حول فضيلة الإمام محمد عبده | أ.د علي جمعة

حول فضيلة الإمام محمد عبده | أ.د علي جمعة - فتاوي
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. يسأل بعضهم عن موقف الشيخ محمد عبده وعما تردد عنه وعن موقف الأزهر الشريف منه، ويتكلمون على أن بعض علماء الشام رحمهم الله تعالى كان لهم موقف سلبي من الشيخ محمد عبده بناءً على موقفهم من جمال الدين الأفغاني: أما
العلماء الذين أدركناهم من الكبار ممن أدركوا الشيخ محمد عبده، بل وقرأوا عليه، كانوا يفرقون بينه وبين جمال الدين الأفغاني. جمال الدين الأفغاني رجل غريب عنا، يعني جاء وافداً إلينا وادعى أنه من الأفغان، وكان يجيد إجادة تامة الفلسفة وعلوم الحكمة العالية وعلم الكلام. والمنطق وعلوم المعقول، وكان
جمال الدين يدعو إلى أن الدولة قبل المجتمع، ويدعو إلى ثورة ضد النظام، والنظام حينئذ هو الخلافة، ويدعو إلى أمر في العالم الإسلامي يغير الحال. والحقيقة أن الحال كان مترديًا في هذا الزمان، وكانت البلاد تحت الاحتلال في شرقها وغربها؛ فرنسا تحتل الجزائر وإسبانيا تحتل المغرب. وإيطاليا بعد ذلك احتلت ليبيا، والإنجليز
احتلوا مصر ويحتلون الهند ويحتلون العراق، فهناك هجمة من أوروبا على العالم الإسلامي وهو تحت الاحتلال، ولم تكن الإدارة العثمانية على ما يرام خاصة في آخر حياتها. لما جاء جمال الدين كان يشاغب علماء الأزهر ويقدم لهم أدلة فلسفية على عدم وجود الله مما أساء سمعته بين الناس لكن هذه
الإساءة لم تصل إلى عقل وقلب محمد عبده وجلس معه بذهن متفتح يحاول أن يفيد الإسلام والمسلمين في الشرق والغرب وصار معه في برنامجه وفي خطته للإصلاح الاجتماعي والإصلاح التعليمي ثم لما رأى الرجل يقدم الدولة والصدام على الإصلاح والمجتمع انفصل عنه وكان جمال يقول له الدين في أواخر علاقتهما إنك من المثبطين، محمد عبده من المثبطين. وانفصل بعد ذلك بالسنين، عرفنا
أن جمال الدين قد يكون شيعياً إيرانياً وأنه ليس من أفغانستان، وذلك أن ابن خالته، يعني جمال، ألّف كتاباً اسمه "جمال الدين الأسدآبادي"، وجمال الدين الأسدآبادي من عائلة. شيعية معروفة، ثم عندما اختفى من مصر ظهر في إيران وكوّن جماعة لقتل الشاه ناصر الدين، والشاب الذي قتل ناصر الدين بالخنجر قال: "خذها من جمال الدين". فطلبت السلطات الإيرانية -
وقد فرّ الأفغاني من إيران إلى تركيا - السلطات التركية بتسليم جمال الدين الأفغاني لأنه متهم بقتل ناصر الدين شاه، ولكن لأن هناك عداء قديم بين تركيا وإيران بين أهل السنة والشيعة، رفضت تركيا تسليم جمال الدين حتى أنه مات مريضًا في اسطنبول وطُويت صفحة. في يوم من الأيام خرج علينا الدكتور محمد محمد حسين، وكان أستاذًا للأدب وتاريخه بكلية آداب جامعة
الإسكندرية، وألّف كتابًا واسعًا أسماه "الاتجاهات الوطنية في أدبنا". المعاصر وحمل فيه حملة شعواء بما قيل وما لم يقل على محمد عبده وتكلم كلاماً بعضه مؤول وبعضه غير صحيح وجلس يتكلم هكذا وانتشر هذا بين فرق جماعات الإسلام ثم سرى إلى علماء الشام أن محمد عبده هذا كان ماسونياً والحاصل
ليس كذلك الماسونية هذه جمعية تَرِد في كل بلد. وظاهرها الخدمة الاجتماعية حتى يكتشف أمرها وأنها تعمل سراً لمصالح جهات أجنبية فيغلقونها أو يتركونها أو يهملونها وهكذا، وحينئذٍ لما كانت دخلت هذه الماسونية لخدمة المجتمع فرئيسها الأعظم الخديو توفيق يعني ولي الأمر، فلما دخل محمد عبده للخدمة الاجتماعية من خلالها ظاناً أنها جمعية تؤدي الخير للناس، بعد ذلك اكتشف. حقيقتها وبدأ
الناس يكتشفون أحوالها فاستعفى منها الخديوي توفيق واعتذر وخرج منها محمد عبده وكوّن جمعية تسمى الجمعية الخيرية الإسلامية وهي تعمل إلى يوم الناس هذا في خدمة المجتمع والناس، وهذا يُعد له لا عليه لأنه عالم أراد أن ينفع الناس وأن يكون معهم يحمل همّ المسلمين ويحاول أن يوجد. بقدر الإمكان خدمةً لهم، والمعاصرة حجاب، وأنت في المعاصرة قد يضحك عليك اتجاه من الاتجاهات فتظن موسى
ويخرج فرعون، ولكن الله سلّم وتركهم وانتقدهم أن هناك أموراً غير سوية تقوم بها هذه الجمعيات، وكان ذلك دافعاً له أن يتمسك بالجمعية الخيرية الإسلامية وأن ينشئها إنشاءً صحيحاً حتى تعمل حتى. الآن الماسونية هل هي تعمل إلى الآن أو أنها تطورت وتحولت وتمحورت كلام عند الراصدين لها لكن بالجملة هي تعمل مخالفة لشريعة الإسلام لأنها تتكلم عن شيء يشبه وحدة الأديان والإسلام يرى في نفسه أنه طريق الخلاص وأنه لا باب لنا للخلاص إلا
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء قد يبدر منهم أن كل أحد يصل إلى الله وهذا ليس صحيحاً بالمرة، ولذلك تجد عندما دُعينا إلى الحوار وكان البادئ بهذا في العالم كله الفاتيكان، أخرجنا لهم من وثائقهم ما يثبت أن دعوتهم للحوار هي دعوة للتبشير، وأنه إذا أرادوا حواراً صحيحاً مؤداه التعايش فيجب عليهم أن يغيروا. هدفهم، وإلا فنحن لا نستطيع أن نتمادى معهم ما داموا على هذه الشاكلة.
وكان هذا في أواخر السبعينيات وفي أوائل الثمانينيات إلى سنة خمسة وتسعين، حيث أبرزنا لهم ما هنالك من وثائق تثبت أن الحوار يهدف إلى التبشير وليس إلى التعايش. إن كنتم تريدون تعايشاً فنحن أهل سلم وسلام وأمن. وإيمان أهلا ومرحبا بكم ولا تأتون كما قال رسول الله بخطة رشد إلا اتبعناكم فيها، أما أن تأتوا بما يخرجنا من هويتنا أو ديننا أو ثقافتنا أو من رضا الله عنا فنحن لسنا في حاجة إليكم ولستم
في حاجة إلينا، ولما وصلت الرسالة صريحة واضحة فإنهم قد غيروا أمرهم ونشروا. ضد ما نشروه قبل ذلك لهم خطاب بابوي اسمه "روعة الحقيقة" ولهم الخطة الخمسية لتنصير العالم، ثم بعد ذلك أنكروا ما أصدروا، والحمد لله رب العالمين. وتغير الأمر وأصبحت مجالس الحوار تحت مفهوم الكلمة السواء "تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله"، هذا هو المقصود. الكلمة السواء يتم الحوار. بعض
الناس مساكين صغار السن لم يعرفوا هذا التاريخ ويظنون الظنون في كل حوار، وهم لم يعرفوا نجاح المسلمين في تحويل دفة الحوار بين كافة أتباع المذاهب والأديان في العالم من محاولة التسلط إلى محاولة التعايش. وليس بعيداً على ربنا أن يوفقنا ولا أن يُعلي كلمته. سبحانه وتعالى والحمد لله رب العالمين، لكن بعض الناس دائماً في حالة ضعف وخوار، وهو يظن أننا على ضعف دائم وأننا في عجز مستمر، وأن الناس تحيط بنا لتقتلنا، والأمر
ليس كذلك، والله أعلم بما هنالك، بل لكل مجتهد نصيب، والحركة بركة، ولا بد علينا من تبليغ دين الله ولو. بآية كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك كان محمد عبده يدعو إلى شيء من همّ المسلمين في إصلاح التعليم وفي إصلاح القضاء الشرعي وفي إصلاح الإدارة، وفي محاولات كثيرة من أجل تصحيح المسار. نجح في كثير من هذا ولم ينجح في كثير منه، وكان يقول: "لقد ألقيت..." بالأزهر جذوة وقبسا من نور يأتي أكله بعد
حين، فأتى أكله بعد عشرين سنة من وفاته. كل ذلك قد لا يعلمه علماء الشام وقد لا يعرفونه وقد لا يعيشونه، وقد يقرؤون كلمة هنا أو كلمة هناك، ولكننا عايشناه وأخذناه من مشايخنا. هذا الرجل كان عالماً أخرج نهج البلاغة لعلي بن أبي طالب وأخرج أسرار البلاغة وأخرج دلائل الإعجاز وأخرج الموافقات للشاطبي والاعتصام وأخرج كتباً تدل على اهتمامه بالعربية وتدل على اهتمامه بالقرآن وتدل على اهتمامه بالسنة المشرفة، وكان من تلاميذه رشيد رضا، وكان
من كبار المحدثين. هذا هو حال محمد عبده، أما جمال الدين فلا نعرفه ولا نهرف بما لا. نعرف ولكن علامات الاستفهام عليه كثيرة، لكننا في شأن الرجل الذي انتسب إلينا وانتسبنا إليه حتى سمينا قاعة كبرى بالأزهر الشريف قاعة محمد عبده، فإنه كان على خير، نرجو الله سبحانه وتعالى أن يستر عيبه وأن يغفر ذنبه وأن يعلي رتبته في العالمين كما كان وكما يكون ظل محمد عبده. نموذجاً يُحتذى به في علمه وفضله وتقواه، وظل إماماً يُحتذى به في خدمته لمجتمعه ومصره
وناسه. ليس عيباً أن يعمل، ومن يعمل يخطئ، ولكن هناك أناس تريد أن لا تعمل حتى لا تخطئ، وهذا منهج غير سويّ. فيجب علينا أن نعمل وأن نزداد في العمل، فإن أخطأنا فلنا أجر وإن. أصبنا فلنا أجران والفضل عند الله، هذا هو ما تقرَّر في شأن محمد عبده. ومحمد عبده عندما تقدَّم إلى العالمية امتحنه مجموعة من المشايخ، كانوا حينها العالمية اثني عشر شخصًا يمتحنونك، وممن امتحنه الشيخ محمد راضي والشيخ البحراوي والشيخ
محمد أمين المهدي مفتي الديار، وبعد ذلك أجاب الشيخ على كل الأسئلة. التي وُجِّهَت إليه في اللغة وفي المنطق وفي البلاغة وفي التفسير وفي الحديث وفي الفقه وفي الأصول وفي المعقول وفي كافة ما سُئِلَ فيه اثنا عشر عالمًا كبيرًا، لكنه كان له عقلية ناقدة ينتقد بها بعض الأوضاع في الصحف، حتى أنه كان رئيسًا لتحرير الوقائع المصرية، وكانت هي الجريدة الوحيدة التي تصدر حينئذ، وكان بعض المشايخ غاضباً منه، أي أنه ليس لديه أدب عالٍ مع المشايخ بحيث
أنه ينتقد، فالعالمية يأخذها من الدرجات الأولى أو الدرجات الثانية أو الدرجات الثالثة أو لا يأخذها. الدرجة الأولى يدرس كل العلوم، الدرجة الثانية يدرس بعض العلوم، الدرجة الثالثة يدرس علماً واحداً يُعيَّن له. يقولون إنك جيد في المنطق وليس لك شأن بالتفسير ولا بالحديث، فقط المنطق. لا تدرس، انتهى الأمر. ينجح أو يرسب ويأتي في السنة القادمة. وكانوا يأخذون كل سنة ستة أفراد فقط، فواحد من المشايخ
الغاضبين قال: هذا لا يصلح، هو يصلح علميًا نعم، لكن لا يصلح أدبًا، فهذا... مصيره السقوط، فقال الشيخ محمد أمين المهدي: "لكنه أجاب والرجل لم يصنع شيئًا يوجب السقوط". قال: "أحلفه بالطلاق". الشيخ سيحلف بالطلاق إن محمد عبده لن يحصل على العلمية، فأسرع الشيخ محمد أمين المهدي وكتب بيده أنه يعطيها له من الدرجة الثانية، ومررها على الأعضاء وقال: "وقّع يا شيخ، وقّع، توكل". صلى
الله على النبي، فحدث هكذا أنه ذهب إلى الرجل الغاضب وقبّل رأسه وقال له: "خلاص إخوانك اعتذروا"، والرجل لم يفعل شيئاً ويأتي ليطلب سماحك يا سيدي، وقبّل رأسه. فحصل الشيخ على المرتبة الثانية وأخذها الشيخ محمد عبده، وكان يستحق المرتبة الأولى، وكان هناك تياراً محافظاً في الأزهر. رأس الشيخ عبد الرحمن الشربيني من كبار العلماء كانوا يرون أن هذا العلم ورد لنا بهيئة معينة لا نخرج منها حتى في طريقة الأداء أو في عدد العلوم أو في كيفية التلقي أو في كيفية الامتحان ونحو ذلك. كان
الشيخ الشوني أستاذ عبد الرحمن الشربيني، وعبد الرحمن بعد ذلك أصبح. شيخاً للأزهر لكنه لم يكن على وفاق بطريقة محمد عبده التي أنقذتنا كثيراً في التلقي وفي التلقين، ونحن نُجلُّ الشيخ عبد الرحمن الشربيني ولكن الحق أحق أن يُتبع. مدرسة الشيخ عبد الرحمن الشربيني ترى في التغيير فساداً، ترى في التغيير فساداً، يجب أن نبقى كما نحن، ولذلك هذه المدرسة. اصطدمت مع الواقع ولم
تستطع أن تكمل فأنشئت الكليات ومن بعد الكليات الجامعة ومن بعد الجامعة المعاهد ومن بعد المعاهد تغيرت الدنيا ولو كنا نسير على الطريقة المسجدية التي كان يريدها الشيخ عبد الرحمن الشربيني ضاع الإسلام لكن هو يرى أن آباءنا تركوا لنا أمراً فلا نفرط فيه وهذا أمر. في ذاته حسنٌ إلا أن النظر للمعاصرة ومحاولة التطبيق والتغيير على قدرٍ لا بد منه في كل عصر. فريق الشيخ عبد الرحمن الشربيني كان منه سيدنا الشيخ محمد الجنبيهي
المسكين، والشيخ محمد عبد الغرابلي، هو اسمه هكذا محمد عبد الغرابلي، وجلس يؤلف فيه الكتب يشتمه ويسبه ويلعنه ويأتي فيه. بكل نقيصة وسبب ذلك أنه تلميذ لجمال الدين، أي لم ينظر إلى المسألة بطريقة واسعة، وهو الذي ألف كتاباً أشرنا إليه من قبل. اتهمني وانتقدني هذا الشيخ محمد الجنبيهي المسكين بطريقة العصر السيئة، وأخذ يسب الشيخة والشيخ لا يلتفت إليه. وكان الشيخ محمد عبده رجلاً كريماً لما تولى الإفتاء.
في سنة ألف وثمانمائة وتسعة وتسعين كان يتقاضى ثمانين جنيهاً ذهبياً، وكانت هناك صحيفة تشتمه اسمها "حمارة مُنيتي"، أي الحمارة التي يركبها حتى يصل بها إلى هدفه ومنيته ومراده. فكان الولد بائع الجرائد يأتي أمام الرواق العباسي الذي كان الشيخ يدرس فيه التفسير، والشيخ خارج ويقول المفتي. والحمارة المفتي والحمارة، فالشيخ يقول له: "تعال، أحضر لي واحدة من المفتي والحمارة هذه"، ويعطيه جنيهاً ذهبياً. فيمسك
الولد الجنيه - هذا الجنيه يكفيه لثلاثة أشهر مثلاً - فيضعه في جيبه ويسكت، ولا يأتي مرة أخرى لبيع المفتي والحمارة حتى ينفد الجنيه. وعندما ينفد منه الجنيه بعد ثلاثة أشهر ولا... أمر يأتي المفتي والحمارة فالشيخ يقول له: "ماذا؟ انتهى الجنيه!" ويعطيه جنيهًا آخر لكي يعرف أنه إذا انتهى الجنيه فهو محتاج. وكان هؤلاء الناس يفعلون هذا لوجه الله. ظل أحدهم، الشيخ، يصرف عليه وهو يشتم الشيخ، وبعد عشر سنوات اكتشف أن الذي يدفع له راتبه
هو الشيخ الذي كان يشتمه. كانوا يفعلون هكذا. لوجهِ اللهِ لا يريدونَ من أحدٍ جزاءً ولا شكوراً، أمثالُ هذه الأخلاقِ أظنُّ أنَّها أخلاقٌ علَّمنا إياها سيدُنا صلى اللهُ عليه وسلم، وأنَّ هذا من بركةِ الإسلامِ ومن بركةِ التمسكِ به ومن بركةِ علمِه، إلا أنَّ الرجلَ كان منفتحاً على الخلقِ، كان يسافرُ وكان يلتقي بالناسِ وكان يقيمُ في أوساطِهم. كلاماً قوياً للدفاع عن الإسلام وعن المسلمين وله في ذلك سابقة. جمال الدين كان هناك حاشية للجلنبوي
وحاشية الجلنبوي علق عليها جمال الدين، فكتب فيما كتب أن الوحي مكتسب، الوحي مكتسب، يعني أن الإنسان عندما يدرب نفسه قليلاً سينزل عليه الوحي، وهذا كلام باطل سيئ مردود عليه في محله. وأعطى التعليقات لمحمد عبده ووضع اسمه عليها، "محمد عبده". على باب الله، أخذ التعليقات وقال له: "ضع اسمك فقط حتى لا يغضب الناس". قال له: "حسناً، تعليقات محمد عبده".
فظنَّ الناس أن هذه الكلمة، وهي بقلم جمال الدين، أنها لمحمد عبده، ويدل على أنها ليست له تفسيره الذي مراراً وتكراراً يتكلم. عن وهب النبوة ورسالة التوحيد التي ينص فيها نصاً ليعلم الناس أن النبوة ليست بكسب، سبحان ربي فما وحي بمكتسب. الوحي ليس مكتسباً، الوحي فضل من عند الله، ولذلك ختم بسيدنا صلى الله عليه وآله وسلم. إذاً الذين يشتمون في هذا الإمام ليس عندهم شيء من التحقيق، وندعوهم
إلى... يخلطوا بينه وبين جمال الدين وأن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى ما داموا على مشرب أهل السنة والجماعة، وليعلموا أن الله سبحانه وتعالى يحفظ الأزهر الشريف، وعندما يختار سبحانه وتعالى للأزهر أن يكرم محمد عبده وأن يعلي من شأنه، فلم يكن ذلك عن جهل ولا عن غفلة، بل كان ذلك عن درس وتتبع ومعايشة ومعرفة الحقائق فعلى أولئك الصبية أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى وألا يأخذهم العناد والرعونة وألا يستدلوا بكلام هذا وذاك فإنه
كلام غير محرر وكلام يخرج من عندنا شبراً فيصل إليهم ذراعاً أو باعاً فهذا مكان من هذه القضية أما قضية الحوار فالحوار شأنه كبير ولو سافر أحدهم ليغير رأيه وليعلم أننا قد انتشرنا في الأرض وأننا قد دخلنا في ديارهم وأن الزمن قد تغير وأنه لا بد من التعايش كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وكما فعل بالحبشة وكما فعل في المدينة عندما كان اليهود وعندما علمنا رسول الله النماذج الأربعة التي تكلمنا عنها فليتق
الله ربه ذلك الذي يريد أن يتصدر قبل أن يتعلم. البعض علق على تفسير فضيلتكم "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" بأنهم اليهود والنصارى مخالفة لتفسير فضيلتكم، نرجو الإفادة. أناس يريدون إشعال الفتنة، ماذا سنفعل؟ سيظل هذا النمط من أنماط العقلية التي تحتاج إلى هداية ربانية وخصومة تأتي. نتشاجر، تعال نضربهم بالحذاء. حسناً، هل لديك حذاء في رجلك؟ قال: لا. نشتريه إذن. هل معك نقود؟ لا، ليس معي، لكن سنجده. حسناً، عندما أحضر النقود،
هل توجد أحذية في السوق؟ لا، لا توجد. هذه عندهم الأحذية، يعني السلاح. حسناً، هل ستشتري السلاح منهم وتضربهم به؟ أي حماقة فوق حماقة فوق حماقة! قلنا إن هناك تفسير تنوع وتفسير تضاد. الضالون هم من لم يعرفوا الحق، غير المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وحادوا عنه. والتفسير موجود، فلماذا تختار التفسير الذي يجلب المناكفة والصدام وما إلى آخره؟ لكنك لست ناوياً، أنت لست ناوياً، أنت تريد أن تعيش لنفسك وفي نفسك، لكنه لم يعلمنا هكذا. ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، هذه طاقة حب ورحمة، وما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين. قلت له تعالَ، قال له: يا عمر، أترتدي الحرير؟ قال: أهديتنيها يا رسول الله. قال: لا أهديتك إياها لتلبسها، فأهدها لأخ لك مشرك وهو في المدينة. ليس آتياً ليخاصم، بل آتٍ ليهدي إلى. الله إنما يذهب كلينتون ليدخل عندك في مسجدك في أمريكا فتقدم له التفسير المترجم بأنه "العنوا اليهود والنصارى"، فيقول لك: "حسناً، أنا نصراني يعني أنا ملعون وأنا الآن في هذا المكان؟" فلندع السلام الختامي جانباً. أين هذا من دعوة النبي لوفد نجران وتركهم يصلون في المسجد؟
يا إخواننا دعونا من هذا العبث، فالله عز وجل قال عن اليهود والنصارى أنهم يحرفون الكلام. إنه يقول "غير المغضوب عليهم ولا الضالين"، حيث إن سورة الفاتحة يقرأها العالمون جميعاً، وكل الدنيا تقرأها، لا تمييز فيها بين رجل وامرأة، ولا بين مسلم وغير مسلم، ولا بين فقير وغني. هذا كلام يُقرأ، تعال. أصبحت صلاة اليهود: "الحمد لله الذي خلقتني ذكراً"، فماذا تقول المرأة؟ إن هذا في الصميم! نحن نفتخر عليهم ونقول لهم: انظروا هذا الكلام! والله لا يقوله إلا نبي: "الحمد لله رب العالمين" الذي يجمعنا كلنا هكذا، "الرحمن الرحيم، ملك يوم
الدين، إياك نعبد"، الله! الله! الله! الله! هذا عظيم. ما هذا؟ الثاني، أول شيء تعالين يا بنات وقلن ورائي: "الحمد لله الذي خلقتني ذكراً". ماذا تقول الفتاة وماذا تفعل؟ طيب، أنت لن تحتار هكذا. المتأخرون منهم ما هو إما أن الفتاة لا تصلي وإما أن تصلي. ولنغير الآن، المتأخرون منهم قالوا: ويُستحسن للفتاة أن تقول: "الحمد لله الذي خلقتني". امرأةٌ، هذا كلامُ الفقهاءِ، لكنَّ النصَّ: "الحمدُ للهِ الذي خلقتني ذكراً". يا جماعة، لا يصحُّ - واللهِ - "لا تتَّخِذونَ سُنَنَ الذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ". أنتم تفعلونَ مثلهم،
تفعلونَ ما ننتقدُه فيهم. إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ راجعون. ما نُسِبَ لمحمد عبده في كتبهِ مِنْ نفي المعجزات. مثل عدم إلقاء سيدنا إبراهيم في النار، هناك شيء يسمى معرض الرد، يرد عليه قائلاً: "أنا يزعجني في عقلي حكاية أن إبراهيم أُلقي في النار ولم يحترق". قال له: "لا تنزعج، فمن الممكن أن يكون مجازاً". قال: "نعم، إذا كان مجازاً فلا بأس به، حسناً هكذا أُسْلِمُ الآن". قال له: تعال أخي أسلم، أسلم فقط يا أخي، أسلم، ادخل يا أخي، هذا معرض الرد وليس عقيدة. طيرًا أبابيل ترميهم بحجارة من
سجيل. شخص سخيف هكذا يخرج ويقول لك: كيف يعني حجارة تنزل على رأس الشخص فتحطمه؟ والله لقد رأيت الرصاص ورأيت القنابل ورأيت كذا، فيرد عليه الآخر: الله. ربما الحجارة تمشي معك، فهو يقول حجارة من سجيل تمشي معك، أنت حجارة. قال له: "حسناً، تعال ادخل معنا". يعني يريد أن يُفهم الكبار أن هناك فرقاً بين النص وتفسير النص، وأن تفسير النص لا يمنع أبداً من دخولك الإسلام. إحسان عبد القدوس جاء. يَجوزُ ابنُهُ لبنتِ الشيخِ الغزالي، فقالَ له: "لكنْ أنا يُعارضني في الإسلامِ مسألةُ الخلودِ في النارِ هذه".
إحسانٌ لا يُعجبه الخلودُ في النار، لِمَ ذلك؟ قال: "أنا أُحبُّ اللهَ كثيراً، واللهُ يعني جميلٌ، يعني رحيمٌ، يعني لطيفٌ، وأنتم تقولونَ إنه سيُعذِّبُ في النارِ إلى هذا الحد، فأنتم المُخطئون". قال له: "ما سيدنا عمر، يقولون النار ستفنى. هل كانت عقيدة الغزالي أن النار ستفنى أبداً؟" قال له: "يعني هل يوجد قول يجعلني أنا كمسلم أؤمن بأن النار ستفنى؟" قال له: "نعم". قال له: "حسناً، آمنت بالله". هذه هي التي معذبة دماغه، يقول لك إزالة الشبهة هي التي متعبته كثيراً يعني. لا تعال يا حبيبي ادخل. وهكذا، ما الأمر؟ قال:
ورأيت الناس يخرجون من دين الله أفواجاً. قال له: بل يدخلون يا ولي. قال له: هذا كان على أيام النبي، على أيام الطريقة هذه يخرجون، لكن على أيام النبي لا عليه، كانوا يدخلون في دين الله أفواجاً. طبعاً الرحيم الذي يخاطب. الناس على قدر عقولهم. الناس، الناس عندها مثال: رجل جاء إلينا. لدينا شيء في الفقه يسمى الإسلام مع الشرط الفاسد. الإسلام مع الشرط الفاسد: قال له: "سأسلم لكنني مبتلى بالزنا، فاترك لي هذه المعصية". قال له: "أسلم فقط، أسلم وبعدها سيهديك الله". فأسلم. قال له: "لكن لا تكذب". قال
له: حسناً، قم يأتي ليزني ثم يقول "الله". لنفترض أنه سألني، ماذا سأقول؟ فيمتنع، يمتنع حتى يعتاد جسده على التقوى والعفاف. وانتهينا يا جماعة. أليس كذلك؟ دعونا من هذه الطريقة العجيبة الغريبة التي لم أقرأ أنها من الدين، بل كأنها من كهنة الفراعنة وقدس الأقداس. دعونا من هذه الطريقة.
    حول فضيلة الإمام محمد عبده | أ.د علي جمعة | نور الدين والدنيا