حديث الجمعة| علي جمعة يتحدث عن اهمية العلم واهم الاحاديث التي ذكر بها فضل العلم | الحلقة الكاملة

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك نعيش هذه اللحظات مع ما تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خير ومن نظام أخلاقي فائق ورائق نعيش في ظلاله ومعه إلى أن نلقى الله سبحانه وتعالى، وندعو الله سبحانه
وتعالى ونسأله أن يجازي عنا سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم خير ما جازى نبياً عن أمته ورسولاً عن قومه، وأن يحشرنا تحت لوائه، وأن يسقينا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً، ثم يدخلنا الجنة. بغير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب، اللهم يا ربنا كن لنا ولا تكن علينا، فارحم حيّنا وميتنا، وحاضرنا وغائبنا، وخذ بيدنا إليك، واسعَ بنا في الطريق إليك، يا أرحم الراحمين، افتح علينا من خزائن رحمتك وفضلك ما تُثبِّت به الإيمان في قلوبنا، آمين، وصلاة على المرسلين، والحمد لله. رب العالمين، تكلمنا عما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من نفس عن مؤمن كربة نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مؤمناً..." ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه. قال بعدها: ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهّل الله له به طريقًا إلى الجنة. وهذه هي الصفة الخامسة من الخلق النبوي الشريف. وما
اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه. إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه، فتمت سبع نصائح في حديث جامع. أما هذه النصيحة الأولى فقد أخرجوها مفردة، أحياناً يروون الآية والحديث منفرداً هكذا لبيان الأهمية: "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل
الله له..." به طريقًا إلى الجنة، كلامٌ فريدٌ وحيدٌ لم يقله الفلاسفة الأقدمون ولا من بعدهم إلى يوم الدين. كلامٌ غريبٌ لم يتكلم به الحكماء ولا الأدباء، أن يجعل هناك علاقة بين العبد وبين ربه، وأن يشبه هذه العلاقة بالطريق. كل هذا كلامٌ جديدٌ خاصٌ بسيدنا، لم يقله أحدٌ قبل ذلك، وأن هذا الطريق يسير فيه السائر إلى الله سبحانه وتعالى ابتغاء العلم. اليهود كانوا يدعون إلى العلم وقليل
من الديانات دعت إلى العلم وكثير من الديانات لم تدعُ إلى العلم. ولما جاء الإسلام دعا إلى العلم فقال: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" وقال: "وقل رب زدني علمًا" وقال: "قل هل". يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وقال: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، وقال: "والراسخون في العلم يقولون كل من عند ربنا، وما يتذكر إلا أولو الألباب"، أعلى من قيمة العلماء ومن العلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا بارك الله لي في يوم لم أزدد فيه علماً". وقُلْ رَبِّي زِدْنِي عِلْمًا، ويقول
ربنا: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. ماذا يعني هذا؟ إنه يعني "مع المحبرة إلى المقبرة"، أي العلم من المهد إلى اللحد. فالعلم ليس له نهاية، كما قال تعالى: وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. لقد حصَّلتُ علمًا ونلتُ الشهادة الإعدادية، لكن هناك علم آخر في المرحلة فرحتُ وأخذتُ الشهادة السنوية، فهناك علمٌ آخر في الجامعة، فذهبتُ وأخذتُ الجامعة، لا يهمني، لكن هناك علمٌ آخر في الدراسات العليا، فذهبتُ وأخذتُ الدراسات العليا، وهناك علمٌ آخر في الرسائل الجامعية، فذهبتُ وأخذتها أيضاً، لم أسكت يعني، لكن هناك علمٌ آخر. الله! طيب ونهايتها ماذا؟ الحقيقة أنها ليس لها نهاية. إن الكلمة صادقة، وفوق
كل ذي علم عليم. مَن الذي وصل إلى نهاية أي شيء؟ فلان هذا ذو علم، فيكون فوقه عليم. نعم، إذاً لن ننتهي، فنحن مع المحبرة إلى المقبرة. صحيح، يقول المصريون: "يموت المتعلم وهو يتعلم، ويموت المعلم وهو يتعلم". حسناً، هذا هو الحال. هذا معلم نعم، لكنه يتعلم لأنه مع المحبرة إلى المقبرة، والعلم من المهد إلى اللحد. كل هذا كلام صنعناه بناءً على "وفوق كل ذي علم عليم". فالعلم ليس له نهاية، غير راضٍ أن يسكت، العلم غير راضٍ أن يسكت، ليس
راضياً. هو أعلم منك ولن تستطيع بعقلك المحدود ولا بزمنك لا بمكانك المحدود ولا بشخصك المحدود لا يمكن أن تحيط، ومن هنا جاءت هذه الحقيقة أنه فوق كل ذي علم عليم. الأخلاق ستؤدي بك إلى التواضع وإلى معرفة الحقيقة، لأنك كلما ارتقيت في العلم كلما عرفت أن ما جهلته كان أكثر. عندما كنا ندخل في مسألة نريد أن نحلها. هذه، هيّا نحلها فيترتب بعد الحل أربعون سؤالاً لم نُجب عليهم بعد. هيّا نقول حسناً، سنأخذ واحداً من الأربعين ونحله، نفتح ونحل فنجد فيه أربعين سؤالاً
وراءه. وماذا بعد؟ أنا عندما دخلت كان معي مائة معلومة، والآن معه عشرة آلاف فقط وأنا معي مائة معلومة. كنت أظن أن العلم كله... أولاً، عن آخر ثلاثمائة، اتضح لا، هذا اتضح من المرحلة الأولى، أول سؤال، أنهم أربعون ضعف الثلاثمائة، يعني اثنا عشر ألفاً. ثانياً، المرحلة الثانية، السؤال الثاني، أصبح اثنا عشر في أربعين أصبح نصف مليون. فأنا أتذكر أن العلم ثلاثمائة ومعي مائة قبل أن أكون الثلث. أي أنني ثلث عالم، طيب عندما تقدمت خطوتين أو ثلاثة، عرفت
أنني واحد من عشرة ملايين. حدث شيئان: أول شيء أنني شعرت بالإحباط لأنه من غير المعقول أن أحصل على العشرة ملايين، فلا يوجد وقت كاف. تواضعت، هذا ما حدث. ثم قلت: لا إنه فوق كل ذي علم عليم، إذاً العب في هذه الأسئلة القليلة التي لا تعرف حلها يا حبيبي وتعلَّم، فقد دعانا إلى العلم ودعانا إلى التواضع مع العلم، ولذلك قال: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" لأنهم عرفوا الحقيقة. بهذا "من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً". توقف الآن عند كلمة "يلتمس" هذه، فهو لم
يقل "يحصل"، يلتمس الذي ذاهب ليشتري كتاباً، يلتمس الذي ذهب ليطبع كتاباً، يلتمس الذي ذهب ليحضر محاضرة، ويلتمس الذي سيلقي المحاضرة أيضاً. حسناً، الذي ذاهب، ولذلك ينقل حاجي خليفة في كتاب كشف الظنون أنه يدخل الجنة بسبب الكتاب عشرة: المؤلف، والناسخ، والقارئ، والمدرس، وغيرهم عشرة يدخلون بسبب الكتاب. انظر، إلى هذا
يعني أي شيء من درجات المعرفة والعلم. بعد الفاصل نكمل ونواصل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، فالالتماس يشمل كل صور طلب العلم، ولكن هذا التصور أنك ذاهب إلى المكتبة وتمشي لكي تسأل عن... كتاب وتحصل عليه قال أنت ذاهب إلى الجنة، ما هذا؟! هذا لم يخطر على بال أدباء العالم ولا شعرائهم
ولا حكمائهم ولا فلاسفتهم، ما هذا التشبيه؟ يعني وأنا ذاهب ماشياً في الشارع أذهب إلى الجنة؟ أنا عند البدء، يعني عندما تسألني أقوم فأقول لك أنا ذاهب إلى الجنة، هل تتصور الآن التي هي جنة العلم جنة الكتاب، حسناً بالله عليك لو استقر في وجدان شخص أنه ذهب لشراء الكتاب فمشى في طريق الجنة وأحضر الكتاب، هل سيضع عليه غطاء الشاي؟ لا أعتقد أنه سيضع القلم الرصاص ويغلقه هكذا. كان مشايخنا يضربوننا لو فعلنا هكذا، لابد أن تضع... ورقة يجب
أن تضع عليها علامة أي ماركر، هل انتبهت؟ لكن إذا وضعت الألم فستفسد التجليدة وينبعج الكتاب هكذا. هل عندما اشتريت الكتاب هكذا سيكون عزيزاً عليك؟ أيصح أن ترميه هكذا لزميلك؟ أو أن يحدث في الدراما أن الأطفال يحرقون الكتب مثل التتار؟ لا، يجب أن يحدث ذلك. ماذا آدميين وتفهم سيدنا، يقول الإمام النووي: "يجوز للعالم الأخذ من الزكاة لشراء المراجع والكتب حتى ولو كانت نسخاً مكررة".
ما هذا؟ إنها حضارة! أذهب لآخذ من الزكاة لكي أشتري النسخة الثانية من الكتاب! قيل له: نعم، واحدة في المسجد وواحدة في البيت. نعم، لا تمشِ هكذا، أريدك أن تتعلم من... الزكاة قال لي نعم من الزكاة هذا يدفع الإمام النووي رضي الله تعالى عنه وأرضاه. كلمة الإمام النووي هذه ما معناها؟ معناها رمز التقوى والصلاح والعلم والعبادة والزهد وشيء جميل هكذا. مثال ماذا يعني النووي هذا؟ لا، النووي هذا شيء آخر. النووي هذا جلس خمسة وأربعين سنة يطلب
العلم ويكتب. ولم يكن متزوجاً، ولأنه لم يتزوج كان يصوم كل يوم، وكان لا يأكل إلا من يد أمه. كانت أمه تسكن في نوى وهو يسكن في دمشق، وبينهما ستون كيلومتراً، فكان يذهب كل ثلاثة أو أربعة أو خمسة أشهر ليزور أمه وأباه، ويأخذ الحقيبة التي فيها الأقراص، فيأكل قرصاً أو شيئاً كان الإمام النووي كالقلم الرصاص، ليس لديه كرش ولا شيء من هذا القبيل، فكان مثل القلم الرصاص، هو والعمامة المستديرة هكذا، ولم
يكن أحد يخدمه سوى العلاء العطار. وكان من يأتي لمشاهدة الإمام يصلي في الصف فيسأل من بجواره: "أين فضيلة الإمام النووي؟" فيقول له: "يا أخي، إنه بجانبك"، فيذهب بعد ذلك يقول له فضيلة الإمام النووي، كيف؟ يقول له: لا، هذا هو الإمام النووي. إنه لا يصدق أن هذا الرجل الضعيف هو الإمام النووي. كيف يعني؟ هذا هو الإمام النووي! يعني الإمام النووي لم يجلس سنتين على جنبه، لم ينم، كان ينام وهو جالس هكذا. فعندما نقول النووي، نعم يعني العلماء كلهم فقط هذا النووي مثل ماذا؟
الصادق الطيب التقي الزاهد العابد الصالح الذي كان إذا دعا استُجيب له. فالإمام النووي يقول: "وأفضل ما تتوجه به في الزكاة لطالب العلم". انتبه، هو لم يكن يأخذ زكاة، كان يذهب ليأكل من أمه، ولا أحد يقول لك هذا. لم يكن تابعاً للحكومة، لم يكن تابعاً للدولة، بل كان خاصاً بالله فقط. خاص بالله هذا قال لنا هكذا، ليس كما تقول الفئة النابتة. قال لنا ما يعرفه الشعب، ما تعلمناه من آبائنا وأمهاتنا، الإسلام المعيش الذي
عشناه، وليس المتخيل الذي ملأ به الأرض دماً وفساداً من سلك. طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له طريقاً إلى الجنة به. بالسعي فيه، هذا آخر الحكاية: الجنة. وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه - العلم أيضاً ولكن التطبيق، ليس العلم الإعدادي بل العلم التطبيقي - إلا نزلت عليهم السكينة. اللهم أنزل علينا السكينة وغشيتهم
صارت الرحمة أمواجًا هكذا ونحن نعوم في الرحمة هكذا وأحاطتهم الملائكة، والملائكة محيطة بحلقة العلم. جميل هذا الكلام، يا رب، يا رب يكون هنا ملائكة هكذا. والأكبر من ذلك أمواج الرحمة وتنزلات السكينة وإحاطة الملائكة، ولا ننسى ذكرهم الله، قال تعالى: "فاذكروني أذكركم واشكروا". لي ولا تكفرون وذكرهم الله فيمن عنده. يأتي المتشددون يريدون أن يحرموا علينا جلسات الذكر. ماذا يا إخواننا، لماذا تحرمون علينا جلسات الذكر؟
إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "إن لله ملائكة يطوفون في الأرض يلتمسون مجالس الذكر". قوم يقولون ماذا؟ انظر، إلى التحريف والتخريف! نحن هنا نقول الذكر النص هكذا يقول لك: لا، الذكر هنا يعني معناه درس العلم. الله، هذا نحن نعرف أنك نصي وأنك لا تترك الكلمة، فلماذا جئت وتركتها هنا؟ الهوى، "أفرأيت الذي اتخذ إلهه هواه"، فمصيبة إذا يلتمسون مجالس الذكر ثم يصعدون إلى
الله. يذهب إلى المجلس هكذا، المجلس يذكر الله سبحانه. وتعالى ثمّ يصعدون إلى الله فيقولون: "كيف وجدتم عبادي؟" وهو أعلم بهم، يريد فقط أن يتباهى بهم. "كيف وجدتم عبادي؟" قالوا: "وجدناهم يذكرونك ويحمدونك ويهللونك". قال: "وهل رأوني؟" قالوا: "لا، لم يروك سبحانك، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار". قال: "فكيف لو رأوني؟ إني قد غفرت لهم لمجالس الذكر المذكورة". الذين يريدون أن ينسونا سيدنا النبي والمدائح النبوية التي تحبب الناس في النبي والذكر
الذي يحبب ربنا للناس، يريدون أن ينسونا كل هذا. إذن ماذا نفعل؟ لا شيء؟ نصلي ونصوم ونفعل هكذا فقط حتى تكون قد أديت واجبك، ثم تنسى الإسلام وتصطدم مع الحياة الدنيا؟ قالوا: يا ربنا، إن فيهم فوجدهم فجلس معهم وليس منهم. قال: "هم القوم لا يشقى جليسهم". غُفِرَ له وهو قادم هكذا، توضأ ودخل ليصلي فوجدهم يفعلون شيئاً حسناً، فمشى معهم. حسبنا الله ونعم الوكيل، إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله
وبركاته.