حجابك | الحكم العطائية | حـ 15 | أ.د علي جمعة

حجابك | الحكم العطائية | حـ 15 | أ.د علي جمعة - الحكم العطائية, تصوف
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون أيها الأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات الحكم العطائية يقول فيها سيدي ابن عطاء الله السكندري مما يدلك على وجود قهره سبحانه انحجبك عنه بما ليس بموجود معه. هذه الحكمة تستمر في إقرار الحقيقة التي تبين أن الله سبحانه وتعالى خلق
هذا الكون، وأنه لا يزال يخلقه كل لحظة وكل حين، وأنه لو قطع عنا الإمداد لفنينا ولم يبق منا شيء في هذا الكون، وأنه سبحانه وتعالى وعد وعداً. على نفسه أن يبقى هذا الكون إلى وقت الساعة، وعند الساعة سوف يسحب الإمداد فتنتهي السماوات وتنتهي الأرض وينتهي كل شيء سُحب منه الإمداد حتى الملائكة الكرام، ثم بعد ذلك يعيدنا مرة أخرى بلفظة واحدة وبتشغيل واحد للصدور فنصدر مرة أخرى كما أطفأ هو
آلة الكون فإنه يضيئها مرة أخرى. مكنة الكون هذه العقيدة الأساسية المرتبطة بالأخلاق والمرتبطة بالسلوك والمرتبطة بالعقيدة مسألة في غاية الأهمية عند أهل السنة والجماعة بل عند المسلمين كلهم لأننا نرى أن الوجود الحق إنما هو وجود الله سبحانه وتعالى يستحي بعض العارفين بالله عندما يعلم هذه الحقيقة أن يسمي هذه الأشياء التي حولنا بالموجودات هل أنا اسمي موجود هكذا يعني بعضهم يستحي من ذلك في اللغة هذا موجود وأنا موجود هذه في اللغة واللغة تعطي لي شيئاً من التفكير
المستقيم لا بأس ولذلك فلا بأس أن أسمي هذا الكون موجوداً ولكن الذوق ولكن الشعور المرهف ولكن الإحساس العالي الذي يكتنف المقربين يجعلهم يقولون يعني الله موجود وأنا موجود، هذه اللفظة لا يستحقها إلا الله. سمني بقى شيئاً، سمني حاصلاً، سمني كائناً، سمني أي اسم آخر، ولكن الموجود هو الله سبحانه وتعالى على الحقيقة، وذلك أن وجوده لا يحتاج إلى أحد، وأن وجوده سبحانه وتعالى لا بداية له، وأن وجوده سبحانه وتعالى لا نهاية له. وأن وجوده سبحانه وتعالى قائم
بنفسه فهو قيوم السماوات والأرض وأن وجوده سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وأن وجوده سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وأن وجوده سبحانه وتعالى ويؤخذ أنه ليس هناك في الحقيقة قوة وقوي وقادر وحكيم وما شابه ذلك إلا الله ولذلك يستحي أن يقول على نفسه أنه موجود، كيف يسمي نفسه موجودًا وهو مع الله؟ سمِّ نفسك إذن، أنا أنا، فما الأمر؟ أنا موجود هنا، نعم، حسنًا، ولكنه يستحي من ناحية الأدب، ومن ناحية الشعور، ومن ناحية الذوق، أن يسمي نفسه شيئًا يُطلق على الحقيقة العظمى. فيستمر ابن عطاء الله...
السكنداري في هذه الحكمة لتقرير هذا المعنى مما يدلك على وجود قهره سبحانه هو قاهر وهو القاهر فوق عباده فهو قاهر وهو قاهر فوق عباده أن حجبك عنه حجبني أني أنا فأنا المحجوب وليس هو سبحانه وتعالى ولذلك لا يجوز أن تطلق على الله أنه محجوب عنا أبداً من ذا. الذي يحجبه ليس هناك قدرة على إيجاب حجاب يحجبه، هو إنما الحجاب هذا يحجبني أنا عنه، أن حجبك عنه فأنت المحجوب، ودائماً هذه تجعلها معك أنه لا يجوز إطلاق كلمة المحجوب على الله سبحانه وتعالى، وإنما المحجوب كلمة تطلق على البشر لأنهم هم
الذين حجبوا، فالحجب واقع عليهم فهو اسم. مفعول لهم هم مفعول بهم أنهم حُجبوا عن الله بماذا؟ بهذا الكون، بصور الكائنات التي انطبعت في مرآة القلب، حجبت الله سبحانه وتعالى. حُجُب، حُجُب الله سبحانه وتعالى عنا. فهذا الحجاب الذي جعلني محجوباً ليس بموجود معه، يعني هو أصلاً هذا الكون ظلمة، والظلمة عدم النور، ولذلك هو لا شيء. بالنسبة لله سبحانه وتعالى، وبالرغم من أن هذه الكائنات لا شيء، جعلها الله حجاباً بينك وبينه فلا تراه. فهذا معناه
أن العدم المحض صار شيئاً. من الذي جعله شيئاً صار حجاباً بينك وبين الله؟ فهو أمر كثيف، من الذي جعله كذلك وهو القاهر فوق عباده؟ هو سبحانه وتعالى الذي جعل. الكائنة من العدم والذي جعل العدم المحض الخيال هذا جعل له وجوداً حقيقياً الذي عنده هذه المقدرة أن يحول اللاشيء إلى شيء ويحول العدم المحض إلى كائن ويحول هذا العدم المحض إلى حجاب يحجبك يجعلك في النهاية تقول لا حول ولا قوة إلا بالله إنا لله وإنا إليه راجعون لا قوة
إلا بالله، توكلت على الله، ليس في هذا الكون إله سوى الله، لا إله إلا الله، خير ما قلت وقال النبيون من قبلي لا إله إلا الله. إذ يقول أبو الحسن الشاذلي وهو أستاذ أستاذ ابن عطاء في هذا المعنى: أنا، نحن، يعني لننظر إلى الله تعالى بنظر. الإيمان والإيقان إيمان ونور في القلب ننظر به إلى الله سبحانه وتعالى، فيغنينا ذلك عن الدليل والبرهان. يعني لسنا في حاجة إلى إيجاد أدلة وبراهين على وجود الله.
الله سبحانه وتعالى أظهر من البرهان وأظهر من الدليل، ولا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه، ولذلك كان هناك لما... أتى أحد العلماء وألّف كتاباً أورد فيه ألف دليل على وجود الله سبحانه وتعالى، وكان ذلك في نيسابور، فعملوا له احتفالاً. فمر موكب الاحتفال على امرأة عجوز وهو يُسمع، وكان في الموكب يُحتفل به، فقالت: "ما هذا؟ لماذا أنتم تقيمون هذه الحفلة؟ ولماذا هذه الضجة؟"، قالوا: "هذا عالِم ألّف... كتابًا أورد فيه ألف دليل على وجود الله، قالت: سبحان الله! أوكان عنده ألف شك في وجود الله فأقام بإزائها وفي مقابلتها ألف دليل على وجود الله؟ يعني
هل الله محتاج إلى دليل؟ إن الله قبل الدليل وفوق الدليل. أنت لأجل ماذا إذا أحببت شبه الدليل تجلب أدلة على عدم وجود؟ الله لأن ربنا موجود هذه حقيقة واضحة فطرية لا تحتاج إلى دليل. وإذا جاءك أحدهم يقول لك إن الله غير موجود، فقل له: هات لي الدليل! كيف يعني؟ هو موجود بالفعل، وإلا فمن الذي خلق هذه الكائنات؟ ومن الذي حوّل هذا العدم المحض إلى وجود؟ ومن الذي أوجدنا؟ إذن من الذي جعلنا عقلاء؟ إذن من الذي أرسل الكتب وأنزل الوحي؟ ثم بعد ذلك هو يقيم ألف دليل وهي شبهة ألف شبهة على أنه غير موجود. ولا يصح في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل. فعندما أقول لك هذا هو النهار، فتقول لي ما الدليل؟ إنه نهار وليس شيء آخر، لقد سقط التفاهم معك. أنا لن أتكلم
لأنه إذا كنت ستنكر النهار فإن فيك خللاً. قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد، وينكر الفم طعم الماء من سقم. ولذلك شخص أتى وقال إنه يريد دليلاً على وجود الله، فهذا الشخص يعني فيه خطأ. في مرضٍ أو سقمٍ، قال الرجلُ على الفور: "اللهم هب لي إيماناً كإيمان عجائز نيسابور"، لأن هذا هو الإيمان الذي يُغني عن البرهان. وإلى لقاءٍ آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.