حديث الجمعة | تعرف على أداب “المريد” وكيف يتعامل مع شيخه مع الدكتور علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه على المحجة البيضاء التي تركنا عليها سيدنا النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم. نعيش هذه اللحظات عسى أن تتنزل في قلوبنا السكينة والرحمة وأن تحفنا الملائكة وأن يجعل الله هذا المجلس. في ميزان حسناتنا يوم القيامة وأن
يصلي ويسلم ويبارك على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأن يؤتيه سؤله يوم القيامة ويبعثه الدرجة الرفيعة التي وعد إنه لا يخلف الميعاد سبحانه وتعالى. مع حديث جبريل تكلمنا عن أركان الإيمان فأركان الإسلام فشأن الإحسان وأن طوائف من الأمة وفقها الله. سبحانه وتعالى لحفظ دينه حيث يقول سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في آخر الحديث: "هذا جبريل أتاكم
ليعلمكم أمر دينكم". فاهتم العلماء بهذا الحديث حتى عدّه الإمام النووي رضي الله تعالى عنه في الأربعين النووية التي عليها مدار الدين. وتكلمنا عن أن الله ألهم الأمة حماية هذه الثلاثة: الإيمان. بعلوم العقيدة والإسلام، بعلوم الشريعة والفقه وأصوله، والإحسان بعلوم السلوك والتصوف حتى يكون الإنسان يعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه.
وتحدثنا عن طريقة اختيار الطريق إلى الله، وعن الشيخ والمريد والطريقة، وعن صفات الشيخ. ونتحدث اليوم عن بعض آداب المريد، إذ يجب أن يكون مؤدباً. مع الله سبحانه وتعالى وأن يعلم أن الله هو مقصود الكل وأن يسير ليس بشهواته ولا رغباته وإنما بمجاهداته وأن يعلم أن الأمر إنما هو بين الذكر والفكر الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً
وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار وأن الأمر بين التخلية والتحلية وأنه بتخلية القلب من القبيح وتحليته بالصحيح يحدث التجلي. بالتخلي والتحلي يحدث التجلي فتتجلى الأنوار وتنكشف الأسرار ويتعلم الإنسان الأدب مع الله ويسير في معية الله سبحانه وتعالى إليه، فهو مقصود الكل. الله مقصود ورضاه مطلوب، وإن هذا الأمر مقيد بالكتاب والسنة لا يخرج عنهما. أبدأ ومن
آداب المريد أنه يجب عليه أن يحافظ على الأوقات. قال الإمام الشافعي: "صاحبت الصوفية فاستفدت منهم أن الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك". والمحافظة على الأوقات تأتي بالتدريب شيئاً فشيئاً إلى أن تصل إلى ما يسمى عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم رضي الله تعالى عنهم، وهم الذين قال سيدنا. في أكابرهم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور". يصل إلى مراقبة
الأنفاس، ومراقبة الأنفاس أتت من كلام سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه، وهي أنه ما دخل نَفَس وآمل أن يخرج، وما خرج نَفَس وآمل أن يدخل، أي أنه يراقب نفسه على... مستوى النفس فسُمِّيَت بمراقبة الأنفاس وهي درجة عالية. الرسول صلى الله عليه وسلم يضع لنا قاعدة عامة فيقول: "إن هذا الدين متين فأوغِلوا فيه برفق". فالإنسان لا ييأس
من نفسه ولا يتعجل النتائج، وإنما أحب الأعمال إلى الله أدوَمُها وإن قل. ولا تكن مثل فلان كان يقوم الليل ثم تركه دائماً. نكتفي بالقليل ونسلِّم لله بالتسليم والرضا والتوكل على الله، ونرضى بما قسمه الله لنا من عبادة. والله سبحانه وتعالى ندعوه أن يفتح علينا فتوح العارفين به، وأن يسلك بنا الطريق إليه، وأن يعلمنا الأدب معه. فمن آداب المريد مراعاة
الأوقات، لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع. عن عمره فيما أفناه إذا فالوقت سنحاسب عليه، عرف الصحابة هذا وكانوا يكثرون من تصحيح النية في الأعمال، فالعمل الواحد ينوون به أعمالاً كثيرة، فهو يلبس الثوب الغالي فينوي به إظهار نعمة الله عليه، وينوي به أن يتعرض له الفقراء
حتى يعطيهم، وينوي به التزين للقاء الله في الصلاة، وينوي به وهكذا. نيات في عمل واحد، وإذا ذهب إلى الصلاة ينوي الذهاب إلى المسجد، لكنه ينوي أيضاً أنه لو رأى أذىً في الطريق لأزاله وأماطه، فإزالة الأذى عن طريق الناس شعبة من شعب الإيمان، وينوي به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وينوي به النصيحة، وينوي به تكثير جماعة المسلمين، وينوي به حضور الخير. معهم وينوي به إلى آخره، هكذا نيات كثيرة ألّف فيها ابن الحاج كتابه
المدخل، وهو عنوانه صفحتين، عنوانه فنسميه المدخل لأنه المدخل إلى الأعمال الطيبات الصالحات بالنيات، وهكذا صفحتين، نقول المدخل وانتهى الأمر، يعني اختصارًا هكذا. فالمدخل اهتم بتفصيل تلك النيات في الأكل والشرب واللبس والحركة والسكون والجلوس وهكذا في كل. شيءٌ كانت النياتُ الصالحاتُ تسيطرُ وتحيطُ بالصحابةِ الكرامِ، وهذا أمرٌ يحتاجُ أيضاً إلى تدريبٍ. من آدابِ المريدِ أن
يحافظَ على الأوقاتِ، وأن يُديمَ الأعمالَ وإن قلَّت، وأن يُتقنَ العملَ. إنَّ اللهَ يُحبُّ من أحدِكم إذا عملَ عملاً أن يُتقنَهُ، وكان رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يُحبُّ هذا والإتقانَ في... كل شيء بحسبه والإتقان له حدود تراها في الفقه، كيف تتقن الصلاة، كيف تتقن الصيام، كيف تتقن الذكر، كيف تتقن التلاوة، كيف تتقن الدعاء، كيف تتقن أي شيء من أمور الدنيا والآخرة، لها نوع من أنواع الإتقان. وكان
الفضيل بن عياض وهو سيد من سادات الطائفة، طائفة الأخلاق والتصوف والسلوك. كان رضي الله تعالى عنه يقول: "لا يقبل الله العمل إلا بالإخلاص والصواب". الإخلاص هو تحرير النية لله، والصواب أن يكون على مراد رسول الله بالإتقان. بعد الفاصل نرى بعض آداب المريد الذي هو ركن من أركان الطريق إلى الله سبحانه وتعالى. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على... سيدنا رسول الله
وآله وصحبه ومن والاه، من آداب المريد أن يحترم شيخه لأن الشيخ قد سار في الطريق وعرف أكثر منه فهو يرشده إلى الله ويعلم، أو هكذا ينبغي أن يعلم، أمراض القلوب ويعلم كيف علاجها ويعلم خطوات الطريق إلى الله ويعلم المريد أن الملتفت لا يصل كما ذكرنا. في الطريق لا يلتفت إلى الإشراقات، يسميها
أهل الله الإشراقات وهي كثيرة، منها الكرامات. والكرامات تظهر للمريد في أول الطلب، فإذا ترقى في مراقي العبودية قلت الكرامات حتى انعدمت، إلى أن قالوا أن أعلى ولي من أولياء الله الصالحين ليست عنده كرامات، هو مسلم لله ورضي كل الرضا، وهواه إنما... هو في الرضا والتسليم مع مراد الله في خلقه وليس محتاجًا إلى الكرامة لأنه وصل إلى اليقين، "واعبد ربك حتى يأتيك اليقين"، ولأنه لو رُفع الحجاب بينه وبين ما
وراء هذا العالم فإنه لا يزداد يقينًا. خلاص، هو متأكد من كل شيء، متأكد من الغيب الذي أخبر به الله. لا يرد على قلبه ريب ولا شك. الكرامات تظهر في البداية حتى تؤيد وتثبت قلب المؤمن، وحتى يرى شيئاً يعلم به أن الأمر ليس هو المنظور فقط، بل إن هذا المنظور الذي نعيش فيه من رسوم العالم ومن تلك الأغيار وراءها عالم غير منظور يعلمه الله، ولذلك تكلموا عن أحوال الملك. والملكوت فالملك ما نراه، والملكوت ما لا
نراه لكنه قابل للرؤية، إلا أننا لا نراه بالوضع المعتاد بالحس المعتاد. هذه الإشراقات منها الخواطر والواردات، ومنها الإشارات، ومنها الرؤى في المنام. والنبي صلى الله عليه وسلم يؤكد أنها نعمة، وأنه انقطعت النبوة فلا نبي بعده ولا رسول، فشق ذلك على الصحابة. أن ينقطع خبر السماء وبركة الرسالة فقال إلا الرؤيا الصالحة يراها العبد الصالح أو تُرى له، ولذلك نقول
خير بشرى، وليس هناك داعٍ للتعرض للتفصيل الشديد لأن أبا بكر الصديق لما عُرضت رؤيا على رسول الله قال: "يا رسول الله، دعني أفسرها" ففسرها، فسكت رسول الله فقال له: "أصبت الحقيقة". قالَ: "أصبتَ بعضاً ولم تُصِب بعضاً"، فإذا كان هذا هو حال الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه، فما بال الآخرين؟ فكان الإمام مالك يقول: "أتتلاعبون بتراث النبوة؟" عندما يسمع أن أحدهم قد ألَّف كتاباً يفسر
فيه كل رؤية ويصنف ما بين الخير والشر، ورسول الله لم يعلمنا هذا وإنما علمنا... أن الرؤيا إنما هي من الرحمن وأن الحلم من الشيطان وأن هناك ما يسمى بحديث النفس وهناك نوع رابع هو الكابوس الذي يأتي للإنسان من عوارض الجسد كما لو أكل طعاماً ثقيلاً ونام أو كما لو كان خائفاً من أمور معينة فزع منها وهكذا، ويتداخل الكابوس مع حديث النفس وبالجملة. فإنما كان في الحلم مؤخر عما كان في العلم،
ولذلك فليس هذا من الحجة في شيء. بعض الناس إذا سمع هذا ظنَّ أننا نستهين بالرؤى، والأمر ليس كذلك، والله أعلم بما هنالك. إنما لا نعتمد عليها، وإنما هي نعمة من النعم مثل المال والجاه والصحة والقوة والعلم، تستوجب الشكر والطمأنينة. لكنها لا تستوجب الوقوف عندها حتى نلتفت عن مقصودنا من الذكر والفكر والتخلية والتحلية والذهاب إلى طريق الله سبحانه وتعالى، وكم أضلَّتْ هذه الرؤى أناساً، وكم اختلطت عليهم من سوء تفسيرهم. وعندما قال أبو بكر هكذا، فرد عليه سيدنا بهذه العبارة، قال:
"فما أخطأت يا رسول الله"، فسكت. قال: "أناشدك". الله إلا ذكرت لي ما أخطأت فيه فقال لا تناشدني، وقال: فإذا كان الأمر هكذا بين الأكابر، حتى إن عائشة جاءتها امرأة تحكي لها، ففسرتها، فسرت المنام تفسير شر، فبكت المرأة، فدخل رسول الله فحكت له، قال: أخطأت يا عائشة، يعني ليس هذا التفسير الصحيح لها، إذا هذا من تراث. النُّبوَّةُ والرؤيا الصالحة جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً
من النبوة كما ورد عن سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم. لا نلتفت إلى الكرامات ولا إلى الواردات ولا إلى الخواطر ولا إلى الرؤى ولا إلى انكشاف الأسرار، بل نستفيد منها في الأدب مع الله وفي مزيد اليقين بالله ولا في... الأنوار فإن الأنوار تأتي على قلب السالك وتتكاثر، وللعلماء في كل نور وفي كل لون من تلك الأنوار عبارات، لكن في النهاية نحمد الله أن رأينا أنوارًا، لكن لا نقف عندها ولا نجعل ذكرنا من أجل أن نحصّلها، ولا يشكو
بعضنا أنه لم يرها لأنها ليست مقصودة وإنما هي نعمة. من النعم مثل كل هذه الإشراقات، كلها نعم ولكن لا نقف عندها ولا نطلبها ولا نلتفت إليها، وليست هي مقياس الطريق ولا معيار الحق، وإنما هي من نعم الله ومنن الله التي لا تحصى، "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها"، يهبها لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء، والأمر ليس له علاقة. بالدرجة ولا بالإخلاص ولا بالقرب إلى الله ولا في شيء من هذا، فإن هذا الكون إنما هو في ملك الله يفعل فيه ما يشاء بحكمة واقتدار، يعطي
من يشاء ويمنع من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، فاللهم يا ربنا علمنا الأدب معك والآداب لا تتناهى، فعلمنا الأدب معك واسلك بنا الطريق إليك وهدئ بالنا وأصلح حالنا وقنا شر أنفسنا وشر الناس. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.