حقيقة الطلب | الحكم العطائية | حـ 21 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم في حلقة جديدة من حلقات الحكم العطائية لسيدي ابن عطاء الله السكندري، سيدي ابن عطاء يحذر. من أن نلتفت في الطريق إلى الله جلس يبين لنا ما هو الطريق إلى الله وكيف يسير فيه السالك وحقائق وشروط الوصول إلى الله وتحقيق المقصود وأنه يجب علينا أن نجعل الله هو
مقصود الكل ولذلك لا نلتفت ويسأل سائل عن هذا الالتفات كيف يكون نحن بمعنى في معنى قولنا الله مقصود العابد وهو مقصودنا بل هو مقصود الكل، نعني أننا لا نعبد من أجل أن نجد لذة العبادة في أنفسنا ولا آثار هذه العبادة. عندما نعبد الله سبحانه وتعالى قد تحدث لنا ما يسمى بالكرامات، خوارق للعادات. أهل الله يقولون: كنا نستحي من الكرامات كاستحياء البكر من دم حيضها. يعني هم لا يتشوفون إلى أن تخرج هذه الكرامات كما أنهم لا
يراءون بها الناس بل إنهم يكتمونها على أنفسهم ويستحيون بينهم وبين الله سبحانه وتعالى هناك حياء يا ربي أنا لا أستحق هذا كأنه يقول هكذا هناك حياء بينه وبين الله وهناك تواضع يمنعه من أن يتفاخر بخوارق العادات التي جرت على يديه بل أنه يزداد ويذوب كما يذوب الملح في الماء كذلك هناك في طريق العبادة إلى الله سبحانه وتعالى ما يسمى بالكشف فيجد الإنسان نفسه قد انكشفت له بعض الأشياء يعرف مثلاً أخبار من هو بعيد عنه أو يعرف حالة آخر موجود أمامه فيبكي
لأنه هذه كانكشاف العورات مثل ما إذا نظرت من نافذة بيتي فرأيت الجيران يفتحون النافذة أيضا وقد أرى عورة فحينئذ يجب علي أن أغض بصري، فكذلك هنا إذا انكشفت البصيرة وانكشف لها شيء فإنه يبكي ويقول: "يا رب أنا مالي؟" يعني أنا ما الذي ينفعني الاطلاع على أن فلانا قد أذنب أو أن... فلانا قد حدث له في بيته كذا أو مع في عمله كذا ولذلك عندما يحدث مثل هذا الكشف فإن أولياء الله يبكون ويدعون الله سبحانه وتعالى بالستر عليهم بعض الناس يضل في هذا ويعتبر أن الكشف هذا معناه أنه قد وصل
وهذه مصيبة كبرى لأنه لا يكون حينئذ الله ومقصوده لأن الله باقٍ، ولذلك لا بد عليه أن يسير وأن يعبد وأن يستمر، لا أن ينشغل بالكرامة أو بالكشف. بعض الناس يحدث لهم أحوال، هذه الأحوال عندما تكتنف الإنسان فإنه دائماً ما يبكي ويقول: "يا رب، إنني لست أهلاً لذلك"، ويضبط كل ذلك العلم، ويُروى عن سيدي عبد. القادر الجيلاني أنه كان في الخلوة ويتحدث عن نفسه، وعبد القادر الجيلاني كان من كبار العلماء وكان مذهبه حنبلياً وكان عبد القادر الجيلاني عنده عبادة شديدة. فقال:
كنت في الخلوة وإذ بها امتلأت نوراً، شيء غريب! الخلوة مظلمة وليس هناك مصدر للنور، وإذ بها تمتلئ نوراً وأشعر برهبة شديدة وكأنني... أسبح في هذه الأنوار شيء عجيب وسمعت صوتًا ما سمعت أحلى منه قط وهو يقول: "يا عبد القادر"، فإذا بقلبي يخفق ويقشعر جلدي وقلت: "لبيك، من أنت؟"، فقال: "يا عبد القادر أنا ربك". قال: فذبت كما يذوب الملح في الماء، كأنه يقول: "يا أرض انشقي" وبالعين. يعني ربنا سيكلمني؟ لماذا؟ إنها
حالة غريبة. فسمعته يقول: "لقد أحببناك". قال: "لبيك ربي" - يعني الحمد لله - "وقربناك يا عبد القادر". وعبد القادر في شدة الحال والوجد لا يعلمه إلا الله. "وأحللنا لك الحرام". فبمجرد ما قال لعبد القادر: "وأحللنا لك الحرام"، قال: "اذهب يا لعين". عرف أنه الشيطان. فانطفأ النور وسمعت صوتاً ما سمعت أقبح منه قط وهو يقول: "علمك نجاك يا عبد القادر". السلوك في طريق الله قد يواجهنا مثل هذا الحال،
والمنقذ منه هو العلم. ولذلك هذا تفسير قولنا: "ملتفت لا يصل". التوكل على الله وجعل الله هو المقصود يجعلنا مستمرين ويجعلنا راضين ومسلمين بما أمر. الله، لأن هذا كان حال الأنبياء. يقول سيد ابن عطاء الله السكندري: "طلبك منه اتهام له، وطلبك له غيبة منك عنه، وطلبك لغيره لقلة حيائك منه، وطلبك من غيره لوجود بعدك عنه". قمة في التسليم، قمة في التوكل، قمة في الرضا، قمة في اطمئنان القلب. يقول:
"طلبك منه اتهام له". ولذلك في الحديث: "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين". يريد سيدي ابن عطاء أن نصل إلى هذه الدرجة، أن ننشغل بالذكر وأن نرضى بما قسمه الله لنا. ولذلك فكل ما يأتي به الله خير، وننشغل بالذكر طوال أيامنا، وطلبك له: أنا أريد أن أصل إلى... الله أصل إلى الله أصل إلى الله، يعني إذا أنت تعمل من أجل شيء معين، فأنت غائب عن حقيقة المسألة وعن الله
سبحانه وتعالى. طلبك له غيبة منك عنه سبحانه وتعالى، ولذلك نحن نعبد لأن الله أرادنا أن نعبد، ونذكر لأن الله أرادنا أن نذكر، ولذلك ونحن متأكدون أن سيرنا في الطريق إلى الله من غير لوافت سنصل به إلى الهدف وهو رضا الله وليس إلى الاتحاد بالله، فمن أراد قضية أنني سأسير في الطريق حتى وكأنني سأحل بالله، هذا غيبة لأنه غيَّبك عنه، يعني أنت لا تعرف حقيقة ربنا ولا تعرف ما الحكاية أصلاً، وطلبك لغيره لقلة. حياؤك منه إذا تأملت وأملت في غيره من الخلق فأنت قليل الحياء مع
الله سبحانه وتعالى، ولا تعلم أنه هو الذي خلقهم وهو الذي بيده أمرهم وهو الذي يقول للشيء كن فيكون، وطلبك من غيره يعني اطلب من الخلق لوجود بعدك عنه، تكون أنت غافلاً والغفلات هي كما قال قبل. ذلك جنابة تمنعك من دخول الحضرة الإلهية، فغفلات القلب هذه مثل الجنابة التي تمنع من دخول المسجد وتمنع من دخول الصلاة، وليس هناك صلاة إلا بعد الطهارة. فلا بد أن نتطهر من البعد عن الله سبحانه وتعالى ونطلب قربه سبحانه وتعالى، ونفهم هذه الحقيقة أننا لا بد أن نتوكل
على الله حق توكله لأنه لا حول ولا قوة إلا بالله. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.