#حديث_الجمعة | مقاصد الشريعة وفوائد معرفتها

#حديث_الجمعة | مقاصد الشريعة وفوائد معرفتها - مجلس الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، اللهم صل على النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم، وقد تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، والحمد لله رب العالمين، والحمد لله الذي جعلنا مسلمين ونسأله.
سبحانه وتعالى أن ينجينا من الفتن ما ظهر منها وما بطن. لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المحجة البيضاء، وقام الصحابة الذين تربوا على يديه الشريفتين بحفظ مناهجه وإدراك مسائله. وهناك فارق بين المنهج والمسألة، والفارق في الزمن والمكان والأشخاص والأحوال كان نسبياً زمنياً
يصلح لعصره يصلح لسواه وما كان غير ذلك تجاوز الزمان والمكان وكان لكل الأشخاص وفي كل الأحوال. فهم الصحابة هذا وعرفوا أن كلما تغيرت هذه الجهات الأربعة تغيرت الفتوى حتى نوقع الشريعة في واقع الناس فنصل إلى مقصد الشريعة. وبحثوا عن مقاصدها وجعلوها مقاصد مكلف سبحانه وتعالى هو الذي كلفنا ومقاصد مكلف.
وهم البشر، وهذا هو الفرق بيننا وبين الخوارج النابتة، أننا أدركنا ما كان عليه الصحابة الكرام من منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تربيته ومن بنائه للعقول لمواجهة الحياة، وأن الدين يسري فيها سريان الماء في الورد، وبين هؤلاء الذين هم أعداء الحياة يقتلونها فيقتلون الدين. هذا هو. الفارق بيننا وبينهم أننا استمررنا مستمرين على ما
كان عليه رسول الله وأصحابه، وهم قد خرجوا فأفسدوا وضلوا وأضلوا. فما مقاصد المكلف؟ مقاصد المكلف ثلاثة: أولًا العبادة، قال تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". فهدف هذا الخلق دلنا عليه ربنا بصراحة ووضوح وتحديد أننا نعبده، والعبادة الطاعة وما آتاكم. الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول. إذاً
أمامنا عبادة، والأمر الثاني أنبأنا به ربنا فقال: هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها، أي طلب منكم عمارتها. فإذا كانت هناك عبادة، فالغرض الثاني من وجودك في الحياة أن تعمر الأرض. وانظر إلى الكلمة "عمارة"، إذا أمرنا بالتدبر لا... بالتفجير وأمرنا بالإصلاح لا بالإفساد ونهانا عن أن نهلك الحرث
والنسل، ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم. فحسبه جهنم ولا بئس المهاد. إذا أمرنا بعمارة الأرض، قال تعالى في شأن بني آدم: "إني جاعل في الأرض خليفة" يقوم بكلمة الله فيها. قالوا: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟" قال: "إني أعلم ما لا تعلمون". وعلّم آدم
الأسماء كلها حتى... قال سيدنا ابن عباس علمه حتى القصعة والقصيعة (تصغير قصعة) الطبق الكبير والطبق الصغير، "وعلم آدم الأسماء كلها". إذاً العمارة وأن نكون خلفاء لله في أرضه فنعمرها. وقال رسول الله فيما أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإنسان بنيان الرب، ملعون من هدم"، فحرم. الله حرم القتل ولا تقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق،
والحق يثبت بالقضاء. فجهل هؤلاء الأغرار كلام الله وخلطوا فيما بينهم، فأفسدوا في الأرض وأهلكوا الحرث والنسل، والله لا يحبهم لأنه لا يحب الفساد. أمر واضح، محجة بيضاء، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها. التزكية أمرنا بها وتعالى أن نتخلق بكل جميل وأن نتعلق بكل جليل من صفات الحق وقال "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها"، فلما تدبرنا وتأملنا القرآن كما أمرنا "أفلا يتدبرون القرآن"، ولما
قرأنا كما أمرنا "اقرأ باسم ربك الذي خلق" ثم يقول "اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم"، وجدنا أنه ذكر صفة لنفسه مائة. وخمسين مرةً ويزيد في القرآن الكريم أسماءُ الله الحسنى، فتدبرناها وتأملناها وجمعناها فوجدناها على حدِّ الجمال والجلال والكمال، ووجدنا التعلُّقَ يكون بالجلال والتخلُّقَ يكون بالجمال؛ الرحمن، الرحيم، الرؤوف، العفو، الغفور. ولكن المنتقم لا نتعلق بها، ونقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، ونقول:
إنا لله وإنا إليه راجعون، ونذكر الله قياماً وقعوداً. وعلى جنوبنا كما وصفنا وأمرنا ونتفكر في خلق السماوات والأرض، فهذه الثلاثة: العبادة والعمارة والتزكية نظمها ربنا سبحانه وتعالى وجعلها مقاصد هذا الخلق. فما اعتدى عليها بالإبطال فهو من فساد الخلق، فمن أراد أن يطعن في العبادة وأن يدمر الكنائس والبِيَع وأن يفجر نفسه في مساجد المسلمين ويقتل الشيخ البوطي. رحمه الله تعالى، فهو مفسد وهو في جهنم، لماذا؟
لأنه قد كتب الله عليه أن يضل سواء السبيل. بعد الفاصل نواصل في تأسيس ما هنالك من عقول هؤلاء الشلة الشرذمة الذين يفسدون ولا يصلحون، وحسبنا الله ونعم الوكيل. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. وآله وصحبه ومن والاه. العمارة والعبادة والتزكية على حدٍ واحد، فالعمارة من خلال العبادة والتزكية، من خلال العبادة والعمارة، إنما هي من أجل العبادة
والتزكية. فهي دائرة في مركزها الله، فهو مقصود الكل. فإذا عمَّرت فأنت تعبد، وإذا زكَّيت فأنت تعبد، وإذا عبدت فأنت تعمر، وإذا زكَّيت فأنت. تُعمَّر وهكذا أبداً، وخلق لنا الله الدائرة مثالاً لهذا النظام، حتى إن فيثاغورس قد آمن بالله من خلال هذه الأشكال: المثلث والمربع والدائرة، لأنه قال إنها على نسبة حكيمة في عقلي وهي على نسبة حكيمة في الخارج، فمن الذي وافق عقلي مع
الخارج؟ لا بد أن يكون هناك حكيماً. قديراً خالقاً خلقهما في الكون وفي العقل فاستدل بذلك على الله سبحانه وتعالى ولم يفهم كثير من الناس منه ذلك ولكن خلق الله الكون وخلق الإنسان وحمله الأمانة كل ذلك يرد على أولئك النابتة الذين يقتلون المسلمين ويقتلون غير المسلمين ويفسدون في الأرض ويخرجون بأسيافهم على الجميع هؤلاء أنبأ عنهم. رسول الله صلى الله عليه وسلم بنبأ واضح مستقر، ففي
حديث أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه وأرضاه أنه يكثر الهرج. قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: الكذب والقتل. قالوا: أكثر مما نقتل؟ قال: أنتم تقتلون المشركين أهل الأوثان، وهؤلاء يقتل أحدكم أخاه، ويقتل ابن عمه، ويقتل. جاؤوا وقالوا ومعهم عقولهم يومئذٍ: "يا رسول الله، هذا عمل مجانين". قال: "يومئذٍ يسلب الله عقول أهل هذا الزمان". التسطيح، لا يوجد عقل، لا يوجد تدبر. ماذا تفعل وإلى ماذا ستصل بهذا القتل وبهذا الخروج وبهذه
المعارضة؟ إلى ماذا ستصل؟ أمعهم عقولهم؟ قال: "يومئذٍ يسلب الله عقول أهل هذا الزمان". حتى أنهم يحسبون أنفسهم على شيء وليسوا على شيء، تمسك أحدهم يقول لك: أنا على الحق، ويفتخر هكذا وهو متكبر، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر. فعندما تكلمه وهو يدعي أنه على الحق الوحيد بكبر، تقول له: لكن هذه المسألة فيها قولان، فيقول لا، إن الذي معي هو المسلم، والذي ليس معي ليس مسلماً. يفسدون في الأرض ويدلسون على الناس
ويكذبون، وأصبح الكذب أخا القتل. ادخل هكذا على وسائل التواصل الاجتماعي، ما هذا التواصل الاجتماعي؟ فيسبوك وتويتر وكله كذب إلا ما رحم ربي. قالوا: "وما الهرج يا رسول الله؟" قال: "الكذب". من الذي معه الذي كان الجماعات الإرهابية الإلكترونية، من الكاذبون الذين يُظهرون ما لا يُبطنون، وأصبح هناك ظاهر وباطن وسر وعلن. الجماعات الإرهابية هذه تعمل الآن كيف؟ تعمل بأنها تذيع ما تريد أن تذيعه فيما بينهم على ثلاثة مواقع: مواقع
الرياضة، ومواقع الإباحية الجنسية، ومواقع الأطفال. على هذه الثلاثة اكتشفوهم. أنهم لديهم تواصل على الثلاث جهات هذه، فأنت صادق، أأنت متخصص في الرياضة؟ الإجابة لا. حسنًا، أأنت متخصص في الطفولة تنتج للأطفال ونحو ذلك لتعلمهم؟ أبدًا. حسنًا، أأنت متخصص في الإباحية؟ وأنت تقول ستذبحهم وتسلقهم وتشويهم وستفعل بهم كذا. إذن ماذا تفعل أنت؟ أنت رجل كاذب. أيكذب المؤمن؟
قال: لا، فما هذا الدين الذي يتبعونه؟ إنه تشويه. وممَّا أتى هذا التشويه من غياب العبادة والعمارة والتزكية. حسناً، هذه مقاصد المكلف - سبحانه وتعالى - من خلقه. ما مقاصد المكلف؟ ماذا نفعل حتى نطيع الله سبحانه وتعالى في الأرض؟ خمسة: حفظ النفس. أول شيء حفظ النفس البشرية "ولا تعتدوا إن الله". لا يحب المعتدين. مَن قاتل؟ "وقاتِلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب
المعتدين". ستصد العدوان، سترد الطغيان فقط، لن تعتدي على الناس. أحدٌ يأتيني سأقتله دفاعاً عن نفسي، لأنني أيضاً أريد الحفاظ عليها، لكن أن أذهب وأهاجم في اليمين وفي الشمال، فلماذا كنا؟ نقول عن الكفار وغير المسلمين ولا نعرف لماذا أنكم أناس تعتدون علينا. النبي في مكة لم يقتل أحداً. قالوا له: "نقاتل"؟ في حديث عبد الرحمن بن عوف قال لهم: "لا، لم أؤمر بذلك". جاء الأنصار وقالوا له: "غداً سنجعل لك دماً في منى". قال لهم: "لا، لم أؤمر بذلك" وذهب. في المدينة يوجد خير وشر. وهاجر في الليل، ونزل جنوب مكة،
وقام بحركة التفافية لكي يهرب منهم، وذهب إلى المدينة. تقاتلوا في بدر. أين تقع بدر هذه؟ هل بدر هذه في مصر أم في المنطقة الشرقية؟ بدر هذه في المدينة. وفي السنة الثانية تقاتلوا في أُحد. أين يقع أُحد هذا؟ نزوره في السنة الثالثة حين جاءوا فيما سُمي بالخندق. أين كان هذا الخندق؟ والله كان في المدينة، وكانوا يحفرونه. نعم، لماذا ذهب إليه؟ لماذا لم يذهب؟ وبدأت الخطط: اليهود في الشمال في خيبر، ومكة في الجنوب مع المشركين، ومسيلمة في الشرق، وأرادوا أن يشكلوا كماشة ويقضوا عليه، وتنتهي
القصة. وكان هنا في الداخل سلميون، ومعهم سلاح لكنهم سلميون. يسلب الله عقول أهل هذا الزمان! أنت معك سلاح فتكون غير سلمي؟ لا، هم سلميون ويدخلون على الناس. تخيل عليهم. مرة قالوا لسيد قطب - رحمه الله وعامله بما يستحقه -: "يا سيد، خلاص انتهينا، اكتب لنا ما حدث". فكتب بين يديه مذكرة كبيرة طُبعت بعد ذلك تحت عنوان "لماذا أعدموني". يا للأسف، كتب فيها
أنه كان جالساً فوجد علي عشماوي يدخل عليه وقال له: "أبشر". فقال له: "أبشر بماذا؟" قال له: "إنها شحنة السلاح التي طلبتها، لقد طلبت ورقة بكذا مسدس على كذا" وما إلى ذلك. إلى آخره من الإخوة في الخارج، فأنا طلبتها صحيح ولكن وصلتها وستأتي الآن وستأتي عن طريق السودان. قال له: هذه البلوى سنضعها أين؟ ماذا سنفعل بها؟ حسناً، يجب أن نجتمع كمنظمة ونرى ماذا سنفعل بها. وأريد أن أسأل: من أين أحضروا الأموال؟ من الإخوة أم من غير الإخوة؟ لكن لماذا وصلتُ ولن يراها أحد، أي لن يشاهدها أحد. وفي
الحلقة القادمة سأحكي لكم المهزلة لنعرف ما الذي تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما الذي تركه لنا هؤلاء المجرمون. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.