حكم العادة السرية | أ.د علي جمعة

حكم العادة السرية | أ.د علي جمعة - فتاوي
ورد سؤال يسأله كثير من الناس وهو يكتنف السائل فيه الحياء، والحياء خير كله والحياء شعبة من شعب الإيمان. ولكن على الرغم من الحياء إلا أن معرفة الأحكام الشرعية المرعية تأخذ مكاناً في ظل هذا الحياء وليس بعيداً عنه. فيسأل هذا الشاب عن حكم العادة السرية، والعادة السرية جمهور العلماء... على حرمتها لأن
الله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين والمؤمنات بحفظ الفروج وجعل حفظ الفروج من علامات الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "اضمن لي ما بين لحييك وهو لسانك، وفخذيك وهو الفرج، أضمن لك الجنة". فبيّن بهذا أن رضا الرب سبحانه وتعالى إنما هو في أن يسيطر الإنسان على نفسه فلا يتحدث كثيراً، فقد كره الله لنا اللغو وحرم علينا الكذب وشهادة الزور، وأمرنا بالذكر
وتلاوة القرآن والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعي في مصالح الناس، وأمرنا سبحانه وتعالى أن نقول الطيب من الكلام، وكذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين. بالعفاف وبالتقوى وبأن هذه الشهوة ركبها الله في بني آدم على سبيل الغريزة وليست على سبيل الضرورة ولا الحاجة، واختلف الناس مع المسلمين في الحضارات المعاصرة أن هذه الشهوة من قبيل الضرورات والحاجات. سموها بالإنجليزية "نيد" (Need) يعني حاجة، وكلمة حاجة ليست اصطلاحاً، بل
لو تُرجمت ترجمة صحيحة لتُرجمت إلى كلمة "ضرورة" التي يستعملها الفقهاء والتي لو لم يتناولها الإنسان لهلك أو قارب على الهلاك؛ الفقهاء قالوا إن عندنا ضرورات وحاجات وزينة، فالضرورات ما لم يتناولها الإنسان هلك، مثل الأكل ومثل الشرب ومثل النوم ومثل حاجة الإنسان، فلو لم يتناول الإنسان مثل هذه الأشياء أكلاً وشرباً ونوماً وقضاء حاجة يهلك. أو يقارب على الهلاك يعني بعد قليل سيموت يهلك ويفنى
ويموت، ولذلك يسمونها الضرورات. ثم قعدوا فقالوا: "الضرورات تبيح المحظورات". ضرورات عندما يكون أحدٌ "فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه"، لأن في الضرورات نرتكب أخف الضررين حتى لا نقع في أشد الضررين. وعصرنا الذي نعيش فيه فيه كثير. من هذه الأمور ثانياً: الحاجات، تعريفها ماذا؟ إذا لم يتناولها الإنسان أصابته مشقة. فإذا لم نتناول الحاجات كالسكن، لن نموت مباشرة لو
جلسنا في الشارع، لكن ستصيبنا مشقة عظيمة. سنأكل أين؟ وننام أين؟ ونشرب أين؟ بلوى وبلاء أن لا يكون للمرء سكن. ثم يأتي الفقهاء ويقولون: ومن الحاجات ما... تنزل منزلة الضرورات وضربوا مثلاً بالسكن أيضاً، فالسكن لو لم يكن لي هذا السكن سيصيبني مشقة عظيمة عظيمة، ولكن دعها كالضرورات. الأشياء التي تنزل منزلة الضرورات تكون شيئاً صحيحاً، ولن أموت إذا لم أتناولها، ولكنها لعمومها وشدتها وقوتها ومدى تأثيرها على الإنسان تنزل
منزلة الضرورات. فنبيح بها ما كان محظورًا إباحةً مؤقتةً والضرورة تقدر بقدرها، ثم بعد ذلك تأتي التحسينات، ثم بعد ذلك تأتي الزينة، أي نتوسع قليلًا أو أكثر كما نعيش هكذا، ثم يأتي الفضول، وبعد الفضول الحرام. فيكون آخر الحلال هو الفضول، وبحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، وما علاقة هذا؟ بالعادة السرية ما هو مرتبط كله ببعضه، يا معشر الشباب من استطاع
منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فلا يظلم أبناء الناس وبنات الناس، فعليه بالصوم فإنه له وجاء. الصوم يعني الامتناع عن الطعام فتذهب هذه الشهوة، إذًا فعليه بالصوم، وهنا يرى العلماء. أنه يجوز له أن يصوم الدهر هناك لما يكون متزوجاً وما إلى ذلك، لست أعلم ماذا. قلنا له: لا تصم الدهر، ما صام من صام الدهر كله، وأحب الصيام إلى الله صيام نبي الله داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً. طيب، والأعزب الذي ليس متزوجاً،
يصوم الدهر كله؟ كان سيدنا الإمام... النووي صام الدهر حتى مات لأنه لم يكن متزوجاً، فكان له أن يصوم الدهر غير مخالفٍ للسنة. لأن انتبه، الحديث يقول: "فعليه بالصوم" ولم يقل له "يوم بيوم فإنه له وجاء". يمنعه وجهة نظر المسلمين أن هذه الشهوة من قبيل التحسينات وأنها من قبيل الغرائز وأنها ليست من قبيل... لا الحاجات ولا الضرورات ولا الحاجات التي تنزل منزلة الضرورة، ومن أجل هذا عندما نذهب إلى الفقه نقرأ متن المنهاج ماذا يقول، والزواج، وهناك قال:
"والنكاح" يعني الزواج، أي بلغته، سنة مستحبة لقادر عليه. لم يقل فرض، لم يقل فرض، إنه سنة مستحبة، فإذًا لماذا لم يجعله فرضًا؟ لن يصلها لا حاجة ولا ضرورة، فإذا كان جمهور الفقهاء يرى أن هذا الأمر إنما هو من قبيل الحرام، يقول الإمام القرطبي المفسر: "ويا ليتها لم تكن قيلة"، أي ليت أحداً لم يسأل فيها ويكون معروفاً هكذا، فكل الناس تعرف أن هذه المسألة حرام، ويا ليتها لم تكن قيلة. ماذا يعني قيلة، يعني أحدهم خرج وقال إنّ ابن عباس يقول
أنها ليست كذا وكذا، وأصل الإمام أحمد ورد عنه أنها مباحة لكن بشروط، وأصل الإمام مالك ورد عنه في كتاب يقال له السر، فالإمام القرطبي قال والله ليس عنده كتاب اسمه السر ولا البر ولا عنده هذا الكتاب. إطلاقاً، هذا الأمر قد أثر فيّ بشدة. ليتها لم تكن مقولة. عندما تسأل الأطباء يقولون: "لا، هذه المسألة ضارة، هذه المسألة ضارة"، فينبغي إذاً تجنبها. فالشريعة تقول يجب الابتعاد عنها، والطب أيضاً يؤكد ويقول يجب تجنبها. إذاً في النهاية علينا الابتعاد عنها. لماذا؟ لأننا عندما نبتعد عنها، يساعد هذا على العفاف، وعندما نقترب... والنفس كالطفل إن
تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه. يا فاطم النفس، عندما تعطيها شهواتها كما يقول فرويد، تنحدر إلى النفس الأمارة بالسوء أكثر. فيقول لك أعطها أكثر، ستنحدر أكثر إلى أن تنحدر إلى أن تكتئب وإلى أن يأتيك اكتئاب فيدوم لك مع بيع الحبوب أيضاً. لكي يعالج الاكتئاب، لكننا نقول له: يا فرويد، كل ما قلته صحيح، لكن أتعلم يا فرويد أننا نتحدث عن النفس الأمارة بالسوء؟ كل دراساتك يا فرويد صحيحة مئة في المئة، إنما عن نفس واحدة وهي النفس الأمارة بالسوء. نحن لدينا برامج لتربية هذه النفس الأمارة بالسوء
وإخراجها من سوئها. إلى أن تكون نفساً لوامة تلوم صاحبها وتدفعه إلى الأمام وإلى العلوم، ثم تكون نفساً ملهمة يلهمها الله صوابها بعد أن ألهمها قبل ذلك النجدين طريق الخير وطريق الشر، ثم بعد ذلك تصير راضية مرضية مطمئنة كاملة. فما رأيك؟ وفريد أن أنت ستودينا في داهية. فرويد فكر هكذا وجلس ورأى. ولاحظ وكذلك على فكرة إياك أن تقول له أنك مخطئ. هو صحيح، لكن أين في وصفي والتعامل مع النفس الأمارة بالسوء؟ يصفها نعم بشكل صحيح، ويتعامل معها نعم بشكل خاطئ. هو مخطئ
لأنه يريد أن تزداد سوءاً، ويريد أن تسترسل في شهواتها، ويريد أن يصل بها إلى الحضيض، ونحن نريد أن نصل. بها إلى العلو والسمو فرق كبير. لم تقل له: أنت مخطئ، لا، هو صحيح في وصفه. نعم، كان يتحدث عن النفس الأمارة بالسوء. صحيح، فماذا نفعل معه؟ نعم، ولكن نعم، كلامك صحيح في هذا الجزء، ولكنك أكملت بشكل خاطئ. أنت تريد النفس السيئة أن تزداد في سوئها حتى تهدأ. لا، تجربة البشرية ليست هكذا، بل النفس كالطفل، إن تهمله شب على حب الرضاع، ويبقى ولد عنده تسع سنوات هكذا ويريد أن يرضع. قبيح ومضر
وسيء خلقاً وشرعاً وطبعاً ووضعاً. إذاً إذا قيل من قراءات أخرى لأنه يقول لك شيئاً ما، ما دام قد قيل، فقل لهذا ما تريده وعش حياتك. وانظر في هذا الأمر، فما قيل من آراء أخرى هي كلام ضعيف، كلام ليس معتمداً لا للعمل ولا للفتوى، كلام عندما يُطبق ويُسار في نهجه لا نصل إلا إلى الحيرة وإلى الخيبة، ولذلك نريد بالإضافة إلى الأحكام أن نضيف تجربة الأتقياء الأنقياء الأولياء الذين رحلوا عنا إذا
كان الأمر لا يتعلق بزمان ولا يتعلق بمكان ولا بحال ولا بشخص إنما هو أمر المطلق أن هذه الفعلة يا ليتها لم تكن قيلة على رأي الإمام القرطبي رضي الله تعالى عنه وأرضاه فماذا تفعل؟ تفعل ما نصح به رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل العفاف: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج". ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم