حكم سفر المرأة بمفردها | أ.د علي جمعة

يسأل سائل فيقول إن ابنتي متفوقة حتى جاءت لها منحة من جامعة في دولة أوروبية وتريد أن تسافر وأن تنتهز هذه الفرصة للدراسة وللتفوق وتعود فتنفع ناسها ومجتمعها إلا أنها ستسافر وحدها فما هو حكم الشرع في سفر المرأة وحدها؟ تكلم العلماء في هذا من حديث رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تسافرن امرأة تؤمن بالله واليوم الآخر فوق بريد من غير محرم". هل هذا الحديث له علة، له سبب، حتى إذا توافر السبب ثبت حكم تحريم سفر المرأة وحدها؟ أو أنه مطلق بلا سبب فيحرم على المرأة دائماً أن تنتقل من مكان لمكان؟ اختلف العلماء في هذا. فذهب فريق إلى أن له علة وسبب متى وجد وجد الحكم ومتى انتفى انتفى الحكم والعلة أمن
الطريق وأمن الإقامة فإذا كان الطريق آمناً ليس فيه قطاع طريق مثل زمان يخرجون على القافلة ويأسرون الناس وينهبون الأموال ويسرقون العير والنفير بل إن الطريق آمن جاز للمرأة أن تسير وحدها وأن هذا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحريم سفر المرأة وحدها في وقت كان المسلمون في حالة ترصد من الكافرين، والنبي لا يسمح أبدًا لامرأة واحدة أن تكون تحت يد الكافرين، فإذا سافرت وحدها ولم تجد حماية لها،
اضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ترصدها. وخطفها إلى أن يجرد التجاريد ويحرك الجيوش، ولذلك كانت المسألة تتعلق بأمن المسلمين ودولتهم، ومن هنا ربط هذا بالإيمان بالله واليوم الآخر، وقال: "من كانت منكن تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تسافر وحدها أو بدون محرم فوق البريد"، هذا حتى لا تصاب بهذه البلوى من الأسر والخطف والنهب والسلب فيضطر. رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيفعل أنه لا يتركها أبداً. ما
الذي جعل هذا الفريق من العلماء يقول ما قال؟ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل أن يستنصر للصحابة الكرام في مكة فقال: "إني رسول الله ولينصرني الله حتى تسير الظعينة". الظعينة تعني المرأة المسافرة. كلمة "الضعينة" احفظها هكذا: المسافرة، كلمة عربية قديمة لم نعد نستعملها الآن. ولكن "حتى تسير الضعينة من مكة إلى الحيرة لا تخاف إلا الله والذئب على غنمها". تخيل إذاً امرأة تمشي ومعها بعض الغنم، تسير بهم هكذا من مكة -
وفي رواية أخرى إلى صنعاء - من مكة إلى صنعاء عبر الجبال، جبال. حجاز وتهامة وتصل حتى تصل إلى صنعاء جبال رائحة وتخرج أرضها عرقاً، لكنها ليست معتادة على ذلك وتسير بقطيع غنم. أتعلمون مما تخاف؟ تخاف من الذئب لئلا يخرج ويأكل شاة من أغنامها. إن لم تكن خائفة من قطاع الطرق ولا خائفة من اضطراب الطريق ولا خائفة من الأمن. من عدم الأمن في الطريق، ولا هذه خشية الله، يكون سائراً سليماً جيداً بشكل حسن هكذا، والذئب على غنمها.
قالوا: وهذا يدل على أن الحديث الأول معلل له، له سبب وهو الأمن. اليوم المطارات فيها أمن، والطائرة فيها أمن، وهذه البلد مثل هذه البلد، وربما هذه البلاد أكثر أمناً من هذه. البلاد انتبه كيف التي هي منها، فإذا يجوز السفر تذهب لتتعلم حسنًا وتأخذ شهادة لا مانع، وتتقي الله ولا تخاف إلا الله انتبه، والذئب على غنمها يعني ممتلكاتها لكي لا يسرقها الشباب في سكن الطالبات أو غيره، هم لا يراعون في مؤمن إلًا ولا ذمة.
إذاً يجب عليها أن تهتم بشؤونها كما كانت المرأة تهتم بالشاتين اللتين رزقهما الله بهما. فنحن إذاً مع الفريق من العلماء الذي يقول إن الحديث معلل، أي له علة، وأن العلة هي علة الأمن، وأن هذا الأمن متى توفر فإنه يجوز للمرأة أن تذهب إلى الحج. وأن تذهب إلى طلب العلم وأن تذهب إلى بر الوالدين وأن تذهب إلى طلب الرزق وحدها ما دام توفر عنصر الأمن. إذاً هذه الإجابة هي اختيار لأحد الرأيين في الفقه الإسلامي لكنه الأنسب
لعصرنا. خرجت المرأة فتعلمت وعملت وقادت وتولت المسؤوليات، فأجدر بها أن تكون لها هذه الحركة لأن الإسلام. لا يمنعها من هذا إلا حفاظاً على أمنها وحياتها وعرضها ومالها وملكها، وهكذا كل ذلك من غير اجتهاد جديد، وإنما مؤصَّل بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومؤصَّل بقواعد أصول الفقه وفهم الشريعة الإسلامية، وفيه اختيار لما ذهب إليه علماء الأمة، لماذا؟ مراعاةً للمصلحة
وعملاً بمقاصد الشريعة وامتثالاً. لما أقامنا الله فيه من واجب الوقت في عصرنا الفقه الإسلامي أمامنا، ننتقي منه ما يحقق مصالح الناس، وننتقي منه ما يكون تحت مقاصد الشريعة وتحصيلها، وننتقي منه وهكذا وهكذا. جاءت فتاة وقالت لي: "لا، أنا لا أريد أن أسافر احتياطاً". أنتِ حرة، لا تسافري. هل كان السفر واجباً؟ واجب! أنت حر، إنما عندما يسأل أحدهم: هل أُرسل ابنتي أم لا؟ نقول له: أرسلها. قال: حسناً، لا، أنا لست
مرسلاً. أنت حر، أنت حر، أنت وابنتك. نحن نقول لك كيف هي الشريعة، ونقول لك ما هي آراء الفقهاء. أما أنت فإن أردت أن تعيش مع نفسك، فلا مانع، والشريعة لا تمنعك، يقول. رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البستي في العزلة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن من خالط الناس وصبر على أذاهم كان خيراً ممن اعتزل الناس. حسناً، أو الذي اعتزل الناس، لا مانع، أنت حر، لكن على فكرة، أفضل منك الذي يُبتلى بالناس ويصبر. يصبر عليهم ويصبر على أذاهم وينفعهم وهكذا إلى آخره، والنبي
صلى الله عليه وسلم يقول فيما أخرجه البخاري أنه سيأتي على الناس زمان يكاد أن يكون أفضل مال المرء غنيمات يتتبع بها شعف الجبال ومواضع القطر، يفر بدينه من الفتن. لا يتحمل - يا عزيزي - المصائب التي نعيش فيها، فخذ بعضه. وأحضر له شاتين وذهب ليجلس في مكان، لكن يجب أن يختار المكان المسموح به حتى لا يدخل في منطقة عسكرية وهو لا يدري بها. هل تلاحظ كيف أن بعض الغنيمات يُتَّبع بها شعف ادروش؟ حسناً، ولكن الذي في المدينة أفضل منه، والذي في
المدينة أعلى منزلة عند الله منه، والصابر على أذى الناس خير منه، إنما... نحن سنمسك الناس لا حرية، ولكن مع هذه الحرية يجب علينا أن ندرك ما هو الأعلى والأبر. الأعلى والأبر نفع الناس، الأعلى والأبر خدمة الناس، الأعلى والأبر عمارة الدنيا وليس العزلة. وهكذا يجب أن نفهم الفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية. نحن لا نرغم أحداً على شيء، ولكن قضيتنا البيان.