حديث الجمعة | الدكتور علي جمعة يتحدث عن التراث الذي تركه الإسلام | كاملة

حديث الجمعة | الدكتور علي جمعة يتحدث عن التراث الذي تركه الإسلام | كاملة - مجلس الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، مع المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما تركه لنا من خير، نعيش هذه اللحظات عسى أن يتقبلنا الله عنده بقبول. حسنٌ وأن يغفر ذنوبنا وأن يستر عيوبنا وأن ييسر أمورنا
الغائبة عنا وأن يجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة وأن يحشرنا تحت لواء نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وأن يسقينا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم آمين يا رب، جازِ النبي المصطفى عنا خير ما عن أمته ورسولاً عن قومه، هذا التراث الذي تركه لنا الإسلام بدءاً من حفاظ الأمة على كتاب ربها وسنة نبيها، وبياناً لأصول الفهم والتوثيق، وانتهاءً بالتطبيق ومشاركة
في بناء الحضارة الإنسانية والعالمية عبر التاريخ، يدفعنا إلى النظر في هذا الكم الهائل من نتاج الأتقياء الأنقياء، قوّام الليل وصوّام النهار مما... منّ الله به علينا من أجدادنا الكرام نجد بعد قراءة هذا الخضم الهائل من العلوم والآداب وبعد قراءة هذا الكم الهائل من التصرفات والإجابة على أسئلة البشر جميعاً
وبعد هذا الخضم الهائل من العرفان وصياغة الأذواق العالية في التعامل مع رب العالمين طبقاً لما قد ورد في الكتاب والسنة من خبرات البشر ومن دراسات الحضارات المتتالية واحتراماً للإنسانية ولخلق الله وعمارة الكون وتزجية النفس، نرى كما تكلم العلماء على أن هناك ثلاثة اتجاهات أو ملفات يجب
علينا أن نلتفت إليها: الأول هو العقل، والثاني هو النقل، والثالث هو الذوق. العقل هو كما عرّفوه ووصل تعريفهم به إلى نحو ألف. تعريف لماذا؟ لأنه أظهر من الظهور، يعني لا يحتاج إلى تعريف، وكلما ظهر الأمر عسر تعريفه. أتفهم؟ عندما يكون الشيء واضحاً جداً أمامك لا يحتاج إلى تعريف. يعني كما يقال: "عرّف
الماء بعد الجهد بالماء". أي قال له: ما هو الماء؟ فأجابه: الماء هو الماء. لا، عرّفني ما هو الماء. المياه، الله، ما أنت عارف المياه يا رجل لماذا، هكذا، هذا العسر لماذا؟ لماذا لا يقول سائل لطيف لا لون له ولا رائحة ولا جرم، أكثر الله من الحاجة إليه. لماذا لا يقول هكذا؟ لا يقول هكذا لأن المياه أظهر من الظهور، لا تغيب عن أحد، وجعلنا من الماء شيءٌ حيٌّ الحيوانُ يعرفُهُ، والإنسانُ يعرفُهُ، والنباتُ يحتاجُهُ. أنا، كل الناس يا أخي تعرفُ الماءَ. كيف ستعرف الماء؟ فكلما كان الأمرُ واضحًا، صَعُبَ تعريفُهُ.
فما هو العقلُ؟ لأن كثيرًا من الناس يقول لك: نحن نريد أن نتبع عقولَنا، ويقصد هواه، هل انتبهتَ؟ يقصد هواه الشخصي ومزاجه. أي أن الشيء الذي يضايقه أو الذي لا يفهمه، حسناً، فأغلب الأشياء أنت لا تفهمها، بل ويَسوء الأمر عندما نتبع عقلك أنت. لم يقل كل شخص يتبع عقله فقط، إذاً أنت لا تريد ديناً؟ لا، إنها ثلاثة أمور: العقل والنقل والذوق، وكل واحد منها له تعليم وله تربية. ولها معرفة
وهكذا لها درجات لتنظيم معلوماتك ولتدريبك ولتربية القيم فيك وتنمية الملكات فيك، وليس فقط المعلومات. فما هو العقل إذاً الذي وجدناه في هذا النتاج الضخم حول محاور الإسلام؟ ما هو محور الإسلام؟ المحور هو عمود تدور حوله الأشياء، فما معنى محور؟ يعني منه المنطلق وإليه
المرجع وبه التقويم وله الخدمة. هذا هو المحور، بمعنى أن محور الإسلام الذي هو ماذا؟ إنه النص الشريف. محور الإسلام هو النص الشريف، ولذلك كل علوم الإسلام جاءت لتبين هذا النص الشريف. وهذا النص الشريف منه المتلو الذي هو القرآن، ومنه غير المتلو الذي هو السنة، ها هو ذا النتاج الخاص به، كيف يُفسر؟ كيف نجعله معياراً نقيس به الأشياء قبولاً ورداً؟ كيف
تتحول به الحياة إلى حياة سعيدة، وحياة ليست سعادة الدنيا وحدها، إنما سعادة الآخرة أيضاً، لأن الإسلام يدعو إلى سعادة الدارين. يبقى المحور هو النص الشريف، منه الانطلاق، فجاءت العلوم والفنون والآداب والعمارة. وجاءت كل الأنشطة من هذا النص وإليه يعود الأمر، منه الانطلاق وإليه العودة. عندما نريد أن نقيس شيئًا ونراه، نرجع إليه. لو فعل أتباع داعش أو الإرهابيون ذلك، لكانت الأمور سهلت عليهم، لكنهم لم يفعلوا، فلم تسهل
عليهم الأمور وتعقدت عليهم لأنهم جعلوا هذا النص خلف ظهورهم وإن كانوا يعتقدون انظر إلى الغباء، فهو وراءهم ويرونه أمامهم، فهم يرون خيالاً وليس حقيقة. وبه التقويم وله الخدمة، نجلس لنخدمه. فالمسلمون فعلوا ذلك، وكانوا واعين جداً هكذا أو موفقين، إما واعين وإما موفقين. قلوبهم نقية ترى الحقيقة، فالعقل هو هذا المخ وهذه الحواس وهذا الواقع المحيط الذي هو جزء لا يتجزأ. من العقل
بمعنى أننا لو خُلقنا في فراغ لظللنا في فراغ ولا تأتي عملية التفكير، عملية التفكير تأتي عندما يكون هناك واقع ومعلومات سابقة. الطفل يولد وعنده دماغ وحواس وواقع حوله، لكنه غير مُكلف. لماذا هو غير مُكلف؟ لأن عقله لم يكتمل بعد. ماذا يعني أن عقله لم يكتمل؟ ليس يعلم أنه يسمع الصوت، فهو لا يميزه ولا يفهمه، ولا يعرف كيف يتكلم، وليس لديه القدرة على ترتيب شيء بجانب شيء ليُنتج شيئًا، ولذلك لا يوجد تكليف. يستمع لأبيه وهو جالس يصرخ ويزجر، فيضع في ذهنه أن هذا صراخ، ولذلك
قلنا لهم: يا جماعة، بعد الشهر الأول لا تكذب لست أنا قطعة لحم حمراء مُلقاة، بل إنني إنسان ربّاني جالس يستوعب ويأخذ، وسيعتبر بعد ذلك أن هذا الكذب شيء عادي، أي جزء من الكلام. فعندما تتحدث لا تكذب، واحذر أن تكذب أمامه، واحذر أن تتشاجر أنت وزوجتك أمامه وهو ابن شهر، لأنه سيرى أن هذا الشجار حق من الحقوق. الإنسانية وهو ليس هكذا، هذا سوء خلق. واحذر أن تتحدث عن جرائمك أو شهواتك ورغباتك المنحرفة وهو في هذا العمر، فسيلتقط
منك مباشرة لأنه ماذا يفعل؟ يخزّن، كماً هائلاً من المعلومات ومن الكلمات ومن المواقف، لكي يعرف بعد ذلك أن يفكر وأن يتحدث وأن يسترجع. في الحقيقة هو استرجاع تام، لكن يقول لك الله: ما هذه التربية يا صاحبي، نعم صحيح، لكن من أين بدأت؟ ليس من سن سبع سنوات، بل من سن أسبوعين أو ثلاثة، حتى يبدأ العقل بالعمل في الداخل، فيبدأ بالتقاط المعلومات وتخزينها، يلتقط ويخزن إلى أن تتراكم لديه معلومات سابقة تؤهله للتفكير. وأن يتدبر وأن يتلقى الأوامر الإلهية،
فالعقل هو هذا، ولذلك عندما تكلمنا عن التحيز وهل العلوم تخلو منه، قلنا لا يمكن أن تخلو العلوم أبداً من التحيز إلا إذا كانت نوعاً من أنواع الرياضيات العليا. نعم، ليس فيها تحيز لأن واحد زائد واحد يساوي اثنين، الذي هو خلق السماوات والأرض ثابت اليوم اثنان واثنان يساويان كم؟ أربعة. حسناً، وغداً أربعة. حسناً، بعد مائة سنة كم تساوي؟ أربعة. لماذا؟ لأنه خلق السماوات والأرض بالحق. لو كان خلق السماوات والأرض بالفوضى الخلاقة،
نعم لكان اختلف الأمر. كان اليوم أربعة، وفي الغد نجد اثنين واثنين يساويان ماذا؟ أربعة. بروتون واثنان وبروتون واثنان كم الخلق الثاني سنأتي ببروتينين ونأتي ببروتينين آخرين ونضعهم في كيس، وغداً سيصبحون خمسة. نعم، لكن ليس نحن، ليس هذا ما خلقه الله. فيصبح اثنان واثنان كم يساويان اليوم؟ خمسة. وكلما وضعت بروتينين بجانب بروتينين يصبحون خمسة. آتي هكذا من المختبر ببروتينين وأضعهم بجانب بروتينين وأعدّهم فإذا هم خمسة. قادر. أَوَلَيْسَ قَادِرًا رَبُّنَا أَنْ يَجْعَلَ الكَوْنَ بِهَذَا الشَّكْلِ؟ بَلَى، اللهُ قَادِرٌ. حَسَنًا، هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ لَا،
لَمْ يَفْعَلْ. لِمَاذَا؟ لِأَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِرَسُولِ اللهِ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. فَنَتَحَدَّثُ عَنِ العَقْلِ وَأَنَّ العَقْلَ هُوَ الَّذِي تَتِمُّ فِيهِ عَمَلِيَّةُ التَّفْكِيرِ، وَأَنَّ عَمَلِيَّةَ التَّفْكِيرِ أَسَاسُهَا الحَوَاسُّ السَّلِيمَةُ وَالمَعْلُومَاتُ السَّابِقَةُ.
والواقع المحسوس كان قديماً الشيوعيون يقولون إن التفكير هو انعكاس الواقع على الدماغ، فقالوا له: لا، هو هذا الشعاع، هو الواقع انعكاسه على الدماغ. ما معنى انعكاسه على الدماغ؟ لا، هذا الواقع قابل للتغيير، نحن نفهم منه ونفهم ما وراءه، يعني هناك شكل ظاهر وهناك ما هو كامن. وراء هذا الشكل أردت اكتشافها في فيثاغورس فذُهل، وجد كل شيء يتصل به له عقل موجود في النظام الكامل. حسب
ذلك في ذهنه أن المربع القائم على الوتر يساوي في مساحته المربعين القائمين على الضلعين الآخرين في المثلث قائم الزاوية. فجاء ليطبقها على الأرض فوجدها صحيحة، فقال: ما هذا؟ هذا أنا من عقلي، هذا أنا الذي أحضرتها من عقلي ومن حساباتي أنا مع عقلي وليس من الواقع. كيف أصبحت في الواقع؟ فقال: حالة واحدة فقط تكون هكذا، ما هي؟ أن يكون هناك من خلقها في الواقع وخلقها في الذهن، فقال: لا إله إلا الله، كان سيدنا محمد لم يزل. لم يبعث فلم يقل محمد رسول الله في مواجهة عدوه من الإلهيين. ما الفكرة
حتى بعضهم عندما اضطرب قال: "هذا يعبد العدد". لا، هو لم يعبد العدد، بل رأى الله وراء العدد، رأى الله وليس في العدد. هو يقول هكذا: "رأيت الله في العدد"، فذهبوا فاهمين أنه عبد العدد. لا، بل إنه رأى الله وراء العدد فآمن به وراء الحساب هندسة عندما وجد الأمر هكذا. الله، هذا الكون مبني كله على ذلك، فمن الذي أوجدها في عقلي ومن الذي أوجدها في الكائن الخارجي؟ هذا السؤال دفعه إلى الإيمان برب يكون قد خلق هنا وخلق هناك في الذهن وفي الواقع. هذه
أداة بها الفهم أستطيع على الفور أن أفهم عندما تُعرض عليّ مسألة معدلة، عندما تُعرض عليّ شيء أقوم بفهمه للتجريد. العقل لديه قدرة على أن يجرد فيقول: حسناً، نحن هكذا بشر، لكن هؤلاء البشر منهم ذكور ومنهم إناث، لكنهم بشر أيضاً. هذا ونحن نعيش مع بعضنا، أليس كذلك؟ ما الفرق الذي بيننا وبين الأسد، ولماذا نحن نعيش هنا هكذا، ولماذا هؤلاء الجماعة: الزرافة والغزالة
وأبو اردان يعيشون في الغابة؟ لماذا؟ وما الفرق الذي بيننا وبينهم؟ يجلس يفكر هكذا فيرى فينا إنسانية سارية فينا هكذا، ثم يأتي ويقول: والله، هذا كله يا أخي، هذا شيء عجيب، نقول. له كلي يعني ماذا؟ يقول كل، يعني قاعدة سارية فينا جميعاً أنه إنسان. ماذا اسمه؟ قال: لا شأن لي باسمه. كيف شكله؟ قال: لا شأن لي بشكله. طيب ما جنسه؟ لا شأن لي بجنسه. طيب ما جنسيته؟ كل هذا إنسان، فيكون الإنسان سارياً فينا كالماء يسري في
الورد، كل. أحدنا فيه إنسانية، لكن هناك شخص أنفه صغير والآخر أنفه كبير، وشخص عيناه مسحوبتان والآخر عيناه مستديرتان، والثالث في أي شيء يقول لك عن الوجوه إما أن تكون مثلثة، وهم كانوا يعلموننا الرسم قديماً هكذا، إما مثلث أو مستطيل أو دائرة، نعم، هذا الشخص ظل ينظر إلى الوجوه وقال يا. أمّا هؤلاء، فإما أن تجد واحداً مثل الدائرة، وإما أن تجد واحداً مثل المثلث، وإما أن تجد واحداً وجهه مستطيل، وخامساً يعني على شكل زجزاج، يعني ليس هناك وجه زجزاج يكون هكذا وهكذا مثلاً، ليس هناك
فراغ، فيصبح هذا تجريداً، فيكون العقل قادراً. على التجريد العقل قادر على التجريد وله الفهم ومنه التطبيق وعليه البناء وإلى آخره. يفهم ماذا؟ قال: يفهم النص ويفهم الواقع ويفهم كيف يربط بينهما. هذه هي مهمة العقل، فلا يأتي أحد ويقول لي: لا، أنا سآخذ العقل وأترك الباقي. لا، فنحن لدينا أيضاً
النقل والذوق وهو ما نقوله في... حلقة قادمة إن شاء الله فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته