برنامج السراج المنير: مفاهيم المواطنة في وثيقة المدينة

برنامج السراج المنير: مفاهيم المواطنة في وثيقة المدينة - السراج المنير, السيرة, سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. حلقة جديدة من حلقات
برنامجكم السراج المنير مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية. أهلاً ومرحباً بك يا مولانا. مرحباً. بكم أهلاً وسهلاً. في اللقاء السابق يا مولانا وصلنا إلى المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بكتابة وثيقة المدينة. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. نحن نتكلم الآن في النموذج الثالث وهو ما كان في... شأن المدينة المنورة نوّرها الله وشرفها بقدوم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أولًا، أي في الفترة الأولى التي كانت تتكون من المسلمين ومن المشركين ومن المهاجرين أيضًا مع الأنصار ومن اليهود كطرف ثالث، وهكذا وضع النبي صلى الله
عليه وسلم ما عُرف بصحيفة المدينة أو وثيقة المدينة وهي من الدساتير المهمة التي وُضعت في العالم قوانين حمورابي، ليس فيها مثل هذه الوثيقة، ووثائق جوستنيان أو غيره من الرومان ليس فيها مثل هذه الوثيقة. إنها وثيقة فريدة مؤيدة بالوحي الرباني ومؤيدة بمصالح الناس والعباد في هذه المسألة. وثيقة المدينة تحتاج أولاً إلى شرح وإلى تفصيل، وثانياً إلى استخلاص القواعد. وما يضبط حركة الأطراف في هذه الوثيقة. هيا بنا نقرأ مقتطفات من هذه
الوثيقة ونقف عندها. فيها: "هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب". إذاً هو هنا صلى الله عليه وسلم وهو يتكلم أن هذه الوثيقة ما بين المؤمنين والمسلمين من قريش. ويثرب هو يتحدث عن العلاقة بين الوافد والمقيم أو الوافد والأصيل، المهاجرين والأنصار. مشكلة الوافد على المجتمع مشكلة مركبة نراها الآن في فرنسا، ونراها في ألمانيا، ونراها في بلجيكا وهولندا، ونراها في إنجلترا، وهي أقل حدة في أمريكا. وعندما كانت
في غرب أوروبا هذه الحساسية لأن أوروبا كانت مسيحية وكانت مغلقة الأبواب. أمام كل وافد، ثم بعد ذلك لما دخلت في مرحلة العلمانية فإنها سمحت للجميع أن يدخلوا، ولذلك وجدنا ما يترتب على فكرة الكومنولث في بريطانيا مثلاً من دخول الهنود والشرقيين البلاد، وأصبحوا في الجيل الثاني والثالث مشاركين في بناء إنجلترا ومشاركين في الآداب الإنجليزية ومشاركين في الفنون الإنجليزية ومشاركين في بناء المجتمع وفي الدفاع عنه بدأت أبواب العلمانية تفتح أبواب هذه البلاد أمام الجميع بما فيهم المسلمون، فأصبح
هناك وافد، أصبح يستطيع المسلم أن يحمل الجنسية البريطانية أو الفرنسية أو غيرها. وإلى الآن، رئيس ألمانيا يضيّق على المسلمين، وكان له موقف متطرف من المسلمين كما هو معروف، وهناك معارضة. حتى من الألمان ضده في موقفه المتحيز وقال إن ألمانيا ليست بلداً إسلامياً ولكنها تعترف بالمسلمين، أي أنه يريد أن يفرق بين هذا وذاك في نوع من أنواع التعصب. وهذا التعصب لم نره في تلك الوثيقة التي وضعها النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنه يوائم ما بين الوافد والمقيم ويجعل هناك. عهدًا بينهما من أجل فكرة المواطنة على أبدع ما يكون، إذا
هذا الوافد دخل في المواطنة. ما المواطنة؟ المواطنة عبارة عن حقوق وواجبات، نستطيع أن نلخصها بما يمكن أن نسميه حقوقًا وواجبات. واجب عليّ أن أدافع عن البلاد، وألا أخون هذه الجماعة الوطنية، وأن أعمل على الأمن المجتمعي، وأن... أعمل على السلام الاجتماعي وفي نفس الوقت لي حقوق، هي حقوق أنني في ذمة واحدة، في جوار واحد، في قوة واحدة مع هذا المجتمع. لي حقوق وعليّ واجبات، ولذلك ففي هذه الوثيقة نجد هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن. تبعهم فلحق
بهم، إذا الباب مفتوح. ليس الأمر هو أمر تجنس في ساعة بعينها، بل الأمر أمر يتعلق بصفات معينة تتجاوز الزمن. يعني مثلاً القانون المصري جعل أن من كان واقفاً على قدميه في مصر سنة ألف وتسعمائة وأربعة عشر، فإنه يُمنح الجنسية المصرية، أي حد سنة ألف وتسع. مائة وأربعة عشر كان واقفاً بقدمه هكذا في أرض مصر فأصبح مصرياً في أي مكان أصبح مصرياً طيب، ومن هنا بعض الناس حصلوا على الجنسية المصرية لأنهم كانوا واقفين على أرجلهم هكذا طيب، الذي بعد ذلك الذي جاء فأصبح الذي أتانا سنة ثمانية وعشرين
قال لا هذه قضية أخرى نحن أربعة. سنقوم بعمل صورة هكذا لمن هو في مصر عام ألف وتسعمائة وأربعة عشر. هذه اللقطة، هؤلاء هم المصريون فقط. لكنني جئت بالأمس، قال: "تكون مصرياً"، ثم جئت بعد ذلك بسنة بعدما صدر القانون مباشرة بيوم، قال: "لا تكن مصرياً"، فادخل الآن في موضع آخر. فهنا في... الوثيقة تلفتنا إلى نقطة قانونية، أنا لا أقول أنه يجب علينا أن نفعل ذلك، لكنني أتأمل وأتدبر في كيفية فهم النموذج وفي كيفية هذا الفكر العميق، إنه فكر قانوني عميق، ومن تبعهم فلحق بهم الله. لم أتركها ولم أجعلها مثل ألف وتسعمائة وأربعة عشر، فماذا يقول هذا؟ فتبعهم.
ومن تبعهم فلحق بهم، نعم، هذا يكون فيه صفات معينة تجعله ممن لحق أو ممن لم يلحق. ويقول مؤكداً على هذه الصفات: "وجاهد معهم". نعم، يعني إذا كنت في الجيش المصري، أستعين ببعض الخبرات الأجنبية، وهذا وارد، هذا وارد. يعني الذي بنى الجيش المصري الحديث هو سليمان الفرنسي. الذي بنى أي ساعد بعض الجنرالات في بناء الجيش الأردني وفي بناء الجيش السعودي، يعني هناك أناس يأتون فيجاهدون معهم لأنهم أمة واحدة من دون الناس. كلمة "من دون الناس" أنشأت
الجنسية وأنشأت المواطنة، فيصبح الناس شيء ودول شيء وهؤلاء شيء آخر. وهنا عندما نتكلم عن قريش وعن يسر يصبح... حدد النطاق المكاني للمواطنة، وحدد الصفات لمن تبعهم فلحق بهم، وحدد الوظائف لمن جاهد معهم. إنهم أمة واحدة من دون الناس. من هم الناس الذين يصبحون بهذا الحال؟ هناك مسلم وليس في المواطنة مسلم، ولكنه ليس من مواطني المدينة، فهو ليس من المواطنين. وبعد ذلك سنرى في نفس... الوثيقة أنه جعل اليهود من المواطنين. حسناً، لنأخذ فاصلاً يا سيدنا ونعود لنستكمل الحوار عن موضوع الوثيقة. ولا بد إن شاء الله، فاصل ونعود
إليكم فابقوا معنا. عليكم ورحمة الله، عدنا إليكم من الفاصل. الجزء الثاني من حلقة اليوم من برنامجكم السراج المنير مع فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة. مولانا قبل أن نذهب إلى الفاصل كنت فضيلتك تشرح لنا موضوع وثيقة المدينة وتطرقت فضيلتك إلى أن اليهود أيضاً سيبدؤون بالانضمام إلى الوثيقة نعم في هذه الوثيقة يعني الحقيقة أقول إنها ما زالت بكراً وما زالت معيناً لا ينضب وما زالت لم تُشرح الشرح
الوافي الذي يُخرِج أفكاراً قد تكون أفكاراً. مبتكرة لم يفكر فيها القانونيون، نعم، الوثيقة مليئة. فأنا الآن أنبه إخواننا من العلماء وأنبه أبناءنا من الطلاب أن يجتهدوا في تأمل هذه الوثيقة وفي استخراج الكنوز التي بها. في هذه الوثيقة بعد ما قال صلى الله عليه وسلم أنه قريش ويثرب، أن المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب. ومن تبعهم فلاحق بهم وجاهد معهم أنهم أمة واحدة من دون الناس، فيقول المهاجرون من قريش على جماعتهم - الجماعة التي هي الربع،
يقال لك كيف ربعك؟ ربعك يعني جماعتك، نعم - المهاجرون من قريش على جماعتهم يتعاقلون بينهم. فكرة العقل هي فكرة تنشئ العائلة، تنشئ وشائج الأسرة، وهذا ما افتقدناه في قوانيننا. الحديث عن الاهتمام بالأسرة كخلية أولى لبناء المجتمع، بل إن التوجهات في فكر ما بعد الحداثة في الفلسفة تدعو إلى ذوبان الأسرة وتجاوزها حتى نتخلص مما يسمونه بالسلطة الأبوية. فما بعد الحداثة تريد القضاء على كل سلطان على الإنسان حتى يستطيع
في ظنهم وزعمهم الباطل أن يبدع، فإنهم لما تخلوا عن الدين وأخرجوه. من الحياء أبدع الإنسان النهضة الأولى، وحتى يدخل في النهضة الثانية هكذا يقولون فإننا لا بد أن نقضي على سلطة الدولة وسلطة الأسرة وسلطة اللغة وسلطة الدين وسلطة الثقافة، وبهذه الخمسة يصبح الإنسان هكذا يسير نهارك عاطلاً وليلك نائماً، كذلك في الدنيا تعيش البهائم. هذا هو المراد في النهاية كما يقول المهاجرون. من قريش على قبيلتهم يتعاقلون، فما حكاية تتعاقلون؟ الحكاية أنه يوجد شيء اسمه العقل. إذا قتلتُ قتلاً خطأً، تقوم عاقلتي بتحمل الدية. وعاقلتي هم من؟ هم أبناء عمي وعمي
والعصبة الخاصة بي، يتحملون الدية عني. وهذا ينشئ ماذا؟ ينشئ ترابطاً في الأسرة والعائلة وقوة. لماذا؟ لأن ابن عمي عندما يأتي... ويقول لا تفعل كذا اليوم، فأقول له: ما شأنك؟ لماذا تقحم نفسك في أموري؟ لكن عندما يكون هو عاقلتي التي ستدفع عني، فعندما يجدني أقود بدون رخصة يقول لي: "لا، أنت قد تقتل شخصاً وأنا الذي سأغرَّم وأنا الذي سأقع في المشكلة"، فلي الآن كلام عليه بسبب هذا الحكم. أنها عاقلتي يعني هذا حكم شرعي ووضع مراكز قانونية ولكنها قوّت العلاقة الأسرية، فالنبي صلى الله عليه وسلم أنزل المهاجرين وكأنهم عائلة واحدة. كلكم قادمون
من قريش من مكة، بالرغم من أن فيهم أناساً ليسوا من قريش كانوا ملحقين بهم مثل سيدنا بلال، وفيهم أناس مثل صهيب الرومي الذي دخل مكة وهو... فقيرٌ عَمِلَ وَكَسَبَ مالاً وفيراً، ثُمَّ أرادَ أن يُهاجِرَ، فقالوا له: أنتَ جِئتَ ولا تَملِكُ قرشاً واحداً، والآنَ تُهاجِرُ وحدَكَ هكذا؟ فهاجَرَ هذا الرَّجُلُ وأصبَحَ كأنَّهُ مِنْ قُرَيش، أي أصبَحَ ذا مكانةٍ. إذاً، قُرَيشٌ ليسَتْ مَسألةً نَسَبِيَّةً، وإنَّما هي قضيةٌ أصبَحَ لها معنىً آخَرُ يتجاوَزُ النَّسَبَ، وهُوَ العلاقةُ الوطنيةُ. فالمُهاجِرونَ مِنْ قُرَيشٍ يَتَعاقَلونَ فيما بينَهُم على أساسِ قَرابَتِهِم. أي أنه أنشأ فيما بينهم علاقة أخرى غير علاقة النسب وغير علاقة المواطنة أيضاً، بل جعلها علاقة عائلية. هذا الكلام جديد، وهذا الكلام
يجب أن يدخل في عصب وعقل القانون حتى يصبح للقانون دور اجتماعي يستطيع به أن يؤثر إيجاباً على المجتمع. المهاجرون من قريش على قرابتهم يتعاقلون بينهم، بالحقيقة أنا مسرور منه ومذهول منه، فقد أنشأ علاقة غريبة جداً ليست علاقة نسبية وليست علاقة مواطنة فقط، بل جعلها علاقة عائلية. كيف ننشئ هذه العلاقة العائلية في هذا المقال وهم يفدون؟ انظر إنه يقول هكذا: وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بينهم.
المؤمنين يكونون إذا هذه علاقة جديدة في هذه الوثيقة. إذا كان عندنا وقت متبقٍ نخصص دقيقتين ونصف أو دقيقتين. نعم، فيها وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم. الحقيقة هذا شيء مبدع جداً. تخيل ماذا يعني يجير عليهم أدناهم، سبحان الله. يعني ونحن في عصرنا هذا من هو أعلى واحد؟ أعلى... واحد رئيس الجمهورية وأدنى واحد، أدنى واحد، أبسط واحد يعمل في المجتمع، هذا الأبسط واحد يصلي وكتفه بجانب كتفي ويمشي. جاء كارتر لكي يراقب علينا في الانتخابات. كارتر يحتاج تأشيرة، افترض
يعني أنه يريد تأشيرة ليدخل بها البلاد، لأنه تجده معه جواز سفر دبلوماسي لا يحتاج تأشيرة، لا هو. أريد تأشيرة لدخول البلاد، والتأشيرة تحتاج إلى شخص يزكيه. من الذي يزكيه؟ أي شخص، حتى الضعيف منا الذي لا يُؤبَه له، لكن هذا الذي كتفه بجانب كتفي في الصلاة يُجير عليهم أدناهم. تخيل هذا الولد الذي يجمع القمامة مثلاً أو ينظف الشارع، تخيل أنه يُجير، فتُقبل إجارته في دخول الناس إلى بلدي. وفي خروجهم وفي كذلك تخيل هذا الشخص لو عرف أن له قيمة كبيرة هكذا، أيحب البلد أم لا يحبها؟ يحبها طبعاً، أيبذل روحه من أجلها أم لا؟ نعم. هذا الشعور بالانتماء، نريد
أن ندرس ونرى آثاره النفسية والاجتماعية وغير ذلك إلى آخره. إذاً نحن الآن أمام وطنية تتجلى عندما... قلت لك إن اليهود سيأتون، وها هم قادمون، وأن من تبعنا من اليهود فله النصر والأسوة بدون ظلم ولا تحالف ضدنا. يا سلام! إذاً اليهود جزء من المواطنة، وبعض الناس الخارجين عن هذه المواطنة ليسوا جزءاً منها، بالرغم من أن من التحق بهم وفقاً لشروطها كان منها. إذاً هذه الأمور رسمت لي دوائر متداخلة. لديَّ دوائر متداخلة في بعض الأحيان، منفصلة في بعض الأحيان، لها أسس مشتركة في بعض الأحيان. هذا هو النموذج الذي
سنبدأ بدراسته. سنبدأ ندرس نموذجاً في غاية التركيب، في غاية التعقيد، في غاية النفع، ولكنه أسوة حسنة. بارك الله فيكم يا مولانا وزادكم علماً ونفعنا بعلم فضيلتكم إن شاء الله. اسمحوا لي. باسم حضراتكم نشكر فضيلة الإمام العلامة الدكتور علي جمعة على وعده باللقاء مع فضيلته في حلقات قادمة إن شاء الله من برنامجكم "السراج المنير". وإلى ذلك الحين نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.