذلك، وألَّف الأعرابي كتاباً اسمه القُبَل وألف شيخنا رحمه الله تعالى الشيخ عبد الله بن صديق الغماري كتاب "إعلام النبيل بجواز التقبيل". بدأت الوفود تأتي وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لبعضهم عندما يرى فيهم رغبة في الإسلام وهكذا إلى آخره، فيقول: "مرحباً بالقوم غير خزايا ولا ندامى" ويدعو لهم. وبعض الوفود يا مولانا كانت تتحدى يعني ليس كل الوفود كانت تأتي لتقبل اليد، طبعاً هناك وفود جاءت وعادت وهي كارهة، وجاءت وعادت
وهي مسرورة لكنها لم تسلم، وجاءت وأسلمت ورجعت مرة ثانية، وجاءت فأسلمت فجلست في المدينة، وجاءت وأسلم بعضهم ولم يسلم بعض، وهكذا يعني هو كل الحالات وُجدت، نعم هناك وفود أسلمت ووفود. لم تسلم هناك وفود رضيت ووفود لم ترضى، هناك وفود أحسنت وفادتها وهناك وفود جادلت وأظهرت غضبها إلى آخره، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الجميع ويخاطب الناس على قدر عقولهم عليه الصلاة والسلام. مرة مثلاً بنو تميم الذين كانوا ساكنين... في الرياض وما إلى ذلك جاؤوا
ينادون بطريقتهم هكذا: "يا محمد، اخرج إلينا، فإن مدحنا زين وإن سبّنا شين". يعني أتوا كأنهم يتخاصمون. نعم، لا، ماذا؟ طريقتهم هكذا. يعني انتبه أن كل شخص له طريقته. ليسوا يتخاصمون، هم أتوا لأنهم وفد يزور سيدنا النبي. "اخرج إلينا"، يعني طريقتهم هكذا. هذا بروتوكولهم هكذا. حسناً، هل يمكن يا مولانا أن نخرج بعد إذنك لأن وقت الحلقة قد انتهى، وسنستكمل قصة وفد بني تميم عندما جاؤوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام في الحلقة القادمة إن شاء الله. نعم بالطبع، إن شاء الله. اسمحوا لي باسم حضراتكم أن نشكر فضيلة الإمام العلامة الدكتور مع فضيلته في حلقات قادمة إن شاء الله، فإلى ذلك الحين نستودع الله جليلكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.