حديث الجمعة | علي جمعة يشرح كيفية التربية على العلم والذكر والقرأن والمشي على نهج النبي محمد

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع المحجة البيضاء التي ترك رسول الله المسلمين عليها عبر القرون، وهو يدعو لأمته، وكان رحيماً بهم، وكان محباً لهم، وكان يقول لأصحابه الكرام: "إخواني إخواني"، فيقولون: "يا رسول الله نحن إخوانك"، قال: "أنتم..." أصحابي
إخواني أقوام يأتون من بعدي لم يروني، يجدون صحفاً يقرؤونها، أجر العامل فيهم كأجر خمسين منكم. قالوا: منا أم منهم يا رسول الله؟ قال: بل منكم، فإنكم تجدون عوناً على الخير، وهم لا يجدون هذه المحجة البيضاء التي عاش فيها المسلمون ببركة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. جيلاً بعد جيل وكابراً عن كابر، وقد وفق الله المسلمين في حفظ كتابهم وفي حفظ سنة نبيهم وفي حفظ علومهم وفي التطبيق في الواقع المعيش حتى يصلوا إلى مراد الله من خلقه من عبادة الله وعمارة الدنيا
وتزكية النفس. نعيش هذه اللحظات عسى أن تحفنا الملائكة وأن ينزل الله في قلوبنا السكينة. السكينة وأن يتغمدنا برحمته ويؤلف بين قلوبنا ويجعل الدنيا في أيدينا ولا يجعلها في قلوبنا ولا يجعلها غاية علمنا ولا مبلغ آمالنا وأن يظلنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. فاللهم يا ربنا صلِّ وسلم على سيدنا النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلاة ترضى بها عنا. وتغفر لنا بها وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه بإحسان يا أرحم الراحمين. اتخذ
المسلمون في التربية ووضعوا لذلك طرقًا وسموا كل طريق بشيء من الأسماء المنسوبة إلى الأئمة الأعلام، وكل طريقة فيها أدعيتها وفيها برنامجها اليومي، وكلها تسعى لأن تكون مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمرك. ربك، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً، وفيها استفادة من التجربة البشرية
واستفادة بما فتح الله على الأئمة الأعلام. سألوا الإمام علي: "هل تركتم - تركَكم رسول الله - بشيء غير القرآن؟" قال: "كتاب الله وما يفتح الله به على". أحدنا والنبي يقول: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور". يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، وقد كان. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا مدافعين عما كان عليه الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم بفهم الأئمة الأعلام عبر القرون مع مراعاة الواقع. وأن نعيش عصرنا وأن نخدم الناس في مصرنا وندعو الله سبحانه وتعالى أن يؤلف بين قلوب أمة سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم. الطريق إلى الله مكون إذاً من شيخ ومن مريد (تلميذ)، وسُمي مريداً لأنه يريد الله، ومن طريق يشتمل على الأذكار والبرنامج اليومي والأدعية.
والأحزاب ونحو ذلك، الشيخ ينبغي أن يكون عارفاً وينبغي أن يكون متحققاً بالصفات التي تجعل منه معلماً، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. الشيخ ليس معصوماً ولكن قد يكون محفوظاً، يحفظه الله سبحانه وتعالى من المعاصي ومن الآثام، ولكن
قد يقع في الخطأ، ولذلك فتصرفاته ليست حجة كتصرفات سيدنا النبي سيدنا. النبي معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه موحى إليه، ولذلك فهو مؤيد من ربه. أما الشيخ فغاية المراد من رب العباد إذا لم يصنع معصية قط أنه محفوظ، ولا يجوز لك أن تقول إنه معصوم، فالمعصوم هم الأنبياء فقط من أجل تبليغ الرسالة، والشيخ إذا كان... على الصراط المستقيم لم يصدر منه شيء فهو محفوظ، حفظه الله سبحانه وتعالى من تلك القاذورات
ومن هذه الشهوات والرغبات، ووفقه إلى ما يحب ويرضى، لكن لا تقل له معصوماً وإنما قل محفوظاً. والشيخ منه درجات، فهناك مرشد يعلم الأذكار والأدعية ومعانيها وأوقاتها وخصائصها وفوائدها، لكنه ليس عالماً بالشريعة ومن كان فوقَ ذلك، وأهم منه، أن يكون أيضًا عالمًا بالشريعة، لأن الناس تخلط ما بين البرنامج اليومي للذكر وبين
الأحكام الفقهية المرعية. الشيخ ينبغي أن يكون واعيًا لهذا، فإذا لم يكن من العلماء فإنه يسأل العلماء. أما الطريق فهو خبير به، جرَّبه ووجد قلبه فيه، وحدثت له ما يحدث للسائر. في الطريق من عوارض ومن أحوال ومن إشراقات فهو عليم بما سيكون فيقول لك تجربته بإخلاص وبنية صافية وبإرادة متوجهة إلى الله بالهداية ورأينا
هذا الشيخ الذي يعرف نفسه أنه ليس بعالم يسأل حتى أنه يسأل تلاميذه من أهل العلم من كان عالمًا اكتفى بعلمه وكان سيدنا علي يقول وهل جهلت شيئًا حتى أسأل عنه. ما أنا هو؟ أنا سأسأل. ما أنا أعرف من سأسأل، وما أنا أعرف الحكاية. أما الذي لا يعرف فيجب عليه أن يسأل، فهناك مرشد وهناك عالم، وهناك من هو فوق هذا وهو الولي، وديوان
الولاية منه ولاية عامة، وكل المؤمنين في الولاية العامة. ومنه ولاية خاصة تتأتى عندما يفتح الله سبحانه وتعالى على الإنسان فيرى حقيقة الأكوان وأنها إلى زوال وأن الدنيا فانية وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا تمكن هذا الحال من قلبه فهو من أولياء الله الصالحين لأنه حينئذ لا تهزه الدنيا ويستوي عنده المدح والذم وتستوي عنده المنة.
والمصيبة أن قلبه معلق بالله وقد عرف أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وهناك من كان فوق هذا الولي وهو الوارث المحمدي. وبعد الفاصل نواصل في صفات الوارث المحمدي. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه من أصناف الشيوخ ما... يصدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "نحن معاشر
الأنبياء لم نورث درهماً ولا ديناراً"، وإنما ورثنا - أي في إرث نبوي - إنما ورثنا العلم. والعلم منه علم ظاهر هو معلومات، لكن منه علم حقيقي وهو معرفة، وهناك فارق بين المعلومات وبين المعرفة، فمن ذاق عرف، ومن عرف اغترف من. ذاق فعرف، ومن عرف اغترف، يعني تجد عنده شهوة للمزيد. والذاكرين الله كثيراً وذاكراته. إذاً هذا
الوارث المحمدي سمي بذلك لأنه اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة له في سكناته وفي حركاته وفي سكوته وفي كلامه. امتثل امتثالاً تاماً لا مزيد عليه بالأسوة الحسنة والشهادة الطيبة وكذلك. جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدًا. المثال الأتم والإنسان الكامل يتحقق بمكارم الأخلاق. "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". والسائل
عندما أُتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صديقًا له في الجاهلية، فجلس عثمان يشرح للنبي أخلاقه، فقال له: "أتُعلِّمونني بالسائب؟ أأنتم تدلونني عليه؟" يعني أنه صديقي في الجاهلية ونصحه فقال ما فعلته في الجاهلية فافعله في الإسلام: الشهامة، الكرم، المروءة، النجدة، كما أنت. "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا". فقهوا أن نفعل كل هذا لوجه الله. ابن جدعان لما سألته
عائشة أهو في الجنة قال: "لا، إنما كان يفعل ما..." فعل لسمعة يستمع إليها من أجل المجد، من أجل أن يذكره التاريخ بالمجد، هكذا لا ينفعني إياه. هذا لا يفقه، هذا مات في الجاهلية، لكن كان النبي يحب أخلاقه، وكلما ذُكر ابن جدعان تبسم وقال لسفانة بنت حاتم إن أباك كان يحب مكارم الأخلاق، في الجنة لا في النار. لم يقل يوماً قط: رب اغفر. لي خطيئتي يوم الدين وأنا ما لي بالنار، أنا الآن لكن حاتم رجل جيد جداً، يعني
في الجنة. لماذا الجنة والنار هذه خاصة بربنا، ليس لي شأن بها، إنما هذا الرجل في الدنيا ممتاز. هو ذلك خياركم في الجاهلية، والناس معادن، خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا. ماذا؟ إنها دنيا زائلة وأن كل هذا لله وأنها دار اختبار وابتلاء وأنه يجب عليك أن تنجح في الامتحان وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى مخلصين له الدين. هكذا، ها هو الفقه وهذا هو خلاصة كلام الأسرار التي لم تعد أسراراً، كشفها رسول الله صلى الله عليه وسلم. عليه وسلم إنك تعمل لوجه الله فقط وانتهى الأمر، تكون بذلك صحيحاً. فهناك
وارث المحمديين والإرث المحمدي أعلى مراتب الإرشاد. قال علماء أهل السنة: وكما أجرى الله المعجزات على يد النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يُجري الكرامات على يد الولي. النبي له ألف معجزة، كثُرَ الماء من بين يديه. كَثُرَ الطعام بين يديه، إن الجزع لفراقه أوضاع كثيرة كثيرة كثيرة كثيرة في معجزات سيدنا النبي. يعني النبي عندما كَثُرَت المياه
سقت جيشاً. يمكن للولي أن تحدث على يديه أشياء كهذه من عند الله، لكن بقدر عشرة أو شيء ما، أو على قدره هكذا عشرين تقريباً، فلا يكون مثل سيدنا النبي. هذه معجزة وكل هذا حدث عند المسلمين حتى قال العلماء: "كرامة الولي معجزة للنبي". إذا كان هؤلاء أهل الكرامة وهم أتباعه، فهذه تعتبر معجزة له هو ومستمرة. وبالرغم من ذلك قال لك: "لا تلتفت". ولذلك هذه المعجزات لم يخاطب النبي بها الناس، بل كانت تجري على يديه لكن ما... لم يخاطب بها الناس، ما قال لهم تعالوا
آمنوا لأنني أصنع المعجزات، هذا لم يحدث، ولكن المعجزات كانت تحدث حتى قال: كيف تكفرون وأنا بينكم؟ هذا وأنتم ليل نهار ترون عليه الصلاة والسلام، أما أبو لهب فلم يره ولم يقل له تعال سأريك الآن، هذا سيد. الخلق ما أبو لهب لم يفعل ولم يقل هكذا لأنه ليس هو هذا الطريق صلى الله عليه وآله وسلم، إنما رأى فيه يتيم أبي طالب الطفل الصغير الذي كان أبو طالب يربيه. أبو لهب يظن هكذا وهو من أهل النار، إذاً سيد الخلق صلى الله عليه وسلم أجرى
الله على يده المعجزات. لا لخطاب الخلق وإنما من أجل أن هذه المعجزات تثبت عند الخلق من غير خطاب بها، تثبت عند الخلق أنه صادق وأنه مؤيد من الله، وأن المعجزة تأتي بحسب التحدي كما هو يعني مثل التحدي بالضبط، ولكن ليست هي طريق الإيمان، طريق الإيمان العقل، طريق الإيمان. التوفيق طريق الإيمان، الالتزام طريق الإيمان. الإيمان بالله وكذلك الولي وجوده يجعل الناس واثقة بربنا. يقول
الإمام السيوطي: "ووجود هذا الصنف من الناس في أمة محمد فرض على الكفاية"، أي أن يكون واحد موجود مستجاب الدعاء تلجأ إليه الناس. لقد دخل الناس في الإسلام أفواجاً بسبب السيدة نفيسة. السيدة نفيسة كان عندها... امرأة غير مسلمة جاءت إلى السيدة نفيسة ومعها ابنتها المشلولة التي يبلغ عمرها عشر سنوات، وأجلستها على كرسي. قالت لها: "حفظك الله يا سيدة نفيسة، أبقي ابنتي عندك وأنا ذاهبة لأتسوق من السوق، سأعود قريباً". فأجابتها
السيدة: "حسناً". ثم قامت السيدة نفيسة لتتوضأ، وعندما توضأت انسكب الماء على الأرض. لا يوجد بلاط الآن ولا توجد هذه الأشياء، فجاء على رِجل الفتاة، فقامت الفتاة هكذا فوجدت نفسها واقفة، نعم، الله! كيف قامت؟ إذا كانت أصلاً لديها شلل الأطفال الذي حدث. فعادت المرأة لتضع البضاعة في بيتها، فوجدت فتاة تدخل عليها هكذا، فقالت: من أنتِ يا بنتي؟ من أنتِ؟ يا أمي، أنا ابنتك. هل نسيت أم ماذا؟ قالت: "كيف تكونين ابنتي؟ أنت مارة." قالت: "نعم، فالسيدة التي بجانبنا كانت تتوضأ، فوصل الوضوء إلى رجلي، فقمت وقلت لها:
ما معنى هذا الكلام؟" ثم أخذتها ومشيت. فذهبت إلى السيدة نفيسة مرة أخرى وقلت لها: "الله." أصبحت البنت تمشي، فقالت: هذه نعمة من ربنا أحمده عليها. فلما جاء الزوج من العمل ووجد البنت تمشي، أسلم هو وسبعون أسرة معه، إذ كان قائدهم. هكذا دخل الإسلام، دخل من خلال الناس الطيبين. سيجلس ويقول لي: لا، لم يحدث ذلك، ولم يحدث، وأين هو إذن؟ وهكذا إلى... آخره عش مع نفسك، ماذا سنفعل لك؟ عش مع نفسك. ليست هذه أشياء للإقناع
العقلي فقط، بل هذا ما حدث، هذا ما حدث فعلاً. الناس الطيبون هم الذين...