#حديث_الجمعة | السنة الثالثة من الهجرة - بناء الانسان في المدينة ونشر تعاليم الدين الاسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وسلم نعيش هذه اللحظات، نهتدي بهديه ونسير على مساره الشريف. وصلنا في سرد السيرة النبوية الشريفة إلى السنة الثالثة
من الهجرة، وتكلمنا فيما تكلمنا عن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبني الإنسان ويؤسس له في المدينة فمنذ أن أتى صلى الله عليه وسلم المدينة وقد وجدها على أنواع شتى فمنهم اليهود ومنهم المشركون ومنهم المسلمون ومنهم المنافقون أيضا يعني من دخل الإسلام وأظهره ولكنه استبطن الكفر والعياذ بالله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى هذا التنوع أحدث لنا نموذجاً جلس
يبنيه من السنة الأولى للهجرة وفي السنة الثانية وفي السنة الثالثة. هذا النموذج هو نموذج أرض التعدد. النموذج الأول كان في مكة وهي أرض شرك، كل من فيها يحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحارب الإسلام، لا يريده وهذا الجديد. يختلف مع عقائدهم التي توارثوها عن آبائهم، ويختلف مع مبادئهم في إهانة المرأة، وفي عدم الاهتمام بالطفولة، وفي عاداتهم حتى في الأكل والشرب، من أكل الميتة وشرب الدم، والظلم الواضح الذي كانوا
يتظالمون فيما بينهم، يأكلون الحقوق ولا يؤدون كثيراً من الأمانات. وكان عندهم جوانب أخرى إيجابية من الشهامة والمواقف. والعصبية المحمودة في كثير من الأحيان نموذج يعيش فيه المسلم غريباً وحيداً في دولة تحاربه. أما النموذج الثاني فقد رأيناه قبل ذلك في الحبشة، وفي الحبشة هاجر المسلمون إلى ملك لا يُظلَم عنده أحد، فعاشوا شؤون الأقلية ولكن المحترمة التي لا تحاربها الدولة ولا يحاربها النظام، بل إنه يحميهم ويرعاهم. وهكذا وهناك في الحبشة
رأينا مواقف للصحابة يغفل عنها الكثير، منها أنه عندما جاء العدو من أجل حرب النجاشي الذي حماهم وآواهم ولم يدخل بعد في الإسلام، لكنه لم يعترض عليه وترك حرية للعقائد ولم يطع مستشاريه في أن يطرد هؤلاء الغرباء. فلما حدثت الحرب في المرة الأولى عرضوا عليه... أن يحاربوا معه فأبى ورفض، إذًا المسلم الذي يعيش في وطن، هذا الوطن يحترمه ويعطيه المواطنة ويحميه، فإنه لا بأس في أن يدافع عن هذا الوطن حتى تحت راية غير المسلم، نموذج
الحبشة. وفي المرة الثانية رضي بحربهم معه لأنه يبدو أنه وجدهم أولاً مخلصين، وثانيًا احتاج إليهم فحاربوا. مع النجاشي ضد العدو، هذه المواقف يغفل عنها الكثيرون باعتبار أننا نرى الأمر الأخير فقط. إن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها نستفيد منها، وقد ترك لنا نماذج متعددة لأن هذه الدعوة دعوة عالمية. سنرى المسلم الذي يعيش في بلاد تحترم الإسلام ولا تحاربه، وسنرى المسلم الذي يعيش بلادٌ تحارب الإسلام وتعاديه بل وتفرض عليه عدم إظهار عقائده ولا
شعائره، وسنرى المسلم في وطن تتعدد فيه الأديان والمذاهب والفرق، وسنرى المسلم في وطن ليس فيه إلا المسلمون. هذه النماذج الأربعة هي التي تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وصل المدينة وجدها على حالة التعدد وهو... النموذج الثالث: مكة، كلهم مشركون، كلهم يحاربون. بعدما قضى في نحو ثلاثة عشرة سنة أو أربعة عشر سنة، فإنه لم يخرج إلا بمئتي رجل أو مئتي إنسان فقط، لكنه في المدينة وبعد عشر سنين أو تسع، أصبح في حجة الوداع من رآه مؤمناً به يحج معه
مائة وأربعة عشر ألفاً. ألف واحد، لماذا جاءت الأموال؟ فالمال عصب الحياة وليس كل شيء في الحياة، لكن لا إنه مهم، المال مهم، يعني لا نحتقره ولا نقول لا، توكل على الله، ليس هناك مال، لا بل يوجد مال، المال مهم لكنه ليس كل شيء، ليس هو كل شيء في الحياة لكنه مهم. وجاءت الدولة واستقرت فلم يعد هناك عوائق للإيمان ولا صد مقصود عن سبيل الله. ذهب إلى المدينة، وفي هذه السنوات الثلاثة وجد التعدد، فجلس أكثر من ثمانية أشهر يتصل
بكل الطوائف، باليهود ويجلس معهم، بالمشركين، بالمحيطين بالمدينة من الأعراب والقبائل، ويتفاهم معهم ويتفاوض بحثًا عن المشترك، أين المشترك الذي بيننا؟ حتى صحيفة المدينة لم يكتبها فجأة وإنما كتبها لأقوام متعددين راعى فيها ما نسميه بلغة العصر المواطنة الحقوق والواجبات، فمن الحقوق الدفاع عن هذا المكان لأن الدولة لا تقوم إلا بمكان، ومن الحقوق المشاركة في البنيان،
ولذلك فرض عليهم أن يمدوه بالمال إذا ما حدث خلل في الاجتماع البشري. في هذا المكان، والمتأمل في صحيفة المدينة يستخلص منها كيفية بناء الدستور مع أقوام متعددين، وكيف يُبنى بالتواصل لمدة ثمانية أشهر بالاتفاق على المشترك. لم يُقصِ أحداً من أهل المدينة، لم يُقصِ المشركين، ولم يُقصِ اليهود، ولم يُقصِ المنافقين وهم أولى الناس بالإقصاء، ولم يُقصِ المسلمين وهم قلة في ذلك الآن لم تسلم المدينة كلها حينئذ، بل إنه بحث معهم وكلاً على انفراد، ثم بعد
ذلك أنشأ هذه الصحيفة التي هي محل اتفاق وإجماع بين الكافة. هذه هي الطريقة الصحيحة لبناء الدستور، لبناء صحيفة المدينة، أن يوافق عليها الفرقاء. هم فرقاء في العقيدة وفرقاء في المصالح وفرقاء في الغايات، لكنهم... لا بدَّ أن يبحثوا عن المشترك الذي يؤسس لهذه الدولة الجديدة فلا يعتدي أحدهم على الآخر. بعد ذلك بدأ النبي في تطبيق هذه الصحيفة في السنة الثانية وفي السنة الثالثة التي نحن في مستهلها وندخل فيها بعد الفاصل. نتكلم في استمرار كيفية
بنائه للإنسان عليه الصلاة والسلام. بسم الله الرحمن. الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعليم الصحابة الكرام، وذكرنا في حلقة سابقة أنه قال لهم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، وذكرنا حينئذ أنه علمهم دقائق الصلاة، وأن الصلاة هي خير موضوع، والنبي صلى الله عليه وسلم ربط الصحابة بالمسجد. وجعل الجماعة سنة مؤكدة، هكذا
في أقل ما يمكن أن نفهمه من النصوص التي تركها لنا صلى الله عليه وآله وسلم. والجماعة قيل إنها فرض عين، وقيل إنها فرض كفاية، وقيل إنها سنة مؤكدة عند الفقهاء. وذهب بعض العلماء، وإن كانوا قلة، منهم الشيخ ابن تيمية، إلى أنها شرط في يعني الجماعة مثل بالضبط الوضوء وستر العورة، يعني لا بد منها جداً. والجماعة ربطت المسلمين بالمسجد وربطت المسلمين بعضهم مع بعض لأنهم تعودوا أن يلتقوا بإخوانهم. وفي هذا التعود نيات كثيرة ذكرها ابن الحاج في كتابه
المدخل، فزادت على خمسين فائدة للجماعة، منها أن يراك أخوك، ومنها أنك إذا... كنتَ غنياً سألوك، وإذا كنتَ فقيراً أعطوك. ومنها أنها تساعد على صلاة السُّنَّة. الجماعة تساعد على صلاة السُّنَّة، يعني عندما تصلي الظهر وحدك، تكون مشغولاً فلا تصلي السُّنَّة. أما عندما تدخل المسجد وتجدهم لم يُقيموا الصلاة بعد، تقوم فتصلي السُّنَّة، فيكون فيها خير وثواب أكثر. ومنها أنها تنظم. أحياناً يكون للإنسان خمسون غرضاً ذكرهم الشيخ ابن الحاج في كتابه المدخل في تصحيح النيات. علَّم النبي صلى الله
عليه وسلم الصحابة وقال لهم: "صلوا كما رأيتموني أصلي". وذكرنا أنه كان إذا قام من الركوع أرسل يديه حتى تعود كل يد إلى موضعها، ونقل المسلمون عنه هذا باتفاق من مشارق الأرض ومغاربها عند كل المذاهب أن الإنسان إذا رفع من الركوع فإنه يرسل يديه بجواره هكذا. قبل الركوع فيها خلاف، فالجمهور على القبض والمالكية بعضهم ذهب إلى الإرسال. هذا قبل الركوع، قبل الركوع نقبض أم نرسل؟ ما معنى هذا؟ ما أهمية هذا؟ ماذا يعني أن نقبض أو نرسل أو غير لا، صلوا كما رأيتموني أصلي،
فيها رابطة بين المسلمين وبين قائدهم صلى الله عليه وسلم، وهو قائد الغر المحجلين. إنما لم يقل أحد أن الإنسان يضع يده على يده بعد الركوع، هذا لم نره، لكن رأيناه في العصر الحديث، الشخص يقول سمع الله لمن حمده وإذا به يشبك يديه، عجباً. من أين يأتون بهذه الفكرة؟ لقد بحثنا كثيراً: من أين أتوا بها؟ هذه الفكرة غير موجودة، ولم يقل بها أحد في العالمين، لا من قريب ولا من بعيد. لم نجدها. بحثنا فلم نعثر عليها. ثم قالوا لنا: لا، هناك رجل فاضل من العلماء. كيف يكون من العلماء؟! لو كان حقاً قال لا علماء، ونص الله قال هكذا. واحد
من عصرنا الحديث هذا الذي نعيش فيه، العصر المنكود. حسناً، وما غرضه من ذلك؟ ما غرضه؟ إنه يريد أن يجعل هذه الفتنة وهذه البدعة تنتشر. المهم، الحاصل أننا لم ننتبه، فوجدنا أن الرجل لا يفهم الفرق بين المطلق والمقيد، وبين العام والخاص. حسناً، إن كثيراً من الناس لا يفهمون. نعم، ولكنه عام للروح وللعالم. ما هو الضرر هنا هكذا؟ لكنه هو السبب. قال: نعم، هو السبب. ما الحكاية؟ العام يا إخواننا يعني شيء عام هكذا، يعني عندما تقول: أكرم من جاءك، فالجميع سيأكل إن شاء الله، وسنقدم للجميع.
وجبة الغداء آتي لأقول لك الله لماذا قدمت لهذا؟ أنا لم أكن أريد أن أعطيه. يقول لي: لا، أنت تكلمت كلاماً عاماً، قلت من جاءك أعطه، وها هو قد جاء فأعطيته. أكرم المسلمين، فيصبح كل المسلمين مكرمين. أكرم طلاب جامعة القاهرة، فيصبح كل الطلاب الذين في جامعة القاهرة يخرجون. لهم مائتان وخمسون ألفاً، حوالي ثلاثمائة مليون. كلهم يجب أن يأخذوا من هذه الآية (الإكرامية). إذاً إذا كان طلاب الجامعة من المسلمين، فهذا ما نسميه عاماً. ماذا يعني عام؟ يعني يجب على كل واحد، كل واحد، كل واحد منهم أن يأخذ. هذا هو العام المطلق. والآن أقول
لك: ناد لي الكرسي هذا نادِ لي أي رجل. قم لتخرج وترى أي رجل تناديه. إذا أحضرت لي مصرياً فهذا مناسب، وإذا كان سودانياً فهذا مناسب أيضاً. من القاهرة مناسب، ومن غير القاهرة مناسب كذلك. ما دام رجلاً فليكن هنا. هذا مطلق، المطلق عموماً بدلي. خلاص، جاء رجل. الرجل جاء، ولكن عندما رأى هذا أنا عندي ديسك، قلنا له: طيب، أحضر رجلاً آخر. فجاء الرجل الثاني لكي يحمله. المطلق يتحقق بفرد واحد فقط، فيكون الفرق بين العام والمطلق أن المطلق يتحقق بأي واحد، والعام لابد أن
يعم الجميع. صار العام لابد أن يشمل الجميع. كان النبي يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة، قبيل العام وهو قائم في الصلاة من قبيل العام وليس من قبيل المطلق، فهو يا عزيزي فهم خطأً أنه من قبيل العام، فيجب أن يضع هكذا قبل الركوع ويضع هكذا بعد الركوع. هل أنت منتبه؟ قلنا له: لا، أنت لست منتبهاً، أنت لا تفهم شيئاً. هذه من أي؟ من... قبيل المطلق، ولذلك الأولوية انتهت تماماً، والحمد لله. ليست من قبيل العام ولا شيء، بل هي من قبيل المطلق. ألم تنتبه لذلك؟ حسناً، وعندما تكون من قبيل المطلق،
فيكون بعد الصلاة، بعد الركوع، بعد الركوع، فتضع يديك بجانبك. لماذا؟ لأنه قال هكذا. كيف؟ لأنه قال حتى تعود. كل سلامة إلى موضعها، أي أننا نفّذنا السنة الأولى التي هي أن أضع يدي اليمنى على اليسرى قبل الركوع، ونفذنا الثانية التي هي أن نضع أيدينا إلى جانبينا بعد الركوع. حسناً، يعني عندما يضع المرء يده هكذا بلا مبالاة، ليس لدينا شيء اسمه "تجاهل"، لماذا؟ لأنه انظر إلى الفرق يا عندما قال المالكية ضعوا أيديكم قبل الركوع بجانبكم أو هكذا، وردت هذه الرواية وتلك الرواية، لكن هذه لم ترد. هذا فهم جديد ناتج عن خطأ
وعدم تفريق بين العام والمطلق. وماذا سيؤدي بنا هذا؟ سيؤدي إلى أن أي شخص يجلس ويفهم القرآن فهماً جديداً على هواه. وهو لا يعرف ماذا تعني الكلمات العامة والمطلقة، فيخرج لنا بمصائب. هذا ما نحذر منه ونجعله قضية ونغضب بسببه، والناس تقول: "ما بالكم غاضبين؟ هذه مسألة بسيطة". نعم، هي بسيطة في ذاتها لكنها ليست بسيطة في منهجها. احذر، فهي ليست بسيطة في ذاتها أبداً. شخص نسي ووضع يديه هكذا لن لا تفعل ذلك مرة أخرى وانتهى الأمر، لكن المنهج الذي
وراءها الذي لم يفرق بين العام والخاص، ولم يفرق بين الوارد وغير الوارد، وخالف جماهير المسلمين، هو الخطورة الحقيقية. ماذا سيحدث؟ سيحدث أن يأتي شخص ويقول لي إن الخمر حلال. سيحدث أنه سيأتيني شخص ويقول لي أنت... أتعلم أن الوضوء هذا بعد الصلاة وليس قبل الصلاة ستحدث مصائب ونجلس نقتل بعضنا ونكفر بعضنا، أهذا ما نريده في النهاية؟ إذاً هذا خطير، إذاً هذا خطأ، إذاً هذه المسألة بدعة منكرة. لماذا هي منكرة؟ لأن وراءها منهجاً منكراً، لأن وراءها منهجاً يؤدي إلى الهلاك، ولذلك نؤكد. أنه "صلوا كما
رأيتموني أصلي". إن الحكاية بسيطة جداً هكذا وإذا بها معقدة جداً هكذا. نعم، الحكاية هي هكذا، وسبب كثير من الاضطراب الذي نعيش فيه هو هذا التفكير المنحرف بمنهج منحرف. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.