#حديث_الجمعة | الشرط في الفقه الإسلامي

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ اللهِ وآلهِ وصحبهِ ومن والاهُ. مع سيدنا رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ سِرنا في سيرتهِ الشريفةِ الكريمةِ المنيفةِ ورأيناهُ إنساناً قد أذِنَ اللهُ لهُ أن يُخرِجَ الناسَ من الظلماتِ إلى النورِ وأن يكونَ دالاً على اللهِ بقولهِ وسكوتهِ. وفعله
وبقائه وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، والنبي صلى الله عليه وسلم كشأن كل نبي حي في قبره، يدل على الله سبحانه وتعالى إلى يوم الدين. وليس هذا خاصاً بسيدنا النبي، بل في عقيدة أهل السنة والجماعة بكل نبي، فالأنبياء أحياء في قبورهم. أخرج البخاري أن النبي في ليلة المعراج والإسراء. وفي المعراج قال النبي: "مررت على موسى وهو يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر". فموسى يصلي في حالة انتقاله، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حالة حياة
دائمة باتفاق المسلمين. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ما من أحد يصلي علي أو يسلم علي إلا رد الله إلي لا يخلو العالم من مصلٍّ عليه بالليل والنهار، فإن اتصاله بالروح دائم صلى الله عليه وسلم، حتى قال: "تُعرض عليّ أعمالكم، فإن وجدت خيراً حمدت الله، وإن وجدت غير ذلك استغفرت لكم" صلى الله عليه وآله وسلم. وألّف الإمام البيهقي كتاب "حياة الأنبياء" وجمع فيه من السنة المشرفة ما أقام على هذه العقائد المستقرة إذن الله سبحانه
وتعالى بهذا أن ينتقل الأنبياء وتبقى هدايتهم مع استمرار نبوتهم فيهم مع انقطاع أجسادهم من بيننا، فالحمد لله رب العالمين. فتركنا صلى الله عليه وآله وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وذكرنا بعض ملامح تلك المحجة البيضاء وأن... رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يدع لنا شيئاً يقربنا إلى الله ويقربنا إلى الجنة إلا وقد أمرنا به، ولم يدع شيئاً يبعدنا عن الله ويقربنا من النار ومن غضب الله إلا وحذرنا ونهانا
عنه، حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما نهيتكم عنه فانتهوا وما" أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، اتقوا الله ما استطعتم، تركنا على المحجة البيضاء، وأخذ علماء الأمة الأتقياء الأنقياء، وكانوا قوّاماً لليل صوّاماً للنهار، وكانت ألسنتهم تلهج بذكر الله، وكانوا من أهل القرآن، حتى إن الشافعي قرأ القرآن ستين مرة ليرى سنداً للإجماع، وحتى إن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه وأرضاه قام ليلة كاملة بقراءة القرآن الكريم كله، وهذا يدل على تمكنه من الحفظ وتدبره
وتأمله في الكتاب، وجعلوه أساساً لهم وانطلقوا منه وفهموا السنة النبوية الشريفة المشرفة من خلاله، فرضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وجزاهم عنا خير ما يجازي أمة عن أممهم، فقد بذلوا الجهد الكثير بنقاء قلب ووضوح عقل أخذوا يدرسون الكتاب والسنة، ومما علّموه لنا في فهم المحجة البيضاء ما أسموه بالشرط. والشرط عندهم هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم. هكذا عرّفوه من أجل أن نتعلم، وأن نقيس الأمور بعضها إلى بعض، فنضم
الشبيه إلى شبيهه والنظير إلى نظيره. فجعلوا الوضوء شرطاً للصلاة، فلا يمكن أن تُقبل لك صلاة إلا إذا توضأت. فإذا كنت غير متوضئ فلا تصح منك صلاة. واستقر هذا الأمر وعرفه الداني والقاصي والعامة والعلماء من المسلمين. فيُستفاد من عدم الوضوء عدم صحة الصلاة، ولكن إذا توضأت فأنت قد تصلي عندما يدخل وقت الصلاة، ووقت الصلاة فقد يؤذن المؤذن فتؤجل الصلاة قليلاً بحيث لا يخرج وقتها، فأنت في سعة من هذا. شرط لأن وجوده، فكونك متوضئاً لا يعني شيئاً، لا يُستفاد منه
أنك صليت ولا يُستفاد منه أنك لم تصلِ. فإذا جئت وسألتك: هل صليت؟ فقلت: أنا متوضئ. فهذا لا يعني شيئاً. نعم أنت متوضئ، يعني ولا متوضئ فلم تصلِّ قد وقد، يبقى يُستفاد من عدمه العدم ويُستفاد من وجوده لا شيء، لا وجود ولا عدم. احفظ الوضوء فإنه شارح للشرط، والشرط ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم. ويضيف عندنا العلماء لأمور ضابطين بها التعريف لذاته، يأتون في الآخر. هكذا يقولون لأنفسهم: حسناً، إذا
ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شروطاً، فإذا انعدمت تلك الشروط انعدمت الأحكام، وإذا وُجدت تلك الشروط فقد توجد تلك الأحكام وقد لا توجد، فمن لم يفهم هذا وطمس الله بصيرته وقرأ الكتاب من غير أن يعرف أن هناك شروطاً والسنة من غير من لم يدرك تلك الشروط ضلَّ وأضلَّ. وإذا قرأت كلام الأئمة الأعلام شيوخ الإسلام عبر القرون ولم تفهم الفرق بين
ما قد تحقق شرطه وما لم يتحقق، أخذت من كتبهم وجئت تطبق في الواقع شيئاً آخر غير الذي قصدوه وغير الذي أرادوه. وحينئذٍ تطبق شرعاً غير شرع الله ولكنك تظن الحق وأنك أخذت هذا من الكتاب أو أخذت هذا من السنة عبر القرون وعلى مر السنين والأعوام عرف العلماء هذا وعلموه للناس في المساجد وقبله الناس حتى ظهرت الفئة الأخيرة التي شتمت العلماء وسبتهم وشككت فيهم وتركت وراء ظهورهم ظهريا ما
تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وأدرك العلماء خطورة ما هنالك وأن هذا البلاء الذي رفع فيه الناس كلام رسول الله بل كلام الله على اللافتات وخلا واقعهم من الفهم الصحيح، إنها مصيبة كبيرة وداهية عظيمة، وأن هذا سوف يُحدث فتناً فوق الفتن وسوف يُحدث التباساً. فوق الالتباس ولذلك فإننا ننبه أبناءنا وشبابنا ورجالنا ونساءنا وصغيرنا وكبيرنا
إلى أنه لا بد عليك أن تلتزم بكلام الله سبحانه وتعالى بشروطه لأنك لو صليت من غير وضوء والله لا تُقبل صلاتك، وإذا علّمت الناس الصلاة من غير وضوء فقد علمتهم ضلالة بالرغم من أن هذا الذي تعلّم يقوم. ويقرأ ويركع ويسجد، بل وقد يخلص النية لله، لكن الله سبحانه وتعالى لا يقبل صلاة من غير طهور، ولا صدقة من غلول. سيدنا يعلمنا. بعد الفاصل نواصل: بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. علمنا أعلام الإسلام كيف نفهم الحجة البيضاء. التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، مما ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومما علمونا. وقد علمونا كثيراً أن الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم. هذا الذي علمونا إياه أقرأ من خلاله وبتلك النظارة التي تضعها على... عينيك أثناء قراءتك للقرآن وقراءتك للسنة
رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يفسر لنا القرآن. قال تعالى: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين". "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم" فإذا كانوا لا يقاتلوننا لا نهيجهم علينا، لا نقاتلهم، لكنهم لا يؤمنون. بالله ولا يؤمنون برسول الله، هذا كون الله، هذا خلق الله. إنك
لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، وما أرسلناك عليهم حفيظاً، وما أرسلناك عليهم وكيلاً. وسبحانه وتعالى لم يجعلك وكيلاً على الخلق ولا هادياً لهم بل مرشداً. إذا فُقِدَ الشرط والقتال يجب أن يكون في سبيل الله، فإذا كان في غير سبيل الله كتمكين من أرادوا أن يمكنوا أنفسهم، وهل التمكين في الكتاب والسنة قد وُكِلَ إليك؟ قال تعالى:
"الذين إن مكناهم..."، من الذي يمكن؟ الله. التمكين لم يوكل إليك يا أستاذ. التمكين إنما هو أن تفعل وتفعل، وكلها أشياء طيبة حسنة: تعدل بين الناس والأمان والسلم والسلام هل أنت موكول إليك أن تصل إلى الحكم؟ ارجع إلى كتاب الله "يؤتي الملك من يشاء". لم يقل "أوتي الملك من يشاء". إذا رغبت في الملك وعملت لأسبابه فإن الله سبحانه وتعالى يؤتيك هذا الملك.
لا، قال: "يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء". إذاً ليس... موكولٌ إليك أن تصل وأن هذا الأمر لا نوليه من طلبه. مرةً صحابيٌ طلب من رسول الله الولاية قائلاً: "عيِّنني واليًا على كذا"، فقال: "إن هذا الأمر لا نوليه من طلبه". "يا أبا ذر، فيك ضعف"، يعني لك صفة لم تتوفر. تركنا على المحجة البيضاء، وشرط علينا ألا
نقاتل مسلمًا، صلى الله عليه وآله وسلم: "من رفع علينا السلاح فليس منا، من رفع علينا السلاح فليس منا". انتهى الأمر، ليس منا. فإذا رفع السلاح الخوارج وأرادوا أن يطبقوا ما ظنوه بأذهانهم الكاسدة الفاسدة شرع الله، يقول فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينبهنا إلى فقد الشرط العلماء. تأملوا النصوص تأملوها تأملاً عميقاً وأخرجوا
لنا بهذه الخلاصة وذلك المفتاح وتلك القاعدة، فالنبي صلى الله عليه وسلم في شأن الخوارج يقول: "تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم"، إذاً فهم يصلون، "يقرؤون القرآن"، إذاً فهم من أهل القرآن، "يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم"، ظاهرة صوتية، وكم من قارئ للقرآن والقرآن يلعنه. يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، طوبى لمن قتلهم وقتلوه. لماذا؟ لأنه يعرف أن من صفات الخوارج أنهم يقتلون، فيرد الآخرون
عليهم بالدفاع عن أنفسهم والدفاع عن حوزة الدين والدفاع عن حوزة جماعة المسلمين. طوبى لمن قتلهم وقتلوه. نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن نقاتل تحت راية. عندما تكون الأمور غير واضحة، اسأل أي شخص في الخارج أو الداخل: ما هي الراية الرسمية؟ الراية الرسمية هي راية الجيش المصري. وما هي الراية غير الواضحة التي خرجت على الجيش المصري؟ هل هذا أمر معيب؟ اسأل أي شخص مسلماً كان أو غير مسلم، مصرياً أو غير مصري، أين هذا ومن شذَّ في النار. الجماعة
التي ظهرت هذه كم في المائة من المجتمع؟ طوال عمرهم كانوا واحداً في المائة، بل واحداً في الألف من المجتمع. عندما جاء عبد الناصر اصطدم معهم مع الجماعة الإرهابية، قبض في ثلث ساعة أو نصف ساعة على ثمانية عشر ألف شخص، قبض عليهم في كنا كم في ذلك الوقت؟ ثمانية عشر مليوناً. ثمانية عشر ألفاً من ثمانية عشر مليوناً، كم يصبح عددهم للألف؟ إنهم دائماً واحد في الألف. سيدنا يقول لك: عندما ترى هذا، انظر أين السواد الأعظم، أين الناس الطيبون الذين لا شأن لهم بهذا الهراء، الناس الطيبون تسعمائة وتسعة وتسعون، يصلون ويصومون. ويُزكُّون ويعرفون ربنا وماسكين مسابح يسبحون
وممسكين قرآناً يقرأون، والنبي قال ماذا؟ بُني الإسلام على خمس، ولم يقل بُني الإسلام على سبعة، قال بُني الإسلام على خمس، والتي هي: الشهادتان والصلاة والصوم والزكاة والحج. إذاً أين إنشاء الجماعة؟ أين طاعة المرشد؟ يهديكم ربنا، والله العظيم يهديهم ربنا. أين الذي... هذا! أتذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "من خرج عن الجماعة مات ميتة جاهلية". نعم، لكن الجماعة هي جماعتنا نحن، الجماعة التي تمثل التسعمائة وتسعة وتسعين، وليست الجماعة التي اخترعتها في ذهنك وجعلت نفسك رئيساً عليها وقلت: من ينضم إلي فهو على الحق، ومن لا ينضم إلي الله هو أنت، النبي هذا خاتم النبيين. لماذا النبي كان خاتم النبيين؟
لكي لا يحدث هكذا، لكي لا يأتي نبي آخر. افترض أن الله بعث وأذن بأن هناك نبياً بعد النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً، فسأقوم أنا بالإيمان به وشخص آخر لن يؤمن به، فنختلف. لذلك ختم النبوة يعني لا يوجد أحد، انتهى الأمر. كبيرنا هو سيدنا رسول الله، فلماذا نبحث عن كبير آخر؟ ولذلك قال في المحجة البيضاء: "إن كان في الأرض إمام فالزم الإمام ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك". أيكون هذا الإمام تقياً نقياً كعبد القادر الجيلاني؟ أبداً، إن من يضرب ظهري ويأخذ مالي هو رجل ظالم. اتبعه، امش معه. سيدنا يقول لك هكذا: "فإن كان في الأرض خليفة، فإن لم يكن في الأرض إمام" -
رواية البخاري. قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن يأتيك الموت وأنت تعض على جذع نخلة، مؤمناً بالله واليوم الآخر". ولم يقل لك: "اعمل جماعة". إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام. عليكم ورحمة الله وبركاته. شكراً لكم.