حديث الجمعة | أضواء على مصحف عثمان | الجزء 2

حديث الجمعة | أضواء على مصحف عثمان | الجزء 2 - تفسير, مجلس الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع سيرة المصطفى الحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم نعيش تلك اللحظات عسى أن تتنزل علينا السكينة والرحمة، فبذكره صلى الله عليه وآله وسلم ندخل في رضا الله وفي نظر المعية، فالحمد لله. الذي جعلنا مسلمين بقي من تلك النسخ التي كتبها عثمان بن
عفان أربع نسخ، واحدة في مصر، واثنتان في تركيا، والرابعة في تشقند. وهذه التي في تشقند غير كاملة، ذهبت منها أوراق، صوَّرها أحد المستشرقين الروس في سنة ألف وتسعمائة وتسعة، وهذه الصورة أيضًا نُشِرت في فيلادلفيا في الولايات. المتحدة المرحوم حميد الله محمد حميد الله وهو عالم هندي اختص كثيراً بالتوثيق وخاصة بتوثيق نسخ القرآن، وهذه النسخة هي التي طُبعت
في الشام وذلك أنهم أهدوا إلى حافظ الأسد نسخة كاملة من ذلك المصور القديم، فطبعها تحت عنوان المصحف الإمام وجعل أحد الخطاطين يعيد كتابتها مرة أخرى فلم يُنشر. ذاتها أما التي في المشهد الحسيني والنسختان في تركيا فقد نُشِروا جميعاً والحمد لله رب العالمين. واعترض بعضهم أن هذه النسخ بها نقص ومصاحف عثمان لم يكن بها نقص، وأن الحاصل في الورق أنه
من القرن الأول بلا شك، فهذه مصاحف قوَّموها على أنها كأنها النسخة الثانية بعد عثمان وأنها من المرجح أن تكون قد كُتبت بعد سنة أربعين، لأن النقط ظهرت في هذه المدة بعد الأربعين عند الحجاج أو عند غيره إلى آخره. أجاب بعضهم على هذا فقالوا: لعل من وقعت بيده تلك النسخ قام بتنقيطها، فيبقى التنقيط متأخراً عن الإنشاء، وليس بالضرورة أن تكون هي منقوطة أصلاً، فيبقى النقاط ليست دليلاً قطعياً على أنها ليست
المصاحف الستة. ليست من المصاحف الستة، وكانت هناك نسخ وصلنا خبر احتراقها، منها نسخة المدينة، ومنها نسخة الشام التي كانت محفوظة في المسجد الأموي، فاحترق واحترقت النسخة، وخبرها موجود. على كل حال، القرآن حُفِظ بطريقة مادية وبطريقة معنوية وبطريقة علمية وبطريقة تثبت أن... الله وحده هو الذي حفظ كتابه والحمد لله رب العالمين. حاول كثير من الناس عبر العصور أن يدخلوا فيه وأن
يزيدوا فيه وأن يقلدوه، حتى عدّ مصطفى الرافعي رحمه الله تعالى سبع محاولات، سبع محاولات لمحاكاة القرآن الكريم، ففشلوا، حتى أن بعض الجالسين الآن لم يسمع بهذا ولم ير مثله. قوله سبحانه وتعالى: "إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ"، شانئك الذي عيّرك بأنك لا ذكر من أولادك، وبأنه لا نسل لك، وبأنك أبتر، هو الأبتر. والعجب من هذا الشانئ! لا نعرف - صدق الله - هو الأبتر. إننا لا نعرف من هو، من هو
هذا؟ لا نعرفه. ولكننا نعرف سيدنا محمداً، نعم. نعرفه سيدنا محمد نعرفه، ولكن لسنا نحن فقط الذين نعرفه، بل لا يوجد أحد إلا ويعرفه سيدنا النبي. ولذلك كان مشايخنا يقولون: "إنا أعطيناك الكوثر" أي الأمة الكثيرة، وبعض مشايخنا كانوا يقولون: "أهل البيت الكرام" في تفسير "إنا أعطيناك الكوثر"، يعني أنت حزين، حسناً، ما رأيك الآن في أننا لن أولادك فحفظت أنساب الأشراف، وبدأ ما كانوا اثنين - الحسن والحسين - أصبحوا ثلاثين مليوناً، أربعين مليوناً، لا نعرف
بالضبط لكن لا يقلون عن ثلاثين. فأين يكون؟ أين الكوثر؟ الكوثر من الكثرة يعني. بعض الناس يقول لك إنه نهر في الجنة وهكذا، لا مانع. "إنا أعطيناك" نهراً في الجنة، وأعطيناك مستمرون، لا مانع، العطاء لا ينتهي، أي أنه لا يوجد ما يُسمى "هذا كثير". يقول لك: اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، كله صحيح. في مقابل ماذا؟ "إنَّ شانئك هو الأبتر". إذاً حصل هذا، وترجع إلى التفسير تجد تسعة أقوال. من هو شانئك هذا يا ترى؟ أهو أبو جهل؟ أم الوليد خلف، يا ترى من هو؟ لا نعرف من هو هذا الأبتر. ها هم ذهبوا جميعاً. الوليد
بن المغيرة كان لديه أحد عشر ولداً، تسعة منهم ماتوا واثنان أسلما. لدينا سيدنا خالد بن الوليد. حسناً، ما زال اسم الوليد يُذكر حتى الآن، إذاً ليس هو، ليس هو هذا الأبتر. ذهب فعلاً وتقرأ التسعة ربما لا يوجد ولا واحد في التسعة، لماذا؟ لأن الله أخفاه وأذهب ذكره. إنما يبقى في المقابل من أعطاه الكوثر "ورفعنا لك ذكرك". سيدنا عثمان جمع المصحف وردَّ نسخة السيدة حفصة عليها السلام أم المؤمنين، فظلت نسخة أبي بكر عندها إلى أن ماتت، واختلف
المؤرخون أين فقيل إنها بقيت، وقيل إنها أُحرقت، وقيل إنها بيعت في العصر الأموي أو العباسي، إلى آخر ما هنالك. لكن على كل حال، هي بعد ذلك، بعد القرن الثاني، لم نسمع لها أثراً، لا نعرف أين ذهبت، اكتفاءً بما أجمع عليه المسلمون شرقاً وغرباً، سلفاً وخلفاً، على كتاب الله الذي لا. يمحوه الماء والذي هو في صدور الناس والذي يتعلمه الطفل الأجنبي ويقرأ به في رمضان فهو المعجزة الباقية معجزة الرسالة. سيدنا عثمان أحرق كل ما سواه من المصاحف ومن الأجزاء ومن التداخلات ومن الشروح.
كان بعض الصحابة يمسك القرآن ولكي لا ينسى يكتب على الهامش أشياء لتفسير هذه الكلمة. أي، سمعت رسول الله كذا أو يكتب كلمة أو كلمة يقول حكمها، كل هذا ذهب، وكل هذا ستجده أين؟ في المصاحف لأبي داود، حتى تعلم كيف نجّى الله كتابه من بين فتنة عارمة، نجّى المسلمين منها. هل سمعتم وقد خيف أن المسلمين أن يقتتلوا على كتاب الله؟ سمعتم أحداً؟ قاتل على كتاب الله أبداً، حسناً، هذا فعل من؟ إنه فعل الله وحده لا شريك له. كل ما سوف تقرؤونه للمستشرقين والمستغربين
والمستحمرين وغيرهم، كل ما ستقرؤونه إنما يتحدث عن البيئة ولا يتحدث عن ذات وصول القرآن. إذاً من أين نجد ذات وصول القرآن؟ من السند المتصل، من السند المتصل أذهب وبعدها أقرأ القرآن على سيدنا الشيخ الهمداني إسماعيل الهمداني، كان يصلي الفجر في الأزهر ويجلس يعطي وقته لماذا أصبح رواق الأتراك؟ يعطي وقته لرواق الأتراك. وأُخذت حصتي بشكل مفاجئ، وبعدها يقرأ القرآن كل ثلاثة أيام مرة. وحاولوا هذا الذي من إفريقيا وهذا الذي من ماليزيا وهذا الذي من إنجلترا.
والمصريون جميعاً كانوا يفعلون هذا فيسمعون، وبعد ذلك قال مرة: "يا شيخ علي، أنا كنت شيخاً أيضاً لساعتين، أنا لم أقرأ القرآن منذ أربعين سنة". قلت له: "ماذا تعني يا رجل؟ أنت تقرؤه كل ثلاثة أيام مرة". قال لي: "القرآن كالسطر الواحد أمامي منذ أربعين سنة لا يغيب". عني واختبرني، قلتُ له: "أختبرك في أي شيء؟" قال لي: "في الذي تريده، قل لي كم
مرة وردت في القرآن (عزيز حكيم) وكم مرة وردت في القرآن (العزيز الحكيم) وأنا أقول لك أين". وكنا نقرأ عليه رضي الله تعالى عنه، وكان أعجوبة زمانه، ولكن لم يكن وحده. بعد الفاصل نكمل. هذه الحكاية: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. كنا نتحدث عن سيدنا الشيخ إسماعيل الهمداني، وقال لي أنه لم يقرأ القرآن منذ أربعين سنة، فتعجبت من هذا حيث أنه يختم القرآن كل
ثلاثة أيام من الأولاد الذين يقرؤون عليه منذ إلى المغرب كل يوم وكان أعجوبة زمانه، ولكنه لم يكن وحده، كان هناك مشايخ كثيرون مثله. القرآن كلما أعطيته نفسك أعطاك على قدر ما تمنحه من فضل الله. قال لي إن القرآن كالستر الواحد أمامه. اختبرني. عندنا في التصوف يُعتبر قلة أدب أن يختبروا الإنسان، أي أنه كان يستدرجني ويختبرني، له أنت صادق يا سيدنا الشيخ وما شأني أنا بهذه الحكاية، أنت صادق. قال: اختبرني
فقط. قلت له: لا، ليس من الأدب أن أختبرك لأنك أنت صادق. أنت... أنا أعلم أنك كنت تستمع لثلاثة يقرؤون مرة واحدة، هذا يقرأ في سورة البقرة، وهذا يقرأ في سورة آل عمران، وهذا يقرأ يصحح ويرده إذا أخطأ، الثلاثة يعملون معاً، هذا ليس كمبيوتراً، ولا يستطيع أي كمبيوتر أن يفعل هكذا، كيف تختبره إذن؟ إذا كان هذا يرد، على كل واحد، وبعد ذلك سمعنا من مشايخنا كثيراً عن هذا الصنف أنه شيخ الكُتّاب، رضي الله تعالى عنهم جميعاً وأرضاهم، كان يسير بالأبناء حتى في هذا المكان، يجلس أربعة طلاب يقرؤون الكتاب معاً في آنٍ واحد، كل
واحد منهم يؤدي حصته ويُصحَّح له بقطعة عصا. لقد أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بسبب هذه العصا، وذهب الخير مع هذه العصا. "يا ولد، هكذا أنت أخطأت، قل كذا، افعل كذا"، ومن شدة حفظه يصبح القرآن حقاً كالسطر أتى رجل من الأرياف وقال له: "يا مولانا، هناك خمس ميمات وربع في القرآن". فقال له: "اشرح يا ولد، أين هم هذه الخمس ميمات وربع في القرآن؟ من هم؟ من هم؟ من هم؟ من هم؟
من هم؟ ما هذا؟ كيف توجد خمس ميمات؟ هل أنت منتبه؟ أنت تحفظ كل شيء، قال له: "ماذا في هذه يا ولد؟ أجل، ماذا في هذه يا ولد؟ هيا أخرجوا لي الآن الخمسمائة التي في هذه يا ولد". "أه، لا ليس فيها أوراق". ها هو يقول لك... أمم من معك؟ ها هو أجاب. حسناً، فـ "مَن معك" هذه ستجدها. أربعة سرداً وخمسة بالتشديد... أُمّ أي ميم وميمة، أهي "مم معك مم مما"، يعني الميم الأولى والميم المشددة تُحسب
باثنتين فتصبح خمسة. إذن... أمم ممن. طيب قل لي يا مولانا، نونين بين كافين في القرآن. على هذا المستوى من الحفظ، لا، نحن رأينا أشياء غريبة عجيبة، كان رضي الله. تعالَ عنهم، ها، لا أحد سيعرف النونين اللذين بين الكافين. نونان بين كافين، لا يوجد. حسناً، سأجعلها لكم في الزيارة إلى أن تفعلوها المرة القادمة حتى تبحثوا عن نونين بين كافين لأسكنكم. أتنتبه؟ فالمهم أن هؤلاء الناس أذاعوا أن الله سبحانه وتعالى قد خص كتابه بأقوام قد وفقهم لحفظه. مستوى
المشكلة على مستوى الأداء الحرفي، فالحمد لله ليس هناك شعر ولا كتاب ولا رواية ولا مقدس كهذا الشأن، فهو تأييد من ربنا لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم. الحفاظ استمروا في هذا الحفظ وعلى هذه الدرجة، ومما استفدناه، يقول لك: هات لي حرفاً. يوجد في أسماء السور حرف واحد غير موجود في أسماء السور. أسماء
السور: البقرة، آل عمران... عندما تعدُّها ستجد كل الحروف إلا حرفاً واحداً. ما هو هذا الحرف إذن؟ لا يوجد. عرفتم الآن الحفاظ من الذين ليسوا بحفاظ. حسناً، إنه الضاد، وأخت الطاء. هذه التي عليها نقطة، هذه المعلاة المشكلة هي ما الحرف الوحيد الذي ليس موجوداً في أسماء السور؟ يقول لك: طيب، أحضر لي. انظر إلى الكلام. وهناك أناس من القراء يسقطون في الامتحانات لأنهم غير حافظين. هو يظن نفسه حافظاً، لكن هكذا يكون غير حافظ عندما نقارنه بهؤلاء الناس. هؤلاء أناس عايشون. مع القرآن، أعطني ربعاً في القرآن لا يوجد فيه حرف الشين. ما هو الربع في القرآن الذي لا يوجد
فيه حرف الشين؟ هذا ربع في القرآن لا يوجد فيه حرف الشين. هل أنت تراقب وأنت تتلو حتى تعرف الشين من السين؟ ما هذا! أعطني ربعاً في القرآن لا يوجد فيه عنهم ورضي عنهم ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدته. هذا هو الربع الذي قال عنه مولانا الشيخ سيد الذي ليس فيه شيخ، وأين هذا الربع؟ هكذا يا شجعان. لا، حفاظ جيد، حفاظ. كل هذا لأنهم أسسوا عملاً قوياً عند سيدنا أبي بكر ثم عند سيدنا عثمان هؤلاء. ألا يستحقون
منا أن نقول سيدنا، ألا يستحقون منا أن نقول رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم ونحن جالسون نتأمل أفعالهم الرصينة وتوفيقات الله لهم، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وعلى بناء غاية في المتانة بنوه لأجل الله ومن الله "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" ثم إن علينا بيان هذا وهو أيضاً لم يُبيِّنه بعد عبر القرون. سيدنا عثمان جمع القرآن وقد تحدثنا عن تلك الفتنة المفتعلة وهذا النزاع الذي حدث حوله ووجهات النظر التي تمت والتي كان مؤداها الحفاظ
على الشرعية والدستورية حينئذ، وأراد بعض المخالفين من أهل الفتنة أن يخرجوا على هذا، وكان رسول الله. صلى الله عليه وسلم يقول لعثمان: "لا تخلع قميصاً ألبسكه الله"، يعني اثبت، في هذه الفتنة. فثبت رضي الله تعالى عنه وأرضاه. الحمد لله، تاريخنا نعمة من الله، وإن أراد المنكرون إنكاره، فتاريخنا في
علو من الله، فالحمد لله. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة