حديث الجمعة| علي جمعة يوضح تفسير "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى"| (الحلقة الكاملة)

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع المحجة البيضاء التي تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات عسى أن يرحمنا الله به صلى الله عليه وآله وسلم وينفعنا به في الدنيا والآخرة اللهم أحينا على ملته وأمتنا على شريعته وابعثنا تحت لوائه يوم القيامة واسقنا
من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب. يا رب كن لنا ولا تكن علينا فارحم حينا وميتنا وحاضرنا وغائبنا وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وجازِ عنا. النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يليق بمكانه ومكانته عندك يا أرحم الراحمين. رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخلاقه الشريفة المنيفة أمرنا أن نهتم بالنية الصالحة وقال: "إنما
الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت". هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه. وعدَّ العلماء الكرام الذين تدبروا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحولوها إلى برامج يومية عملية يعيش فيها المسلم، جعلوا هذا الحديث من أصول الإسلام، فجعله الإمام البخاري أول ما جعل في صحيحه الشريف وذكره. في الصحيح تسع مرات وجعله
الإمام النووي أول الأربعين النووية التي ذكر فيها أن من حفظ أربعين حديثاً من أمتي بُعِثَ يوم القيامة فقيهاً، فأراد النووي أن يجمع هذه الأربعين التي قيل فيها إنها أصول الإسلام، فبدأها بحديث "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى". رسول الله يؤكد لنا. فيما ترك أن الله لا ينظر إلى أجسادكم وإلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم، أمر مهم أن
الأفعال الخارجية حتى مع أهميتها لدرجة تجعل بعض الأفعال ركناً من أركان الإسلام لا يتم الإسلام إلا بها، بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام... الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً خمسٌ، وكلها أعمال ظاهرة لا تتم عند الله إلا بالقلوب الضارعة وبالنيات الصالحة وبتعلق هذا القلب مع هذه الأفعال لله رب العالمين. وهكذا كل النظام الأخلاقي الذي تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعلق
بالعقيدة كله. في جزئه وكله، في جملته وتفصيله، كل ما تركه لنا جعله يصدر من القلوب الضارعة، وأن الإنسان لو فعل الخير دون تلك النية لأن يكون ذلك الخير لوجه الله ولمراد الله، فإنه بين يدي الله يفعل فيه ما يشاء. إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، نظام أخلاقي متعلق. بالله سبحانه وتعالى ولذلك كان من الضروري في الإيمان أن نربط سلوك الإنسان
في هذه الحياة الدنيا بالإيمان بالآخرة، والإيمان بالآخرة ركن من أركان الإيمان. فإذا أتيت فعلاً فلا بد أن تتذكر الآخرة ورضوان الله عليك فيها، وإذا أقدمت على معصية فتتذكر الآخرة فترتدع عنها وتقلع عنها لأجل الله سبحانه. وتعالى إنما الأعمال بالنيات والنية قد تكون مجملة دائمة وقد تكون تفصيلية حاضرة، فالنية المجملة نية الطروق. جمع ترك. أنا أنوي نية مجملة
هكذا أنني لن أشرب الخمر، ناوٍ هكذا فقط، وهو لا توجد أصلاً خمرة قُدمت لي لأشربها، ولا هذه الخمرة ربما بعض الناس لا يعرفون شكلها. ماذا؟ أما لو تقدمت لي أنا فأنوي من الآن أنني لا أشربها، لماذا؟ لأن الخمر حرام. أنوي ألا أسرق، لا أسرق ما دام فيها "لا" فيبقى ترك. أنوي ألا أقتل ما دام فيها "لا" فيبقى ترك. نية إجمالية وعليها ثواب. المسلم يقول لك: حسناً، أنت عمرك ما تعرضت لتجربة. قتل فرفضت أن تقتل، ولا شرب فرفضت أن تشرب،
ولا فاحشة فرفضت أن تقع فيها، ربنا يعطيك ثواباً على أي شيء؟ على النية الإجمالية التي تقول: لو حدث هذا لا أفعل. فهذه هي النية الإجمالية، وهناك نية تفصيلية عندما أتوضأ أنوي أن هذا الذي سأفعله الآن هو الوضوء الذي أستبيح الصلاة وارفع به الحدث، فالنية هذه تجعل هذا الماء يزيل هذا الحدث وتستعد به للصلاة، وانوِ أن ما تصليه الآن هو الظهر ذو الأربع ركعات أو هو المغرب ذو الثلاث ركعات، نية في القلب هكذا،
والنية محلها القلب. إذا أردت أن تزكي أو تصوم فهي نية إجمالية، لكن قبل رمضان صيام الشهر، حسناً، لنفترض أن شخصاً في كل يوم عند السحور ينوي صيام غدٍ من رمضان. كان مشايخنا ونحن صغار يعلموننا أن نقول: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت، ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله". هذا من دعاء سيدنا صلى الله عليه وسلم عند الإفطار، ثم يقول... نويت صيام غدٍ من رمضان حتى لا ينسى، وعندما يفطر يقول: نويت
صيام غدٍ من رمضان، لأن محل نية الصيام يكون بالليل. الليل يبدأ ثم يتم الصيام إلى الليل، أي إلى المغرب. فالليل يبدأ من المغرب، فيأتي مباشرة هكذا. يأتي المتطفل ويقول لك: ما هذا؟ لماذا بالغت فيها؟ هكذا أسكت؛ لأنه حديث آخر يقول: "من لم يبيت الصيام بالليل فلا صيام له"، فأنا أريد أن أطبق هذا مع هذا، فقلت هذا وقلت هذه وهكذا. والأتقياء والأنقياء الذين علّمونا ونقلوا لنا الدين صافياً، وبين النابتة الذين يريدون إنشاء دين موازٍ لما أتى به النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى. الله عليه وسلم الفرق
هكذا فأنا آتي أقول ماذا بعد الدعاء مباشرةً نويت صيام غدي من رمضان. بعد الفاصل نرى ما هنالك من كلامي ومن والاه النبي صلى الله عليه وسلم في نظامه الأخلاقي الذي تركنا عليه، يقول: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"، ما هذا؟
هذا يعني اهتم بنفسك، حينئذٍ أرسلك داعيةً لا قاضياً على الناس. لا تفتش عن مساوئ الناس ولا تفتش عن عيوبهم. ادعُ إلى الله على بصيرة كما كان حال النبي وأصحابه صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهم. ادعُ إلى الله بالموعظة والحكمة، ادعُ إلى الله بالرفق وبالمثال. لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا. من حسن إسلام المرء تركه
ما لا يعنيه. أخذ العلماء من هذا أن الإنسان لا يتصدر قبل أن يتعلم. إن كنت تعرفها فقلها، وإن لم تكن تعرفها فلا تقلها. بلغوا عني ولو آية، ولو إذن المسألة ليست بكثرة الأعمال وإنما المسألة بالإتقان وبالنقل الصحيح وبالتدبر العميق وبالجمال والحلاوة، وليس بالعنف ولا بالقسوة. فهكذا يكون
التخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. يقول في المثل: ترى القذاة في عين أخيك وتدع جذع النخلة في عينك، أي أنت. أنتَ تنتبه كثيراً لعيوب الناس وترى أن في عين الذي أمامك حبة رمل أو قطعة صغيرة من خشب، وتترك جذع النخلة في عينك أنت ولا تستحي من نفسك. "ترى القذاة في عين أخيك وتدع جذع النخلة في عينك"، نراه في هذا
السياق يقول: ابدأ بنفسك ثم بمن... تقول إذا أردت أن تغير ما بنفسك فابدأ بنفسك، إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. ابدأ بنفسك ثم بمن تعول، الذي أنت مسؤول عنه، الذي تقدر أن تربيه. والرجل مسؤول في بيته وهو راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي رعيتها وهكذا كل واحد يكون مسؤولاً عن رعيته ولكن لا
بد أن تحسن إلى هذه الرعية بالتربية وفي هذا السياق وهو يأمرك أن تهتم بنفسك أولاً وأن تغير ما بك أولاً وألا تتصدر قبل أن تتعلم يقول صلى الله عليه وسلم من كان عنده ثلاث بنات فأحسن إليهن انظر إلى فأحسن إليهن كن له سترًا من النار، إذًا يجب عليه أن يحسن إليهن بالتربية، بالأخلاق، بالتعليم، بالصحة. الإحسان
إليهن مرتبة الإحسان هكذا: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك. فقام أحدهم ويبدو أنه كان عنده بنتان، فقال له: وبنتان يا رسول الله؟ يعني جاءتهم الفائدة طبعًا. في رضا الله قال له وبنتان فقام شخص آخر من رحمة ربنا جعلهم ينطقون فقال له وبنت يعني بمفردك بنت قال له وبنت هيا توكلنا على الله فضل كبير وربنا يستجيب واسع من أسمائه الواسع عطاء لا أصله كن فيكون إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. هذه أمور لا
تليق في حق الله سبحانه وتعالى إلا الكرم، لا يصح غيره فهو واسع. ماذا يعني "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول"؟ وماذا يعني "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"؟ وماذا يعني ألا تترك جذع النخلة في عينك وتهتم بالقذى التي في أعين الناس من هذه الأمور؟ الرحمة ومن هذا الحب والجمال يقول: "نحن معاشر الأنبياء أُمِرنا ألا نخاطب الناس إلا على قدر عقولهم". يجب أن تتحدث باللغة التي يفهمها الناس، وليس بالتعمية ولا
بالكلام الغامض الذي لا يفهمه الناس. حسناً، إذا لم يفهموك، فاللغة مهمتها النقل. يقولون: "الاستعمال من صفة المتكلم، والحمل من صفة السامع، والوضع هكذا فيما يتعلق بكلمة "الأسد"، علينا أن نخبر الناس ما هو المقصود، وهو أن الإنسان عندما يستخدم اللغة فإنه يفهم لماذا اختار هذا اللفظ بدلاً من ذاك، ويفهم ما هو قصده. فعندما يقول شخص "رأيت أسداً" ويقصد به بطلاً من أبطال جيشنا وشرطتنا، فهو يدرك أنه استخدم كلمة "أسد" هنا بها الفارس المغوار، ليس يعني بها الأسد الذي نراه في
حديقة الحيوانات، لا، إنما يعني بها الفارس النبيل. رأيت أسداً في الحرب، فهذا الاستعمال، استعملت أسد هنا لماذا؟ قال لأنه يا أخي ليس له وصف غير ذلك، لقد هاجم المخاطر وهاجم المجرمين الأسافل. مثل الأسد هكذا في الاستعمال من صفة الشخص الذي يتحدث. أنت سمعتها وأنت رجل مصري وطني، ففهمت وحملتها على الفارس المغوار. والآخر من النابتة أولئك من أتباع الجماعة الإرهابية قال: "هذا كاذب، هذا لم يذهب إلى حديقة الحيوانات ولا رأى أسداً ولا شيئاً، هذا كان في سيناء"،
وتلوم المخطئ الأحمق غبي والله! والله شيء غريب! نسمع الكلام تضحك منه الثكلى وتسقط منه الحبلى ويشيب منه الأقرع. ما هذا؟ الاستعمال من صفة المتكلم والحمل من صفة السامع. فالسامع الذي عقله نظيف والسامع الآخر الذي عقله غير نظيف غير نظيف، وانتهى الأمر. والوضع قبلهما أسد وُضعت في اللغة، الآية حقيقة للحيوان. المُفتَرِس مجازاً للفارس المغوار، فكان حمزة أسد الله. نعم، هكذا. أي
وُضِعَت أين هذه؟ وُضِعَت للحقيقة، للمُفترس أبو لِبدة الذي في حديقة الحيوان، الذي يزأر، هو. والمجاز تشبيه، مجاز هكذا، نعم، للفارس المغوار الذي يعمل مثل الأسد. فإذاً هذا هو الفرق. عندما نأتي لنتكلم، لابد أن نخاطب الناس. على قَدْرِ عقولها، فالناس أصبحت لها أدبيات معينة، نخاطبهم بهذه الأدبيات، لأن النبي يقول في أخلاقه: "نحن معاشر الأنبياء أُمِرْنا أن نخاطب الناس على قَدْرِ عقولهم"، على قَدْرِ المكوِّن الخاص به الذي يفهمني به. أنا لا أريد التعمية، بل أريد ما يُفهَم
به، ومن هنا جاءت حقيقة اللغة التي نتحدث سأتحدث عنها إن شاء الله في حديث قادم، وإلى لقاء، أقول لكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اشتركوا في