حديث الجمعة | فضيلة الامام علي جمعة يشرح المعنى الحقيقي لـ "التصوف السلفي"

حديث الجمعة | فضيلة الامام علي جمعة يشرح المعنى الحقيقي لـ "التصوف السلفي" - تصوف, مجلس الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه مع المحجة البيضاء التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيغ عنها إلا هالك نعيش هذه اللحظات عسى أن تتنزل علينا الرحمات وأن ينزل الله السكينة في قلوبنا وأن يحف هذا المجلس المَلائكة الكِرام لأنه مجلس من مجالس العلم وأن يُجازي عن النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم
خير ما جازى نبياً عن أمته ورسولاً عن قومه وأن يؤتيه الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة ويؤتيه سؤله يوم القيامة إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير صار المسلمون يدفعون عن عقيدتهم وعن شريعتهم فرأيناهم كيف يدفعون في عالم العقيدة ورأيناهم أيضاً كيف أنهم يدفعون في مجال الفقه ويدافعون عن العلم الرصين ضد الهوى وضد أن يتحدث أحدنا بما لا يعرف، فوضعوا الضوابط
والأصول والحدود والقواعد من أجل أن نسير على الصراط المستقيم إلى رب العالمين، ظهر في كل مكان وفي كل زمان من أراد أن يخرج عن المنظومة لكنه فشل، فلم يبق ولا يصح إلا الصحيح. ما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل. ولذلك نرى عبر القرون وبعد هذه الأجيال المتتالية الإمام الشافعي وهو يبقى برسالته وبكتبه إلى يوم الناس هذا، الإمام الأوزاعي، الإمام مالك،
الإمام أحمد. نراهم جميعاً وهم حضورٌ بيننا، نلتمس منهم الهداية. الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان الذي سُمي المكان كله حينما دُفن فيه بالأعظمية نسبةً إليه، وكان الإمام الشافعي يقول: "الناس عيالٌ في الفقه على أبي حنيفة". ولكن خرج شدادٌ من الأقوام من أجل أن ينكروا، منهم من أنكر المعجزات ومنهم من أنكر. الحدود ومنهم
من أنكر المصادر: السنة والقرآن واللغة والقدح في العلماء والإجماع، ومنهم من أنكر الواقع، ومنهم من أنكر الفرائض والميراث، ومنهم من أنكر الصلاة، ومنهم من أنكر الأحكام. ومنهم تتكلم العلماء عن الفرق بين التجديد الذي أرشدنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبشر به، وبين التبديد وبين. المجدد
وبين المبدد، فالمبدد يهلك ويهدم، والمجدد يبني ويعلي البنيان. فلا بد عليك أيها المسلم أن تتنبه إلى الفرق بين المجددين والمبددين. المبدد هو نوع من أنواع الفساد لأنه يتبع الهوى ولا يتبع العلم الصحيح، وينكر مصادر الدين، وعادةً لا يلجأ إلى العربية، بل إنه ينكر قانونها ويأتي بشيء من. عند نفسه يتخيله ويتوهمه، من
هذا الصنف كثير، ولكن لا نسمع بهم؛ لأنهم أولاً لعدم اعتمادهم على رصانة العلم ومتانته، والخروج عن الجماعة العلمية، فإنهم يموتون بمجرد موتهم، مدارسهم تموت بمجرد موتهم، يموتون. من هنا لا تسمع عن هذا الكلام أبداً، ولن ترى شيئاً منه، لماذا؟ لأنه لم يبنِ كلامه. إلا على التشكيك، إلا على الاحتمال، إلا على الهوى ورغبات النفوس، إلا على غرض آخر غير نصرة الله ورسوله، وهو خارج عن القواعد المرعية الموروثة.
بدلاً من أن يزيد فيها وأن يبني حولها ومنها وبها، فإنه يكر عليها بالبطلان. هذا شأن المبددين، هذا الشأن كما رأيناه في العقيدة وكما رأيناه. في الفقه رأيناه أيضاً في التصوف. التصوف أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فهو يراك. مرحلتين ووضعين ما بين العوام والخواص وخواص الخواص. وقام العلماء العاملون بتحديد
طريق الله كما ذكرنا، لكن هناك من انحرف. أول الانحرافات الاعتماد على الإشراقات، وما الإشراقات؟ الإشراقات قد تكون رؤى وقد... تكون كرامات وقد تكون خواطر وقد تكون واردات وقد تكون بشارات وقد تكون إشارات وقد تكون كشوفات، وهكذا يسمونها كلها الإشراقات، وذلك أن الطريق إلى الله عبادة وليس التفاتاً إلى
هذه الإشراقات. وأيضاً من هذه الإشراقات الشطحات، حيث تتكاثر المعارف على قلب العارف فيهرف بما لا يعرف وينطق بما. يؤاخذه به الشرع، وحينئذ لا يُعتمد عليها حتى لو كان هو يريد أن يعبر عن أمر في داخله فلم يُحسن التعبير عنه، فهذا معناه أنه غير معتمد. وينبه الإمام الرفاعي المولود في أبي عبيدة في العراق إلى هذا المعنى،
أنه أُخِذت عليهم العهود في الحضرة ألا يعتمدوا الإشراقات من كشوفات. وشطحات وإشارات وواردات وخواطر وكرمات ورؤى وهكذا، بعض الناس يحب هذا المعنى لأنه لذيذ. مشايخنا يقولون هذه لذة تكاد أن تكون لذة دنيوية، لذة دنيوية شهوة كسائر الشهوات كالأكل والشرب وغير ذلك، لكنها روحية، أي تحدث للروح. هكذا صلى منذ قليل، كلما ينام يرى رؤيا وكلما يقوم.
يجد الرؤية تجعل عقله يدور، وأين ذهب الله؟ أنت هكذا نسيت الله. يقول لي: لكن أنا كل يوم أرى ولكنني غير راضٍ، يا عيني لا يرى الله. أنا كل يوم أرى وكل رؤية تتحقق. نعم، هذه من الشواغل. ركز معي، دعك من كيفية الرؤية، دعني. كيف هذا؟ أنا أعيش بها وأعيش بالله. ماذا تقصد؟ أستحرمني الآن من كل شيء؟ إن هذه مثل تلك، فهذه تُشبه الشهوة، مثل الشهوات، شهوة من ضمن الشهوات. ركّز معي هكذا، اهتم بالذكر واهتم بالتفكر في الكون المسطور والكون المنظور، اهتم بالعبادة، اهتم بأنه كلما يأتيك.
من شيءٍ فاجعل قلبك فوق عقلك وعقلك فوق سلوكك وسلوكك موافقاً للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فإن الله مقصود الكل. من الاعتماد على الإشراقات بجوانبها المختلفة حدث ما يسمى بالتصوف السني وبالتصوف السلفي وبالتصوف الفلسفي. بعد الفاصل نفصل. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول. الله وآله وصحبه
ومن والاه، التصوف السلفي هو ما كان يقوم به الصحابة الكرام أهل الصفة ومن بعدهم من الأئمة الأعلام الذين كانت الدنيا في أيديهم ولم تكن في قلوبهم، لا يفرحون بالموجود ولا يحزنون على المفقود، ويذكرون الله بكل حال، ويوجهون أمورهم كلها بالنية، فكانوا إذا خرجوا إلى الصلاة. انووا إزالة الأذى عن طريق الناس. كان إذا لبس ثوباً فخماً نوى أن يتصدق به للفقراء، وإذا لبس ثوباً
متواضعاً نوى التواضع لله سبحانه وتعالى، وفي كل شيء ينوي التزين لله في صلاته. كانوا يوجهون المباح بالنيات. التصوف الفلسفي والتصوف السلفي إمامه مالك وإبراهيم بن أدهم والفضيل بن عياض وأمثال هؤلاء. الأكابر بعد ذلك توسع العلم واستقر وأصبح له مصطلحات ورصدت تجارب بشرية كثيرة في هذا المقام واختبرت بالنصوص الشرعية المرعية هل هذا موافق للكتاب والسنة من عدمه وذلك لأن طريقنا هذا مقيد
بالكتاب والسنة لا يصح الخروج عنه ولما صار الأمر كذلك والله أعلم بما هنالك قام العلماء الأعلام بالكتابة في هذا المعنى مراحل السير ودقائق النفوس في كل مرحلة وما الأمراض والأعراض التي تواجه السائر في طريق الله وكيف يتغلب عليها وما الذي يعتمد عليه وما الذي لا يعتمد عليه، افعل ولا تفعل، أين مساحة التكليف وأين مساحة التشريف في هذا الطريق. جلسنا هكذا حتى رأينا الإمام القشيري يجمع. كل ذلك في رسالته ثم الإمام الغزالي في
كتابه الماتع إحياء علوم الدين والإمام أيضاً أبو طالب المكي في قوت القلوب وهكذا كتبوا ونظموا وأجابوا واستفادوا من خبرات السابقين واللاحقين وعرضوا هذه التجارب على الكتاب والسنة رأينا بعد ذلك في كل جيل يقوم إمام موفق من عند الله يطبق هذا عمليًا في واقع الناس فرأينا الإمام الرفاعي ورأينا الإمام البدوي ورأينا الإمام الشاذلي ورأينا الإمام الدسوقي ورأينا الإمام النقشبندي ورأينا الإمام عبد
القادر الجيلاني شيخ الجميع سابق، رأيناهم في كيف تكون الدنيا في أيديهم ولا تكون الدنيا في قلوبهم، وكيف أنهم لا يهتمون للكرامات ولا يقفون عندها، وكيف يبلغون عن. الله دينه وعن رسوله صلى الله عليه وسلم رأيناهم ورأينا كتبهم ورأينا وسمعنا منهم ما يدل على الله ووضعوا برامج حتى يستطيع الإنسان من خلال الكتاب والسنة ومن خلال تجارب الأولين المعروضة على الكتاب والسنة ومن خلال ظروف كل عصر وكل مصر كيف يستطيع الإنسان أن يصل إلى الله وأن يتمسك
بمبتغاه ولكن هناك من تسمى بالتصوف الفلسفي وذلك أنهم اعتمدوا أكثر ما اعتمدوا على الإشراقات، والإشراقات حق ولكنها ليست هي المراد، والإشراقات حق لكنها لا تكون لكل أحد، والإشراقات حق ولكنها تؤدي في بحثها إلى أمور من النوافل لا من الأصول، ورأينا من تطرف في هذا المجال كابن سبعين. والعفيف التلمساني وغيرهما،
عفا الله عنهم، رأينا ما صدر من لسانه أمور تفوق الوصف، وإن كان لها تأويل صحيح، كالحلاج وأبي زيد البسطامي ونحوهما. وهذا وإن كان فيه خروج عن تصوف أهل السنة إلا أننا نحسن الظن بهم. رأينا أيضاً عبد الكريم الجيلي والشيخ الأكبر ابن عربي، رأيناهم يعتمدون على هذه الإشراقات ويدونونها ويبحثونها ويتكلمون فيها، التصوف الفلسفي لا ندعو
إليه الجمهور، قد يجلس عليه الباحثون يدرسونه، يستفيدون منه، يعرفون منه كيف يردون الشبهات، كيف يتكلمون مع الفلاسفة المحدثين، كيف يردون التيارات الفكرية المختلفة، ولكن هذا ليس من شأن عموم الناس، فالتصوف السني هو التصوف الرائق الفائق الذي مورده معين. أهل الصفا والوفاء هم أهل التصوف السني. التصوف الفلسفي تجاوزه الزمان، والتصوف الفلسفي ليس لكل أحد أن يتعاطاه، بل
له أهله. كتبنا هذه حرام على غيرنا، فهذا لا نخوض فيه. ولكن لا نطعن ولا نكفر ونفسق ونفعل ما فعله البطالون. نحن ندعو إلى تصوف مقيد بالكتاب والسنة، فيه الذكر والفكر. وفيه التخلية ثم التحلية حتى يحدث التجلي في القلب، وفيه أن الله مقصود الكل. إلى لقاء آخر، نستودعكم
الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.