تهنئة غير المسلمين بأعيادهم | أ.د علي جمعة

تهنئة غير المسلمين بأعيادهم | أ.د علي جمعة - فتاوي
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع المحجة البيضاء التي تركها لنا وعليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات، عسى أن يتقبلنا الله عنده وأن يحف هذه الحلقة الكريمة بملائكته وأن يجعلها في ميزان حسناتنا يوم. القيامة وأن يفتح علينا فتوح العارفين به وأن يعلمنا الأدب معه وأن يسلك بنا الطريق إليه وأن يجعل الدنيا في أيدينا ولا
يجعلها في قلوبنا وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يقضي حوائجنا وأن يشفع فينا نبينا وأن يحشرنا تحت لوائه يوم القيامة نشرب من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا ثم يدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير وأن يجازي عنا النبي المصطفى والحبيب المجتبى خير ما جازى نبيا عن أمته ورسولا عن قومه يسأل سائل من إندونيسيا بأنها بلد قد تعددت
فيها الأعراق والأديان فأغلبها من المسلمين وبعضهم من المسيحيين وبعضهم من البوذيين وهناك غير ذلك من الطوائف، وهذه البلاد كان فيها من السكان الأصليين الأوائل ما زال على الوثنية، يسأل عن مدى حِلّ تهنئة غير المسلمين بمولد السيد المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولكن يضيف أن هناك حملة تنصيرية
يحاول فيها أهلها أن يخرجوا المسلمين من دينهم وأن يحولوهم عنه، هذا التنصير ابتلينا به منذ القرن السادس عشر الميلادي، وتم تنظيم ذلك في إثر الحروب الصليبية التي جاءت زوراً وبهتاناً تحت هذا الاسم، فهزمهم الله سبحانه وتعالى وحرر بلادنا ورد علينا مقدساتنا، وظل هؤلاء من شرذمة الخلق يربطون
الفرس بمعالفه في حلقة براق. سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويجعلون المسجد الأقصى المبارك اسطبلاً لخيولهم، ولكن الله نصرنا ومكّننا وردّ علينا مقدساتنا وأرضنا لما التجأنا إلى الله باستكانة وتضرع. ولذلك نقول دائماً: الجأوا إلى القلوب الضارعة التي تلتجئ إلى الله وتتعلق به، فإنه قدير حتى على ما عجزنا عنه. وعندما يرى... الله منا هذه الضراعة وتلك
الاستكانة لجنابه الأجل سبحانه وتعالى فإنه ينصرنا ويوفقنا كما فعل فينا في المشاهد المختلفة التي نصرنا فيها على عدونا ومكن لنا في الأرض إلا أن التمكين يقتضي أن نقيم الصلاة وأن نؤتي الزكاة وأن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر وأن نزداد تعلقاً بالجناب الأجل سبحانه وتعالى، وهذه نصيحة كما نتوجه بها إلى أهلنا وشعبنا ووطننا نتوجه بها إلى المسلمين في إندونيسيا ونقول لهم: ما
سلط الله هذا البلاء إلا بقصور في الاستكانة والضراعة، أما لو استكنا وتضرعنا فهذا من رضا الله علينا. مسألة تهنئة غير المسلمين بمناسباتهم نراها عند النبي صلى الله عليه. وآله وسلم وهو يقول لما رأى اليهود يصومون يوماً: "ما هذا؟" قالوا: "هذا يوم نجّى الله فيه موسى"، فقال: "نحن أولى بموسى منهم، فنحن نبينا موسى ونبينا عيسى، لا نفرق بين أحد من رسله"، وقالوا: "سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير"،
ولما قال ربنا ودّ كثير كثير، وهناك الأكثر لم... يودوا بل كانوا ربانيين بما أوتوا من الكتاب وبما كانوا يدرسون. ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمرهم إن الله على كل شيء قدير. وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة رسم الله. لنا الطريق لما يأتي بعضهم بأموال يأخذونها من أغنيائهم من أجل هذا الفعل الخبيث وهو أن يغيروا
على الناس دينهم الذي ابتداه الله لهم ويكفرون بالنبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم، رسم الله لنا الطريق أن نكون مثالاً صالحاً وأن نكون مثل ما كان المسلمون في الحبشة. من صبر وعطاء للعالمين أحبهم النجاشي حتى أنه في النهاية دخل الإسلام، ولكن بالصبر وبالعطاء وبالتزام مقولة الله سبحانه وتعالى فينا، وهذا كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من
عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق، يعني ليس هناك أخس من هذا بعد. ما تبيَّن لهم الحق أيضًا هم يسعون من أجل الدنيا والدرهم والدينار، ماذا نفعل؟ فاعفوا واصفحوا. يا صبور يا رب. أنقاتل؟ أنمزقهم إربًا؟ أنضع المتفجرات حولنا ونلقي بأنفسنا فيهم في أعياد الكريسماس؟ لو قال لنا الله هذا لفعلنا، لكن الله لم يقل. مَن الذي قال؟ فلان وعلان. ممن فهموا خطأً حال النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم
هو الذي قال في القرآن الكريم وحياً من عند ربه: "فاعفوا واصفحوا". يا صبور يا رب، نعفو في هذا الموقف وهم يفعلون المشاريع من أجل أن يخرجونا من ديننا. نعم، هذا أولى من القنبلة والتفجير والتكفير والإفساد. والدماء... نعم، سيدخلون في دين الله أفواجًا لأنهم يحاجوننا أمام العالم بأننا لم نقاتلكم. أقاتلناكم؟ عملنا مشروعًا؟ فتحنا مدرسة؟ دعونا المسلمين أن يدخلوا في غير دينهم فدخلوا؟ نحن فعلنا شيئًا؟ نقول
له: لا، لم أفعل هكذا. إذًا ماذا أفعل ضده؟ قال: فاعفُ عنه، تجاوز عن هذا واصفح عنه حتى يأتي الله. بأمره بالاستكانة والضراعة إن الله على كل شيء قدير. إياك أن تنظر إلى حولك وقوتك وأنه ينبغي عليك أن تفعل وكأن الأمر بيدك وكأن الكون تمتلكه، فإنك عبد لله أمرك أن تسجد له إعلاناً للوحدانية لرب العالمين. قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد ماذا نفعل، قال تعالى، لم يقل فلان وعلان، فاعفوا واصفحوا حتى
يأتي الله بأمره، إن الله على كل شيء قدير. وماذا نفعل؟ أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. إذاً افعلوا الخير وافعلوا ما أمركم الله به يا أهل إندونيسيا، وعلِّموا أبناءكم الإسلام، حفِّظوهم القرآن، حتى إذا ما أتى هذا أو... ذاك لا يشوش عليه ولا يذهب من أجل دنيا يريدها أو من أجل امرأة يتزوجها بل يجعل تصرفاته لله ولكن نحن أولى بجميع الأنبياء من كل الأمم كما أفاد رسول
الله صلى الله عليه وسلم نحن نحتفل بميلاد المسيح كاحتفالنا بميلاد محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأن مولد المسيح يصدق فيه قول مولد النبي: "ولد الهدى فالكائنات ضياء، وفم الزمان تبسم وثناء". جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، جاء صافياً مهيئاً ومبشراً برسول يأتي من بعده اسمه أحمد. جاء من أجل أن يبين للناس قرب الوصول إلى الإنسان الكامل وهو النبي صلى الله عليه وسلم. أما حال النبي... يوم القيامة فيما أخرجه
البخاري فإن الناس سيذهبون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم وهكذا وكل واحد منهم يعتذر ويذكر شيئا مما فعل مما قد يعكر كمال الإنسانية إلا سيدنا عيسى فلما ذهبوا له لم يذكر ما يعكر صفوه فهو أقرب إلى الكمال ثم بعد ذلك مع قَرْبُ هذا الكمالِ أرشدَهم إلى الحبيبِ المصطفى الذي قَرَنَ اللهُ اسمَهُ باسمِهِ. فلمّا أَتَوْا النبيَّ فيما أخرجَهُ البخاريُّ قال: "أنا لها، أنا لها"، لأنّ اللهَ وضعَ عنهُ وِزْرَهُ "ووضعنا
عنكَ وِزْرَكَ". والوِزْرُ الحُجُبُ والرغباتُ والشهواتُ، فانكشفَ له الحالُ فأصبحَ الغيبُ كالشهادةِ، ولذلكَ كانت تنامُ عيناهُ ولا ينامُ قلبُهُ، ولذلكَ قال. كنت أبيت عند ربي يطعمني ويسقين، ولذلك شق الله صدره مرات ثلاث من أجل أن يملأه حكمة وعلماً، ولذلك أخذوا منه مضغة تتعلق بالشيطان وهي قدر الرحمة الذي كان في قلبه حتى على إبليس، فأخذوا منه الرحمة التي تخص إبليس حتى يتوافق بكماله صلى الله عليه وسلم مع مراد الله. هذا هو النبي محمد والنبي أحمد صلى الله عليه وسلم،
أما محمد فهي اسم مفعول كمحمود يعني حُمِد من غيره فالله حمده، وأما الذي هو أحمد فهو أفعل كحامد، فمحمد مراد وأحمد مريد. أحمد يسلك مثلك العبادة، يا عائشة أفلا أكون عبداً شكوراً، فهو أحمد ومحمد يا رسول الله تقوم. الليلة وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ورفع الحجب ووضع عنك وزرك ورفع لك ذكرك محمد
صلى الله عليه وسلم ولذلك كان مشايخنا يجلسون فيتداولون ما الفرق بين محمد وأحمد وأيهما أفضل قالوا إذا جئنا من قبل الحقائق فمحمد مراد فهو أعلى من أحمد وأحمد مريد فهو أقل من محمد فكان هذا الصنف أو الفريق من العلماء يفضل محمداً على أحمد، والآخرون قالوا هذا اسم تفضيل فهو أفضل لأن المعنى فيه أعلى من غيره. أما هذا فقد وقع عليه الحمد من غير اختيار، وما كان بالاختيار مقدم على ما كان بالإجبار، ففضلوا
أحمد. وعلى كل حال سماه. ربنا محمداً، ولما جاءت الترجمات بين اللغات كان أحمد فهو محمد، ومحمد وأحمد هو المصطفى المختار صلى الله عليه وآله وسلم. وعلى ذلك فهذه التهنئة التي تدل على التعايش وعلى جمال الإسلام وعلى حلاوة العفو والصفح، لا علاقة لها بشر الأشرار ولا بمحاولة هؤلاء الناس أن يردونا عن ديننا إن. استطاعوا ولن يستطيعوا سيذهب منا الغنم الشارد واحد اثنين عشرة لكن في النهاية سيبقى الإسلام عبر
الزمان مثالاً يُحتذى وإماماً يُتخذ ونوراً يسري بين الناس فلا تطفئوا هذا النور بالعنف ولا تواجهوا من لم يقاتلكم بقتال قال تعالى وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين عندما يخرجونك من ديارك مثل شأن هؤلاء الصهاينة الملاعين الذين شتتوا المسلمين والمسيحيين من الأرض المقدسة، مثلهم يقول الله فيهم: "واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام" لحرمة المكان "حتى
يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين"، الدين قوة. لكنه مع القوة رحمة، والدين بدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في رسالة ربنا إلى العالمين، فينبغي علينا أن ندرك كل هذا ونحن نقول، فليس في ذلك شيء من الخنوع أو من التأخر أو من كذا وكذا من هذه الأمور التي تصورها النابتة كما هي في عقولهم. يا عائشة إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه