حكم من مات مدمنا للمخدرات | أ.د علي جمعة

سؤالٌ وردَ يقول: ابني مدمنُ مخدرات، فذهبتُ به إلى العلاج وعولج وترك، لكن غلبته نفسه فعاد. فذهبتُ به إلى العلاج فعولج وترك المخدرات، لكن غلبته نفسه فعاد. وفعلت ذلك للمرة الثالثة. لو مات وهو على هذا الحال من التذبذب، فما حاله عند الله؟ النبي صلى
الله عليه وآله وسلم عالج. مِمَّن أسلموا في عصره وجعل الحبَّ دواءً لكل داء، وكان هناك مَن قد أدمن الزنا والعياذ بالله تعالى، وهناك مَن أدمن الذهاب إلى العرَّاف، وهناك مَن أدمن الخمر، وهناك مَن أدمن شرب الدم، وكل هذه من المحرمات في دين الإسلام. ونضرب على ذلك مثلاً وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلَّم عالج بالحبِّ وجعله شفاءً لكلِّ
داء. أولاً، كان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم يأمرنا أن القاعدة هي الستر، وقال: "من ستر على مؤمن في الدنيا ستر الله عليه يوم القيامة". وقال صلى الله عليه وآله وسلَّم: "استر أخاك ولو بهدبة ثوبك"، يعني ولو بطرف ثوبك هكذا، والستر لا... أي أننا نقر المعصية أو نعظم شأنها، بل إننا نرحم الفاعل وندعوه إلى الهداية ونترفق به. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عنده رجل يقال له نعيمان، وكان
نعيمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه مدمناً للخمر، فكان يشرب الخمر بعد التحريم ثم يأتي رسول الله صلى الله عليه. وسلم باكياً في الصباح ينازعه الإيمان ويقول: "يا رسول الله، وقعت في الخطيئة، أقم عليّ الحد حتى تطهرني". فيقيم عليه الحد، وحد الخمر كان بأن يماس جسده شيء، فمنهم من يضربه بالنعال، يمسك النعل هكذا ويضربه ضربة، هذه هي الضربة،
وهم أربعون ضربة، ومنهم من يضربه بالعمامة، ومنهم... مَن يضربه بكفه، ومنهم وهكذا أربعين ضربة، فينتهي الأمر. فإذا لم تكن الحدود إلا للزجر ولتعظيم المعصية، وليست للانتقام ولا للعقوبة البدنية المؤدية إلى الهلاك، وكان نعيمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه يظل شهراً وشهرين وهو لا يفعل المعصية، ثم تغلبه نفسه بعد هذا فيقع في المعصية، فيأتي رسول الله ويكرر
هذا نعيمان عبر الشهور والسنين مرات عديدة. النبي، تعظيماً لمصيبة شرب الخمر ومعها المخدرات، حتى يخاف الناس ويخاف الشباب الجديد أن يرتكبوا هذه المعصية النكراء، كان يقول: "من شرب الخمر فاجلدوه، فإذا عاد فاجلدوه، فإذا شرب الرابعة فاقتلوه". ولم ينفذ هذا الحديث عبر الزمان والمكان في الإسلام لأن...
كل الأئمة فهموا منه أنه للزجر وليس للإيقاع، فعندما ترى شخصاً يشرب فتقول لي: يا أخي، هذا فيه حد قد يصل إلى القتل، أما أن تطبق يعني أن يصدر قانون بالتطبيق، فلا. سيدنا النبي يعلمنا أن الحدود زواجر وأنها ليست للعقوبة البدنية والانتقام من العاصي، بل... لصد الناس أن تدخل في المعصية أصلاً، فإذا دخلت فبالحب. عمر رأى نعيمان في المرة الخامسة أو السادسة، فقال: "يا رسول الله، اتركني أقتل هذا المنافق".
دعني أقتله وأنا أمسكه من قفاه هكذا. كان سيدنا عمر مترين وثمانين سنتيمتراً، فكان كبير الحجم قليلاً، فكان يمسك أخانا هذا. وسيقتله لأنني مللت منه. والله أنا مللت، شيءٌ كهذا. قال يا عمر إنه يحب الله ورسوله. ما الذي حرّكه؟ هل شرب في الخفاء وجاء الآن يبكي ويقول اضربوني واعملوا بي؟ أعينوه على الشيطان ولا تعينوا الشيطان عليه. هذه هي الأسس: الحب، الستر، المعونة، وليس الفضيحة والتعالي كما يفعلها المتشددون. يتعالَوْن على المذنب ويتكلمون
كأنهم الناصحون، وهذا لا يا أخي، لا يا أخي، هذا هذا كِبْرٌ لا يُدخلك الجنة يا عمر. إنه يحب الله ورسوله، نعم، لكنه شرب الخمر للمرة الخامسة وكذا. لا، لقد كان سيدنا عمر وقّافاً عند حدود الله، الذي أول ما يسمع أمر الله هكذا يطيع. عنده إشراقة يفهم بسرعة أنه يحب الله ورسوله، وكان نعيمان رضي الله تعالى عنه من أظرف الناس، كان عنده فكاهة كثيرة. من نوادر نعيمان أنه كان يذهب إلى البقال فيأخذ منه أشياء ويقول له: "هذا
لرسول الله وأصحابه"، فيظن البقال أن هذا طلب يعطيه لنعيمان ليوصله، ويأتي لرسول الله ويضعها. بين يديه قليل من الجبن مع الحلاوة. أحدهم قال: بالنبي قل لي شيئاً، لكن لم تكن هناك حلاوة قديماً. حسناً، هذا للتوضيح. هل كان هناك جبن وحلاوة قديماً؟ ويتركك من الموعظة ويتمسك بماذا؟ هل كان هناك جبن وحلاوة قديماً؟ لماذا؟ لماذا يفعل ذلك؟ لأنه يريد أن يعيش في زمن آخر. رسول الله وليس منهج رسول الله، ونحن نقول إن الإسلام صالح لكل زمان ومكان بماذا؟ بمنهجه، ليس بزمان رسول الله. رسول الله لم يكن لديه سجاد في المسجد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن الأرض مسفلتة في عهده، ورسول الله لم يكن
يقاتل بالطائرات والدبابات، فهذا يريد أن يعيش في ذلك الزمن. رسول الله ويجلبه علينا، فإذا اصطدم بمصلحته تركه وركب السيارة ولبس الساعة واستخدم الراديو وما إلى آخره. فماذا يكون؟ إنه ليس سطحياً، وليس سليماً. يعني بعد قليل يأتي البقال ويقول: يا رسول الله، السلعة بدرهمين. فيقول له: ما هذه السلعة؟ وهو جاء لرسول الله. قال له: هذه السلعة من... عند البقال الفلاني، فالنبي فكّر أنه سيهديه، وأنه مختبئ وراء أسطوانة من المسجد جالس يضحك، والنبي ينظر إليه هكذا وهو يضحك. خلاص، عليه الصلاة والسلام، بالحب في
هذا الولد. فما الحكم إذا مات على هذه الحالة؟ ربنا رحيم. أنتم تظنون أن الله سينتقم هكذا؟ لا أبداً، إنه يريد لكم الخير. والله سبحانه وتعالى هو الذي وفقه للتوبة وهو الذي ابتلاه بالمعصية، فسبحانه وتعالى حلو جميل، إن الله جميل، فلا تخافي عليه، بل أنتِ التفتي لأنكِ تهيئين له العلاج وتهيئين له المعونة على التوبة، أما الله فهو أرحم به منكِ، هي طبعاً تشفق على ابنها، فهو قطعة من قلبها، لا... أتظنين أن الله أرحم به منك؟