حديث الجمعة| الدكتور علي جمعة يشرح كيفية المرور على “الصراط” ودخول الجنة أو النار (الحلقة الكاملة)

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات، عسى أن يمن الله علينا بسكينة ينزلها في قلوبنا وملائكة تحفنا وقبولاً لهذا المجلس الشريف، يجعله الله في ميزان حسناتنا يوم القيامة. فاللهم يا... ربنا صلِّ وسلم على سيد
الخلق أجمعين سيدنا محمد النبي الأمي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين آمين. كنا مع ما تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مشاهد يوم القيامة في المحشر وفي الحساب والميزان والشفاعة ونحو ذلك. يقبل الله سبحانه وتعالى شفاعة نبينا لعموم الخلق ويجعل... اليوم بدلاً من ألف سنة، خمسمائة كرامة للنبي، فيصيب كل الخلق من النبي رحمة، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، لمن كان
قبل ومن كان بعد. وفي هذا نوع عزة للمؤمنين، ونوع ذلة للكافرين، لأن من كفر به وسخر منه وشتمه وسبه يناله الرحمة فيتكسف ويحدث له خجل إذا لم مَن لم يستحِ في الدنيا فسوف يستحي في الآخرة. هذا الذي ظننا فيه كذا وكذا وكفرنا به وآذيناه بألسنتنا أو بخططنا أو بأموالنا يكون سبباً في رحمتنا، ولكن حيث لا ينفع الندم.
فأصحاب الجنة وأصحاب النار كلاهما يستفيد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الشفاعة العظمى كما بيّنا. يُنصب جسر كبير على جهنم، وجهنم مخلوقة الآن عند أهل السنة، موجودة حالياً، والجنة موجودة الآن عند أهل السنة. فيُنصب جسر من المحشر، الأرض التي حُشِر فيها الناس، إلى تمهيد دخول الجنة، وهناك في هذا التمهيد تلة كبيرة تُسمى بالأعراف، وعلى الأعراف
رجال يعرفون كلاً بسيماهم. هذا هو الجسر. جسرٌ مرنٌ ليس على هيئةٍ واحدةٍ، إنما يتشكل بمن يمر عليه. فمن الناس من يمر عليه كالسهم المسرع، ومن الناس من يمر عليه بأقل من هذا حتى يكون يمشي، ومن الناس من يترنح عليه فيخاف السقوط لأن أسفل منه النار. "وإن منكم إلا واردها" كل البشر بملياراتهم سيمرون على... الصراط هذا نسميه
في يوم القيامة ماذا إذاً؟ الصراط الذي هو جسر أو معبر منصوب فوق جهنم، يضيق حتى يكون كحد السيف، ويتسع حتى يكون واسعاً يسير فيه الإنسان براحته. ولذلك كان من دعاء الصالحين: "الناجي يأخذ بيد أخيه يوم القيامة على الصراط". هذا هو الصراط، الناجي منا. أنت ناجٍ ونحب بعضنا في الدنيا وقلنا كيف أن ظل الرحمن والمتحابين في الله، الكلام كله قلناه. قم ونحن نمشي على الجسر، خذ بيدي لكي نعبر، والله أكرم من أنك إذا أخذت
بيده وأنت ناجٍ ينجني معك. إذاً فالله سبحانه وتعالى يحب صنعته وهو أرحم بالخلق من كل أحد وهو عفو وغفور وكريم أنت. أثني على كريم، الكريم هو الذي يعطي بلا حساب، أي لا أخاف الفقر لأن كل ما يريده إنما هو بين الكاف والنون، "كن فيكون". فهو غني بغنى مختلف، ليس الغنى الذي نعرفه نحن، ذلك الذي يملك قدراً يسيراً أو مليارات أو ما شابه ذلك من كلام فارغ. لأنه لا يستطيع أن يقول للشيء كن فيكون، وإذا مرضت فهو يشفين، لا يستطيع أن يشفي ولا نفسه. أما أنت فتعتمد على
الكريم سبحانه وتعالى، فيبدأ الخلق بعد الحساب وبعد التصنيف وبعد الميزان وبعد الشفاعات، كل واحد أخذ رقمًا لكي يسير على الصراط، وطبقًا لهذا الرقم سيتعامل الصراط معه، فمنهم... مَن ينجو فيصل إلى ما أمام الجنة، قطعة أرض واسعة هكذا أمام الجنة، ومنهم من يسقط في النار والعياذ بالله. اللهم سلّم سلّم. يكفينا أهوال يوم القيامة أصلاً، يعني لو عرفنا أهوال يوم القيامة بالتفصيل لاستقمنا في الحياة الدنيا قبل كل شيء.
يكفي أن نقف. خمسمائة سنة، أي خمسمائة سنة من زماننا الحالي، وأنت واقف. إنها عملية صعبة جداً، فأريد أن أكون في الظل تحت عرش الرحمن على منابر من نور. هذه المكانة الجميلة، لا أريد أن أكون في الشمس التي تكون أقرب مني بمقدار ذراع إلى آخره، فما بالك إذن بأهوال النار. لن نقف. عندها كثير، ربنا ينجي المؤمنين والمصلحين. لو عرفنا ما في النار، المرء يدعو للخلق أجمعين: "يا رب سلم سلم"، من شدة ما هنالك. هذه
النار طبقات فوق بعضها، كل طبقة يسمونها الدرك. إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار. هذا الدرك واحد من طبقات النار. فأمه هاوية، أمه التي هي... رأسه هاوية، لقد عرفنا كيف يتقلب في النار، سينزل برأسه هكذا وهو مستسلم يا رب. عندما ينزل هكذا يستقر في الدَرَك. وما هو الدَرَك؟ إنه جاء من هذا الحساب، حُكِمَ عليه بالنفاق فهو في الدرك الأسفل، وهذا حُكِمَ عليه أن يكون وقود النار "وقودها الناس والحجارة أُعِدَّت للكافرين". وهذا
حُكِمَ عليه بطبقة ثانية وطبقة ثالثة، وطبعاً أشد منطقة في النار هي التي في الأسفل تماماً، تلك التي وقودها الناس والحجارة، وفوقها الدَرَك الأسفل، وفوقها ما هو أخف منها قليلاً، إلى أن نصل إلى الجزء العلوي من النار، وهو ما يُسمى بالضحضاح، ضحضاح ممَّ؟ من نار، وهذا الضحضاح من النار. يدخل فيها من غلبت سيئاته حسناته ثم يخرج منها ولكن بعد أن يقضي ما تبقى عليه. سيمر الناس من الصراط، والناجي يأخذ إن شاء الله بيد أخيه، هذا من عندنا في الصالحين يدعو هكذا، والصراط يتسع بهذا القدر. هذا كلام
سيدنا النبي، وعندما يهبط بعضهم سيسقط في النار. وبعضهم سيعبر إلى مدخل الجنة. أول الناس الذين سيمشون على الصراط هم الأنبياء، ثم الأولياء الكبار والصديقون والشهداء والصالحون. وسيقفون على الأعراف، وبعد ذلك سنرى بعد الفاصل
ماذا سيفعلون وهم لم يدخلوها بعد وهم يطمعون. بعد الفاصل نرى، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله. وصحبه ومن والاه، يقف الأنبياء والأولياء والأتقياء والصالحون والشهداء على الأعراف، تلة كبيرة هكذا، واقفين عليها هؤلاء الناس كلهم. النبي عليه الصلاة والسلام تحدث عن الأنبياء وقال إنهم يعني الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، مائة وأربعة وعشرون ألف نبي، منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رسولاً، وهم داخلون. في مائة وأربعة وعشرين ألفاً، فانظر كم عدد الشهداء، وانظر كم عدد الصالحين، وانظر كم عدد الأولياء والأتقياء، وكل هذا سيكون موجوداً على هذا
الجبل. لم يدخلوها لأجل أن يمر الناس الذين يمرون، ولكنهم يطمعون في كرم ربنا أن يدخلوا، فبعد أن ينتهي الناس، يكون الناس الباقون قد سقطوا. ماذا والعياذ بالله في جهنم، والباقي هو خاص بأهل الجنة. في المرحلة الأولى يدخل الأنبياء، تُفتح الجنان وأول من يدخلها النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم، فيؤتيه ربه الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة، وهو مقام يعني شيء آخر تماماً، ويبدأ
الأنبياء والأولياء بالدخول، وهنا بعد أن ندخل الجنة - والدخول برحمة الله قرار رباني إلهي وليس بالأعمال - دخلنا داخلها، وأصبحنا الآن داخل الجنة، فالاختيار يكون بالأعمال، الاختيار بالأعمال. إذا رغبت في هذا المكان من الجنة، يقولون لي: "أنت لم تكن تصلي قيام الليل، لقد كنت تصلي قيام الليل فتريد نفس المكان"، فيقولون لي: "لا، اختر". لديك قطعة ثانية، هذه محجوزة. فهنا سنبدأ
نقارن بالأعمال، لكي تقول: يا الله! ما فائدة هذا العمل؟ ستعرف يوماً ما فائدته. يعني الذي يعمل ليس كالذي لا يعمل ونائم متكبر ومستهتر بالحياة هكذا، غير راضٍ أن يعمل، والآخر يعمل. فهنا سيكون هناك... تفضل، وسيسكن أهل الجنة في الدرجات العلى، خمسمائة درجة لها ثمانية أبواب، لكن درجاتها خمسمائة درجة، ما بين الدرجة والأخرى كما بين السماء السابعة والأرض، شيء عظيم جداً. عندما تسكن هناك لن تشعر أنك في الدرجة الثلاثمائة وأن هناك مائتي درجة فوقك،
لن تشعر بنقص. ستشعر فقط بمن هم أدنى منك، لكن الله أكرمك وهناك ثلاثمائة شخص تحتك. أما الذين فوقك، فتتخيل أنهم في مستواك، أي أنك لا تشعر بعلوهم، بل هم الذين يشعرون بأنك لست مثلهم. إنك في المرتبة الثلاثمائة فقط، فكل شخص سيعيش هذه الحياة المصممة بطريقة هندسية. بحيث أن الذي في الأسفل لا يشعر بالذي في الأعلى، لكن الذي في الأعلى يشعر بالذي في الأسفل، وبعد ذلك يأتي سيدنا النبي ويرى أناساً كانوا يقولون "لا إله إلا الله محمد
رسول الله" ودخلوا النار، فيرجو أن يُخرجهم، أو هذا نوع من أنواع الشفاعة أيضاً، حتى يقول الله: "فليخرج منها من كان في قلبه..." مثقال حبة من خردل من إيمان كله يخرج الذين في قلوبهم مثقال حبة من خردل من إيمان ويبدأ الدين مرحلة ثانية. تدخل الجنة، وعندما يدخلونها يتم إعلان أنه قد تم التسكين. ثم إن الله سبحانه وتعالى من عنده بقبضة ربانية يأخذ من أهل النار.
للجنة يكون هو أعلم إذاً قبضة إلهية بالقبضة اسمها، وبعد ذلك يخرج منها واحد في هذه القبضة آخر واحد يدخل الجنة، في نهر إذاً اسمه نهر الحياة، هو خارج متعب من النار والعياذ بالله، فيقومون برميهم في نهر الحياة ليغسلهم ويطهرهم ويهيئهم للجنة، فيخرج من نهر الحياة شيئاً آخر. سيأتي شخص وقد أُغلقت الأبواب، فقد بدأت الأبواب تُغلق واحدة تلو الأخرى، فأصبحت ثمانية، ثمانية أبواب، فيقف. كل هذا سيدنا هو الذي قاله لنا، فنحن لا نعرف شيئاً، ولم نذهب إلى هناك من قبل. سيدنا هو الذي
يخبرنا، فيذهب فيجد أن الأبواب كلها قد أُغلقت، لكن هناك باب متوارب، آخر واحد. فأصبح ربنا يكلمه قائلاً: "يا عبدي، أنت كل ما أخبرناك به قد فعلته". فيقول له: "نعم يا رب، فعلته" ولا ينكر. "حسناً، وأنت الآن ستدخل الجنة". فيقول له: "يا رب، هل يعني أن الجنة قد أصبحت مسكني؟ سبحانك! الجنة أصبحت مسكني!" يريد أن يقول له مثلاً: "هل تسخر مني" أو ما شابه ذلك. لكنه غير قادر، غير قادر أن يقول هذا رب العالمين الذي يتكلم.
الجنة سكنت. قال له: هي سكنت، نعم، لكن ألا يرضيك أن أعطيك فيها قطعة كهذه تكون مثل مُلك أهل الأرض التي هي الكرة الأرضية؟ الكرة الأرضية محيطها أربعة وأربعون ألف كيلومتر، فهو يعطيه قطعة شاسعة. هكذا أربعة وأربعون ألف كيلومتر في أربعة وأربعين ألف كيلومتر، ليس فداناً أو متراً، بل بالكيلومتر. فقال له: "أرض؟ أين كنا وأين أصبحنا! الحمد لله على كل حال". قال: "فلك هذا ومثله معه"، فيكون بين ملكين. قال: "يا ربي". قال: "ومثله معه". قال:
"يا ربي". قال... ومثله معه قال يا ربي، قال ومثله معه بين خمس، قال يا ربي، قال وعشرة أمثال ذلك معه بين خمسين. هذه تسمى الآية الضربة، قضية تسمى شيئاً، يعني، يعني شيئاً أربعين ألف كيلو، وبعد ذلك اضربهم في خمسين، انظر كم يكونون، وقال ما هذا الذي يدخل آخر واحد. آخر واحد هو هذا هكذا، فيدلك على ماذا؟ الحكاية التي فوق، رضيت يا رب، فيدخلون الجنة فيجدون
أنه لا، هناك فيها متسع، والجنة فيها ميزة يا إخواننا عجيبة الشكل غير موجودة في الدنيا، وهي أنها تزيد وتنمو وتتسع كماً ونوعاً، تزيد الجنة، تزيد. قال بعض العلماء: طيب، وبماذا تزيد؟ قالوا: بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقائق سنكتشفها ستكون عجيبة غريبة والناس غير منتبهين لها لأنهم في غمرة ساهون.
إلى لقاء آخر، أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.