#حديث_الجمعة | القرآن والسنة وافتقاد العلوم المساعدة في عصر الفتن

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع سيدنا المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم نعطر مجالسنا، ونلتمس من سنته الهدى، ومما تركه لنا من المحجة البيضاء أنوارًا في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى، بقلوب ضارعة مما
افتقده كثير. من الناس في ظل هذه الفتن أنهم افتقدوا العلوم المساعدة، وافتقادهم للعلوم المساعدة يجعلهم غير أهل للفهم، لفهم النص. والنصوص على نوعين: نص مقدس هو القرآن والسنة، محفوظ ذلك النص بالسند المتصل، ونص آخر هو في دفاتر المسلمين من المجتهدين والعلماء العاملين
والأتقياء الأنقياء عبر العصور، حاولوا أن يجتهدوا كل. واحد منهم لعصره وأن يؤسسوا أسساً لفهم هذا النص المقدس وأن يعلمونا كيف نطبق هذا المطلق على الواقع النسبي المتغير شديد التركيب شديد التدهور شديد التغير شديد التطور. رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم فقد قاموا بواجب وقتهم ومن حقهم علينا أن ندعو لهم وأن ندعو لأنفسنا أن يلحقنا الله. سبحانه وتعالى بهم غير مبدلين ولا محرفين ولا مضطربي
العقول. بعض هؤلاء المتشددين لا يعرفون للناس حقهم ولا للعلماء قدرهم، فتراهم يعتدون عليهم باللفظ السخيف وبقلة الحياء والأدب. والنبي صلى الله عليه وسلم علمنا الأدب وقال: "لست بسباب ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء". رسول الله صلى الله عليه وسلم كان... جوهر النفوس وكان تاج الرؤوس، كان قمة
الأخلاق حتى وصفه ربه فقال: "وإنك لعلى خلق عظيم"، وقال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". إذا درسنا السيرة والسنة وجدنا أكثر من خمس وتسعين بالمائة منها في الأخلاق المرتبطة بالعقيدة. "والله لا يؤمن"، هذا متعلق بالعقيدة، أقسم وربط بالإيمان: "من بات شبعان وجاره..." جائعٌ! والله، والله لا يؤمن إذا كان الأمر جاداً وخطيراً.
والله لا يؤمن من لم يؤمن جاره بوائقه. من غشنا فليس منا. من غشنا ارتكب ذنباً، ولو كان غشاً بسيطاً لكان ذنباً صغيراً، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظم الأخلاق ويريد منك أن تكون شفافاً جريئاً قوياً لا تخجل. مِنْ قَوْلِ الحَقِّ وَلا مِنْ ضَعْفِ الحَالِ، فَإِذَا كَانَتْ بِضَاعَتُكَ بِهَا عَيْبٌ لا تَخْجَلْ مِنْ ذِكْرِ ذَلِكَ العَيْبِ. إِذًا هُوَ
يُعَلِّمُنَا الأَخْلاقَ، عَلَّمَنَا التَّوَاضُعَ فَيَقُولُ: مَنْ تَوَاضَعَ لِلهِ - رَبَطَهَا بِالعَقِيدَةِ - مَنْ تَوَاضَعَ لِلهِ رَفَعَهُ. يُرِيدُ أَلَّا نَتَكَبَّرَ عَلَى خَلْقِ اللهِ فَيَقُولُ: وَاللهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - ذَكَرَ الإِلَهَ وَذَكَرَ الَّذِي نَفْسِي. بيده لا يدخل الجنة، ربطها بالعقيدة أن نؤمن بالجنة. من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كِبر - وقِس على هذا - واقرأ السنة تجده دائماً قد ربط الأخلاق
بالعقائد. كم بالمائة؟ "الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". ربط الرحمة بالله، من لا... من لا يرحم لا يُرحم، الظلم ظلمات يوم القيامة. ربطها بالعقيدة، إذ إنَّ من عقيدتك الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره. إذاً نحن أمام خمسة وتسعين بالمائة، لأن الوارد عندنا من النصوص نحو ستين ألف حديث، ألفان
منهم في سائر الأحكام على كتب الفقه. ألفان من ستين، كم نسبتهم؟ واحد على ثلاثين يعني ثلاثة وثلث في المائة. ثلاثة وثلث في المائة من المائة يتبقى كم؟ سبعة وتسعون في المائة، ستة وتسعون في المائة وثلثان، ستة وتسعون في المائة. ونحن نقول إن الأخلاق خمسة وتسعون في المائة، يعني لدينا بعض التقصير لأنها ستة وتسعون في المائة، خمسة وتسعون في المائة. المائة من السنة أخلاق مرتبطة بالعقيدة، طيب، والقرآن الكريم ستة آلاف ومائتان وستة وثلاثون آية. قُل ستة آلاف لكي تكون
التسمية صحيحة. منهم كم آية في الأحكام التي ألَّف فيها الناس؟ مثل الأحكام الكبرى للعبد الحق الإشبيلي، أو الأحكام الشرعية التي تُدرَّس في كلية الشريعة. آيات الأحكام ثلاثمائة آية أولاً. عن آخر ثلاثمائة على ستة آلاف يكون كم؟ واحد على عشرين يعني كم؟ خمسة في المائة. والخمسة والتسعين إذاً ماذا؟ أخلاق مرتبطة بالعقيدة. يريد أن يربيك على أن تكون الدنيا في يدك لا في قلبك، فيقول إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم. إذاً الأخلاق
هي من المحجة البيضاء النسبة واضحة، كل أحكام الشريعة من أولها إلى آخرها على أهميتها وأنها تمثل الإناء الذي نضع فيه كل شيء لله، وأنه من غير الصلاة فإن الأعمال لا تُقبل، وإن الإنسان يكون نهبة لما حوله. وبُني الإسلام على خمس: الشهادتين، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت غاية. في الأهمية إلا أنها تمثل خمسة بالمائة مع غاية أهميتها مع ضرورتها وضرورة الحفاظ عليها، إلا أنها في النهاية لا تمثل إلا خمسة بالمائة. وبقية الشريعة أن تكون آدمياً، أن تكون إنساناً، أن
تكون كالوردة في وسط الناس، أن يراك الناس فيحبونك، أن تكون أسوة حسنة، أن تكون مثالاً للرسول. صلى الله عليه وسلم يعيش فيك وتعيش به، فإن لم تكن كذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون. لقد انحرفت أيها المتشدد المرجف عن المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. بعد الفاصل نستمر: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله. وصحبه ومن والاه. رأينا كيف أن المتشددين قد فقدوا
إدراك النص المقدس وفقدوا إدراك النص البشري الاجتهادي الذي تركه لنا الأئمة الأعلام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ففقدوا إدراك النص. النصوص وردت إلينا بتفاسيرها، ويظن المساكين أنها وردت إلينا مجردة، وأن من حق أي أحد أن يفهم أي شيء مما. ورد والأمر ليس كذلك، والله أعلم بما هنالك، فعندما دخلنا الأزهر الشريف علَّمنا مشايخنا أن النص قد ورد إلينا وورد معه تفسيره، ولذلك ضربوا
لنا الأمثلة، وأنه ليس في القرآن كلمة "حُرِّمت عليكم الخمر" مثلاً، ولكن "إنما الخمر والميسر والأزلام والأنصاب رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه"، هذا النص ورد بتفسيره. أنه قد اتفقت الأمة على حرمة الخمر فلا اجتهاد فيها ولا حل معها فهي حرام، وهي من مكونات هوية المسلم أنه يُحرِّم على نفسه الخمر ويُحرِّم على نفسه الخنزير والميتة، هذه من هوية المسلم حتى لو عصى، حتى لو انحرف،
وهذه هي الهوية التي أبقت على أهل تركستان إسلامهم إلى... اليوم كثير لا يعرف ما الإسلام لكنه يعرف أنه يحرم عليه شرب الخمر وأكل الخنزير. فالنص عندما جاء جاء ومعه حاله وتفسيره، قال تعالى: "فإذا قمتم إلى الصلاة" و"قمتم" فعل ماضٍ، فالفاء هي للتعقيب، "اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق". ومعنى هذه الصورة أننا نتوضأ قبل الصلاة. فإذا جاء أحدهم وقال... قمتم فعل ماضٍ والفعل التعقيب،
فهي نتوضأ بعد الصلاة. ضحك المسلمون، لماذا؟ لماذا نضحك؟ هذا الضحك فيه حكمة وفلسفة، أنه أمر متفق عليه قد ورد إلينا مع نصه. فلا أبداً نخرج عنه لأي معنى لغوي طارئ في الذهن. ولا يمكن إذا النصوص وردت إلينا ومعها تفسيرها، وهذا التفسير يوجهني فيما. إذا أردت أن أوسع معناه أو أن أوقعه على ما هو أدنى منه
من داخله، وهذه التوسعة لا يقوم بها إلا من عانى النص وعاش فيه، وإلا من تعلم اللغة، وإلا من أدرك الإجماعات، وإلا من حفظ المقاصد، وإلا من تدرب على إدراك المآلات، وإلا من عرف المصالح، ويقولون عنها. فلا بد من إدراك المقاصد الشرعية والمصالح المرعية والمآلات المعتبرة وإدراك الإجماعات والالتزام بلغة العرب، فهل عرف المتشددون ذلك؟ والله لو عرفوا ما فعلوا. تكفي كلمة "المآلات
المعتبرة"، فإنهم يرتكبون يا أخي أعظم الضررين حتى لا يقع أحدهم في أدنى الضررين، والعقلاء على مر العصور يقولون عكس ذلك أن ارتكاب... اختيار أخف الضررين واجب. لماذا هو واجب؟ لأنك لو لم ترتكبه ارتكبت الضرر الأكبر. فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه. تمر عليهم دون وعي ودون فهم ودون إدراك أن الله أباح لنا الهجوم على شيء قد حرّمه إذا كنا في حالة الضرورة التي إذا لم يتناولها الإنسان هلك أو... قارب على الهلاك، حينئذ الضرورات
تبيح المحظورات، فحينئذ يُرتكب الضرر الأخف ضررًا ودفعًا ومنعًا للضرر الأعظم. كلام العقلاء فيفعلون عكسه، أين؟ من؟ ما العلة؟ عدم إدراك المآلات، عدم إدراك المقاصد، وعدم إدراك المصالح، وعدم إدراك المآلات، وعدم إدراك الإجماعات، وعدم إدراك اللغة. مصيبة من المصائب وبلية من البلايا يرتكبونها. دون وعد، وهذا هو الذي يفرق أهل العلم عن أهل الجهل، ولذلك إذا منَّ الله على أحدنا
بالدعوة إلى الله، والنبي يقول: "بلغوا عني ولو آية"، وجاءته مسألة فقهية يترتب عليها عمل، وقد يترتب على العمل ضرر، وقد يترتب على الضرر شر، وقد يترتب على ذلك الشر أمر مستطير، فإنه يتخلص من ذلك بقوله: "اسألوا العلماء"، ولا يقدح ذلك في دعواه، فيكون ممن رضي الله عنه؛ لأنه وضع الأمور في نصابها واتبع المحجة البيضاء. أما إذا تصدَّر قبل أن يتعلم، وتزبَّب قبل أن يتحصرم، وتكلم قبل أن يتعلم ويتفهم، فإنه يكون بلاءً مستطيراً.
هذا هو الذي نعلِّم الناس أن تسأل عنه. هذا الشر الذي حدث، ولم كان هذا الشر الذي حدث، بدأ مع أديب يُسمى سيد قطب. وسيد قطب ليس من العلماء، تصدّر لأن يُعلق خواطره على كتاب الله. كان أديباً صحفياً يُحسن صياغة الكلام، فترك لنا ستة آلاف ورقة، بعضها تُعد تحفة أدبية، ولكنها لا علاقة لها بالشرع وعلومه، ومنها... ثلاثمائة صفحة فيها تكفير المسلمين، ثلاثمائة من ستة آلاف تكون كم؟ خمسة في المئة، لكنها كالسم في العسل. أول ما ألَّف،
ألَّف "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، فسبَّ الصحابة في آخره: أبا بكر وعمر وعثمان، حتى ظنَّ الناس أنه شيعي، وهو ليس كذلك، لا شيعي ولا سُنِّي، هو خطر. في ذهنه أن يسب الصحابة الكرام فسبَّهم، هل هذا يصلح لأن يكون قائداً دينياً؟ والله لا يصلح. يمكن أن يعمل أديباً، لا مانع من ذلك. صحفياً، لا مانع من ذلك. لقد عمل ونجح في الصحافة، يمكنه أن يعمل هكذا وهكذا، لا مانع من ذلك. فما
الذي دفعه إلى هذه الفتنة حتى يقول أحد الخوارج وهو أبو محمد العدناني. الشامي الرجل الثاني مع أبي بكر البغدادي العراقي يقول إنه قرأ الظلال في عشرين سنة حتى كاد أن يكتبه بيده. إذاً موضع الخطأ، بداية الخطأ، بداية الخطأ أننا قد تركنا المحجة البيضاء لغير أهلها. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.