حديث الجمعة | الحدود الشرعية في الإسلام | حلقة كاملة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع المحجة البيضاء التي تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، والتي ترك لنا فيها كتاب الله وسنته صلى الله عليه وآله وسلم وترك. لنا حبُ أهلِ بيتِه، فقال فيما أخرجَ الترمذيُّ: "تركتُ فيكم ما إنْ تمسَّكتم به لن تضلُّوا
بعدي أبداً: كتابَ اللهِ وعِتْرَتي أهلَ بيتي". وفيما أخرجه أحمدُ: "كتابَ اللهِ وسُنَّتي". وقد كان، ورأيناه صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يأمرُنا أنْ نعيشَ حياتَه، وأنْ نعيشَ دينَه، لا أنْ نعيشَ زمنَه. وهناك. بعض النابتة من خوارج العصر يريدون أن نعيش زمانه فنلبس مثل ما كان يلبس أو نسعى في الأرض مثل ما كان يسعى، ولذلك قاوموا كثيراً في القرن التاسع عشر وفي أوائل العشرين، حتى أنهم قالوا إن الأرض لا تدور، وكان
أحدهم يجلس هناك ويقول: رؤوسهم هي التي تدور، الأرض لا. تلف وأنشؤوا في ذلك كتباً كثيرة، ولما وصل الإنسان إلى القمر أنكروه وألّفوا فيه المؤلفات عن استحالة وصول الإنسان إلى القمر. وتربت هذه العقلية أنهم ينكرون ما يرون، ينكرون الواقع، ينكرون مقاصد الشريعة والمآلات المعتبرة، ولذلك يعيشون في الخيال، ولذلك لم يمكّنهم الله أبداً. هم يخرجون ويُحدثون الفتن ويُكثرون على الناس. الدجل وتشيع كلمتهم في الناس ثم يصطدمون في حائط القدر ويذهبون هباء ويختفون
ويصطدمون، ولذلك لا يبارك الله فيهم أبداً. والخوارج في التاريخ فعلوا هذا. وحتى لا يحيى، نحن لا نحيا في زمان النبي إنما نحيا في دين النبي صلى الله عليه وسلم ومنهاجه. قالوا فعليك، قال: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين". المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ فوسع الزمن وسع الزمن حتى نعيش كل الصور لكن أكثر الناس لا يعلمون ورأينا كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ستكون خلافة على منهاج النبوة فرأينا أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وهم من الأكابر ومن صحابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيناهم وبعدهم الحسن الذي تولى ستة أشهر غير محسوبة ثم معاوية وكان من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كتاب الوحي ثم بعد ذلك أصبح الملك العضوض كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر سمي هؤلاء الأربعة بالخلفاء الراشدين وذلك أنهم اتبعوا منهج النبي وساروا مساره وكانوا على أوامره وعلى قواعده رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وفهمت الأمة في جمهورها هذا فصارت على تعظيمهم واحترامهم
والأخذ منهم والاستدلال بأحوالهم، وكانت أحوالهم تطبيقاً محفوظاً من عند الله سبحانه وتعالى للقرآن والسنة. كانت سنة النبي تطبيقاً معصوماً للقرآن الكريم، وكانت سنة الخلفاء الراشدين وهم ليسوا أنبياء تطبيقاً. محفوظاً من عند رب العالمين لأن الله قد وصفهم فقال رضي الله عنهم ورضوا عنه. الخلفاء حافظوا على منهاج النبوة ورأيناهم قد فهموا أن العقوبات التي وضعها
الله ورسوله في كتابه بإزاء المعاصي الكبيرة التي تهلك النفس أو المال أو العرض أو غير ذلك من كرامة الإنسان إنما هي أساساً. أولاً للتخويف، ولذلك فإن الله وضع لها شروطاً، راعوا شروطها والتفتوا إليها، حتى إن سيدنا صلى الله عليه وسلم علمنا فقال: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"، إيذاناً من أن هذا لا يُطبق هكذا، وإنما يُطبق بشرطه، وعندما أراد ماعز الأسلمي رضي الله تعالى عنه وأرضاه ورحمه رحمة واسعة، قال رسول الله فيه. لقد تاب توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة
لكفتهم. ماعز ذهب إلى النبي بعد معصيته فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن يسمع منه حتى جاءه أربع مرات من يمينه ومن يساره والنبي يتغاضى عنه ويفعل كأنه لم يسمع حتى قال له: "أمجنون أنت؟" قال: "لا يا". يا رسولَ الله، أَقِمْ عليَّ الحدّ، فأحاله إلى اللجنة الطبية. والشباب الناشئ الآن عندما يسمعني سيقول لي: هل كانت هناك لجنة طبية في زمن النبي؟ وهكذا من ضحالة الفكر ومن عدم فهم الأمور بعمقها. فجاء بأهله من بني أسلم وأحاله
عليهم لينظروا إذا كان مجنوناً أم لا. إذن هي لجنة مثل التي لدينا. نسميه الآن ماذا؟ المجموعة الطبية، نعرض عليهم لجنة، فقالوا: اعقلنا يا رسول الله. كان يريد النبي أن يقول له يعني هذا دائماً هكذا، يعني عنده هكذا أشياء ليست تماماً، لكن اللجنة قالت رأيها بصراحة. فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم يتأكد تأكد القاضي من إثبات الواقعة وأن المتهم. المعترف إنما هو يعني ما يقول ويعرف ما في الشريعة من ذنب يوجب الحد، لعلك قبلت، لعلك فخذت،
وهو يقول أبداً ويعترف. ويعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يسأل ماعزاً عمن زنى بها، ففهم الصحابة أن الحدود ليست انتقاماً ولا تشهياً ولا تشفياً ولا دخولاً بين الإنسان. مع ربه لم يقل له من هي متزوجة أو غير متزوجة، ثيباً أو بكراً، لم يقل شيئاً ولم يقل له أي شيء. وأنا مهتم بالمعصية والمصيبة التي حدثت هذه، لكن من هو الطرف الثاني لم يذكره. وهكذا عندما جاء أناس برجل أعزب زنا
مع امرأة متزوجة واختلفوا، فذهبوا إلى رسول. الله صلى الله عليه وسلم فقال لأنه هذه معينة وزوجها قادم وفي وقع أهي اذهب يا أنيس اغدُ يا أنيس، أنيس هذا خذ دماً عند سيدنا فاسأل هذه فإن اعترفت فارجمها، طيب افترض كذبت وقالت له لا، خلاص انتهى الأمر ولا يرجمها ولا يعقبها ولا يحقق معها هذا يذهب. يسأله هل حدث هذا لأن هناك ملفاً مفتوحاً أمامنا، لكن الملف إذا لم يكن مفتوحاً فلا يُفتح. فهم
الصحابة كل هذا، فعندما كان عام الرمادة أوقف عمر الحدود واعتبر العصر عصر شبهة يوجب وقف الحد. فعندما دخل الإسلام مصر وتصدّر العلماء عبر القرون، لم يُقم في مصر منذ ألف سنة. المصريون هم الذين اتبعوا رسول الله واتبعوا سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده وعضوا عليها بالنواجذ، ولم ينكر أحد من المسلمين في مصر ولا في غيرها أن عقوبة السارق قطع اليد، وأن عقوبة الزاني الجلد، وأن عقوبة كذا هو كذا إلى آخره، لكن
عندما التفتوا إلى شروطها لم يجدوها. فطبقوا الشرع ولم يطبقوا الهوى. بعد الفاصل نرى ما الذي فعله قنسوه الغوري وما الذي ترتب عليه. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. ظل الحال في مصر عبر القرون وعلى مر السنين، والحدود فقدت شرطها الشرعي فلم نقم حدًا في هذه البلاد على الصفة المعروفة
المشهورة تطبيقاً للشرع الشريف، فجاء قنصوه الغوري كما في المجالس المؤيدية وقال للعلماء: "أريد أن أحيي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم أسمع منكم أنكم أقمتم حد الرجم على أحد". قالوا: "لفقد شرطه، لأن الزنا يحتاج في إثباته إلى شهود أربعة ومن". هذا الذي يعني يزني ويأتي بشهود الأربعة ويرى الميلَ في المكحلة هذا شبه مستحيل، والله هو الذي أنزله من أجل أن ندرك أن الأمر يتعلق بشيوع الفاحشة لا بمجرد ارتكاب الذنب، والذنب قبيح وحرام حرمه
الله سبحانه وتعالى ونفر منه، ولكن كيف نطبق شرع الله، هذا الذي فهمه. الخلفاء الراشدين وفهمه من بعدهم العلماء العاملون، فجاء قنصو وجلس مع العلماء وقال لهم: "أريد أن أحيي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الترمذي: من أحيا سنتي فقد أحياني". قالوا: "عندما يتوفر الشرط". فأخذ يرسل العسس والجواسيس حتى قبض على شاب أعزب ارتكب الجريمة، فقال: "ارجموه". قالوا:
يا مولانا لا بد أن يكون متزوجاً حتى نرجمه، لكن هذا ليس متزوجاً، إنه أعزب. قال: ارجموه، خلاص. هل سنجلس نناقش أعزب أم غير أعزب؟ نريد أن نقيم السنة. قالوا له: لا يصلح. قالوا: وماذا بعد ذلك؟ حسناً، متى سأقيم السنة؟ أو كأنهم مثل الجماعة الإرهابية التي لدينا، متى سنعمل حسناً؟ من سنذبح إذن؟ من ستذبحون؟ كيف؟ لا تذبحوا أحداً بحق الله. أنظل هكذا ساكتين؟ ماذا؟ أظل ساكتاً؟ ماذا يحدث عندما تظل ساكتاً؟ لا، أريد أن أذبح أحداً. وتجد الشباب ينبتون مثل الخوارج، يقولون لك إن هذا
الشيخ يبيح الزنا. كيف أبيح الزنا؟ كيف؟ ويأتون بقطع مما نسجله الآن. حسناً... لا عليكم فانتبهوا، هؤلاء الناس ضالون يتنفسون الكذب. وعلى كل حال، الزنا حرام، الزنا حرام باتفاق المسلمين، وحده الجلد أو الرجم. وإنما الحدود لها شروط. فلما كان ذلك من شأنهم، جاء القاضي قاضي القضاة وقال له: "ألن تتراجع؟" فقال له: "لا، لن أتراجع". فأقاله أيضاً، فقال له: "خففت عني، الحمد لله". السلام
عليكم، وعيّن شخص ما قاضياً ثانياً وجعله قاضي القضاة لأسبوع أو أسبوعين، ولم يحكم أحد ولا شيء، فاستدعاه وقال له: "لماذا عينتك إذن؟" فأجابه: "والله لا يصح ولا يجوز إلا بالشروط، والشروط غير متوفرة". فقال له: "أنت ستجلس وتتلاعبون بي يعني، لذلك أقلت الرجل". الكبير وأحضرتك أنت لأجل أن تطيع، لكنك غير راضٍ أن تطيع. قال له: لا، لن أطيع. هل تريد أن ندخل جهنم؟ قال له: جهنم؟ أهي إقامة سنة رسول الله جهنم أيضاً؟ نفس العقلية! لا فائدة! إنه لا ينتبه أن هذه ليست سنة رسول الله، بل تلبيس وتدليس وكذب
وغش. فذهب بنفسه قنصور. إلى محبس الولد والشعب هنا سمّاه المسكين، الولد الذي... هذا المسكين زانٍ، لكن الشعب سمّاه المسكين، فرجمه فظل أياماً، فجاء سليم خان وقتل قنصوه الغوري وذهبت جثته حيث لا نعرف مكانها، وتحدث الناس أن هذا بذنب المسكين. الشعب واعٍ ويعرف أن هذا حرام، الذي فعله حرام لم يأمر به. الله أراق دماً، أي أن هذا زانٍ، أي أنه مرتكب معاصٍ، فليذهب
إلى الهلاك. لا، بل هو إنسان. ثم إن الله لم يقل أنك حكمت بغير ما أنزل الله، وفي السورة أنك تريد إحياء سنة رسول الله كذباً وبهتاناً وغشاً وتدليساً وتلبيساً. قالوا مات بذنب المسكين وتولى بعده تو مان. ثم دخل سليم خان وعلَّق رأس طومان باي على بوابة زويلة هناك في المغربلين. تسير قليلاً فتجد بوابة تُسمى بوابة زويلة عُلق عليها رأس طومان باي الذي هو زوج ابنة قنصوه الأول الذي جاء بعده. ودخل سليم وأخذ الخليفة العباسي من القاهرة معززاً مكرماً.
إلى اسطنبول حتى مات، فلما مات عيّن نفسه خليفة للمسلمين. أخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه أنه كان عندما يُؤتى بسارق يقول له: "هل سرقت؟" فيقول: "لا". فالسارق يقول: "لا، أنا لم أسرق". فعندما يقول: "لم أسرق"، يقول: "يا إخواننا، ها هو يقول إنه لم يسرق يا إخواننا، قوموا". امشِ لأنهم فهموا أن الحدود زواجر قبل وقوع الجريمة ووصولها
إلى حد الإثبات. صاحبنا هذا الذي قام من هذا الموقف لا يسرق بعدها أبداً. هناك فرق بين التشهي في قطع الأيدي وجلد الظهور ورجم الناس وقتل الرقاب وما بين من فهم حكم الشريعة، فرق كبير بين من تحقق بالرحمن الرحيم. وبين من أراد أن يطبق فهمه النصي على الواقع دون رحمة هكذا علمنا الخلفاء الراشدون، ويروى عن عثمان أنه كان في خلافته إذا أُتي بسارق قال له: "أسرقت؟ قل لا"، إذاً فنحن
أمام نماذج من سنة الخلفاء الراشدين تؤكد علينا التطبيق الرحيم لحياة النبي ومدرسته دون الوقوف عند زمانه، ولذلك. كان عمر بن الخطاب رجل دولة فدوّن الدواوين وأنشأ البريد وأقر الولاة وفعل وفعل وفعل مما لم يكن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.