حديث الجمعة | الدكتور علي جمعة يتحدث عن حنين الجذع للرسول صلى الله عليه وسلم | كاملة

حديث الجمعة | الدكتور علي جمعة يتحدث عن حنين الجذع للرسول صلى الله عليه وسلم  | كاملة - سيدنا محمد, مجلس الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. نعيش هذه اللحظات مع سيدنا رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمور كثيرة نراها تحدث يوماً بعد يوم ولا نعرف حدوثها. إلا بعد أن تتم ولذلك ولأن هذا
بيد الله وحده نقول إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤيد من ربه كانت حياته كلها فيها ذلك التأييد وفيها ذلك الكشف الذي رفعت فيه الحجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باختيار الله له رفع عنه الحجب فأصبح يسمع تسبيح الكائنات وسبح الحصى في يديه حتى إن الصحابة سمعته. حزن الجذع عندما تركه رسول الله صلى الله
عليه وسلم ولم يعد يخطب عليه بعدما كان له منبر من عيدان، فسُمع له أنين، فنزل من المنبر وسمعت الصحابة الأنين، أي من شدة رفع الحجب حول رسول الله صلى الله عليه وسلم. وَسَلَّمَ كَانَ حَتَّى الَّذِينَ يَسْمَعُونَ يَسْمَعُونَهُ، فَاحْتَضَنَ هَذَا الجِذْعَ وَهَمَسَ لَهُ بِشَيْءٍ فَسَكَنَ. فَقَالُوا لَهُ بَعْدَ الخُطْبَةِ: "يَا رَسُولَ اللهِ، رَأَيْنَاكَ تَقُولُ شَيْئًا لِلْجِذْعِ، مَاذَا قُلْتَ؟". "إِذَا ارْتَفَعْتُ عَنْهُمْ أَمَامَهُمْ، كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنَا فِيكُمْ؟". ارْتَفَعَتِ الحُجُبُ وَرَأَوْا
هَذَا الِارْتِفَاعَ، فَسَمِعُوا تَسْبِيحَ الحَصَى وَسَمِعُوا أَنِينَ الجِذْعِ. فَقَالَ: "قُلْتُ لَهُ: أَلَا تُحِبُ". أن تكون معي في الجنة فاسكن. نعم، يُحب أن يكون بدلاً من أن يصبح وقوداً من وقود النار التي وقودها الناس والحجارة. لا، بدلاً من أن يتكلس ويصبح حجراً هكذا ويكون من وقود النار، يصبح في الجنة. شيء جميل. ما هي الجنة؟ سُميت بذلك لأن فيها شجراً وزرعاً وهكذا. فهذا الجذع سيكون فيه هكذا حياة ويصبح. مسرور مع الناس الطيبين، رُفعت الحجب، هذه الحجب رُفعت معها الشهوات، ورُفعت معها الرغبات، ورُفعت معها
ما يحيط بالإنسان من نقص، فكان الإنسان الكامل صلى الله عليه وآله وسلم. ومع رفع هذه الحجب أنزل الله ملائكته لشق صدره الشريف وملئه بالحكمة وبالأنوار وبكشف الأسرار وبما يستعين به ذلك الجسد الفاني. الذي في يوم من الأيام ستخرج منه روحه ونفسه يستعين به على تحمل ما سيكلف به من وحي ومن عبادة ومن تبليغ ومما يجري عليه من إسراء ومعراج ونحو ذلك. ألم نشرح لك صدرك؟ فشرح
الصدر هو شقه الشريف ثلاث مرات. مرة في مضارب بني حليمة، ومرة ثانية كانت عند الكعبة للوحي، ومرة ثالثة كانت في ليلة الإسراء والمعراج لكي يتحمل الجسد الشريف العلو في طبقات الجو العليا. الجسد إذا لم يُصنع فيه هذا يحدث ما يسمى بمرض الصندوق. مرض الصندوق أن يعرق الإنسان دماً من الضغط الجوي، لكنه لم يعرق دماً وذهب مباشرة هكذا هو كان. فيكون ما لم يذهب مسرعاً بسرعة الضوء أو بسرعة الفوتون، لا أبداً، بل صار بـ "كن فيكون"، خلقه في السماء الأولى ثم خلقه في
السماء الثانية ثم خلقه في السماء الثالثة وهكذا، لأنه لو كان بسرعة الضوء لاستغرق مليارات السنين، فهو ليس بسرعة الضوء بل بالخلق "كن فيكون"، ألم نشرح لك. ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك؟ بعض الناس يظنون مساكين أن وزرك يعني ذنبك، وهذا غير صحيح. "ووضعنا عنك وزرك" يعني ما يحجبك عنا. مع ذهاب الحجب تذهب الرغبات والشهوات. إذاً فالنبي صلى الله عليه وسلم في بشريته قد كَمُل، فليس هناك رغبات تدعوه إلى اليمين واليسار، بل قصده مستقيم. هو الله فقط
بالكمال، ولذلك كان المثال الأكمل، ورفعنا لك ذكرك، فقرن الله اسمه باسمه، لا إله إلا الله محمد رسول الله. تقول لا إله إلا الله، لا تدخل الإسلام، لابد أن تقول محمد رسول الله، لابد. لا إله إلا الله حسنة، خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله. إلا الله، ولكن لا تدخل هكذا الإسلام. إن الديانات تقول لا إله إلا الله، فكيف أدخل إذاً؟ قالت: تقول محمد رسول الله. ولذلك قال الإمام أحمد: ينعقد اليمين به لأنه أحد ركني الشهادتين. كما نقول والله، نقوله بالنبي، فينعقد اليمين. فسيدنا المصطفى
صلى الله عليه وسلم كان مؤيداً فمر. حاطب بن أبي بلتعة هذا صحابي، وهذا الصحابي هو حاطب الذي كان أهله وأولاده وماله في مكة، وهو بدري، أي من أهل بدر، والله جعل لهم خاصية أنه قال لهم: "يا أهل بدر افعلوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم"، انتهى الأمر، لأنها هي الأساس التي ثبتت المسلمين ثلاثمائة. يغلبوا ألف
قتل المسلمين اثني عشر قتل المشركين سبعين، وهكذا سيدنا حاطب رضي الله تعالى عنه خاف على أولاده وخاف على أمواله، فبعث كتاباً كتبه بالسر هكذا ولفَّه وأعطاه لامرأة عجوز ستسافر إلى مكة، قال لها: "وصِّلي هذا لفلان في مكة"، كتب فيه: "يا جماعة خذوا حذركم، محمد بن عبد الله". سيحاربكم في الوقت الفلاني يعني كأنه اكتشف سراً، فالنبي عليه الصلاة والسلام يصلي هكذا فكُشِفَ له الحال من
رفع الحجب، إذ هو مكشوف عنه الحجاب، يعني الحجاب يسير هكذا، فرأى على طرف المدينة ما هو ذاهب بالسر، حاطب حاطب وهو يعطي للسيدة العجوز هذه الكتاب، والسيدة العجوز ركبت ومضت، ماذا؟ هذا الكتاب ما الذي وضعه حاطب وأعطانا إياه؟ وهذه السيدة هكذا تكون مكة جهة الجنوب ذهبت إليها مكة وأرسل هناك كتابًا ليفعل ماذا؟ ربما لأهله. النبي وهو يرى هكذا قرأ الكتاب وعرف ما فيه. الله هذه العبارة هذه يا حاطب تعني أنت، يعني هذا أنت مغفور لك وكل شيء، لماذا ترتكب الأخطاء؟
هذه تكون مثل شخص حلب حليباً ولبناً ووضع فيه مواضع التراب. لماذا؟ لماذا تضع التراب؟ لماذا تجعلها طيناً؟ لا تضع تراباً، دع الحليب حليباً. نادى سيدنا علي ومعه شخص وقال له: "الحق بفلانة عند خوخة كذا". الخوخة ستجدها عندما لا يراها الناس، يقول لك: "لا". هو لا يراها يا إخواننا لأن الحجب رُفعت، هذا سيد الخلق. بعد الفاصل نرى ماذا فعل سيدنا علي. بسم الله الرحمن
الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أخبر النبي من رُفعت الحجب عنده، أخبر علياً بأنه يدرك المرأة عند خاخ، هذه أو هذا إلى آخره. فأدركها ودخل عليها ولم يكن معها شيء، فقال لها: "أعطيني ما معك"، قالت: "وما معي؟ ليس معي شيء، أنت لا ترى لا حقيبة ولا أي شيء آخر". قال: "الكتاب"، قالت: "وما الكتاب؟"، قال: "الكتاب أو لألقين الثياب"، يعني سيضربها بالسيف هكذا. سيدنا علي كان فارساً، فكان من الممكن
أن يضربها. بالسيف بحيث أنه لا يجرحك بل يقطع الثياب فقط، وانتبه للدقة، نعم. من أين يأتي هذا؟ يأتي من التدريب، يأتي من التدريب العالي، ولذلك انتصروا. إذًا يجب علينا أن نتقن العمل ونتدرب، ليس بالأماني فقط. لم يقل لك إنه سيقتلها، بل سيضربها بالسيف هكذا في الثياب فتسقط، ثم يفتش. الكتاب أو تعرية الثياب هذه عيب عند العرب. قالت له: "أتريد أن تعريني أم ماذا؟ خذ الكتاب ها هو"، وأخرجته من شعرها. فأخذ الكتاب ورجع إلى النبي. ماذا فعل
في المرأة؟ لا شيء. فقد كان يريد الكتاب فقط، والمرأة لا تعرف القراءة ولا أي شيء، ولا تعرف ما يحتويه هذا الكتاب. ماذا؟ ولا، إنما الدرجة لو قلت لنا "الثياب، خذ الكتاب". ها هو، خلصنا بناقص كتاب. فأتى النبي بعد هذا دليل الإثبات. يبقى قد يعلم الإنسان شيئاً لكنه لا يأتي بالمتهم إلا بعد دليل الإثبات. فقال: "تعال يا حاطب، أنت فعلت هكذا لماذا؟" فقال له: "والله إني لأؤمن بالله ورسوله، وإني خفت". وأردت أن تكون لي يد على قريش فخفت على أهلي ومالي، القصد ليس الخيانة،
القصد أنني قلق على الأطفال، فقلت أقول هذه الكلمة فتكون لي يد عندهم، يعني يقولون نعم هذا حاطب معنا أو حاطب جيد. رُوي حديثه - حاطب - بواحد وعشرين رواية في مسند الإمام أحمد، عددناهم هكذا فوجدناهم. روايات مختلفة، واحد وعشرون رواية تشكل قصة ويُستخلص منها أحكام ويُستدل منها، حتى استنبط الفقهاء حكم الجاسوس: هل يُعفى عنه؟ هل يمكن أن نعفو عنه؟ قالوا: نعم، لأن النبي عفا عن حاطب بالرغم من أنها كبيرة، لكنها مقيدة بالمصالح، ومقيدة بمدى الخطورة، ومقيدة بإتمام الجريمة، مقيدة
بأشياء كثيرة. فالنبي صلى الله عليه وسلم. كان مؤيداً لأننا قلنا في الحلقة الماضية أن النبي كان مؤيداً، فالناس أيضاً ليس لديها فهم لمعنى "مؤيد"، أي أنه مُبصَر، أي مرفوع عنه الحجب، أي مرفوع عنه الرغبات والشهوات والضلالات، وكل ذلك مرفوع عنه. قال: "إنما أنا بشر مثلكم" في الجسم، عندما يُجرح صلى الله عليه وسلم. ينزل دم، فالاحتياج إلى الأكل إلى الشرب إلى النوم، يوحى إليه، ليس من شأنكم مثلكم، لكن لماذا؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الملكان وهو نائم قال أحدهما: "هذا نائم"، فقال الآخر: "نامت عيناه ولم ينم قلبه". فالنبي هو مغمض ونائم إلا
أن قلبه مستيقظ لأن قلبه ضارع. ومع الله على الدوام، كان بعض مشايخنا يقرأ الصلوات على النبي، فمن ضمن الصلوات مجموعة للشيخ أبي عبد الله الهاروشي اسمها "كنوز الأسرار في الصلاة على النبي المختار"، فكان يقرأها مرتين أو ثلاث مرات في اليوم حتى ملكت عليه فؤاده، فكان يرى في نومه أنه يتلوها، وعندما يستيقظ. يجد نفسه يحرك لسانه عند موضع معين بها فيكملها، يعني قبل أن يقوم ليتوضأ وما شابه
ذلك، يكملها وهو ماشٍ. حسناً، إذا كان هذا ولياً من أولياء الله الصالحين، شخصاً واحداً، فما بالك بسيد الكائنات صلى الله عليه وسلم، فكان قلبه معلقاً بالله متضرعاً له، وكانت قد رُفعت عنه. الحجب ورفع الحجب تجعله مدركاً لشأنه عالماً بزمانه وتجعله مؤيداً من ربه يعلم الحقائق، فكان يرى ويسمع وهكذا إلى آخره. بعض الناس لا تفهم هذا الكلام. في بدر، الحباب بن المنذر أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "أننزل هنا؟ أننزل هنا؟ البئر
هناك هكذا"، وهو يقول: "أننزل هنا". فقال له الحباب: "يا رسول الله، هل هذا وحي أوحى الله إليك به أم هي الحرب والمكيدة؟" قال: "لا، بل هي الحرب والمكيدة". يعني ليس وحياً. انتبهوا يا إخواننا، النبي يقول إن ما فعله ليس وحياً. قال له: "حسناً، أرى أننا نذهب خلف هذا البئر". لأن البئر سيكون خلفنا فنمنع المشركين من المياه فيصبح هذا موقفاً استراتيجياً أقوى نستطيع به أن نهزمهم. قال له: "إذاً فذلك، هيا هيا بنا". فلما ذهب
أخبرهم عن مواضع مصارع القوم. الله يعني عارفها من البداية، الله هذا يعرفها من البداية. حسناً، إذا كنت تعلم أن شخصاً سيُصرع هنا. وتصرع هنا، تصرع هنا، تقول ننزل هنا لماذا؟ لكي يستحث من عنده خبرة أن يؤديها لأن نقدم نصيحة، يُعلِّم الناس أنه يا حباب عندما يكون لديك شيء لا تخفيه، لا تخف، قل "وأمرهم شورى بينهم"، أي يعلمنا نحن، أما هو فهو يعرف كل شيء، فأخبرهم بمصارع القوم، انتبه. إننا هنا والآخر عند مسجد سيدنا الشيخ محمود الحصري، الموضع الثاني يعني، هذا سنذهب إليه. فعند سيدنا الشيخ الحصري،
يقول لهم: "فلان سيموت هنا وفلان -الله-" يعني، نحن كنا سننزل هنا من البداية، أليس كذلك؟ نعم، أنت تعرف ذلك، أليس كذلك؟ إذن سننزل هناك في فاضل. لماذا قال لأعلمكم؟ كان دائماً يحاول أن يعلمهم الحقيقة، فهو صلى الله عليه وسلم مؤيد من ربه برفع الحجب عنه ونقض الوزر عن ظهره. هذه الحجب تتعب ظهر الإنسان، فربنا أزالها، فأصبح هكذا مثل ماذا؟ الروح الملائكية تسير على الأرض، وكان يتصبب كأنه يمشي من في منحدر صلى الله. عليه وسلم صلوا عليه وسلموا تسليماً، فهو مؤيد قد أخبرنا بعلامات
آخر الزمان. نستودعكم الله وإلى لقاء آخر. نصلي على النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم.