حديث الجمعة| علي جمعة يشرح "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ورسالة النبي محمد (الحلقة الكاملة)

حديث الجمعة| علي جمعة يشرح "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ورسالة النبي محمد (الحلقة الكاملة) - سيدنا محمد, مجلس الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع المحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نعيش هذه اللحظات نلتمس من جنابه الشريف الهدى، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدينا به في الدنيا وأن نكون تحت لوائه. في الآخرة وأن
يحيينا على ملته وأن يميتنا على شريعته وأن يبعثنا تحت لوائه في زمرته صلى الله عليه وآله وسلم. فاللهم يا ربنا صلِّ وسلم على سيدنا محمد صلاةً وسلاماً تاميَّن كاملين إلى يوم القيامة، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار إلى يوم الدين. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق، وكلمة "إنما" تفيد القصر والحصر، وكأنه يقول: السبب الوحيد لبعثتي
هو أن أتمم مكارم الأخلاق. قالوا: إنما تفيد الحصر والقصر، يعني الرسالة مقصورة على تمام الأخلاق، ولأن الرسالة فيها عبادات وعقائد وفيها أخبار، فإنهم قالوا: تفيد القصر والحصر غالباً من أجل... الدقة لكن هي أصلها أنها تفيد الحصر والقصر، وهذا لا يضر أن يُضاف إليه شيء. ولكن الغالب هو
تمام الأخلاق. وكلمة "إنما" إذا أردنا أن نبحثها بحثاً علمياً موثقاً فيما قد ورد إلينا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سنته الشريفة، والتي وجدناها في ستين ألف حديث. بعضها نُقِل إلينا بطريقٍ صحيح، وبعضها نُقِل إلينا بطريقٍ حسن، وبعضها نُقِل إلينا بطريقٍ ضعيفٍ لكنه منجبر يُعمَل بمثله في فضائل الأعمال، وبعضها نُقِل إلينا بطريقٍ ضعيفٍ جداً لا انجبار فيه، يمكن أن نرده وألا نأخذ
به لأنه غالباً ما يعارض أصلاً من الأصول التي قررها لنا رسول. الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولأنه أيضاً يكرّ على ما قرره بالبطلان، ويخالفه ويكرّ عليه بالبطلان، ولأننا لا نسمح لهذا القدر الذي نُسِب خطأً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشوش علينا أمر ديننا، وأن يشككنا في سنة نبينا، ومن أجل ذلك وقف الجهابذة من العلماء المحدثين. رضي الله تعالى عنهم وبينوا لنا هذا الجانب وكيف يكون وما القواعد التي بها المعيار وبها الحكم بتوفيق الله لهم.
الستون ألف حديث يعني ستون ألف جملة، يعني "ثلاث من كان فيه كان منافقاً خالصاً" كذا وكذا أي هذه جملة حديث. وتجد مرة أخرى يقول "أربع من..." كُنَّ فيه كان منافقاً خالصاً فيضيف إليه إذا حدَّثَ كذب وإذا اؤتمن خان وإذا عاهد غدر في الثلاثة، وفي الثانية يقول وإذا خاصم فجر. يبقى إذا زاد أهو وحده. إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: من صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أو علم يُنتفع به. ويُخرج البيهقي إلا من سبعة، ويجعل
فيها مسجداً يُسجد فيه لله، وبئراً تنفع الناس، ونخلاً يجعل صدقتها لوجه الله، والثمر الخاص به، وهكذا. فنجد أنه إذا انقطع ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث عشرة خصلة عندما نجمع سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، هذا هو. حديث ثم ستة ثم ثلاثة ثم كذا، نجلس نجمع حتى وجدناهم تسعين صنفًا يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله يوم القيامة. هؤلاء ستون ألف حديث، لكن لو جمعناهم على الموضوعات فإن كل
موضوع ينقطع وعمل ابن آدم إلا من كم؟ سيأتي تحته خمسة أحاديث أو سبعة. أحاديث، عشر أحاديث، عشرون حديثاً في موضوع واحد بهذا الشكل، فإن الستين ألفاً ستصبح خمسة آلاف فقط. حسناً، هذه الستون ألفاً نحن نقول إننا نبحث فيها بطريقة علمية إحصائية. "إنما بُعِثت لأتمم مكارم الأخلاق" وجدنا ألفين منها من أصل الستين ألفاً. في كل الفقه جاء واحد وألف كتاب بلوغ المرام جمع العسقلاني في أدلة الأحكام
كل الأدلة التي استدل بها الفقهاء في الفقه بأكمله، وهي ألف وثمانمائة حديث. شخص آخر في مذهب آخر قد يُذكر، وقسّمه تقسيماً حيث يمكن للحديث الواحد أن يُقسم إلى عدة أجزاء، فيضع هذا في باب الوصية، وهذا في الصلاة، وهذا في الصيام، وهذا في الزكاة، آلاف المواضع التي انتقاها مؤلف كتاب "منتقى الأخبار" لابن تيمية الجد. والجد هو الرجل المشهور أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية. وعبد السلام هو صاحب كتاب "منتقى الأخبار". وعندما
نفتح في الترقيم نجد خمسة آلاف. ماذا نفعل بهذه الخمسة آلاف في المقرر؟ عندما نأتي لندرسه، نستخرج الألف أو الخاص ببلوغ المرام، فنقول: ألفان من ستين ألفاً، كم تكون النسبة المئوية؟ تكون واحداً على ثلاثين، أي ثلاثة وثلث في المائة. ثلاثة وثلث في المائة، يعني كم يتبقى؟ ستة وتسعون وسبعة من عشرة، أي ثلاثة في المائة مقابل سبعة وتسعين. أين إذاً هؤلاء السبعة والتسعون؟ والله. لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع، وإن الراحمين يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. إكرام الضيف من الإيمان، لا
يؤمن من لم يأمن جاره بوائقه. إن هذه كلها أخلاق متصلة بالعقيدة، فتكون سبعة وتسعين في المائة، فصدقت يا رسول الله إنما بعثت. لأتمم مكارم الأخلاق، أخلاق مرتبطة بالعقيدة سبعة وتسعين في المائة، وبقيت الشريعة من أولها لآخرها مع أهميتها وركنيتها والاهتمام بها وأنها هي عبادة الله بالتفصيل وكل شيء ثلاثة في المائة من الصلاة ومن الصوم ومن الحج والزكاة والجهاد والقضاء والزواج والطلاق والنسب كل شيء ثلاثة في المائة، يبقى إنما ولا... ليس إنما والله
إنما بُعثتُ، أي هو أُرسِلَ وبُعِثَ. بُعثتُ تعني أُرسِلتُ. انظر، اللهجة العامية تعني بُعثتُ أي أُرسِلتُ. بُعثتُ لماذا؟ من أجل، اللام هنا في الآية لكي تبين أنت بُعثتَ لماذا، تجيب عن سؤال لماذا. قال: "لأتمم"، لم يقل "لأنشئ"، لم يقل "لمكارم الأخلاق"، قال: كانت الأخلاق موجودة. نعم، فهو لم يدّعِ ذلك، كان ضمن صف الرسل الكرام، ما كنت بدعاً
من الرسل أبداً، فهو لم يكن جديداً في هذا، إنه جاء من سلسلة الرسل من لدن آدم إلى آخرهم وخاتمهم صلى الله عليه وسلم. فسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "خير ما قلت"، انظر كيف قال. النبيون من قبلي يبقى دائماً ما يربطنا بمجموعة الرسل، وجعل الإيمان بموسى وعيسى وإبراهيم ونوح وآدم جزءاً لا يتجزأ من العقيدة وجزءاً لا يتجزأ من الإسلام. أمة منفتحة. بعد الفاصل
نرى ما هنالك. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن مما تركه آل داوود يعني يستدل بما فيه كلام آل داوود أو ما كان في صحف إبراهيم، وربنا يقول في صحف إبراهيم وموسى أن هذا يعني وصل بين الأنبياء على مدار
تاريخهم أنه لا يأتي مبتدعاً وإنما يأتي متبعاً، فاتبع ملة إبراهيم وما كان من المشركين، النبي صلى الله عليه وسلم أتانا بمنظومة الأخلاق فقال: "لأتمم" وقال: "مثلي ومثل النبيين من قبلي كمثل من بنى بيتاً فشيده وأحسنه إلا موضع لبنة فيه هكذا هو، فكل من دخله قال ما أروع هذا وما أحسن هذا إلا موضع هذه اللبنة" يعني ما يا... ربّ أتمم هذا الجزء فأنا
هذه اللبنة، فتم به الأمر. يكون هذا التصور يجعلنا في توافق مع العالمين، يجعلنا في توافق مع العالمين. فماذا عن هؤلاء العالمين، ممَّ يتكونون؟ من ديانات. فجاء ربنا وأرشدنا إلى أنه توجد ديانات لها كتب وديانات ليس لها. الديانات التي لها كتب مثل المسيحية. ومثل اليهودية ومثل البرهمية لهم كتاب اسمه الفيدا، المسيحيون لهم العهد
الجديد، واليهود لهم العهد القديم، والبراهمة في الهند لهم الفيدا وشرح الفيدا وشرح الأوبانيشاد. وعندما نسألهم: "ما هذا الفيدا وما هو الأوبانيشاد وما هذا الكلام؟ ولماذا تسمون أنفسكم براهمة؟" قالوا: "لأننا أتباع براهما". نقول مَن هذا "برهما"؟ قال: "برهما" هذا كان رمزاً يعني شيئاً قوياً جداً، وكان قد جاء إلى هنا مع أتباعه وعبروا النهر. "برهما" فسمّوهم أهل
العبور، أهل العبور. "برهما" وعبروا النهر، هذا سيدنا إبراهيم. وبعد ذلك أمره الله أن يضحي بابنه. والله العظيم ضحّى بابنه فعلاً. قال: لا، فالله أنقذه في اللحظة الأخيرة نزلت ذبيحة من قربان من السماء لكي تنجي ابنه. أقول لكم إن النعمة وزوجته كانت شيئاً آخر اسمها ساراسوتي، والله ساراسوتي، نعم. واستمروا يصفون سيدنا إبراهيم الذي
هو نبينا. عندما سألوه عن صحف إبراهيم وما هي صحف إبراهيم هذه، قال: أدعية وصلوات. فأحضرنا الفيدا فوجدناها أدعية وصلوات ما هي وفي الفيدا مذكور أنه سيأتي شخص هو هذا اللبنة وأن هذا اللبنة سيفعل شيئاً غريباً جداً حيث سيصعد إلى السماء وأن اسم أمه الأمن كلها. والله، نشكرك يا عمي. على فكرة، كان اسم أم النبي آمنة. فيقول لك: لا، أنت تكذبه. لا، لم يخبرنا أحد بذلك عن آمنة.
قال: "لا، ليس هو، لا، يعني هذا له إبراهيم، ولا هذا سيدنا النبي، حسناً، كيف حالك، ليس لنا تدخل، إذاً فالنبي عليه الصلاة والسلام عندما جاء، ليدلنا على أنه بُعث ليتمم مكارم الأخلاق. انظر كيف، يا أخي، ليس لينشئ أخلاقاً أو ليعلِّم أخلاقاً أبداً. الأخلاق مطلقة عبر التاريخ موجودة." في كل عصر ومع كل نبي لكن هذه الأخلاق تحتاج إلى تمام تحتاج إلى شيء يزينها ويلبسها التاج وينير طريقها ويجعلها مرتبطة بالله رب العالمين
ليست أخلاقاً من أجل المصالح الدنيوية ومن أجل الاجتماع البشري فقط بل هي أيضاً لوجه الله فربط هذه الأخلاق بمراد الله سبحانه وتعالى هو الذي يصل بنا إلى التمام والكمال، وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى. النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءنا بالقرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو هدى للمتقين. هذا القرآن فيه عجائب، قال
فيه التونسي، الإمام التونسي، فيما يرويه عنه الإمام إبراهيم الباجوري شيخ. ينقل الجامع البرهان الباجوري في حاشيته التوحيدية عن الإمام التونسي أنه قال: "كل ما في القرآن تفصيل لما في الفاتحة، وكل ما في الفاتحة تفصيل لما في بسم الله الرحمن الرحيم". فإذا أتينا إلى بسم الله الرحمن الرحيم التي بدأ بها الخطاب، تفتح المصحف فتجد بسم الله الرحمن الرحيم المفتاح. الذي ستحل به الفتح لكي تتوصل إلى مدخل القرآن
الكريم هو ماذا يريد منا وسنفعله حاضرين، لكن ماذا يريد من تدبر القرآن ومن النهل من القرآن ومن الأخذ من القرآن، ولا بد أن نقرأه قراءة تعبر عما أراده رسول الله بمراد الله من أنه قد بعث ليتمم مكارم. الأخلاق. بسم الله الرحمن الرحيم. نبدأ بها في معرفة أصل الخلق الذي تشعبت منه كل الأخلاق، وكيف تشعبت حتى صارت منظومة أخلاقية تامة مرتبطة بأسماء الله الحسنى
كما أوردها في كتابه ليتعرف إليه خلقه. فإلى لقاء آخر، نستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    حديث الجمعة| علي جمعة يشرح "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” ورسالة النبي محمد (الحلقة الكاملة) | نور الدين والدنيا