تقدم لي خطيب يشرب الخمر في المناسبات فهل اقبله؟ | أ.د علي جمعة

تقدم لي خطيب يشرب الخمر في المناسبات فهل اقبله؟ | أ.د علي جمعة - فتاوي
تقول: تقدم لي عريس محترم وممتاز. إذا ما معنى أنني موافقة عليه؟ عندما تقول "محترم وممتاز"، فهذا كلام يدل على أنه جيد، لكنه يشرب الخمر في المناسبات. عندما تأتي مناسبة وتُقدَّم فيها الخمور، فهو يأخذ كأساً من الشمبانيا، أي ربع كأس من الجن أو أي شيء من هذا القبيل. وهو ماشٍ، فهل حرام أن أقبل الزواج منه؟ صياغة السؤال
تدل على أنها موافقة عليه، لكنها بدينها يعني رأت فيه نقصًا. أما الخمر فهي من أكبر الكبائر، قال المسلمون عنها أم الخبائث، وضربوا لذلك مثلًا أن رجلًا عرض على امرأة الفاحشة فأبت، وكان عندها طفل، فساقاها الخمر حتى شربت معه. حتى سَكِرَ فوقع في الفاحشة دون أن يدري لأن العقل ذهب، وبكى الطفل فقتله، فسمّوها أم الكبائر لأنها قد أوقعته في
الفاحشة وأوقعته في القتل وأوقعته في السكر، ولذلك سموها أم الكبائر. فالخمر أم الكبائر كما أنها نجسة عند جماهير العلماء، ونجاستها تستوجب على هذا الإنسان الذي قد عصى الله سبحانه. وتعالى وشرب هذا الكأس من الخمر أو فم الخمر هذا أن يمضمض وأن يزيل النجاسة من فمه فلا تجوز له الصلاة إلا بذلك حتى قبل السكر يعني حتى لو لم يسكر بهذا القدر الضئيل الذي وضعه في فمه والعياذ بالله تعالى إذاً فيجب عليها أن تقرر في نفسها أن هذا الإنسان
يرتكب أعظم الكبائر ويجب عليها أن تقرر في نفسها أن هذا الإنسان يتنجس ويتلطخ بالنجاسات وهذا أمر مقزز. فالنصيحة الاجتماعية ألا تقبله. وما دامت قد سألت، فقد حاك في صدرها ما سوف يجلب عليها العذاب إذا ارتبطت به. ما دامت سألت، فهناك الكثير من الفتيات لا يسألن ولا. يشرب أو لا يشرب، فهذا يعني أنه أقل منها في دينها والتمسك به، فهي كفء له. لذلك فإن العاصي الذي لا يبالي أشرب أم
لم يشرب، لكنها سألت، وبسؤالها يتبين أنها سوف تعاني مع هذا الصنف الأقل في مستوى الدين حتى لو صلى وصام. فالنصيحة الاجتماعية التي تدعو إلى التكافؤ تقول لا، لا. نتزوج هذا الإنسان لأنه غير صالح لنا دينياً؟ حسناً، افترض أنكِ تزوجتِه، فإن الشرع لا يجعل المعصية سبباً في بطلان الزواج. وكذلك إذا رأيتِ امرأة متزوجة من رجل، ثم أنه ضلَّ ولم يكن يشرب الخمر فشرب، فهل العقد الذي بينهما انفصم؟ هل العقد
الذي بينهما اختل؟ أبداً. لماذا؟ قال العلماء لأن الحرام لا... يُحرِّم الحلال. انظر انظر، هذه القاعدة نريد أن نحفظها لأن الحرام لا يُحرِّم الحلال. عقد الزواج هذا حلال أم لا؟ حلال. شرب الخمر هذا حرام أم لا؟ حرام بالاتفاق. هل الحرام يستطيع أن يُبطِل الحلال؟ لا، لا، لا يستطيع. ولذلك هذه المعصية التي يقع فيها ذلك الشاب المحترم الممتاز دنيوياً فإنه لو... التصقت به، وعندما لم تستمع إلى النصيحة الاجتماعية التي نريد بها بقاء الأسرة وتحقيق السعادة وتكوين
أسرة قوية، فلا بد من الكفاءة. فإذا لم تستمع إلى صوت العقل الاجتماعي وتزوجت، صح زواجها. يبقى السؤال: هل يحرم علي أن أتزوج به؟ الإجابة: لا، ولكن لا نقول الإجابة "لا" إلا بعد المقدمة. إن هذه المسألة الطويلة هي لأننا عندما نقول الإجابة "لا، لا يحرم"، ونمضي، يظن بعض الناس أن الخمر حلال. لا، الخمر حرام باتفاق المسلمين شرقاً وغرباً، سلفاً وخلفاً. الخمر حرام، وهي التي حافظت على هوية المسلمين في البلاد التي دعت إلى الإلحاد وأرغمت الناس على الخروج من دين الله أفواجاً. تذهب هناك في تلك البلاد، ما
معنى أن يكون المرء مسلماً؟ يعني أنه لا يشرب الخمر؟ هل يعرف الصلاة؟ والله لا يعرف. هل يعرف الصيام؟ أبداً والله لا يعرف الصيام. هل يسير على الصراط المستقيم؟ لا الصراط المستقيم ولا غيره. إذاً ما معنى أن يكون مسلماً؟ انظر، انظر، انظر كيف أصبحت حرمة الخمر جزءاً من هوية الإسلام لأجل... لا نجلس لنلعب بهوية الإسلام. ما معنى أن تكون مسلماً؟ هل يعني فقط أنك لا تشرب الخمر؟ خلاص، هل أصبحت هذه هي العلامة؟ فتتابعت الأجيال وهم يحافظون على إسلامهم من ماذا؟ من تحريم الخمر، وليس من الصلاة والصيام؟ ليس من تحريم الخمر والصلاة والصيام يعني ذلك، لا، بل إن
الصلاة والصيام هما من أركان الإسلام. لكن بالرغم من ذلك أن الذي حافظ على الهوية هو مسألة تحريم الخمر. فالخمر أم الكبائر والخمر أم الخبائث والخمر نجسة والخمر محرمة باتفاق المسلمين، والخمر يجب علينا أن نأمر فيها بالمعروف وأن ننهى عن المنكر وأن لا نستهين بها. والنصيحة للسائلة ألا تقبل هذا الخاطب العريس الجديد وإذا... تزوجت امرأة بشارب خمر فزواجها حلال ومنعقد، وإذا رأت الزوج يشرب الخمر فذلك لا يؤثر على العقد الأول بالبطلان لأن الحرام لا يحرم الحلال. تبقى الأمور واضحة، لكن
هناك أناس من المتشددين يقولون لك: "لا، عليها أن تطلق فوراً". هذا تصرف أحمق، فالصحابة لم يفعلوا ذلك، ولم يطلقوا زوجاتهم ولم يزوجوهن لغيرهم بسبب ذلك. كان نعيمان رضي الله تعالى عنه لديه مشكلة في دمه، يبدو أنه كان مدمناً للخمر، فكان يتقلب عليه هذا الإدمان، فيشرب عندما يضعف أمام نفسه. كان يحب الرسول كثيراً، وكان سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه. وكان نعيمان يمزح كثيراً، فكان يأتي إلى الرسول باكياً قائلاً: "يا رسول الله، أقم عليّ الحد". يا نعيمان، لقد شربتَ بالأمسِ، فيُقيمُ عليه الحدَّ. تكررت هذه الحكاية
مرةً والثانية والثالثة والرابعة والخامسة. سَئِمَ عمر رضي الله تعالى عنه، فقال له: "دعني أقتل هذا المنافق يا رسول الله، أيلعب بنا أم ماذا؟" فقال: "لا، إنه يحب الله ورسوله". نعم، ولكن نعيمان في دينه ليس كالصديق. في دينه ليس كقيس بن شماس الذي لم يُرَ متبسماً قط لأنه يتذكر أهوال يوم القيامة فهو دائماً حزين هكذا. لا، إنه... نعم، كل هؤلاء صحابة، هذا صحابي وهذا صحابي وهذا صحابي. كان عمر جهوري الصوت، صوته
يملأ الدنيا هكذا، وكان أبو بكر رجلاً أسيفاً، أسيف يعني صوته خافت. يا دوبك يُسمى علي بجانبه، والاثنان من الكبار. انتبه، كان معنا فارس هو علي بن أبي طالب الفتى الغالب، اسمه هكذا "فارس همام"، وكان حسان بن ثابت يخاف من خياله. فالسيدة صفية عمة النبي قتلت محارباً في الحرب فقالت له: "اسلبه يا حسان"، أي أخرج الأشياء التي في جيبه وما يملك. مات الرجل وهذه غنيمة في
الحرب، قال لها: "لا يا أختي، وأنا لدي ما أتسلى به أنتِ"، قالت له: "إنه رجل يا حسان"، قال: "لا، ولا تجديني حسان، ذاك الذي قال له رسول الله: قل وروح القدس يؤيدك، كان شاعراً، والشاعر كما تعلمون يكون رقيق المشاعر، ليس هو". إنه لا يقتل ولا يحارب ولا شيء من هذا، وأنا لا أميل إليه. قالوا: دعوني وشأني. فسيدنا حسان رضي الله تعالى عنه هو أحد من الصحابة، لكن سيدنا علي أيضاً واحد من الصحابة. لذا يجب علينا أن نفهم هذه المسألة: التنوع وأن الإسلام لكل أحد، للشجاع وللجبان،
للغني وللفقير، للجريء والمتحفظ، وللجهري وللصامت. وللتوضيح، كان سيدنا نعيمان هو الذي يعمل للنبي مقالب هكذا، فيضحك النبي. كان يذهب إلى البقال ويقول له: "أنا أريد هذه الأصناف للنبي وصحابته"، فيعطيها له البائع على أساس أن النبي طلبها. فيأخذها ويذهب إليهم قائلاً: "هذه على فكرة من البقال الفلاني"، فيفهمون أنها هدية، فيجلسون يأكلون. وكل شيء ويستمتعون، وبعد أن ينتهوا يأتي البقَّال يقول له: "يا رسول الله، الحساب أربعة دراهم". "حساب ماذا يا بني؟". "نُعيمان جاء وأخذ أشياء لكم". ونُعيمان وراء العمود جالس يضحك، فينظر إليه النبي هكذا
ويقول له: "هكذا يا نُعيمان؟". ويدفع للرجل الأربعة دراهم. وكانوا يعني انظر كيف كان. بالك الجو جميل هكذا ليس فيه جو اكتئاب، والنبي عليه الصلاة والسلام يترك. فلما مات كان هناك رجل عجوز من حكماء العرب تجاوز المائة، كان اسمه دريد بن الصمة. والرجل الكبير في السن يصاب بحصر البول بسرعة هكذا، فقال: "يا أولاد أروني كيف أذهب إلى دورة المياه"، ولم تكن هناك دورات مياه. مائة ساعة فقط، أي أنه يذهب إلى الخلاء، أي أن هناك من يمسك بيدي ويأخذني إلى نعيمه. فقال له: نعم، تعال، كنت أبحث عنك. من جانب المسجد الذي لم يكن فيه سجاد، بل
كان كله حصباء، لم يكن فيه سجاد ولا أي شيء. فذهب به إلى طرف المسجد هكذا وقال له: هنا إذاً. فالرجل سيطلق بوله. فوجد الناس كلها تهجم عليه: "آه! أنت هذا! ماذا تفعل؟ ما الأمر؟" قالوا: "أنت في المسجد!" قال: "من الولد الذي فعل بي هذا الشيء، هذا المقلب السيئ؟" قالوا له: "إنه نُعيمان." قال: "حسناً، والله لأضربنه، وسأستخدم عصاي. أنا لا أعرف كيف أستعملها حتى الآن، لكن أنتم عندما يكون..." موجود، دلّوني عليه. وكان ذلك في خلافة عثمان. البدو يعتبرون الحاكم شيئاً عظيماً جداً، أي شيئاً مهماً للغاية. فعثمان كان يُصلي، وكان عندما
يُصلي يُطيل، يُصلي السنة. فذهب نعيمان إلى دريد وقال له: "يا دريد، أتبحث عن نعيمان؟" فقال له: "نعم". فذهب وأخذه وأحضره إلى سيدنا. قال عثمان له: "هذا هو دريد؟". بدأ يضرب في سيدنا عثمان، وبعد ذلك تبيّن أنه الخليفة، وليس شخصاً عادياً. أي أنه كان يضرب، فسكت دريد بعد هذه المقلب. قال: "لا، سيظل يلعب به". هذا كان موجوداً، وقيس بن شماس الذي يقول لهم: "هيا بنا تعالوا". بالسفرة نلعب قالوا، لكن ما سمعناك منذ عشر سنوات
تقول "نلعب هذه". قالوا: اتركوها وأحدثكم عن رسول الله. يعني كانت زلة لسان، فجلس يحدثهم عن رسول الله ونسي حكاية ماذا هي. "هيا بنا نأتي السفرة"، السفرة التي هي المفرش، سيصنعون عليها شيئًا مثل لعبة السيجة أو ما شابه لنلعب. قالوا له: هات أقسم. قال لهم: "لا، لا، لا، انسوا هذه القصة. تبت إلى الله ولم ألعب ولا شيء"، وترك هذه القصة وراءه واشتغل بالتنوع الموجود. والعاصي موجود فينا، في كل واحد منا، لا يعني... فنحن عندما نفعل هكذا، أي أننا نتحدث عن الخبرة الاجتماعية، لا نتحدث عن الموقف الديني. نحن نتمنى لهذا الشارب أن... يترك
الشرب ونقول له إنه نجاسة واشمئز منها، ثم إنها حرام، ثم إنها شيء لا يُشرب ولا يُستساغ، إنها شيء مقزز، وهكذا حتى تتكون في العقل التربوي نفرة من هذه المعصية التي حرمها الله سبحانه وتعالى.