حديث الجمعة | رجال حول رسول الله صلى الله عليه وسلم | حلقة كاملة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. نستمر مع المحجة البيضاء التي تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والتي قال إن ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك لنا ميراثاً. وقال إن الأنبياء
لا يورثون الدرهم والدينار ولكن يورثون العلم، وفي حديث أبي هريرة أنه قيل للصحابة إن الناس في المسجد يقتسمون تراث النبي، فذهبوا جميعاً ليروا تراث النبي الذي يقتسمه الناس ومن هؤلاء الناس، فوجدوا المسجد فيه القراء يقرؤون القرآن، فهذا هو تراث النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ومن إدراك المحجة البيضاء أن ندرك
تلك الخريطة التي تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نأخذ هذا من كتب الحديث ومن كتب السيرة ومن كتب التواريخ ومن غيرها من كتب أهل العلم، فنرى أنه في بدر كان عدد المؤمنين ثلاثمائة وثلاثة عشر بما فيهم سيدنا صلى الله عليه وسلم، هؤلاء هم المقاتلون الذين حضروا بدر، وبدر كانت في السنة الثانية، ولكن عندما جاءت في السنة الرابعة واقعة الخندق كان عدد المقاتلين ثلاثة آلاف. يعني في خلال سنتين زاد المقاتلون
الذين دخلوا الإسلام من ثلاثمائة إلى ثلاثة آلاف، وهذا يدلك على اتساع رقعة الإسلام ودخول الناس في دين الله، وعندما حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، رآه بعينه في حديث أنس مائة وأربعة عشر ألفاً، وفي روايات أخرى مائة وأربعة وعشرين ألفاً، ومائة أربعة وأربعين ألفاً، أي أن هناك اختلافاً في العدد، وأقله مائة وأربعة عشر ألفاً بعد عشر سنوات من الدعوة في المدينة. العدد مائة وأربعة عشر ألف، وهؤلاء هم الذين كانوا قد التصقوا برسول الله صلى
الله عليه وسلم والذين حجوا معه، الذين حجوا معه عليه الصلاة والسلام. وعندما انتقل إلى الرفيق الأعلى صلى الله عليه وآله وسلم، صلى عليه عشرون ألفاً، وقيل بل ثلاثون، وقيل بل أربعون. لنبقَ عند الأقل: عشرون. ألف صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم وصلوا عليه كما قلنا مراراً فرادى لأنهم يلتمسون بالصلاة عليه أن يتنزل الله سبحانه وتعالى بالرحمات عليهم وبالسكينة. إذا عُدَّ الصحابة في تعريف
أنس، من تعنون؟ مَن تعنون؟ أمِن شاهده؟ من شاهده في البادية كثير، أو من حج معه، أو من غزا. معه الغزوة والغزوتين ولازمه السنة والسنتين وعلى كل حال سواء كان هذا أو ذاك لم ينقل إلينا من أسماء الصحابة الكرام سوى تسعة آلاف وخمسمائة بما فيهم النساء. يبقى الذي منقول تحت أيدينا أسماء تسعة آلاف وخمسمائة صحابي من كم صحابي؟ من مائة وأربعة عشر ألفاً، يعني ثمانية في المائة يعني كل مائة صحابي نعرف
منهم بأسمائهم ثمانية ولا نعرف اثنين وتسعين، وهذا رقم كبير؛ ثمانية في المائة، وبقية الصحابة لا نعرفها. أخرج الإمام مسلم في حديث اثني عشر رجلاً كانوا اثني عشر رجلاً، وأخرج أصحاب السير أنه في عودته صلى الله عليه وآله وسلم من تبوك حاولوا اغتياله سبعة وقيل... الاثنا عشر وكانوا ملثمين وكان يعرفهم صلى الله عليه وسلم بالوحي، ولذلك بعد أن انتقل إلى الرفيق
الأعلى لا نقدر على معرفة المنافقين لأن الوحي قد انقطع. مَن المنافق؟ لا أحد يعرف. إذا رأينا الرجل يشهد الشهادتين ويرتاد المساجد ويصلي شهدنا له بالإسلام وأمره إلى الله، ومرحباً بمن خادعنا في الله. ولم نؤمر بالتفتيش وإنما نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع خصال لأنها من خصال المنافقين، نبتعد عنها كما نبتعد عن خصال الكافرين. قال صلى الله عليه وسلم: "من ترك الصلاة فقد كفر"، أي أنها من صفات من كفر، فيجب علينا أن نتبرأ منها، ولم يقل من ترك. الصلاة فهو كافر، ولذلك
فالجمهور على أن تارك الصلاة ليس بكافر لأنه شهد الشهادتين، ولأنه بهذه الشهادتين، بهاتين الشهادتين دخل الإسلام، والمسلم يصعب أن يخرج مرة أخرى. فلعله تركها كسلاً أو نسياناً أو استهانة بأمر أدائها، مع أنه يقول بفرضيتها. يقول: "ربنا يتوب عليّ، إن شاء الله سأصلي، ادعوا لي". هذا ليس كافراً، وإن كان قد فعل فعلاً من أفعال الكفار، فكل المعاصي من شُعَب الكفر، وكل الطاعات من شُعَب الإيمان. والإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن طريق الناس، والحياء شعبة من شُعَب الإيمان، كما علّمنا رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم. تسعة آلاف وخمسمائة هم الذين نعرف أسماءهم من مجموع الصحابة، فيأتي ليقول لك إن النبي قال أنه سيأتي أقوام على الحوض فيقول: "يا رب، أصحابي أصحابي"، فيقول: "صه يا محمد، فإنك لا تدري ما أحدثوا بعدك". من المائة وأربعة عشر هم من التسعة [الآلاف] الذين نعرفهم، يعني هل ضاقت [الدائرة]. إلا في الثمانية في المائة، أما اثنان وتسعون في المائة فلا نعرفهم. هل كان الله سيخلد ذكر المنافق؟ لا. الصحابي ليس معصوماً أبداً، لكنه محفوظ، وصاحب فضل لأنه رأى وتكحلت عيناه مؤمناً بسيد الكائنات صلى
الله عليه وسلم. إنها درجة رفيعة عالية، والنبي نهانا أن نتعرض له، فلو أنفق... لا يساوي أحدنا مثل أحدٍ من الصحابة ذهباً. حتى لو أنفق أحدنا ذهباً في سبيل الله، ما بلغ ذلك مُدَّ أحدهم ستمائة جرام من القمح، يعني ملء كف اليد بالقمح يتصدق به أبو بكر، وأنا إذا تصدقت بأحد [الأشياء]، قام أبو بكر وسبقني. ما هذا؟ نعم، فضل الصحابة عالٍ رضي الله عنهم ورضوا عنه، ولكن... نعم، فيهم من أعلن الإسلام وكان منافقاً، لكن كم عددهم؟ يعني اثنا عشر شخصاً كما
ورد في صحيح مسلم. دعنا من هؤلاء الاثني عشر الذين لا نعرفهم، أو الذين أحدثوا بعد ذلك والذين لا نعرفهم أيضاً. فمن بين التسعة آلاف وخمسمائة شخص، كم واحد روى منهم؟ هذه هي الخارطة التي تركها لنا النبي، ألف وسبعمائة وستون شخصاً. سبعمائة وستون واحداً من التسعة آلاف وخمسمائة هم الذين رووا الأحاديث. ألف وسبعمائة، ألف وسبعمائة وستون، قل ألف وثمانمائة لكي تحفظ ولا تنسى. هؤلاء الألف وثمانمائة فتشنا عن حياتهم، بدايتهم ونهايتهم، فلم نجد ولا واحداً منهم اتُّهم بالنفاق، الحمد لله، أبداً. إذا روى فقد خرّج. من دائرة
النفاق هذه، هذا يخص مَن؟ مَن الذي فعل هكذا؟ الله، لأن النبي مؤيَّد. ربنا نزَّه سيدنا النبي عن أن يروي عنه منافق، ولذلك فالصحابة عُدولٌ دائماً هكذا هو. وفي بعض الأحيان التابعي يقول: "قال رسول الله"، فيقول لك: ما دام سقط الصحابي فلا يحدث شيء، فهم جميعاً عُدول. هل تنتبه أن مراسيل سعيد بن المسيب مقبولة وحجة؟ ألف وثمانمائة وواحد، ألف منهم روى حديثاً واحداً فقط. يعني عاش حياته كلها لكي يقول لنا "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" فقط وانتهى. واحد فقط
هكذا، هو لم يروِ إلا حديثاً واحداً فقط، ربما رواه غيره، رواه أبو... هريرة ورواه سعيد ابن أبو سعيد الخدري ورواه عبد الله بن أمه. نعم، يروي إنما هو نفسه. أصبح هذا الشخص لم يروِ إلا حديثاً واحداً فقط، عاش حياته كلها لكي يقول هذه الكلمة: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان" أو يقول لنا "آية المنافق ثلاثة" أو يقول لنا آية. المنافق أربعة: إذا حدَّث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد أخلف، وإذا خاصم فجر. مثل هؤلاء الأشخاص والجماعات الإرهابية، إذا خاصموا فجروا. هذه صفة من صفات المنافق. هل
هو منافق عقيدة؟ وأنا لا أعرف ما بينه وبين الله. دعونا من ربنا. بعد الفاصل نواصل. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على. سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه تركنا سيدنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها واضحة أجلى من البينات وأحلى من الماء العذب لا يزيغ عنها إلا هالك الذي لا يقبل بشروط شرطها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينها فلما كان الأمر كذلك والله أعلم بما هنالك فإن الله سبحانه وتعالى أخفى عنا
غالب الصحابة، والنبي يقول لأبي ذر وغيره كثيراً: "تعيش وحيداً، وتذهب وحيداً، وتجيء وحيداً، وتموت وحيداً، وتُبعث يوم القيامة وحيداً". هكذا سيدنا أبو ذر. فكثير من الناس أراد ربنا لها الخفاء، قدمت للبشرية ما قدمت، وأراد الله لها أن يعلو قدرها عنده فأخفاها. وعندنا في التاريخ... في التراث الإسلامي نجد كتباً عليها أسماء علماء ونحن لا نعرف من هم هؤلاء أبداً. من الذي ألّف البيقونية التي يلهج بها
الأطفال في حفظ علم الحديث ومصطلح الحديث؟ لا نعرف الشيخ البيقوني. نعم، من هو الشيخ البيقوني؟ لا نعرف من هو الشيخ البيقوني. إنه طالب من طلاب الأزهر، جعل الله سبحانه. وتعالى هذه المنظومة التي جاءت على لسانه فشاعت وذاعت والناس لا يعرفونه وأهل العلم لا يعرفونه. من هو الشيخ البيقوني؟ أخفاه فأعلى رتبته التقي الخفي النقي. كل من حفظها ذهب ثوابها لمن؟ للشيخ الذي لا نعرف اسمه هذا وهو في قبره في بحبوحة من رياض الجنة إن شاء الله تعالى. لماذا؟ لأنه فعل
شيئاً لوجه الله لا يريد منا جزاءً ولا شكوراً، وإنما فعل هذا حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحباً في العلم الشريف وطلباً للأجر من الله سبحانه وتعالى. وهكذا، والخفاء درجات، منه خفاء في العصر، فسيدنا ابن مالك كان يعرفه بعض العلماء ولم يكن أحد يعرفه، فلم يتتلمذ. عليه أحد سيدنا ابن مالك هذا إمام النحو وقد عمل الألفية التي لا نزال نتعامل بها حتى اليوم، فكان يُحضر الكرسي ويخرج خارج البيت هكذا بعد العصر، ويقول للناس المارة: "أليس هناك أحد يريد أن يتعلم النحو يا إخواننا؟ ألا يوجد أحد
يرغب في السؤال عنه؟" فلم يتتلمذ عليه إلا ابنه، وشرح الألفية في شرح. ابن الناظم يعني ابن محمد بن جمال الدين، جمال الدين محمد بن مالك. وعندما ظهرت ألفية ابن مالك، وكان هناك ألفيات قبلها وبعدها، لم تلقَ ألفية قبولاً مثلما لقيت ألفية ابن مالك. قال: تفوق ألفية ابن معطٍ، تفوز بالرضا من غير سخط، يعني ابن معطٍ ألّف. قبلها ألفية، فلما قال: "تفوقوا ألفية ابن مُعط تفوزوا بالرضا من غير سخط"، جاءه ابن مُعط في المنام وقال له: "أليس هذا عيباً؟ أنا شيخ شيخك، أتقول هكذا؟" فقام
وقال: "وهو سابقٌ حائزٌ تفضيلاً، مستوجبٌ ثنائيَ الجميل". يعني لكنه هو السابق، فهو الذي دلنا على هذا الطريق، والدالّ. الفاعل للخير مثل صانعه، يحبون بعضهم، أين "ألفية ابن مُعطٍ"؟ هذه الألفية لابن مُعطٍ كان أستاذنا الشيخ الطناحي يعرف كيف يشرحها، فظهرت هكذا. ألفية ابن مُعطٍ أين هي الآن؟ هل هناك من يسمع عنها؟ هل أحد قرأها؟ هل أحد رآها؟ أبداً. حسناً، وألفية ابن مالك ما زالت حتى يومنا هذا، كلما وقعنا في مشكلة نأتي ونحضر الألفية. ابن مالك ترفع وكان المبتدأ والخبر تنصب به ككان سيداً عمرو هكذا هو. والاسم منه معرب ومبني لشبه من
الحروف مدني كالشبه الوضعي في اسمي جئتاني والمعنوي في متى وفي هنا أو كنيابة عن الحرف بلا تأثر أو كافتقار أصلي. توكلنا على الله. الله، أما أين ابن معط وأين السيوطي وأين؟ أين الضمنهوري وأين الأجهوري؟ كل هؤلاء من الفئات التي لا نعرف أين ذهبت. إنها موجودة، موجودة عندنا في المكتبة، لكنها ليست موجودة في العمل. ولماذا ذلك؟ لأن الرجل لم يكن أحد يعرفه، فقد أراد الله له هذا الخفاء. لا البيقوني أحد يعرفه ولا ابن مالك. أصبح ابن مالك معروفاً بعد الترجمة. التي له نعم لأنه قرأ في حياته ولأنه قرأ البخاري فصححه مع اليونيني في مجلس علمي قرأه في سبعين مجلساً في دمشق
فأصبحت النسخة التي صححها ابن مالك غاية في الإتقان. الحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم تتمثل في معرفة ثمانية في المائة فقط من الصحابة الكرام الذين بنوا الإسلام والذي كان مُدُّ أحدهم كما لو أنفقت أنت جبل أُحُد ذهباً، مُدُّ أحدهم من القمح يساوي - والمُدُّ كم مقداره؟ ستمائة جرام، ستمائة جرام يعني كمية صغيرة هكذا، هو قليل فقط وانتهى - إذاً هذه هي خريطة الصحابة الكرام، كم رأى الألف وثمانمائة هؤلاء؟ كم؟ حديثٌ
رواه جمعٌ، السيوطي جمع هذا وأراد أن يجمع كل ما ورد في السنة. المسلمون وفقهم ربنا في كتابة مائتين وخمسين كتاباً في السنة المشرفة لحفظها ودراستها وتوثيقها. مائتان وخمسون كتاباً جمعهم الكتاني في كتاب "الرسالة المستطرفة في بيان كتب السنة المشرفة"، فكم كتاباً جمع؟ مائتان وخمسون، الشيخ أحمد بن الصديق. استدرك عليه ثلاثين أو أربعين كتابًا، فقال له: "أنت نسيتهم"، "حسنًا، فليكن ثلاثمائة كتاب يا سيدي، الأمر بسيط". في هذه الكتب الثلاثمائة، البخاري واحد منهم، ومسلم واحد،
وهكذا. البخاري ألّف الصحيح، وألّف التاريخ الكبير والأوسط والصغير، وألّف "رفع اليدين في الصلاة"، وألّف "القراءة خلف الإمام"، وألّف "خلق أفعال العباد"، ألّف... كتب كثيرة في الأدب المفرد وهكذا ثلاثمائة كتاب مذكور فيها أحاديث رسول الله بالسند. كم حديث في هذه الكتب؟ فالسيوطي جمع ووجد ستة وأربعين ألف حديث، فجاء بعده واحد اسمه العراقي الفاسي وقال له: أنت نسيت. وأضاف عشرة آلاف أخرى، فأصبح لدينا كم؟ ستة وخمسين ألف حديث، قل ستين ألفًا إلى... لقاءٌ آخر نستودعكم الله حتى نرى ما ورد إلينا
من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكيف أفاد الله المسلمين بها. شكراً لكم.