تنوع الأعمال| الحكم العطائية | حـ 9 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات الحكم العطائية، وفيها يقول الشيخ: "تنوعت أجناس الأعمال لتنوع واردات الأحوال" وهو. سؤال أيضًا يخطر على بال كثير من الناس: لماذا اشتملت الصلاة على القراءة والركوع والسجود؟ اشتملت على التسبيح وعلى
الدعاء، اشتملت لماذا على هذا التصنيف؟ ولماذا لم تقتصر على نوع واحد؟ والإجابة على ذلك يريدها هنا بلطف وعمق ابن عطاء الله السكندري: "تنوعت أجناس الأعمال لتنوع واردات الأحوال"، يقول إن... الإنسان سيجد قلبه في شيء ويختلف هذا الشيء من شخص إلى آخر، فمنا من يحب القراءة في الصلاة، ومنا من يحب الركوع ويشعر بالخشوع الحقيقي أثناء الركوع، ومنا من يحب السجود وأن يطيل فيه ويدعو ربه
فيه ويشعر بالخشوع الحقيقي في السجود. فتنوع مثل هذه الأعمال إنما هو لتنوع واردات. الأحوال حالة الخشوع هذه تختلف من شخص إلى آخر فتنوعت هذه الأعمال وتختلف من وقت إلى آخر فتنوعت هذه الأعمال، فمرة يأتيني الخشوع قائماً ومرة يأتيني راكعاً ومرة يأتيني ساجداً ومرة يأتيني التدبر والتأمل كذلك في أي وقت كان، ولذلك هذا التنوع يؤدي إلى أولاً أن يستفيد كل الخلق والإسلام. نسق مفتوح عبر الزمان وعبر المكان يخاطب كل الأمم ويخاطب كل البشر، فلا
بد أن تتنوع الأعمال. كذلك تتنوع الأعمال من صلاة إلى صدقة إلى صيام إلى حج، وفي كل نوع من هذه الأنواع تأتي الواردات وواردات الأحوال فتناسب إما في ذات العمل وإما في مرحلة من مراحل هذا العمل. كثير من الناس يحج مرة واحدة ولا يجد قلبه إلا في الصلاة والزكاة والصدقة، ولكن كثير أيضاً من الناس لا يستطيع أن يغيب عن بيت الله الحرام، ويرى نفسه أنه لو غاب عنه لغابت عنه هذه الأحوال والواردات، ولذلك يطالبنا بعض الناس أن
نقول لجميع الناس ألا تذهبوا مرة. ثانية إلى الحج أو لا تذهبوا مرة ثانية إلى العمرة وانفقوا ما تنفقونه في هذه الأماكن للناس، هذا لا يتم إلا على سبيل النصيحة وليس على سبيل الإلزام، هذا لا يتم إلا ونحن نقول له: انظر في قلبك، فإن الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وأن الصدقة لها نفع. متعدٍّ، ولذلك فانظر إلى هذا النفع المتعدي الذي سوف تنفع به الناس. أما لماذا علق الله قلبه بالعمرة وتكرارها أو بالحج وتكراره، فهذا أمر تختلف فيه واردات الأحوال بين الناس، وكن حيث ما وجدت قلبك. ولذلك عندما أثيرت قضية هل
الفقير الصابر أفضل أو الغني الشاكر أفضل، فالحقيقة أن هذا قام بواجبه وهذا قام بواجبه، فإن واجب الغني الشكر، وواجب الغني العطاء، وأن لا ينسى غيره، وواجب الغني أن يقوم بما كلفه الله فيه من طاعة ومن حمد وشكر، وواجب الفقر الصبر. إنما أيهما قد تنزلت عليه الأحوال، فقد ينزل الله سبحانه وتعالى واردات الأحوال على الغني الشاكر فيكون أفضل. وقد يورد الله تلك الأحوال على الفقير الصابر فيكون أفضل وذلك فضل الله
يؤتيه من يشاء. إذًا القضية ليست قضية السلوك فقط، بل إن السلوك مثل كوب الماء نضع فيه الماء فلا بد لنا منه. ولذلك فالشرع الشريف عندما يأمرنا بالصلاة والزكاة والصدقة والحج لا بد أن نفعل هذا حتى نضع فيه الماء الذي يحدث الري عند الإنسان. الكوب الفارغ من غير هذه الروح لا قيمة له ولا يستطيع أن يشبع عطشي، ولكن الماء من غير كوب لا أستطيع الحصول عليه. ولذلك يكذب من يقول بسقوط التكليف وأنه قد وصل إلى الله سبحانه وتعالى، وبينه وبين الله عمار من أسقط. التكليف فقد خالف النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن خالف النبي المصطفى
صلى الله عليه وسلم فهو على خطر عظيم، ومن كان كذلك فهو قد خرج عن التكليف فخرج عن التشريف، ولذلك فهذا دجل أن يقول أحدهم بسقوط التكليف، بل طريقنا هذا إلى الله مقيد بالأسوة الحسنة والنبي صلى الله عليه وسلم لما غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ازداد في قيام الليل وقال: "أفلا أكون عبداً شكوراً"، وصمم على هذا ومر يقول للسيدة عائشة: "اتركيني أعبد ربي هذه الليلة"، فقالت: "إني أحب قربك ولكن افعل ما شئت مع ربك"، وهذا المعنى معنى أنه كلما ازداد
الإنسان يقيناً بربه وحباً لربه ازداد في العبادة وازداد في الصلاة وفي الصيام وازداد في الطاعات، فتنوعت أجناس الأعمال تنوعت، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"؛ لأن القلب إذا صلح صلح. له أن يتقبل واردات الأحوال من الخشوع من الخضوع من المعرفة من أن يفتح الله له شيئا يفهم به مراد الله من خلقه ومراد الله من عباده ومراد الله في عبادته سبحانه
وتعالى إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله والنبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسادكم وإنما ينظر إلى قلوبكم، وكما أن الجوارح لها أعمال فإن القلب له عمل أيضًا، وطريقنا إلى الله سبحانه وتعالى مبني على أمرين هما من واردات الأحوال: التخلية والتحلية، وينتج منهما أمر ثالث وهو التجلية. التخلية أن تخلي قلبك من كل قبيح، والقبيح عرَّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا وتركنا على المحجة البيضاء
ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. جعل منه الكبر وجعل منه الضغينة وجعل منه الحسد وجعل منه الحقد وجعل منه الأخلاق السيئة. نريد أن نخلي قلوبنا منها، كيف نخلي قلوبنا من هذا؟ هذا يتم بذكر الله. بذكر الله تطمئن القلوب، وذكر الله سبحانه وتعالى علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بعد كل صلاة وفي دبر كل صلاة نسبح ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر ثلاثا وثلاثين. علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال عنه العلماء بالكلمات العشر الطيبات سبحان الله والحمد. لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله وهذه يسمونها
الباقيات الصالحات لأنها تبقى بعد الإنسان وبعد موته في قبره وعلمنا الاستغفار وعلمنا لا حول ولا قوة إلا بالله وعلمنا توكلت على الله وأن لله وأن إليه راجعون وعلمنا الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم إذا فتنوعت أجناس الأعمال لتنوع واردات الأحوال وإلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.