حديث الجمعة| الدكتور علي جمعة يتحدث حول نعيم آهل الجنة (الحلقة الكاملة)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. اللهم اشرح صدورنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وأجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة. اهدنا في من هديت وعافنا في من عافيت وتولنا في من توليت وبارك لنا فيما أعطيت، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد. وآله وصحبه وسلم. ترك لنا فيما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم من المحجة البيضاء وصف الجنة وأنها فيها نعيم، وأُتوا به متشابهاً. فترى شيئاً فتقول: هذا هو الموز، نعم هذه التفاحة، أنا أعرف، وهكذا. فإذا تذوقته رأيت شيئاً آخر، فيها ما لا عين رأت ولا. أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإنما الكلام الرباني في وصفها تقريب للحال وليس بياناً للحقيقة، فخمرها لا غول فيها يعني لا تغتال العقل، فهي تشبه عصير
العنب ليس فيها غول، لا يوجد فيها غول، ولبنها ليس فيه شيء اسمه كامل الدسم أو عديم الدسم أو ما شابه ذلك المغنيسيوم أو لا أعلم الكالسيوم أو أبداً، هذا الكلام هذا شيء آخر، شيء لم يخطر على قلب بشر، يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين، عندما تأتي لتشرب الماء تجدها شيئاً مختلفاً لم تشربه أبداً ولا عرفت معنى الماء إلا في هذا المقام، الأكل والشرب واللباس من السندس. فيصبح المرجان والتفاصيل والطينة مسك، والحجر، والماس، كلها. فالقصر
الخاص بك يكون من فضة أو ذهب أو ألماس أو مرجان أو كوبلت، يعني شيء فخم جداً. وبعد ذلك لا يوجد موت، إذ يُؤتى بالموت يوم القيامة بين الجنة والنار بعدما يدخل الناس الجنة ويدخلون النار، ويُذبح في هيئة كبش ويُقال: أهل النار خلودٌ لا موت بعده، يا أهل الجنة خلودٌ لا موت بعده. ماذا يعني الخلود؟ يعني انتفاء الزمن. ستُحشر وعمرك ثلاثة وثلاثون عاماً على أكمل هيئة، سواءً من الرجال أو النساء، وبعد ذلك لن تكبر. لو مكثنا هنا في الأرض مائة ألف
سنة، فستظل على حالك تماماً. إذاً، إذا خرجت عن حدود الزمان، والخروج عن حدود الزمان هذا ماذا يعني؟ يعني أنه ليس هناك تغير قابل للحساب، لا يوجد شيء قابل للحساب. ولذلك لن تمل. بعض الناس يقولون لك: "الله! يعني ألا نمل هكذا؟" إلى أن قالوا: "الجنة ليس فيها أناس لا يُتعامل معهم"، يعني تريد... الناس ولا يريد الجنة، إنه لا ينتبه إلى أن بقاءك في الجنة للأجيال المتتالية والأحقاب الكثيرة كلها بلا زمن، ولذلك فأنت كأنك قد دخلتها الآن. إذاً، إذا كنت في الجنة فلديك عالم الأشياء ولديك عالم
الأنوار لأنك في أرض قد أشرقت بنور ربها، ولديك عالم الأخلاق. لأنها نزعت من القلوب كل المعاني السلبية كالحقد والحسد وغيرها، ولم تعد هذه إلا دار تشريف لا تكليف، فليس فيها تكليف. والجنة الحسنى فصّلها رسول الله، ثم رأى أن ما فصّله حتى يُحدِث لنا صورة ابتدائية للجنة لا يكفي لوصفها، فقال: فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.
ولا خطر على قلب بشر، ستسمع فيها أيضاً من أنواع النظم وموسيقاه ما الله به عليم. هل تظن أنها مثل الدنيا بمقاماتها وتدرجاتها وأحوالها؟ فتجد أنها شيء آخر لا يُسمع بالأذن فقط، بل حتى العين تسمع والأذن ترى، وهو ما يقولون عنه عندما يُعجبون كثيراً بلوحة فنية. ولا من مقطوعة موسيقية عاشوا فيها وعاشوا داخلها، قوم يقولون هذه العبارة يعكسون: العين تسمع والأذن ترى. الله! إنما الأذن تسمع والعين
هي التي ترى. قال: لا، هذا قبل الآية. التفاعل مع هذه الأشياء كله في نطاق الحسنى، لكن ربنا سبحانه وتعالى قال: "وزيادة"، والزيادة تأتي بالنظر. إلى وجه الله الكريم، وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة. وهذا يوم يُخصص في كل فترة، يذهب الناس فيه لرؤية الله ويتمتعون بالنظر إليه سبحانه وتعالى. أي أن عيوننا لن تكون هذه العيون التي فيها شبكية وقرنية وانعكاس ضوء يقع
على الأشياء فيقع على القرنية بصورة مقلوبة فالمخ. يصححها ويغيّرها، هذا الكلام كله هنا ستكون لديك قدرة خلقها الله لك في الخلق الجديد، قادر على أن تنظر إلى وجه الله، فالله لا يُحَدّ وليس له حد ولا يقع عليه الضوء، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، ولكن الله سبحانه وتعالى منزه عن كل شبيه ومثيل، ليس كمثله شيء. وهو السميع العليم، فهذه الرؤية سنراها بآلة أخرى غير آلة العينين. مَن قال لك أن عينيك هاتين هما اللتان
ستكونان هناك؟ عيناك هاتان فانيتان، والتي هناك باقية. فهناك شيء سيصنعه ربنا يوم تُبدَّل الأرض غير الأرض والسماوات، فأنت أصلاً خلقة جديدة، خُلقت بشيء جديد ليس هو ذلك الذي خُلقت به في الدنيا ولا قريب منه أحد وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة فالنظر إلى وجه الله الكريم منصوص عليه حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تضامون شيئاً في رؤية البدر في ليلة التمام في شيء يشوش عليكم يعني أنكم ترون البدر في ليلة التمام قالوا لا قال: "سترون ربكم"، يعني أننا سنرى ربنا دون أي
غموض. فلا يوجد حاجب ولا حجاب. الله تعالى ليس محجوباً، بل نحن المحجوبون. هذه الحجب موجودة عندنا نحن، علينا نحن. الذين نصنعها من شهواتنا ورغباتنا وجهلنا وتقصيرنا. فهناك حجب، وكلما تخلصنا منها، كلما رأينا الله في كل شيء. له آية تدل على أنه واحد فالله يرى بأداة أخرى غير الأداة التي هي معنا في الدنيا، ولذلك بعض الناس أتوا وقالوا: يا جماعة نحن لا يعجبنا موضوع أن الله يرى هذا لأنه ليس بجسم حتى يرى. ما هو الحل لهذا؟ أنه سيرى بآلات أخرى غير هذه. ما
شأنك أنت حينها أنت لا ترى هذه الدنيا التي أنت فيها، بل ترى شيئاً، فإذا سألناك ماذا رأيت تقول: رأيت ربي، هكذا فقط. هذا الشيء، قل أي شيء: أكبر شهادة، قل: الله. هذا الشيء الذي رأيته لا يمكن أن تراه في الدنيا، لكن يمكن أن تراه بعد أن يعدل الله. خلقك ولذلك قالوا إن سيدنا النبي في المعراج غيَّر الله كنه جسده حتى رآه، ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى، عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى. لا تعرف ما يغشى، لا تعرف بدايتها من نهايتها. فالنبي عليه
الصلاة والسلام شق ربنا صدره مرة والثانية والثالثة. صغيراً، ومرة عند الكعبة عند الوحي، ومرة أخرى عند المعراج، شق الصدر هذا ما فائدته؟ تغيير كل ما هنالك حتى ينطبع في نفسه ما يريد الله سبحانه وتعالى أن يراه أو أن يدركه في الدنيا. أصبح سيدنا موسى ليس كذلك، قال له: "أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ"، هو عَلِمَ أنه سيُرى. في يوم الآخرة فقال له: حسناً، دعني أرى، هكذا دعني أرى. فقال له: لن يصلح، فأنت ما زلت لم تتغير، الجسم لم يتغير، إنه هو فأنت على هيئتك هكذا، لن يصلح. لو تجليت للجبل لجعلته دكاً وخرّ موسى
صعقاً، ما الأمر؟ هناك أمور. أنت لست فاهماً لها لأنك لا تعرف ذات الله. بعد الفاصل نواصل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. في يوم القيامة لنا الحسنى في الجنة بالمتع المختلفة وراحة البال والأنوار وكشف الأسرار وانتهاء الزمن، ولكن لنا زيادة على
ذلك وهي ربنا سبحانه وتعالى لا نُضام في رؤيته شيئاً كما نرى القمر في ليلة البدر ليلة التمام في الدنيا، فكل هذا من الزيادة. وبحث بعضهم هل تذهبون للنظر من الرجال، يعني نحن دائماً ماذا نريد؟ نريد أن نفرق بين الرجال والنساء، فألَّف الإمام السيوطي وأورد ما يثبت أن الرجال والنساء على النظر إلى وجه الله الكريم ورد على من ذهب أو أراد أن يذهب إلى أن الرؤية الربانية خاصة بالرجال في الجنة. أماكن
كثيرة تكلمنا عن الرجل الذي يأتي متأخراً فيعطيه الله سبحانه وتعالى خمسين ضعف ملك الأرض لأنه قال: هو مثله ومثله وفي الخامسة قالوا: عشرة أمثال ذلك، يكون... اضرب خمسة في عشرة بخمسين. بعض الناس يتعجب، لكن قالوا أنه كلما وُلد مولود من بني البشر خلق الله له مقعداً في الجنة ومقعداً في النار، واحد هنا وواحد هنا. إذاً فالنار واسعة، يوم نقول: "هل امتلأتِ؟" فتقول: "هل من مزيد؟". ما
هذه إلا سعة لأن كل الذين دخلوا الجنة. يُفرِغون الأماكن وكذلك الجنة، فكل الذي دخل النهار أماكنه موجودة، ولذلك ففيها سعة، ولكن بعد التسكين يجلس الناس في هذه السعة الواسعة، يعني لو قلنا أن ثلاثين في المائة سيدخلون الجنة وسبعين في النار مثلاً، فإن الثلاثين سيتمتعون بمئة، والسبعين الذين في النار سيتوزعون على الثلاثين كلهم، ولكن نرجو وفضل الله واسع، لكننا من لا ندخل النار ولا ندخل الجنة، فهذه متعلقة بربنا، والله عليم
بما هنالك، يعلم السر وأخفى. فهذه نظرة عامة لما تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تفصيلاً لحديث جبريل الذي بدأنا به مجالسنا بعد انتقال النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله. عليه وسلم تحدثنا عن سيرته يوماً بعد يوم ثم بعد ذلك تحدثنا عن هذا الحديث العظيم الذي رواه لنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه بينما نحن جالسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ دخل علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يعرفه أحد وليس
عليه أثر السفر فجاء حتى جلس إلى النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم فجعل ركبتيه إلى ركبتيه ويديه على فخذيه كهيئة المتأدب يعني وقال يا محمد أخبرني ما الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره قال صدقت قال فتعجبنا كيف يسأله ويصدقه قال فما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأن تقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان،
وتحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا. قال: صدقت. فما الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فمتى الساعة؟ قال صلى... الله عليه وآله وسلم: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل". قال: "فما علاماتها" إلى آخر الحديث. وفيه قام فانصرف، وكان أقرب ما يكون لدحية الكلبي، وهو واحد من الصحابة كان في خارجية رسول الله، كان سفيراً من السفراء، وهو الذي حمل رسالة النبي إلى المقوقس في مصر هنا في الإسكندرية.
كان هو دحية الكلبي شكل جبريل وهو داخل شكل دحية الكلبي. قال: "أتدرون من هذا؟" قالوا: "الله ورسوله أعلم". قال: "هذا جبريل جاءكم يعلمكم أمر دينكم". ومن هنا ومن هذا الحديث العظيم استرشد المسلمون فأقاموا علماً يحمي مجال الإيمان وهو التوحيد، درسوا فيه الإلهيات والنبوات والسمعيات، فدرسوا في الإلهيات ما... يجب وما يستحيل وما يجوز في حق الله تعالى، ودرسوا في النبوات ما يجب وما يستحيل
وما يجوز في حق الأنبياء، وعلى رأسهم سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، والسمعيات كل ما ثبت من السمع من الوحي من رسول الله، وليس لنا فيه تعقل أو اختراع لأننا نسمع بناءً على خبر النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذا تحدثنا عن علامات الساعة وبيّناها بالتفصيل، وهي خراب الدنيا وانتهائها وفنائها، وما يبقى عند أهل السنة منها، ثم تحدثنا عن النفخة الثانية وما يكون
من شأن القيامة من أحوال وأهوال، وما يحدث فيها من حساب وميزان. ومن شفاعة ومن جنة ومن نار ومن صراط ونحو ذلك، هذا الحديث العظيم الذي استوفيناه بحثاً يجعلنا مرة أخرى نعود إلى النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فيما تركه لنا على سبيل الإجمال، وقد ترك لنا على سبيل الإجمال الأخلاق وقال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ومن هنا فإن لقاؤنا بعد ذلك سيكون في أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكيف نسعى بها في الطريق إلى الله، والله مقصود الكل، فاللهم وفقنا إلى ما تحب وترضى، وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.