حديث الجمعة | فضيلة الامام علي جمعة يوضح كيف قام المسلمون بـ ترجمة علوم الاولين وانشاء علم الكلام

حديث الجمعة | فضيلة الامام علي جمعة يوضح كيف قام المسلمون بـ ترجمة علوم الاولين وانشاء علم الكلام - مجلس الجمعة
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا رسولِ اللهِ وآلِهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ. مع المحجةِ البيضاءِ التي ليلُها كنهارِها، لا يزيغُ عنها إلا هالكٌ. نعيشُ هذهِ اللحظاتِ عسى أن يشرحَ اللهُ صدورَنا لكلِ خيرٍ، وأن يُغلقَ عنا كلَ مصارفِ الشرِ، وأن يجمعَنا على الخيرِ في الدنيا والآخرةِ. ندعو الله أن ييسر أمورنا وينور قلوبنا، آمين يا رب العالمين. مع
المحجة البيضاء نصلي ونسلم على سيدنا رسول الله الذي تركها لنا فما قصَّر. اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، وآته سؤله يوم القيامة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد. رأينا كيف أن هناك من أراد أن يتلاعب بعقيدة المسلمين، ورأينا أن العلماء كعمر رضي الله تعالى عنه وكمالك رضي الله تعالى عنه وغيرهما صدوا هذا التحريف والتأويل وهذا
الباطل الذي يأتي به بعضهم. كنا تحدثنا عن الإمام مالك وهو متوفى سنة مائة وأربعة وسبعين هجرية، أي في الثلث الأخير من القرن الثاني. وكان إمام الأئمة حتى قالوا فيه: لا يُفتى ومالك في المدينة. والإمام مالك جمع بين الحديث والفقه، وجمع بين أصالة العربية والفهم، فكان متصدراً بحق. درس على الأكابر من علماء أهل المدينة، ورأى أبناء الصحابة، فهو
يروي عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهم أجمعين، رأى بعينيه وعاشر. أبناء الصحابة، الإمام مالك رضي الله تعالى عنه وأرضاه، كان في مجلس علم فقام أحدهم وقال: سؤال، "الرحمن على العرش استوى"، كيف استوى؟ قال: سؤال، "الرحمن على العرش استوى"، كيف استوى؟ فقال: الاستواء معلوم، والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، وأراك
رجل سوء، احملوه من أمامي. وانتبه يا حمال. ينتهي اللعب والسؤال ليس بريئاً، ثم إنه يخفي وراءه ليس تشكيكاً في القرآن وإنما طعناً في قوانين اللغة. الاستواء معلوم في أي لغة، والكيف غير معقول، هذه رواية البيهقي. وفي رواية ثانية يقول لك: "والكيف مجهول"، فحمل هذه على تلك. والكيف غير معقول والسؤال عنه بدعة، فأنت... أنت ترتكب الآن مخالفة وأراك رجل سوء لأنه لا يخطر في
باله هذا إلا من فقد قواعد كثيرة منها قوانين العربية وكيفية الكلام، ولذلك فهذه ليست الوحيدة التي عنده، وأراك رجل سوء. فاحذروه من أمانة الإمام مالك بقوله: "الاستواء معلوم"، والاستواء في اللغة له نحو خمسة عشر معنى. منها استولى وقهر، وعليها يُحمَل. هذا الرحمن على العرش استوى. العرش أكبر كائن خلقه الله حجماً. السماء الدنيا بالنسبة للسماء
الثانية كحلقة في فلاة، في الحديث هكذا، حلقة في صحراء كبيرة. السماء الثانية بالنسبة للسماء الثالثة حلقة في فلاة. ما هذا؟ هكذا خلاص توقف تصور عقل الإنسان، يعني الثالثة في... الرابعة كحلقة في صحراء، والرابعة في الخامسة كحلقة في صحراء، إلى أن تصل إلى السابعة. ما هذا؟ إنه كون واسع لا يتصوره ذهني، لماذا؟ لأننا محدودون، أي أننا نرى إلى حد معين، يعني عندما يقف الشخص في الصحراء يرى أمامه مسافة ثلاثين كيلومتراً، وعن يمينه ثلاثين، وعن شماله ثلاثين، ومن خلفه ثلاثين. حتى المراد من رب العباد ثلاثين كيلو، إنما
أنت تتحدث في ملايين مليئة من السنين الضوئية، فهذا أمر يقف عنده الإنسان ساكناً صامتاً. خذ هذا الجزء: والسماء السابعة كحلقة في فلاة بالنسبة للعرش. ما هو العرش؟ ما شكله؟ وما حجمه؟ أنت لا تعرف. لو نظرنا من أولها إلى آخرها، فهذه السماوات السبع جميعها مع الأرض التي هي الذرة الصغيرة التي نقف عليها ونتكبر على خلق الله مرة وعلى ربنا مرات. "ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا
أتينا طائعين". حسناً، ألا يمكن للعرش أن يشعر بشيء من الكبرياء ويقول له: "أنا العرش"؟ فكيف بهذه السماوات؟ أي هي السبعة تعني حلقة صغيرة في صحراء كبيرة، أنا (أقصد) الصحراء الكبيرة، ربما يقال هكذا عن الروح. فإذا قال ربنا "الرحمن على العرش استوى"، افهم إذاً يا ابن آدم أن العرش الذي هو محيط بالسماوات والأرضين، والذي هو أكبر كائن، خضع لله قهراً. فالله سبحانه وتعالى هو القاهر فوق عباده، ألن تخافوا؟ أصبحتم لا تخافون! هذا
الملك العاقل يخاف والغافل سيظل في غفلته هكذا غافلاً غير راضٍ أن يفكر. فكلمة "الرحمن على العرش استوى" هذه كلمة تهتز لها أبدان الذين آمنوا وتقشعر جلودهم لذكر الله. شيء لا يستطيع العقل تصوره إنما يصدقه. قالوا الله، ألستم تقولون إن التصديق بالشيء فرع. عن تصوره، كيف يكون أنك غير قادر على تصوره ومع ذلك تصدقه؟ قال له: بأثره، عندما يطرق أحدهم الباب، فأول ما تسمع الطرق، أنت لا تعرف من
هو، ولست متصوراً إن كان كبيراً أم صغيراً، رجلاً أم امرأة، أبيض أم أسمر، أنت لا تعرف، لكن هناك طرق، فهذا يعني أن هناك شخصاً ما، فأنت صدقت دون أن تتصور. فإذا عجز العقل عن التصور صدّق بأثره. تُصدّق بالأثر الذي هو هنا سماع الصوت، وهنا بالخبر، ولذلك تُسمى السمعيات لأن الصادق أخبر بها صلى الله عليه وآله وسلم. فإذًا التصديق بالشيء فرع عن تصوره ما لم
يعجز، يعني إذا كان في الإمكان. فإذا عجز يكون بأثره، يكون التصديق من... غيِّر تصورك، وإنما أثَّر هذا التصور. الاستواء معلوم والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة. وأراك رجل سوء، فاحملوه من أمامي. هكذا كان رد الأكابر على مثل هذه الترهات. بعد الفاصل نرى ما كان. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه.
في هذا الزمان بدأ المسلمون في ترجمة علوم الأولين، فترجموا ما كان في الحضارة اليونانية وفي الحضارة الهندية وفي الحضارة الفارسية وفي الحضارة السريانية وفي الحضارة المصرية. ترجموه ورأوا ما هنالك من فكر للبشر، وأجابوا عن كل سؤال حيّر الناس، وبنوا بذلك علماً أسموه علم الكلام، وذلك
لأهمية هذه الصفة من. بين صفات الرحمن سبحانه وتعالى في فهم العلاقة بين القديم والحادث تكمن كل مشكلات البشر وكل تفكيرهم. كان تصورهم منصباً على العلاقة بين القديم والحديث. الله كان ولم يكن شيء معه، ثم إنه قال كن فيكون. "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون". فخلق الله سبحانه وتعالى الكون. العلاقة بين القديم والحادث هي
التي جعلت بعض البشر ينحرفون ويرون أن الله قد حلّ في الكون، والله لم يحلل في الكون. قالت: طيب، إذا كان الكون هكذا فالله سبحانه وتعالى خارج الأكوان، إذاً فهو له حدود وحدّه هو الكون، وهؤلاء هم المجسمة. وتولدت من هذا السؤال أسئلة كثيرة. بعضهم أنكر الألوهية، وبعضهم قال بوحدة الوجود والحلول أن الله حلّ فينا أو هو متحد معنا، وبعضهم قال
بالتجسيم، وبعضهم قال بالإله المفارق أنه إله لكنه لا علاقة له في وجوده بالكون، حيث أن هذا الكون إنما هو قائم به، يعني ربنا خلقنا هكذا مثل شريط سينما، هذا شريط السينما. نحن الذين في هذا الشريط السينمائي، ولو أنه قطع الإمداد لفني العالم ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. والله سبحانه وتعالى يعطي الإمداد على قدر الاستعداد، فنحن عندنا
استعداد لأن نحيا ونذهب ونجيء ونروح وننام ونقوم ونأكل ونشرب، فالإمداد على قدر الاستعداد. ولكن هو قيوم السماوات والأرض فهو قائم. بنفسه ونحن قائمون به وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله لأنه لا حول لنا ولا قوة. وجلس علماء المسلمين يجيبون على الأسئلة الكبرى: من أين نحن؟ وماذا نفعل هنا؟ وماذا سيكون غداً بعد وفاتنا؟ فأجابوا أنه من
أين نحن؟ خلقنا الله. وماذا نفعل هنا؟ نعبد الله ونعمر الكون ونزكي. النفس ولذلك كانت "قل هو الله أحد" ثلث القرآن لأنها تتكلم عن التوحيد الخالص. هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها أي طلب منكم عمارتها. "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها". كلام مقاصد الخلق ثلاثة: العبادة والعمارة والتزكية. إذاً إذا أجابوا فتكلموا عن الإلهيات والسمعيات وعن النبوات. ماذا نفعل؟ هنا نفعل هذه الأشياء بتكليف من الله لأنك خليفة الله "إني
جاعل في الأرض خليفة". ماذا نفعل هنا؟ نعبد الله. كيف؟ بيَّن الله لنا كيف يكون ذلك بالتفصيل بأن بُني الإسلام على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت. لمن استطاع إليه سبيلاً، كيف يكذب المؤمن؟ قال: لا، لا يكذب المؤمن، كيف؟ وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. أمرنا ونهانا، وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. واضح، فهذا ما فعله الأنبياء، بلغوا عنه هذا. والحياة الحقيقية هي في الآخرة لأنها هي الأبدية، ولأن الدنيا فانية، ولأنها
محدودة، والله سبحانه وتعالى ليس. حوله زمان وليس حوله مكان، وهو سبحانه وتعالى قديم، ولأنه ليس حوله زمان وليس حوله مكان، فهو يعلم كل شيء إلى يوم الدين، وهو يعلم ذلك الآن. فالماضي والحاضر والمستقبل هذا كلامنا نحن لأننا مغمورون في الزمن، أما هو فهو يرى الكل مباشرة الآن. أعطاك عقلاً تفكر به واختياراً تختار به. حتى يحاسبك عليه، وجعل الدنيا دار ابتلاء. حلّوا كل ما خطر على العقل
البشري من مشكلات كان أساسها ما العلاقة بين القديم والحديث، بين الله والخلق. وفقهم الله لذلك، وتكلموا على أن هناك ذاتاً، والذات قديمة، وأن هناك عالَمين، والعالَمون مخلوقون، وأن هذا العالَم ينقسم إلى قسمين: الملك فيما يشاهده. الإنسان والملكوت فيما هو موجود مخلوق لا يشاهده الإنسان عالم الغيب والشهادة، أما الله فهو غيب الغيب لم يدركه ملك مقرب ولا نبي مرسل، فهو متفرد
في جلاله سبحانه وتعالى. يبقى هناك ثلاثة: الملك والملكوت والجبروت اللاهوت. الملك هو ما نراه وما سوف نراه وما ندركه بالعين المجردة أو بالعين. المسلحة أو بالأثر كالكهرباء. أما الملكوت فهو عالم الملائكة وعالم العرش وعالم الجنة وعالم النار، كل ذلك من الملكوت. سواء الملك أو الملكوت فهو مخلوق لرب العالمين، والوصل بينهما قالوا: الوصل بينهما الكلمة. فالكلمة ومن هنا سمّوه علم الكلام، فالكلمة هي التي في ذاته
قديمة وفي تجليها حديثة شيء. غريبة جداً، مثلما تقف ويكون في صورتك في المرآة. أين أنت؟ أأنت الذي تقف أم ذلك الذي في المرآة ماهيته؟ هل هو صورتك؟ أأنت أنت أم لا؟ هل هو حسانين أم أنت؟ لا، أنت، ولكنه غيرك. فهل هو عين أم هل هو غير؟ إذا اعتبرت هذه الصورة عينك فهذا يعني أنت. أنت، نعم، لأنه ليس شخصاً آخر، لكن لو كسرنا المرآة، أنت لا يحدث لك شيء، إذاً هذه ليست خاصتك. فالكلمة أصبح فيها دالٌ ومدلول، الدال مصحفنا هذا وهو مخلوق، والمدلول صفة
الكلام في ذاته تعالى وهي غير مخلوقة. وعلى ذلك فهذا المصحف الذي نتلوه بالليل والنهار أنا مخلوق والحروف مخلوقة والأصوات مخلوقة والورق مخلوق والطباعة مخلوقة لكنها دالة على ما في نفس الله سبحانه وتعالى وهي في نفس الله على ما عليه كانت فكان القرآن نزل الآن ولذلك أسميناه بالنبي المقيم الذي يقول إن المصحف قديم سخيف ما هو إلا أننا طبعناه بعدما لم يكن مطبوعاً. كيف يكون قديمًا؟ والذي يقول أن كلام الله ليس بقديم فهو غير عاقل، لأن كلام الله
قائم بذاته، وما لا يقوم بذاته يكون حادثًا ومخلوقًا. فنظرية الدال والمدلول حلت الإشكالية؛ فعندما تكتب "الله" (هذه الكلمة) حادثة، لا، في الأصل هذا مجرد دال، هذا دال، ولذلك يمكنك أن تتفنن في كتابة "الله" هكذا بالعربية، أو تكتبها بأي شكل آخر، فهي تشير إلى الله أيضًا. تختلف النقوش والمدلول واحد، فالدال والمدلول حل الإشكال لدى العلماء، وهذا ما فعلوه. إنما أراح
الأمم فدخل الناس في دين الله أفواجاً. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.