حديث الجمعة| الدكتور علي جمعة يشرح "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” (الحلقة الكاملة)

حديث الجمعة| الدكتور علي جمعة يشرح "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”  (الحلقة الكاملة) - تفسير, سيدنا محمد, مجلس الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع المحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهُدي من اتبعها وضل من حاد عنها. نعيش هذه اللحظات عسى أن يفتح الله علينا فتوح العارفين به وأن يعلمنا الأدب. معه وأن يسلك
بنا الطريق إليه وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يكرمنا في الدارين بشفاعة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وأن يجزيه عنا خير ما جزى نبياً عن أمته ورسولاً عن قومه. ترك لنا رسول الله منظومة أخلاقية فائقة رائقة عالية غالية لا مزيد عليها جاءنا. فقال عن نفسه: "إنما بعثت رحمة مهداة". جاءنا فإذا بالبسملة تلخص ما هنالك: بسم الله الرحمن الرحيم. جاءنا
فوصفه ربه سبحانه وتعالى بأسلوب قصر وحصر مثل "إنما"، ولكن بالنفي والاستثناء: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". عندما تقول: "لا إله إلا الله"، فهذا أسلوب حصر وقصر، قصرت الألوهية على الله وحده. لا شريك له، وعندما تقول: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، قصرت الإرسال على الرحمة فقط. ربنا سبحانه وتعالى وسعت رحمته
كل شيء من مكلفين ومن جماد ومن نبات ومن حيوان، من مؤمنين ومن كفار. أخبر الله سبحانه وتعالى عن نفسه في الكتاب بصفات، وهذه الصفات لو عددتها في القرآن لوجدتها. قد وصلت إلى أكثر من مائة وخمسين صفة، والله يقول: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها"، فسمى صفاته بالأسماء. فما الفرق بين الاسم والصفة؟ الاسم علم على الذات، يعني إذا أُطلق انصرف
الذهن إلى تلك الذات. عندما تقول: "خالد قم"، أنت تعرف واحداً اسمه خالد، هذا العلم الخاص به. ضَع في ذهنك دائماً أنه عندما تسمع كلمة "خالد"، تتبادر إلى ذهنك صورة خالد، فهو عَلَم على الذات. يعني بمجرد أن يُطلق، نادِ لي "محمدين"، هذا عَلَم، فوراً تذهب لتحضر له محمدين، ولا تحضر له حسنين. نعم، قال اسمه عَلَم على الذات. ماذا يعني عَلَم؟ يعني متى أُطلق يفهم ما هي الصفة؟ معنى قائم بالذات؟
محمدان؟ هذا يكون طويلاً أو قصيراً، أسمر أو أبيض، تخيل نحيفاً. صفات: مريض أو صحيح، فقير أو غني، ذكي أو غبي. هذه صفات لأنها معانٍ قائمة بالذات. فعندما أقول لك: الولد فلان، نعم تتعرف على فلان، يعني عرفناه خلاصاً. لن نقول أسماء بعد الآن. الذات والصفة معنى، يكون هذا علم وهذا معنى. هذا
علم على الذات، لكن هذا معنى قائم. هذه الكوب زرقاء، هذه الكوب كبيرة هكذا، لكن هذه الكوب صغيرة (استكانة). صفات معنى قائم بالذات. عندما آتي وأقول لك: اذهب وأحضر لي كوباً. قال: كوب هذا اسم على الإناء. هذا الذي يُشرب فيه يكون الفرق بين الاسم والصفة أن الاسم علم على الذات والصفة معنى قائم بالذات. حسناً، لماذا لم يقل ربنا "ولله الصفات العلى" مثلاً، يعني بدلاً من الأسماء يقول الصفات؟ قال: لأن تلك الصفات
في حقه تعالى قد وصلت إلى الغاية وإلى الكمال الأعلى وإلى تمام ما... هناك - حتى إذا ما أُطلق - انصرف الذهن إليه سبحانه. يعني عندما أقول لك من هو الرحمن؟ الله. ومن هو الرحيم؟ الله. ومن هو القوي؟ الله. لن تقول لي المصارع الذي بجوارنا هنا هو القوي، هذه قوة بسيطة لدينا، لكن من هو القوي؟ الله. من هو المهيمن؟ الله. من هي صفحة حقيقية ولكن صارت اسماً لبلوغ تلك المعاني في تلك الذات الجليلة إلى منتهاها
بحيث إذا ما أُطلقت انصرف الذهن إليه. هذا يعني الاسمية، أي انصرف الذهن إليه. فتصبح المائة والخمسون صفة هي في الحقيقة أسماء لله حسنى. السنة فيها مائة وأربعة وستون، عندما نجمعهم مع بعض ونحذف المتكرر مائتان وعشرون فأنا أملك في الإسلام مائتين وعشرين صفة هي أسماء لله سبحانه وتعالى عليها منظومة القيم. ذهبنا إلى المائتين والعشرين وصنفناها فوجدنا منها صفات جمال ووجدنا منها صفات جلال ووجدنا منها صفات كمال. فصفات
الجمال: الرحمن، الرحيم، الرؤوف، الغفور، الغفار، الغافر. صفات الجمال فيها ماذا يعني؟ حلاوة وجمال صفات الجلال فيها عظمة العظيم العزيز الجبار المنتقم ذي الجلال والإكرام. أليس كذلك؟ هل ستخاف هكذا؟ وماذا عن صفات الكمال: الأول الآخر الظاهر الباطن السميع البصير الوالي المتعالي الخافض الرافع
النافع الضار، التي تُسمى الأسماء المتقابلة، بضعة وعشرون اسماً متقابلاً. هكذا مع التقابل يفيد الكمال، أي لا تغيب. عنه شيئاً لا سراً في الظاهر ولا في الباطن، يعلم السر وأخفى. كمال طيب، إذاً هناك أخلاق ربانية إلهية للجمال نتخلق بها على حد قول الحكماء: "تخلقوا بأخلاق الله". إذاً لابد أن ترحم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم لا يُرحم"، ويقول
لأجل ذلك الحكماء قالوا... تخلقوا بأخلاق الله، فمن السنة أن "الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى"، "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". وقد ورد كثيرٌ في هذه الرحمة، أن الله اشتق من اسمه اسماً للرحم وقال: "وعزتي وجلالي لأصلن من وصلك ولأقطعن من قطعك". إذاً هي منظومة متكاملة فيها الجمال، لكن فيها... الجمال والجلال وهذا حقنا له التعلق. إياك أن تكون جباراً أو منتقماً أو لك العظمة والعزة، لا، إياك. ماذا نفعل؟ تتعلق بذي الجلال والإكرام،
يتعلق قلبك به، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، سيؤتينا الله من فضله ورسوله. تعلّق حسناً، وفي الكمال ماذا نفعل؟ الكمال يصبح فيه تخلّق وتعلّق وتصديق. بعد الفاصل نكمل هذه المنظومة ونرى ما هنالك. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. إذا عرفنا كل
ما ذكرنا وأن هناك منظومة كاملة للقيم بفعل ولا تفعل وبالتخلق والتعلق والتصديق وبربط الأخلاق بالعقيدة، نريد أن نبحث عن أصل تلك الأخلاق. والأصل هو آدم يعني آدم هو الذي تولّد منه البشر، فأبونا آدم أبو الأخلاق. ما هم البشر؟ أبوهم آدم. الأصل الخاص بهم هو أبو الشر إبليس. أفتتخذونه
وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو، بئس للظالمين بدلاً. فالأصل الخاص به هو إبليس، والأصل الخاص بالبشرية هو آدم. حسناً، والأصل الخاص هي التي تمثل أصل الأخلاق كلها، الرحمة هي التي تولدت منها الرفق، ويتولد منها السكينة، ويتولد منها الحب، ويتولد منها وهكذا. جاءت بعض الأديان ورأت أن الحب هو الأصل. نعم، هذا هو الجيل الثاني أو الثالث.
على فكرة، نحن لا ننكر أن الحب بالنسبة إلى الرحمة مثل نوح بالنسبة إلى هو نوح هو الأب الثاني للبشرية لكن ليس هو آدم. نوح جاء من آدم. نوح هذا هو الذي جعله الله سبباً لبقاء البشرية كلها، فهو لقب ثانٍ، لكن اللقب الأول من؟ يعني أنا أقول لك أنت آدمي ولا أقول لك أنت نوحي، هل تنتبه؟ لا أقول حكاية نوحي هذه يا... أخي، أنت نور يا أخي، لا، أنا أقول لك يا أخي أنت إنسان، وعندما أقول إنسان ماذا أعني؟ أعني أنت رجل طيب، أي أنك لست حيواناً،
أي أنك لست إبليس، أي أنك لست جماداً. أنت المعظَّم المشرَّف المكلَّف عندما أقول هكذا، ولذلك كلمة "إنسان" هذه تعني... إن فلاناً هذا إنسانٌ ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه صاحب أخلاق، يعني إنسان رحيم، يعني نافع لإخوانه ومن حوله، يعني لديه أصول. إن كلمة "إنسان" هذه لم تكن يوماً سباً أو نقصاً، دائماً كلمة "إنسان" تحمل نوعاً من المدح والأخلاق والإنسانية الكاملة، لأن هناك إنسان. ناقص وإنسان كامل، فآدم معناها أنه
محترم، أنه جيد، جميل، يعني إيجابي، ليس ناقصًا، ليس سلبيًا، ليس شريرًا. فتوصلوا إلى أن أصل الأخلاق الرحمة، وهنا تُفسَّر لك كل شيء. فدخلنا على بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله الكمال المطلق، لأنه اسمه الله، والله يدل على الذات بكماله كله بكله الله قالوا لأنك لو كتبت الاسم العجيب هذا ألف لام هاء وأسقطت الألف
بقيت أيضاً لله تُنطق هكذا أسقطت اللام الثانية له أسقطت اللام الثانية هو حسناً أسقط اللام والهاء يبقى قل يقول أبو بكر في تفسير قوله تعالى لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، القل هو الله فقط، ولا ذمة، ما هذا القل؟ ماذا يعني "لا يرقبون في مؤمن إلاً"؟ يعني الله. أبو بكر كان عربياً أصيلاً يعرف هذا الأمر. "إلاً ولا ذمة" يعني لا قرابة ولا شيء لوجه الله، فالإل هو
الله، وقد وصف إبراهيم فقال في شأنه، فالألف والهاء دالة. عليه أيضاً من كثرة قوله: آه، وألَّف فيها الشيخ محمد ظافر المدني بتقريظ الشيخ عليش رضي الله تعالى عن الجميع. اسم الله دلّ على الذات العلية بكلِّه، فإذا كل تركيب فيه يدلُّ
عليه. فلما دخلنا "بسم الله"، بعد ذلك قال "الرحمن"، قلنا: "حسناً، هذا جمال"، ها هو بدأ بالجمال، اطمئن فقط، ما زلت منتظراً ما الذي سيأتي بعد الرحمن. فقد كان من الممكن أن يكون بعد الرحمن المنتقم، فيكون هناك صفة جمال وصفة جلال. ذلك يخوف الله به عباده: "يا عبادي فاتقون"، حتى يخشى الإنسان قليلاً ويخاف من ربه. لكن جاءنا بشيء مذهل حيث قال: الرحيم، وليس الجبار. قلنا ليس ذو الجلال
لا كلمة هكذا العظيم، حسناً، قال أبداً هذا الرحمن الرحيم. وهنا كان مشايخنا يقولون لنا: قرر هذا من أجل أن يطمئن الخلق، فإنك تتعامل مع ربك من البداية جمالاً في جمال، الرحمن الرحيم، جمالاً في جمال. من هذا المنطلق صاروا، وبهذه الأخلاق التزموا، وبهذه الرؤية قرؤوا القرآن. قرؤوا القرآن كله وعلى أعينهم نظارة تكبِّر الصغير
وتبيِّن الخفي، اسمها "بسم الله الرحمن الرحيم"، أي الرحمة. قرأ القرآن من باب الرحمة، لأنه لو كان قال لنا "بسم الله الرحمن الملتقم" لكنا نقرأه، أي بعض الجلال وبعض الجمال، لكنه قال "الرحمن الرحيم"، فلا بد أن نقرأه كله من منظور الرحمة. من هذا المنطلق، هذا هو الكتاب المكافئ لكتاب سيدنا الرسول. الكتاب نبي مقيم، والرسول أصبح رحمة مهداة، "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". ماذا يعني ذلك؟ الرسول رحمة، والقرآن
رحمة، والرحمة أصل الأخلاق. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.