حديث الجمعة| علي جمعة يفسر "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" | كاملة

حديث الجمعة| علي جمعة يفسر "الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" | كاملة - حديث, مجلس الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع المحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا يزيغ عنها إلا هالك. نعيش هذه اللحظات عسى أن ينفعنا الله سبحانه وتعالى بمعية المصطفى والنبي المجتبى صلوات ربي وسلامه. عليه في الدنيا والآخرة وأن يشفعه
فينا يوم القيامة وأن يحشرنا تحت لوائه وأن يسقينا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً. اللهم يا ربنا ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب وكن لنا ولا تكن علينا، فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا، فنحن في حاجة إلى رحمتك ولست في حاجة إلى مؤاخذتنا فاعف عنا بعفوك وافتح علينا فتوح العارفين بك. ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظاماً أخلاقياً راقياً عالياً، تكلمنا عن شيء منه في حلقات سابقة ولقاءات فائتة، وبدأنا بالرحمة، وذكرنا
أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال. الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. وفي رواية "يرحمكم من في السماء" على صيغة الدعاء. والله سبحانه وتعالى يقول في شأنه: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت رحمة مهداة". وربنا بدأ كتابه فقال: "بسم الله الرحيم تكلمنا في هذا المعنى وإتماماً للفائدة
وبياناً لأهمية لغة العرب والتعمق فيها وعلاقة ذلك بالفهم العميق لكلام رب العالمين وكلام سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم لنوال سعادة الدارين منهما وطلب الهداية من القرآن والسنة. توقف العلماء عند الرحمن الرحيم فقالوا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة وكلمة رحمن الدنيا معناها أن الله سبحانه وتعالى يرحم عباده سواء أكانوا من
بني آدم أم كانوا من البهائم والحيوانات، بل حتى لو كانوا من عالم الأشياء، وأن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم، فهم وإن خرجوا عن حد التكليف إلا أنهم في رحمة الله، "ورحمتي وسعت كل شيء"، وكلمة "شيء". تُطلق ويُراد منها كل موجود، قل: أي شيء أكبر شهادة؟ قل: الله. إذ حتى الذات العلية أطلق
عليها القرآن شيئاً لأنها موجودة متحققة، بل هي واجبة الوجود، بل هي قائمة بذاتها. "كل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام". فلما رحمت، "رحمة الله وسعت كل شيء" دخل في... ذلك الجماد والنبات والحيوان ودخل من بني البشر الكافر والمؤمن، ومن هنا حمل العلماء الرحمة التي طالبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها رحمة عامة. ولذلك
نرى هذه الرحمة العامة في التكاليف والتوجيهات الربانية ثم المصطفوية لنا حتى في أشد الأحوال: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾. حسناً، هذا الأسير عدو، والأسير هذا جاءني ليقتلني، وبيني وبين هذا الأسير - كما يقولون - ما يصنع الحداد. وإذ بربنا سبحانه وتعالى يأمرني أمراً أن أطعم الطعام للمسكين واليتيم والأسير في حال قيده وفي حال ضعفه،
حتى لو لم يكن مؤمناً ولم يكن مسلماً، ولكن مع عداوته إلا أن أمرنا برحمته، وعندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني: "الإنسان بنيان الرب، ملعون من هدم الإنسان"، سواءً كان مؤمناً أو غير مؤمن. ولذلك نرى الشبرخيطي في شرحه للأربعين النووية يفسر الأخوة في "أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك" بالأخوة
العامة، أي أخوة بني الإنسان الأخوة ليست متعلقة بالمؤمنين أو المسلمين أو الدائرة التي تحيط بنا فقط، بل نتمنى لكل إنسان ما نتمناه لأنفسنا. حتى إذا ضاقت العبارة على بعضهم قال: "حتى يا أخي تمنَّ له الإيمان". تقول لي: "كيف؟ هذا شخص ملحد يستحق العقاب الشديد!". في الصعيد نقول هكذا، لكن في القاهرة لا. نقول "إنما" بل في الصعيد نقول "ضرب الجزم"، فكيف هذا؟ قال: تمنَّ
له الإيمان، أنت تتمنى لنفسك الإيمان، فتمنَّه لهذا. لو أنَّ المسلمين أدركوا هذا لصُحِّحَت صور الإسلام في العالمين، لأنهم يريدون الخير للناس ليس من قبيل التعصب ولا من قبيل التحزب، ولكن من قبيل الرحمة، رحمن الدنيا لأنهم بأخلاق الله، فلأنه قد رحم المؤمنة والكافرة، ولأنه رحم الجميع من إنسان وحيوان ونبات، فإنه يجب عليك أن تكون كذلك كما كان المصطفى
صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أنه لما حنَّ الجذع إليه - وكان يخطب على جذع فتركه لما جاء المنبر وكان من عيدان وخطب عليه - أنَّ سمعه من في المسجد فنزل من الخطبة. هذه الخطبة أي من أجزاء الصلاة، يعني لا يمكن أن نصلي الجمعة ركعتين دون الخطبتين. فالخطبتان هاتان فهمنا من هذا أنهما بدل عن ركعتين من الظهر. فأنت الآن مشغول بفرد وبعد ذلك قطعة خشب التي هي الجذع المبارك.
هذا الجذع المبارك يعني في هو قطعة خشب في النهاية، ولكنه اكتسب البركة من سيدنا، من طاقة الحب التي لسيدنا. عندما خطب عليه، أتقوم بالنزول وترك الواجب والمجيء لاحتضانه؟ أهكذا يرضى ربنا؟ إنك أمام الحضرة القدسية، تنظر إليه هكذا وترى ماذا يفعل، كيف تفعل؟ "لقد كان لكم في رسول الله [أسوة حسنة]". أسوةٌ حسنةٌ، نعم. كيف يمكن لأحدٍ أن يُفكر هكذا ويحسبها كيف أترك الواجب لأجل أن أتلطف مع قطعة خشبٍ؟ نعم، أنت لا تفهم شيئاً. لماذا لا تفهم شيئاً؟ لأنه ليس هكذا فعل رسول الله. حقاً، لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن
كان يرجو الله واليوم الآخر. وذكر الله كثيراً، انظر إلى الصفات. فعندما رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك واجباً من أجل هذا، عرفنا أن الرحمة هي رحمة شاملة، وأنها هي مراد الله سبحانه وتعالى من خلقه، وأن فيها من المعاني ما إذا نُزع من قلب المؤمن صار جافاً وصار خارجياً خارجاً عن نطاقنا.
أما بالنفاق والنفاق خروج وأما بأن يكون وآله وصحبه ومن والاه فالرحمن رحمن الدنيا يرحم كل شيء لأن رحمته وسعت كل شيء وكان بالمؤمنين رحيماً. الآخرة لها قواعدها وهو سبحانه مالك يوم الدين هو الذي يملك وليس لنا فيها اختيار وليس لنا فيها كلام وليس لنا فيها رأي وليس لنا. فيها سوى أننا سنكون
تحت التصرف تحت الملك المالك ملك لأنه وهو القاهر فوق عباده ومالك لأنه صاحب هذا اليوم كما أنه رب الدنيا والآخرة الحمد لله رب العالمين فهو رحيم الآخرة لأنه سيرحم المؤمنين ويعاقب المذنبين ثم بعد هذا العقاب ماذا يصنع فعال لما يريد ولكن ولا يظلم ربك أحداً وما ربك بظلام للعبيد. قال
العلماء: الرحمن الرحيم قاعدة "الزيادة في المبنى زيادة في المعنى" لأن اللغة العربية مبنية هذا البناء. الزيادة في المبنى في عدد الحروف هي زيادة في المعنى، فعندما تقول "خَرَجَ" ثلاثة حروف، وعندما تقول "أَخْرَجَ" أصبحت أربعة حروف، زدنا الهمزة. خرج الولد.
خرج الماء، خرج البترول أو هكذا، هو خرج، فيكون كأنه خرج من غير إله، خرج وحده. حسناً، وأخرج لا. أخرج الولد، فيكون هنا شخص جاء وأمسك الولد من قفاه وأخرجه. أيضاً، فهذا يحتاج إلى ماذا؟ يحتاج إلى حركة ويحتاج إلى شخص آخر، لأن الولد الأول خرج بمفرده، أما الولد الثاني هناك أحد جاء وأخرجه. خرج الولد، فالولد صار فاعلاً. أخرج الولد، فالولد أصبح
مفعولاً، فيكون هناك فاعل، أي يكون هناك زيادة. نحن نقول: خرج الولد، فالولد كان بمفرده هكذا وأخذ نفسه ومضى. أخرج أحدهم الولد، فأصبح هناك اثنان: المُخرِج والمُخرَج، فهل هذه زيادة أم لا؟ ها هو، إنهما اثنان، إذن عندما يأتيك الفعل اللازم، فماذا يعني؟ يعني أنه يحتاج فاعلًا فقط، مثل: "خرج الولد" وانتهى الأمر. كلمة "ورد" تغطيها. وإذا أردت أن تجعله متعديًا لمفعول، ماذا تفعل؟ قال: سهلة، تضع
همزة في أوله هكذا، أو تشدد الحرف الثاني: "أخرج" أو "خرّج". حضر الولد، خلاص، حضر الولد، انتهى الأمر. جاء الصبي. جاء. أحضِر الولد فوراً. تقول لي: أحضِر ماذا؟ كتاباً أم كراسة أم كرسياً أم مصحفاً أم سبحة؟ أحضِر ماذا؟ لا بد أن تكمل الكلام، فهذا الفعل متعدٍ يحتاج إلى مفعول به. "أحضِر الولد" فعل متعدٍ، و"حضَر الولد" فعل لازم. لماذا هذا لازم وذاك متعدٍ؟ لأن "أحضِر" أكثر من أحضر
أربعة حروف وأحضر كم حرف ثلاثة، حسناً، أحضر الولد. هذه أيضاً أربعة لأن الضاد مشددة بحرفين. أحضر الولد. تقول أحضر ماذا؟ أحضر العفريت، أحضر جناً، أحضر الدرس، أحضر كلاماً لكي يرد به على أبيه وهو يحقق معه. ماذا أحضر بالضبط؟ هذا الولد يحتاج أيضاً إلى مفعول، فيكون أحضر. وتَعَدَّى وحضر لازم، فتكون الزيادة في المبنى زيادة في المعنى. وذهبوا يمسكون اللغة العربية ودرسوها كلها هكذا من أولها إلى آخرها،
قرؤوها كلها. انظر إلى الخدمة وانظر إلى العلم! يجلس يقرأ اللغة العربية كلها. هذا الفيروزآبادي عندما ألّف القاموس وضع فيه أربعين ألف مادة. قرأ الأربعين ألف وقال... نعم، هو جالس يقرأ الأربعين ألفاً، لأجل ماذا؟ خدمة لكتاب الله ولسنة رسول الله، ولذلك قلنا: الكتاب والسنة محور الحضارة، لهم الخدمة، ومنهم المنطلق، وإليهم العودة. خلاص، هذا هو محور الموضوع. هم جالسون طوال النهار، ولأجل ذلك قالوا: نعم، درسوا اللغة العربية كلها، فقالوا:
الزيادة في المبنى زيادة في المعنى ثلاثة، نحن لا زلنا نُضيف شروطًا. قال: نعم، الدراسة فعلت هكذا. الدراسة جاءت لي تقول بشروط ثلاثة، يعني ليست مطلقة. قلت لهم: حسنًا، ما هي الشروط الثلاثة؟ قالوا: أن يكونوا من جنس واحد مثل بعضهم البعض، "الرحمن" و"الرحيم" الاثنان صيغة مبالغة، فيكون مقبولًا. قلت لهم: حسنًا، وماذا لو لم يكونوا لم يكونوا مثل بعضهم. ربما "حذر" صفة مشبهة و"حاذر" اسم فاعل. "حذر" أربعة حروف أم لا؟ لا، "حذر" ثلاثة حروف. الزيادة
في المبنى تعني زيادة في المعنى. قال: لا، "حذر" أعمق في المعنى من "حاذر". "حذر" هذا عبارة عن ماذا؟ اسم فاعل بالكاد، لكن "حذر" هذه... صفة مشبهة، طيب لماذا اختلت القاعدة هنا؟ قالوا اختلت القاعدة هنا لأن هذين الاثنين ليسا من باب واحد، فهذا اسم فاعل وهذا صفة مشبهة. لكن هذه لها صيغة مبالغة، وصيغة المبالغة رقم اثنين يجب أن تكون مشتقة من زمن وزمان. زمن مصدر وزمان مصدر، يقول إن الاثنين مثل بعضهما، لا من شيء، نعم ولكن زمن ثلاث وزمان أربعة
قالوا لا يحدث شيء، ولكن قديماً المصدر أنا أريدهم، مشتاق. حسناً، والرحمن الرحيم مشتاق، نعم هي صيغة مبالغة وصيغة مبالغة، هل أنت منتبه؟ أو تكون كناية من وفرته، يعني شيء متعلق بالطبائع. لو تعلقت بالطبائع يمكن أن تختل القاعدة. حسناً، والرحمن الرحيم طمّاع مثلاً أو ما شابه ذلك أبداً، فتكون "الرحمن الرحيم" قد استوفت الشروط الثلاثة، وتكون الزيادة في المبنى زيادةً في المعنى. ونستفيد من كل ذلك أن اللغة العربية لا بد منها لفهم كتاب الله فهماً عميقاً يترتب عليه
سعادة الدارين. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. القناة