#حديث_الجمعة | السنة الثالثة من الهجرة - بناء الانسان و الاستعداد لغزوة احد - ج1

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع أنوار النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم نعيش هذه اللحظات في هدي الشريف الكريم المنيف، عسى أن يبعثنا الله تحت لوائه يوم القيامة وأن ينفعنا به في الدنيا والآخرة. فاللهم...
صلِّ وسلم عليه في الأولين والآخرين والعالمين وفي كل وقت وحين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه بإحسان يا أرحم الراحمين. دخلنا في السنة الثالثة ورأينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما زال يبني الإنسان، يبني الإنسان في دائرة المسلمين، ويبني الإنسان في دائرة المدينة، ويبني الإنسان فيما حولها. أيضاً في دوائر متداخلة هكذا، أما داخل المسجد فقد بنى علاقتنا مع المسجد على الصلاة وهي صلة بين العبد وربه، فأمر بالجماعة واستمر في الجمعة، وأول من جمع في المدينة
كما ذكرنا مصعب بن عمير عندما أرسله مع النقباء فأقام في أربعين رجلاً، ولذلك الجمعة، ولذلك نرى الشافعية يرون أن الجمعة لا تُقام إلا بأربعين شخصاً بمن فيهم الإمام، وذلك لأنهم رأوا خلافاً لمذاهب أخرى أن الأربعين التي أقام بها مصعب شرطاً، هي التي رأوا أنها شرط في الجمعة. غيرهم قالوا لا، الجمعة آتية من الجماعة، والجماعة تكون باثني عشر، ويكفي اثنان، وهكذا. ولكن الفكر الذي جاء للفقيه الشافعي جاءه مصعب بن عمير رضي الله تعالى عنه وأرضاه لأنه جمع في
المدينة أول ما جمع في أربعين رجلاً، ولا بد أن يكونوا من أهل الجمعة. فقد خفف النبي صلى الله عليه وسلم على النساء لأنها قد تكون مشتغلة بشأن بيتها وأولادها، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها، على العبيد فإنهم قد يكونون يشتغلون بأوامر أسيادهم في تسيير الأعمال، وخفف عن الصبيان، وخفف عن أصحاب الأعذار كالضرير الذي لا يجد قائداً يقوده، أو كمن لا يسمع، أو كالمريض، أو السمين الذي يصعب أن ينتقل من مكانه إلى
الجمعة. هذا سِمَن مفرط، ثلاث مائة وأربع مائة كيلو، يعني شيئاً ماذا يُعتبر مرضاً حتى أن هذه السمنة الشديدة إذا خفف رسول الله عن هذه الحالة وغير ذلك من الأعذار، كل ذلك يربط المسلمة بالمسجد، وفرض عليه وجوباً واضحاً شديداً الجمعة، فإذا تخلف بلا عذر فإنه لو تخلف ثلاث جُمع متتالية كان ذلك من علامات النفاق، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في مسلم قال: "وددت لو أنني أقمت الصلاة ثم ذهبت لهذه البيوت التي يوجد فيها رجال
ما زالوا لم يصلوا إلى الجمعة فأحرقتها عليهم"، حتى أن بعضهم فهم الحديث على الجماعات وليست على الجمعة، وبعض العلماء يقول: "لا، هذا على الجمعة وليس على الجماعات" بناءً جعل له مركزاً وزاول النبي صلى الله عليه وسلم العلم، وعلّم الناس العلم. الوارد عن سيدنا صلى الله عليه وسلم نحو ستين ألف حديث. هذه الأحاديث منها ألفا حديث في كل الفقه من أوله إلى آخره: عبادات ومعاملات وقضاء وشهادات - ألفا حديث - والثمانية والخمسون ألفاً في
الأخلاق المرتبطة لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن، ما هذا؟ إنها عقيدة. من بات شبعانًا وجاره جائع! ما هذا؟ هكذا تكون الأخلاق مرتبطة بالعقيدة. "من غشنا فليس منا" إلى آخر ما تجد. عندما تتأمل في الأخلاق ستجدها كلها مرتبطة بكونك عبدًا لله. الأخلاق المرتبطة بالعقيدة، حيث إننا لا نمارس هذه حسن السمعة ليس لأنها تعمر البلاد والعباد، لا، نحن نلتزم بهذه الأخلاق لأن الله يرضى بها عنا. فهذه نقطة مهمة وهي ربط الأخلاق بالعقيدة. ولذلك
إذا سأل سائل وقال: هل عندكم محور تُبنى عليه الأخلاق؟ قام العلماء بالبحث عن محور تُبنى عليه الأخلاق الإسلامية، فوجدوا شيئاً غريباً جداً. أسماء الله الحسنى العمود الذي تبنى عليه الأخلاق هو أسماء الله الحسنى الواردة في الكتاب والواردة في السنة. إذاً خمسة وتسعون في المائة من تعليم سيدنا الرسول كان في الأخلاق المرتبطة بالعقيدة. العمود الأساسي للأخلاق هو العقيدة، هو أسماء الله الحسنى التي هي كلمة أسماء الله الحسنى، فإلى أين سنذهب نذهب دائماً إلى العقيدة، جلس النبي صلى الله عليه وسلم طوال السنة الثالثة
وهو يعلم الناس في هذه الدوائر الثلاث ويربي فيهم حب السلام وحب المعرفة وحب العمارة، ويربي فيهم أن يعيشوا سوياً مع من حولهم من أهل المدينة. مرة يأتي رجل يفعل الذنوب، يقول: اتركني يا رسول الله، اقتل. هذا المنافق يقول لا، إنه يحب الله ورسوله، يُغير المقاييس. ليست أنه أذنب أو أخطأ أو ما شابه ذلك إلى آخره، لا، إنه يُغير المعايير. ومن هذا كثير. يأتي رجل فيأخذ بخناق
النبي هكذا، هو يخنقه صلى الله عليه وسلم، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول له: "سيخرج من ضئضئ يُحسنون القول ويُسيئون الفعل، طوبى لمن قتلهم وقتلوه. حسناً، لماذا لا تقتلونهم؟ قال: لا، ليست هذه هي القضية، فهم ليسوا الذين سيقتلوننا، بل هم الذين سنقتلهم، فسندافع عن أنفسنا ونقتلهم. ويقول: لا تحزن عليهم وإلا لكانوا قتلوك. فقالوا: هل نقطع رأسه يا رسول الله؟ قال: لا، تقطعوه لئلا يُقال. أن محمداً يقتل أصحابه؟ الله تعالى يراعي أيضاً الدعاية والنظرة الدولية، فلا يُقال إن
محمداً يقتل أصحابه. هذا الكلام يعني أنه كان خائفاً من العالم؟ لا، إنه يعلمنا نحن ماذا؟ هذه تسمى الآن ماذا في الدعاية؟ صناعة الصورة. أحياناً أنت تصنع صورة سيئة لنفسك. صناعة الصورة هذه هي ما يعلمنا كيف نصنع الصورة، ولكن صورة حسنة، صورة جعلت علقمة يمدحه لدى كسرى عندما ذُكر عنده. أخذ النبي صلى الله عليه وسلم
في هذا، في الوقت الذي كانت قريش تدبر في السنة الثالثة للهجرة في المدينة، هو يبني الإنسان والمشركون بعد هزيمتهم النكراء في بدر يرتبون لتدمير هذا الإنسان ومن معه. عندما رجعوا، عادوا بإبل كثيرة، وهذه العير - والعير تعني الجمل - فيها بضاعة،
وكان أبو سفيان قد نجح في إنقاذها من المسلمين ورجع بها إلى مكة. هذه البضاعة كانت عبارة عن ماذا؟ كانت عبارة عن أن كل شخص في مكة يريد أن يتاجر ليكسب لكي يأكل، فيدفع للقافلة ليذهبوا مكة المكرمة يأخذ أهلها منها بعضاً والباقي يذهب إلى اليمن ليعيدوا تصديره إلى اليمن ويجلبوا بضاعة من اليمن. أهل مكة يأخذون منها بعضاً والباقي يرسلونه إلى الشام، فيكونون هم الوصل بين الشام واليمن. القافلة تحتاج إلى أموال كثيرة، هذه الأموال الكثيرة
تبلغ خمسين ألف دينار. الدينار يزن أربعة جرام وربع، في المتاحف العالمية الدينار الذي كان يتعامل به سيدنا النبي، فقال أبو سفيان لهم: "يا جماعة، لقد ضُربنا ضربة سيئة جداً في بدر وهُزمنا وتشتتنا، فأنا أرى والرأي لكم أن تتبرعوا برأس مالكم الذي كان في القافلة التي نجانا الله منها"، فقالوا له: "حسناً، إذاً فخذ منها". الذي كنا نسميه المجهود الحربي، كان هناك ضريبة عندنا اسمها المجهود الحربي. المجهود الحربي هذا عبارة عن أن يقدم كل شخص شيئاً لكي يذهب الجيش وينتقم لنا من محمد صلى الله عليه وسلم
وأصحابه، ويثأر لنا لما حدث في بدر عندما جلس أبو سفيان يبيع في القافلة. هذه هي أيضاً ما العاطفة؟ يأتي ليبيع لك شيئاً بدينار ويقول لك: "هذا فقط للمجهود الحربي"، فأنت تدفع ديناراً ونصف أو دينارين لأجل ماذا؟ مثل المزادات التي يقيمونها في هذه الأيام أو الحفلات أو مباريات كرة القدم، يلعبون كرة ثم يجعلون الإيراد لكذا، جمعوا خمسين ألف دينار، قلنا كم الدينار؟ أربعة جرام وزيادة، اضرب خمسين في أربعة تحصل على مائتين، اضرب المائتين في ثلاثمائة جنيه الآن وخمسين، ثلاثمائة وخمسين جنيه، تحصل على
خمسة وسبعين مليون. إذن القافلة التي نجدها هذه، أبو سفيان باعها بخمسة وسبعين مليون. خمسة وسبعين مليون يُحضَر بهم خمسة وسبعين مليون بسعر اليوم، يعني بالسعر الخاص بماذا؟ الذهب الذي نعمل به الآن في سنة ألفين وثلاثة عشر فخمسة وسبعون مليوناً نجهز به لنشتري سلاحاً جيداً ونشتري عيراً وما إلى ذلك. فذهب وأحضر ثلاثة آلاف، وهي ما يسمونها بالأمور اللوجستية. واللوجستية تعني النقل، أي كيف تنقل هذا الجيش من مكة إلى المدينة بهذه الأمور اللوجستية الثلاثة آلاف. ناقة؟ ما هذا؟ ثلاثة آلاف ناقة، يعني كل ناقة معها واحد، وهذا معناه أنهم ثلاثة آلاف إنسان قادمون، ومعهم
سبعمائة فارس بخيولهم، ومعهم لا أعرف وهكذا. وكان القائد العام لهذا الأمر هو أبو سفيان نفسه، أبو سفيان هو القائد العام لأنه طبعاً أصبح أبو جهل ميتاً وأمية. ماتَ وماتَ صَناديدُ قُريشٍ، ماتَ في بَدرٍ سَبعونَ رَجُلًا، ماتوا في بَدرٍ مِنَ الكُبَراءِ، فَتَولَّى أبو سُفيانَ منصِبَ القائدِ العامِّ للقُواتِ المُسَلَّحَةِ لِجُيوشِ المُشرِكينَ، القائدِ الأعلى. والفُرسانُ هؤلاءِ مَن هم؟ فارِسُ الفُرسانِ خالدُ بنُ الوَليدِ، الذي أسلَمَ بَعدَ ذلك، لكنَّهُ كانَ قائدَ
الفُرسانِ. وكانَ يُعَوَّلُ على هؤلاءِ الفُرسانِ بِشَكلٍ كَبيرٍ، الهزيمة الثانية للمسلمين لأن المسلمين انتصروا أولاً في أُحد وبعد ذلك انهزموا. فهذه الهزيمة كان سببها سيدنا خالد، الذي أصبح فيما بعد سيدنا وأصبح سيف الله المسلول، وربنا سبحانه وتعالى منَّ عليه بالإسلام. كان خالد معه السبعمائة نفر الذين هم الفرسان، فهو قائد الفرسان، قائد سلاح الفرسان، ومضوا. في الطريق الغربي، وهذا الطريق الغربي هو طريق ممهد، والمدينة مما يمر عليها في تجارة الشام، يعني إنها ليست بعيدة هنا ولا هنا، ثم قالوا: يا جماعة، العربي يحب حماية
النساء الخاصات به، فلذلك نُخرج أيضاً العنصر النسائي معنا لكي يكون ذلك حافزاً للجيش أن يقاتل بشكل صحيح ويقاتل بقوة. ويقاتل باستماتة، يعني سأغلب أو أموت ليس فيها خيار آخر، وهذا طبعاً يولد أشياء في الجسم وفي النفس، وحتى إفرازات تساعد على الصبر على الألم والشدة وغير ذلك إلى آخره. ها، لا مانع، خذوا خمسة عشر ستة معهم، انتبه خمسة عشر فقط، هو واحدة فقط كانت تكفي، واحدة لأن العرب سيقاتل الجيش
حتى الموت لحماية هذه المرأة لأن مسألة العرض هذه يتعامل معها العربي بجدية شديدة. من قررت أن تخرج معهم؟ هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان خرجت، وكان معنا شخص يدعى وحشي، عبد قوي جداً وهو في الوقت نفسه من الحبشة، وفي الوقت نفسه هو رقيق. عند صفوان بن أمية أو ما شابه ذلك، وقالت له: "احرص جيداً، إذا قتلت لي حمزة فأنا لا شأن لي بكل هذه الفوضى، ننهزم أو ننتصر لا يهمني، أريدك فقط أن تقتل حمزة". قال لها: "حسناً، تصبحين حرة". كان هذا الرجل ما ميزته؟
كانت ميزته أنه متدرب على الحرب. جيد جداً ولا يخطئ أبداً، يضرب الحربة في المكان المحدد مائة بالمائة، مائة ضربة تصيب مائة بالمائة. هؤلاء نحن نسميهم ماذا؟ هؤلاء لدينا اليوم في لغة العصر أيضاً - حتى تتصوروا - نسميهم القناصة. يقول لك: ما الذي أعلمك أن هؤلاء الناس قناصة؟ ربما هم أناس عاديون. فقال له: "لا يا حبيبي، هذا لا يخاف، لا يخاف". ضربه، نعم، فهذا قناص متدرب. ضربه بواحدة، ضربه بواحدة، ضربه، نعم. لا، هو جاء بالصدفة هكذا، ظن أنه لا يصلح. قال: "ربما دعا الله أو شيء ما". لا يصلح لأنه لا بد من التدريب، لا بد. ما السبب
الذي دفع ربنا ليصيب شخصاً ليس عليه شيء؟ ما هو؟ يضرب يميناً وشمالاً هكذا، هذا ليس من الدعاة، هذا من المدربين، إنه قناص متوحش وقد أسلم بعد ذلك ومنّ الله عليه بالإسلام، ومنّ الله عليه أيضاً بعد مقتل حمزة بشيء يُكرمه به وهو أنه... قُتِلَ مُسَيْلِمَة وقال: "هذه بتلك، لقد عوَّضْتُ ها أنا قد قَتَلْتُ أسدَ الله، ولكن هذا كَذَّابٌ بن كَذَّاب"، ما معنى "لقد قضيتها"؟ سيدنا عمر لم يُحِبَّ هذه المقارنة وقال: "لا والله"، وورد في بعض
الروايات - ويُضَخِّم بعضهم هذه الروايات - أن وحشياً كان مدمناً للخمر في آخر حياته، وأنه المعصية هذه فمات وهو كذلك، فقال عمر: "هكذا الظن بقاتل حمزة". لكن انظر، إلى لحظة الإسلام، ها، لم يُكفِّره ولا شيء. هذا ما حدث، أنه يعني أمرنا الله، وبمجرد أن أسلم، النبي خلاص. ما هذا! إنها لحظة، كبيرة جداً. مضى هؤلاء الناس. هذه المصيبة التي نأخذ منها أيضاً في نفس الوقت وهي مصيبة عندما وصلوا إلى مكان يُسمى الأبواء، قامت هند وقالت لهم: "يا جماعة، لدي اقتراح". فسألوها:
"ما هو اقتراحك يا هند؟" قالت: "لننبش قبر آمنة أم محمد، لننبشه ونُخرجها هكذا". هل هؤلاء عقلاء قريش؟ عقلاء من؟ عقلاء المشركين؟ عقلاء المشركين يا جماعة المسلمين! قالوا له: "إنك علينا شرٌّ لا يُغلق إلى يوم القيامة، اللهَ! إنك تهيّج علينا العرب، اللهَ! تنبش القبر؟ انظر ما هذا الاحترام. من هؤلاء؟ هؤلاء هم المشركون الجاهلون. حسناً، فما حال الذين يفعلون هكذا مع أولياء الله؟ ما وضعهم عند الله؟ يعني هذا الأمر لا يناسبه إلا أن تقول: حسبنا الله ونعم الوكيل. أن ينبشوا قبر آمنة
وقالوا شر المستطير، المشركون يا جماعة، هؤلاء ليسوا، المسلمين، هؤلاء المشركون قالوا شر المستطير. أتعلم؟ النابتة عندما تسمعني الآن ستقول ماذا؟ نعم، هؤلاء هم المشركون. المشرك يكون أفضل من المسلم؟ لا إله إلا الله! سيقولون هكذا، نعم هؤلاء هم المشركون، هم الذين... ها أنت تقول الآن حسبنا الله ونعم الوكيل، إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.