حديث الجمعة | علامات القيامة " الكبري والوسطي والصغري " الجزء الثالث

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع المحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نعيش هذه اللحظات عسى أن تتنزل علينا السكينة وأن تحفنا الرحمة وأن يجعل الله هذا المجلس في ميزان حسناتنا يوم القيامة. إنه على ذلك
قدير وبالإجابة جدير، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يرزق نبينا الفردوس الأعلى وأن يجازيه عنا خير ما جازى نبياً عن أمته ورسولاً عن قومه، آمين. في آخر الزمان وبعدما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامات الصغرى والوسطى والكبرى بياناً شافياً، تحققت الصغرى بكاملها، وكلما تحقق. شيءٌ كان الصحابةُ الكرامُ يقولونه: فكأننا نرى وجهَ مُسافرٍ غابَ عنا ثم عاد، فعندما يرونه يتذكرونه.
هذا الوجه رأيناه قبل ذلك لأن رسولَ الله أخبر به، أي صدق رسولُ الله. وعلى ذلك فقوله: "كيف تكفرون وأنا فيكم"، فهو فينا وإلى يوم القيامة لأنه بسنته الشريفة يتضح أن كل ما أخبر به. إنما هو صدقٌ ومؤيَّدٌ من عند الله، أيَّدهُ الله سبحانه وتعالى ببقاء نسله الشريف. "إنا أعطيناك الكوثر، فصلِّ لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر". لكنك أُعطيت الكوثر، يعني الشيء الكثير، والله أقام لنا معجزةً حتى
نتبين هذا الشأن وأنه من عند الله، لا بيد النبي صلى الله عليه وآله. وسلم ولا بيد أحد من أمته ولا بيد بشر كائناً من كان. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رزقه الله بالبنين والبنات، فمات البنون دون البلوغ. رزقه الله بعبد الله وبالطيب وبالقاسم وبإبراهيم عليهم السلام، فماتوا جميعاً قبل البلوغ. ما كان محمد أبا أحد من رجالكم لكنه كان أباً. للأطفال الصغار عنصر
النبوة فيهم ولكنه خُتِمَ به النبوة فماتوا، اجتباهم ربنا عنده، وإذا مات ثلاثة من الأبناء كانوا شفعاء لأبويهم في الجنة، فكان الله سبحانه وتعالى جعله من أهل الجنة وهو يسير على قدمين في الدنيا صلى الله عليه وآله وسلم، والشرف لا يتناهى ولا يعرف النهايات، ثم إنه رُزِقَ بِبَنَاتٍ فَرُزِقَ بِزَيْنَبَ الْكُبْرَى وَأُمِّ كُلْثُومٍ وَرُقَيَّةَ وَفَاطِمَةَ عَلَيْهِنَّ السَّلَامُ، فَمَاتَتْ زَيْنَبُ فِي حَيَاتِهِ، وَمَاتَتْ
رُقَيَّةُ فِي حَيَاتِهِ، وَمَاتَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ فِي حَيَاتِهِ، وَأَسَرَّ لِفَاطِمَةَ أَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِهِ لَحَاقًا بِهِ. أَخْبَرَهَا بِأَنَّهُ قَدْ قَرُبَ مَوْعِدُهُ فَبَكَتْ، فَأَخْبَرَهَا أَنَّهَا أَوَّلُ النَّاسِ لَحَاقًا بِهِ فَضَحِكَتْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا فَاطِمَةُ، مَا أَضْحَكَكِ؟ وما أبكاكِ فما رأيتُ أسرعَ من بكاءٍ وضحكٍ مثل اليوم. قالت: ما كنتُ لأفشي سرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وانتقل رسول الله، فسألتها عائشة مرة أخرى: ما الذي كان يقوله لكِ رسول الله؟ قالت:
أخبرني أنه مفارقٌ فبكيت، فأخبرني أنني أول الناس لحاقاً به فضحكت. وبعد ستة... بعد أشهر من الانتقال الشريف لروحه الطاهرة إلى الملأ الأعلى، انتقلت السيدة فاطمة التي ما ذكرها البخاري في صحيحه إلا ويقول عليها السلام. انتقلت فاطمة عليها السلام إلى الرفيق الأعلى، وغسَّلها باب مدينة العلم علي، ودُفنت في البقيع. ثم بعد ذلك
لما تحدث مع زوجاته قال لهن: "أطولكن يداً أسرعكن لحاقاً بي". كنّ يظننّ أن المقصود بطول الذراع هو المسافة من الكتف إلى الأصابع، فأخذن يتطاولن. تقول إحداهن لعائشة، وتقول عائشة لأم سلمة، وأم سلمة لسودة، وهكذا: "تعالي نقيس أذرعنا لنرى من ستلحق بالنبي أولاً". حتى إذا ماتت زينب بنت جحش، علمنا أنه كان يقصد أكثركن عطاءً وسخاءً وكرماً، لأنها كانت تتصدق بكل ما عندها حتى لا يبقى لديها شيء. شيء رضي الله تعالى عنها وعليها السلام رأينا
الله أمامهن صدقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقاً عملياً مؤكداً حتى إذا ما نشأ خلاف دستوري بين الصحابة وكيف نطبق هذا الدستور الإلهي في واقعنا بين فريق عائشة وفيه من الأكابر الزبير بن العوام وطلحة وبين سيدنا علي وفيه ومعه من الأكابر من معه خرجت عائشة تطبيقاً للدستور حتى إذا مرت بماء الحوأب نبحت عليها وعلى القافلة
كلاب الحوأب فقالت: "أين نحن يا عبد الله؟" قال: "نحن بالحوأب". قالت: "ارجعي إلى المدينة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان غاضباً يقول: تنبح على امرأة من نسائي كلاب الحوأب". قالَ لِي في الحَوْأَب أخطأتِ وظلَّ يُداريها ويُقنِعُها بأنَّها ليست في الحَوْأَب حتى ظنَّت أنَّه على صواب، فذهبت إلى موقعة
الجمل ونصر الله الإمام علي. وكان رسول الله يقول: "الحقُّ مع علي أينما دار"، وكان يقول: "من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه"، وكان يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها، انتصر علي وكان النبي قد أوصاه بعائشة فأكرم وفادتها وردها إلى المدينة، وظلت تعيش فيها نحو سبعة عشر سنة حتى انتقلت إلى الرفيق الأعلى فدفنت
في البقيع. كل ما أخبر به رسول الله من قتال الخوارج ومن أحداث الفتن ومن شأن بني أمية ومما حدث. في القرن الأول من العلامات الصغرى رآها الصحابة الكرام بأعين رؤوسهم، رأوا استجابة دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه، وكلٌ قد أخذ من دعائه بنصيب. رأوا رسول الله وهو يعيش فيهم، وظل رسول الله يعيش في الناس إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة فيما أخبر به. لأنه أخبر بشيء عجيب
غريب لا يقدر عليه بشر وأخبر به بوضوح وليس بتأويل، كان يقول: "يخرج كنز في بني سليم" يعني في أرض بني سليم يخرج كنز ويكون عليه رجل يُقال له فرعون. حديث أخرجه نعيم بن حمّاد، وظل الناس يرون الحديث إلى أن ظهرت كنوز من المغنيسيوم والفوسفات. والبوتاسيوم وأنواع الذهب
في المنطقة التي كان يسكن فيها بنو سليم، فأنشأت المملكة كياناً أو مؤسسة لرعاية هذا الكنز والحفاظ عليه حتى يكون احتياطياً إذا ما نفد البترول أو قل. وبعد الفاصل نرى ما كان. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه. ومن والاها، هذه
المؤسسة أُنشِئت في عهد الملك فيصل رحمه الله تعالى، فجعل عليها ابناً لأحد مستشاريه، وهذا المستشار رحمه الله تعالى كان يُسمى - وكان شامياً - رشاد فرعون. ولأن العرب تُسمي أبناءها على أسماء آبائها، فكان له ولد يُسمى فرعون ابن رشاد فرعون، فجعل فرعون هذا رئيساً على المؤسسة عندما نرى. هذا نقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا
لفظ غير شائع أن يسمي أحدنا ابنه فرعون، نادر وليس شائعاً لا في الشام ولا في مصر ولا في الجزيرة ولا في العراق، ليس شائعاً. الشائع محمد، أحمد، مصطفى، حامد وهكذا، لكن ليس شائعاً أن تسمي فرعون وليس. في كل زمن يخرج كنز في بني سليم، وليس عندما يخرج كنز أن تكون عليه مؤسسة، ولا أن يختار الله لتلك المؤسسة رجلاً يقال له فرعون. ما هذا؟ هذا
ما لنا إلا أن نقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. قبل أن يتحقق هذا، يأتي أحدهم ويقول: ما هذا الفرعون؟ قليل من المعيشة ومؤسسة ماذا وشيء ماذا وكفى! فينكر الحديث بلا برهان بلا حجة لأنه ليس موافقاً لهواه أو رؤيته في تدبير هذا الكون كما يريد. والكون يسير لا كما تريد بل كما يريد سبحانه وتعالى. إذا عرفنا هذه الحقيقة البسيطة أرحنا واسترحنا، ولو لم نعرف هذه الحقيقة وعرفنا أن هذا الكون ملكنا نفعل فيه ما نشاء ونفسد فيه كيفما نشاء، تعبنا
وأتعبنا الآخرين، فوجب علينا أن نكون عقلاء وأن نتلقى سنة نبينا، ما تحقق منها وما لم يتحقق بعد وإلى يوم الدين، قبولاً حسناً يزيد في إيماننا كل يوم، وكلما رأينا شيئاً نقول سبحان الله صدق رسول الله صلى الله. عليه وآله وسلم النبي صلى الله عليه وسلم يرى أن زمناً ما سوف تذهب فيه الخلافة وأن زمناً ما سيأتي فيه الملك العضوض فقال وصدق فيما قال: "فعليكم بسنتي وسنة
الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور". النبي لم يقل لنا: "أقم خليفة من بعدي"، فمن... هؤلاء الخلفاء الراشدون الذين سيأتون من بعدهم لم يُذكروا، ولكن ذُكر أن هناك خلفاء راشدين من بعده. قال: "ثم يكون مُلك عضوض"، فكان ما كان. بعض الذين قصرت عقولهم يقولون: إن كل هذه الأحاديث نشأت بعدما حدث، يعني كأنه وضعها الواضع وليست من خبر رسول الله، بل لما حدثت الخلافة ثم... بعد ذلك بلك ثم بعد
ذلك بنو العباس ثم بعد ذلك كذا، قوم واحد جلس على أريكته واخترع أحاديث نسبها إلى رسول الله، هذا هراء. لماذا؟ حسناً، رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع عليه الواضعون ما كان في القرن الأول والثاني والثالث، حسناً، وكل ما وافق من تأييد إنما... هو من الموضوعات المختلقة؟ حسناً، هل الله أيضاً من وضع الناس الوضّاعين الكذابين؟ يعني بدلاً من الذي يحدث والذي حدث في القرن التاسع عشر، هذا الذي أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام "حذو القذة بالقذة"؟ حسناً، وماذا عن
الذي حدث في القرن العشرين من العلامات الثلاث: عين زُغَر والبحيرة والنخل؟ حسناً، ها هي مليئة بالأدلة. وماذا عن فرعون؟ إن القصة مستمرة، والاعتقاد يا جاهل أنه كان فقط في القرن الأول والثاني والثالث، وأن البخاري هو الذي وضع هذا الكلام من عقله هو ومسلم وأبو داود وهؤلاء الناس. حسناً، فهل كان البخاري إذن مؤيداً ونبياً؟ وليست بالصدفة، بالصدفة، كل هذه صدفة؟ حسناً، الرياضيات ترفض ذلك. نظرية الاحتمالات ترفض أن يكون كل هذا مجرد صدفة لأن معناها أن احتمالها يساوي صفراً،
لأنه رقم على ما لا نهاية، وما لا نهاية معناه رقم واحد على ما لا نهاية يساوي صفراً. الرياضيات ترفض ذلك، والعقل يرفض، والمنطق يرفض، هذا عقل الإنسان. الواعي يا أبي من الذي يريد هذا؟ إنهم أصحاب الهوى والرغبات والشهوات. حسناً، لدي اقتراح: لماذا لا تتبع شهواتك وكفانا شراً؟ واعرف الحقيقة. لماذا تختار أن تكون ضالاً؟ لماذا تصر على أن تكون من المغضوب عليهم؟ أن تعلم الحق فتتركه، أن تعلم
نور الله فتجعل ظلمة تحول بين الناس وبينه. أتعرف ماذا تعني أنت؟ الذي تفعله أنك تصد عن سبيل الله إما بعلم وإما بغير علم. إياكم والاستماع إلى من يريد أن يصد عن سبيل الله بغير علم أو بعلم. بغير علم يكون ضالاً، وبعلم يكون من المغضوب عليهم. وها نحن طوال النهار نقول: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم. ولا الضالين، نستعيذ بالله سبحانه وتعالى من أن يوقعنا في الغضب أو في الضلال. نرجو الله للناس أن ينوِّر قلوبهم، وأن يغفر ذنوبهم، وأن يستر
عيوبهم، وأن ييسِّر أمورهم، وأن يجمعنا على الخير في الدنيا والآخرة. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،