حديث الجمعة | الدكتور علي جمعة يتحدث عن "تقارب الزمان" وانها من علامات الساعة التي تحققت | كاملة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها والتي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نعيش هذه اللحظات عسى أن تحف هذا المجلس الملائكة الكرام وأن يجعله الله سبحانه وتعالى في ميزان حسناتنا. يوم القيامة وأن يهدينا بسيدنا
الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى ما يحب ويرضى إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير فاللهم يا ربنا صل وسلم على سيدنا محمد صلاة ترضيك عنا ويرضى بها عنا يا أرحم الراحمين وآته سؤله يوم القيامة وابعثه المقام المحمود وأدخله الفردوس الأعلى وجازه عنا خيرَ ما جازيتَ نبياً عن أمته ورسولاً عن قومه. كنا نتحدث عن تقارب الزمان، والنبي صلى الله عليه وآله
وسلم أخبر أن الزمان سيتقارب حتى تمضي السنة وكأنها شهر، ويمضي الشهر وكأنه يوم، ويمضي اليوم وكأنه شعلة فسيلة، يعني مثل عود كبريت أشعلناه هكذا ثم أطفأناه، وبقينا على حال السابقين. حتى سنة ألف وثمانمائة وثلاثين من الميلاد، وفي هذه السنة يسميها علماء الحضارة بأنها سنة فارقة، والسنة الفارقة يختارون فيها
حدثًا يجعلونه علامة على اختلاف الزمان. في هذه السنة مات آخر السكان الأصليين في أستراليا، لينبئ ذلك عن موقف الغرب من الإنسان، وأن له ظاهرًا وباطنًا، وظاهره حقوق الإنسان. وباطنه إبادة الشعوب، وهو أمر لم يقع فيه المسلمون عبر تاريخهم، والحمد لله رب العالمين. نفتخر على سائر الأمم أننا لم نقع في إبادة الشعوب، وأننا قد استوعبنا الآخر كائناً
من كان. ولكن هذا يشير إلى ما أحدثه الأمريكان في الهنود الحمر، ويشير إلى ما أحدثه الإنجليز في وسط أفريقيا. في الزمن القديم وعصر البورو يشير إلى إهلاك كثير من الأجناس التي كانت ثم زالت على أيدي المستعمر، ويشير أيضاً إلى أن أقواماً قد استغلوا أقواماً، وأن فتوح المسلمين لم تكن استعماراً يخرب الأرض ويعمر المصدر هناك في الحجاز. لم يفعلوا هذا،
لم ينقلوا ثروات الأمم إلى الحجاز حتى يصير كجنة. خضراء ولكن الذي فعل هذا البلجيك والإيطاليون والإنجليز والفرنسيون احتلوا البلاد واستعبدوا العباد وسموا هذا الاحتلال استعمارًا. ألف وثمانمائة وثلاثون كانت علامة فارقة في أنها أغلقت محاكم التفتيش التي هي سوءة في تاريخ أمم كثيرة، كانوا يعذبون فيها البشر، يأخذونهم بألوانهم وعقائدهم وجنسياتهم وأوطانهم ويعذبونهم ويتهمونهم في محاكم استثنائية. لا مثيل لها في
التاريخ، وبعذاب سير العذاب علماً أُغلقت وذهبت في داهية وانتهت، لكنها تشير إلى أن المسلمين ما فعلوها في حياتهم قط، لم يؤاخذوا الناس على عقائدهم، ولم يؤاخذوا الناس على ما ذهبوا إليه من مذاهب، لم يعذبوا أحداً من أجل أن يكرهوه على دين أو أن يخرجوه. من الدين تبرّأ المسلمون من إبادة الشعوب ومن الاستعمار ومن تعذيب الناس. في هذه السنة أدخل الإنجليز
الحديد في السفينة عام ألف وثمانمائة وثلاثين فتغيرت موازين قوى السلاح وقوى الحرب في العالم. بعدما دخل الحديد السفينة أصبحت البارجة الحربية قادرة على ما لم تكن قادرة عليه المركب الذي هو من... خشب يحترق فلم يعد الأمر كذلك والله أعلم بما هنالك، فاستطاعت إنجلترا أن تكون الإمبراطورية التي لم تغب عنها الشمس شرقاً وغرباً. احتلوا الهند، والجزائر احتلها الفرنسيون، وبعد خمسين سنة من هذا الدخول احتلوا مصر. ولكن في النهاية كانت علامة فارقة أن دخل الحديد السفينة
في هذه السنة ولمدة مائة. سنة بعدها تغيرت الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة تغيراً جذرياً، فنشأ في هذه المائة سنة القطار ونشأت الطائرة ونشأت السيارة ونشأت الكاميرا ونشأت الاتصالات بالهواتف ونشأ الكمبيوتر ونشأ التلفزيون فنشأت السينما، وهكذا. كل ما بين ألف وثمان مائة وثلاثين إلى ألف وتسع مائة وثلاثين، مائة سنة غيرت البرنامج اليومي
للإنسان على... وجه الأرض وهذا تهيئة لما أخبر به سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم من تقارب الزمان، فأصبح الإنسان المعاصر وبعدما تغيرت علاقته بالطبيعة، فصار يركب القطار والسيارة والطائرة بدلاً من الحصان والحمار والإبل، فتغيرت العلاقات الاجتماعية وتغير جسد الإنسان الذي كان يتعامل مع ما خلق الله مباشرة فصار يتعامل مع نظام آخر حتى أيضاً تغيرت نظام الأدوية ونظام الطب الفارماكولوجي كله، علم الدواء تغير
وأصبح بوضع آخر، أخذ في التطور إلى يوم الناس هذا. ظهرت المضادات الحيوية والبنسلين، ظهرت، علم الله الإنسان ما لم يعلم، ولكن في النهاية تقارب الزمان فصدقت يا حبيبي يا رسول الله وأصبح الإنسان بدلاً. من أن ينظم وقته لأمور معينة يستطيع فيها أمثال الإمام النووي أن يؤلف الروضة في اثني عشر مجلداً أو أن يؤلف المجموع أو أن يشرح صحيح مسلم ويفعل كل هذه الكتب الطويلة التي لو حاول أحدنا كتابتها بيده ما استطاع وتأخذ منه أجيالاً وأجيالاً وذلك أنه
كان يجلس في دار الحديث بدمشق، انقطع للعلم يقرؤه، جلس سنتين لم ينم على جنبه، بل كان ينام وهو جالس هكذا، فأنتج. وبعد الفاصل نواصل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. تغيرت البلاد بمن عليها، فوجه الأرض مغبر قبيح تغير.
كل ذي لونٍ وطعمٍ وزالَ بشاشةَ الوجهِ الصبيحِ، يعني البشاشة الوجه الصبيح لكي تُوزَن وإلا سيكون فيها إقواء، عندما نقول "وزالَ بشاشةُ الوجهِ الصبيحِ" بالإضافة سيكون فيها ما يُسمّى عيباً من عيوب الشعر، فقال: حسناً، فلنجعلها منصوبة ودون تنوين ونجعلها فيما بعدها وكأنها منوّنة، فتستقيم المسألة، فجعلوها هكذا وزالت. بشاشة الوجه الصبيح تعني زوال بشاشة الوجه الصبيح، زالت البشاشة وذهبت، لكن لو أضفناها نقول ماذا؟ وزالت بشاشة الوجه الصبيح، فيكون هناك
قبيح وهنا صبيح، هذا لا يصلح. المهم أن ما حدث هو أن الدنيا تغيرت، كل هذا تأييد من عند الله لخبر النبي المصطفى والحبيب المجتبى. يأتي أحدهم ويقول: أأنت مصدق محمداً أيضاً؟ أصدقه، نعم، لماذا؟ لأن الكون هو الذي يصدقه. أنا الذي صدقت والله يؤيده. حسناً، ماذا أفعل إذا كان ربنا يؤيده؟ كل ما أخبر به أصبح يحدث وبدقة بالغة. تقارب الزمان حتى إنك تشعر أنني قابلتك السنة الماضية، فتقول لي: أي سنة ماضية؟ نحن متقابلان منذ أربع سنوات. لم نرَ بعضنا يا الله، لكنني أظن أننا التقينا منذ السنة الماضية. نعم، فقد مرت الأيام، فالأيام تمضي سريعًا ونقول هكذا لبعضنا: سبحان
الله، إن الأيام تمضي وتقارب الزمان. هذا خبر في كلمتين: "يتقارب الزمان". فهو أفصح العرب وسيد الكائنات، فإذ به يعبر عن منهج حياة يصبح فيها. الإنسان مُثقَل، هذا الهاتف أثقلَ عليك، هذا التلفزيون هو أثقل عليك، دخول الإنترنت والفيسبوك والواتساب والإنترنت أثقلتْ عليك الأمور، لم يعد عندك مساحة للتفكير. فيقول عبد الواحد يحيى الفيلسوف المسلم الفرنسي رينيه جينو: "في الزمن الماضي كان الفكر يسبق النشاط"، أي
أن الإنسان يجلس ويفكر ماذا سيفعل ثم يفعله، فيكون الفكر سابقاً. النشاط الحركي وأزمة الحضارة الحديثة هي أن النشاط يسبق الفكر. ليس لديك وقت للتفكير، وعندما تعتاد على عدم التفكير، فإنك ستتلقى اتصالاً هاتفياً يقول لك: "تعالَ!"، فتأتي. أنت لا تعرف إلى أين تذهب، ولا تعلم إن كان هذا الأمر مناسباً أم غير مناسب، حلالاً أم حراماً، مفيداً أم ضاراً، لأنه يجب أن تلبي الدعوة. واجباتنا هذه فأصبحنا وكأننا تروس في آلة ولا نعرف كيف نخرج منها، وكل هذا لماذا؟ يتصل بك لأنه يوجد هاتف، فتستطيع أن تذهب إليه لأنه توجد سيارة.
فإذا، ولماذا اتصل بك؟ لأنه استشار خبيراً في التلفزيون. حسناً، قديماً كيف كانت تسير الأمور؟ كان إلى أن يتصل بي يبعث... ليس هناك من يصل في اليوم الثالث أو أي شيء وهو هنا في مصر الجديدة. وبينما يأتي إلى هنا يكون قد مر يومان، وحتى يرد سيستغرق يومين مثلهما، وريثما أقرر أن أذهب أم لا. ما هذا كله؟ لقد حدث هذا في نصف ساعة، فلا تظن أن حياتك أصبحت أسهل، بل أصبحت حياتك أكثر ازدحاماً. ازدحام، ومن هنا جاء تقارب الزمان في حديث أبي موسى عندما قال أنه سيحدث قتل شديد، فسألوه: "أمعهم عقولهم يومئذ
يا رسول الله؟" ما بال هؤلاء الناس هكذا؟ ما بالها كائنات غريبة استحلت الدم والقتل! هل معهم عقولهم؟ هل يفكرون؟ قال: "يومئذ يسلب الله عقول أهل هذا الزمان". نعم، معه. عقل نعم ولكنه لا يفكر لأن النشاط يسبق التفكير كما قال جينو الذي توفي عام ألف وتسع مئة وخمسين. فماذا حدث في هذه السنوات السبع والستين؟ حدثت زيادة، لم يكن هناك إنترنت ولا تويتر ولا تغريدات ولا الكتاب المفتوح (الفيسبوك) ولا أي شيء، لم يكن هناك. هذا التواصل أخرج ضغائن الناس وأدى إلى انتشار الكذب. كيف ينتشر الكذب؟
يعني عندما يكثر الناس الذين لا يتحرون الصدق. تفتح الإنترنت فتجد ثلاثة أو أربعة أكاذيب، مثل الجماعة الإرهابية التي اسمها - لا أعرف - الإخوان المسلمين وما شابههم من الجماعات الإرهابية. هذه الجماعة الإرهابية كاذبة. ظهر قرار من الأمم المتحدة، وهذا القرار يقول أن القدس عاصمة... الدولة الفلسطينية وأن الذي فعله السيد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية هو خطأ وأننا ضده، وصدروا القرار، تسعة قالوا لا والباقي قالوا نعم، والذي سكت سكت خوفاً من ترامب، خاف وارتعب، والباقي كله بأغلبية كاسحة قال هكذا. ثم تظهر الجماعة الإرهابية لتقول لك ماذا؟ إنها تركيا واليمن.
هي السبب في هذا القرار، يعني لا يوجد أكثر وقاحة من ذلك. فشخص يسألني قائلاً: أنا أريد أن أفهم فقط، أنت متخصص في دراسة الجماعات الإرهابية - جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية - لماذا تكذب هكذا؟ أليس هذا يضرها لأنها تقول شيئاً يفضحها قليلاً، لأن القرار كان في مصر، كان في... الأردن كان في كذا، يعني في قرار، لكن اليمن ليس لها علاقة فعلاً. تركيا، الله أعلم إذا كانت من التسعة الذين سكتوا أم لا. لماذا يكذبون هكذا؟ لا يفهمون أن هذا يضرهم. قلت له: لا، هم يكذبون على التاريخ، يريدونها
أن تكون موجودة وينشرون الكذب، فانظر إلى علامات سيدنا مؤيد. وما كنّا نظن أبداً أن الكذب سيصل بالوقاحة وقلة التدين إلى هذا الحد. كانوا في الماضي يسترون الكذب، ويقولون لك: "إن كنت كذّاباً فكن ذكوراً"، أي عليك أن تتذكر حتى لا تقع في التناقضات. فالذي يكذب وينسى كذبته سيقول شيئاً آخر يناقضها. لذا إن كنت كاذباً، فلتتذكر دائماً ما قلته حتى لا تفتضح أمرك. من الفضيحة، إنما هؤلاء ليسوا خائفين من الفضيحة. السؤال كان هكذا: لماذا العالم الإرهابي غير خائف من الفضيحة؟ لأنه
لا يخاطبك بل يخاطب التاريخ. قال لي: حسناً، ومن أين جاءت هذه الفكرة للأشرار هؤلاء؟ قلت له: هؤلاء متدربون عليها منذ سنة ثمانية وعشرين، يلقون بشيء في سنة أربعين. كذب بعد كذب. محط لأجل أن يبني عليها شيئاً بعد ثلاثين سنة. ألم يقل؟ قد قيل مرة شرحت لكم كيف بنى سيد تأييده للإخوان الإرهابية من كلام لم يفهمه من ممرضة، حيث كان هو مسكيناً مريضاً وموجوداً في المستشفى، فوجد الناس جميعاً يصيحون ويحتفلون ويتبادلون الهدايا ويقبّلون بعضهم في الطرقات. والمستشفى
مقلوبة وأجراس الكنائس تدق، فيقول للسيدة: "ما الأمر؟"، فأجابته السيدة: "إنه عيد الحب (فالنتاين داي)"، ففهم المسكين كلمة "داي" على أنها وفاة، ولم يفهم معنى فالنتاين، فقال: "يا للمصيبة! هل كل الناس تفعل هذه الأشياء لأن حسن البنا قُتل إذاً؟ فحسن البنا كان على حق، انظر إلى الثلاجة". حسناً، لنفترض أن هؤلاء الناس احتفلوا بمقتل حسن البنا، فهل حسن بن علي محق أبداً؟ ولكن هم أيضاً كانوا يحتفلون بعيد الحب (الفالنتاين)، ولم يكونوا يحتفلون بحسن البنا لأنهم لا يعرفون حسن البنا أصلاً ولا شأن لهم به. وبدأ
يكذب ويقول إن صحف الغرب وأمريكا تحدثت كثيراً عن بداية جديدة. للشرق من أجل مقتل حسن البنا، والتي لم تذكرها أي صحيفة إلا صحيفتان في الصفحة الخامسة والثانية عشرة، وهما لوس أنجلوس تايمز ونيويورك تايمز فقط لا غير. كذب في كذب في أوهام في غباء مرسوم من أجل التاريخ. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اشتركوا. في القناة