حول ما أثير مؤخرا من محاولة بعض الأطباء نقل رأس إنسان لأخر | أ.د علي جمعة

حول ما أثير مؤخرا من محاولة بعض الأطباء نقل رأس إنسان لأخر | أ.د علي جمعة - فتاوي
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مع المحجة البيضاء التي تركها لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليها نعيش هذه اللحظات عسى أن يحسب الله سبحانه وتعالى لنا هذا المجلس عنده من مجالس العلم وأن يوفقنا إلى ما يحب ويرضى وأن يوفقنا وأن ينقلنا من دائرة سخطه إلى دائرة رضاه وأن يجازي عنا النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله
وسلم خير ما جازى نبيا عن أمته ورسولا عن قومه. سائل يسأل عما تردد في الأخبار الأخيرة قال: سمعنا مؤخرا عن محاولة بعض الأطباء نقل رأس إنسان لإنسان آخر، وأود أن أسأل فضيلتكم: إذا نجح هذا الأمر يوماً ما ونقلنا دماغ الشخص (ألف) إلى جسد الشخص (باء)، فما موقف العقود وغيرها من زواج وما شابه التي التزم بها كل من الشخصين (ألف)
و(باء)؟ هذه محاولة تحدث عنها الأمريكيون وتحدث عنها الإيطاليون أنهم يحاولون نقل الرأس من شخص ليعيش بجسد عليل. إلى شخص آخر قد مات عقله أو مخه، فيرفعون هذا الرأس ويرفعون هذا الرأس، ثم يضعون رأس الحي على جسد الميت، فيكونون قد استبدلوا الجسد العليل بآخر صحيح، يعني الكبد صحيح والكلى صحيحة والمعدة صحيحة والمريء صحيح، قطع غيار. هل
هذا ممكن؟ إلى الآن لم يتم، ولكن هناك أخبار تنتشر. أنهم نقلوا رأس الميت للميت، حسناً هذه سهلة، فلينقلوا رأس الميت للميت، إذ لا توجد علامة على هذا. قالوا: بل هناك علامات الحركة أو غيرها. حسناً، إن حركة المذبوح موجودة، فعندما نذبح دجاجة نجدها تتحرك، ولكنها ليست حركة الحياة، بل حركة المذبوح مثلاً، إنما... الجدل دائر هل هذا ممكن أو أنه لا يمكن، لكن السائل لا يدخل معنى في هذا. هو يقول: فلو حدث، يعني أرأيت لو أنه
حدث، فماذا يكون الحال؟ الحال أن الذي معه الفكر هو الرأس لأن الفكر محله المخ والدماغ، والحال أن هذا المخ هو الذي يتصرف ويضبط حركة. الأعصاب في الجسد، والحال أن هناك شخصاً حكمنا عليه بموته، وإن كان ميتاً فهو لا يزال طازجاً. ما هي قطع غيار إذن، فقد حوَّلوا الإنسان إلى قطع غيار. هو يسألني ليس في جواز هذا من عدمه، هو يسألني تم هذا فماذا نفعل؟
نقول إن الحكم يتبع الرأس، يعني لو حصل. يكون هذا الشخص الجديد ذو الجسد الجديد الذي كان قد حُكم عليه بالموت فعلاً، لأنه لو لم يحكم عليه بالموت لكان نقل الرأس من حي إلى حي، فيصبح لدينا شخص واحد، وهذا الجسد القديم عليل، لكننا استبدلنا به جسداً ليس بعليل صحيح الجسد، ونقلنا له الرأس، وبغض النظر عن جواز هذا. قانوناً أو عن جواز هذا شرعاً أو عن جواز هذا خُلُقاً لأنه قد يعترض الأخلاقيون على هذا وقد يعترض المتشرعون على هذا وقد يعترض أهل القانون على هذا وإنما
تم المقصود ونُقِلَت الرأس الحي إلى جسد ميت فالعبرة بالرأس لأن ما سوف يتذكره هذا الإنسان سيكون هو للأول الحي الذي هو نقلنا رأسه إلى جسد صحيح ويقاس على هذا أن العقود والذمة والحساب سيكون على الشخص المنسوب إليه الرأس التي هي رأس حية قد نُقلت إلى جسد غير حي. في الستينيات قام شخص كان اسمه فورست وأظنه يحيا إلى
الآن وأعلن أن تجاربه تسعى إلى القضاء على الموت بحيث إلا يموت الإنسان ومضى على هذا الكلام نحو خمسة وخمسين سنة، ولم يُقضَ على الموت، بل استحر الموت في الناس. فمثل هذه الأشياء لا يصلح فيها "أرأيت"، ولو فُرِض حتى تتم، فإذا تمت فقواعد الفقه الإسلامي تجيب. وهناك فارق كما بينا بين حل المسألة وحرمتها وبين التصرفات الناتجة عنها. بعد
فعلها يمكن أن بعض الفقهاء عند هؤلاء في الزمن يقول هذا حرام مثلاً فيصبح لا يجوز، وإن كان ممكناً طبياً لكنه لا يجوز لأن المجتهد يرى محاولاً في اجتهاده أن هذا ضد الأخلاق، ضد بعض الحِكَم الإلهية العليا التي خلق الله الكون عليها، إذاً هذا نوع من أنواع الفساد إذا كان. ضد الحكمة التي خلق الله الناس عليها من عبادة وعمارة وتزكية وهكذا، ويرى بعضهم أبداً يعني ما في مصلحة محققة وأن الأمر يختلف من البدايات إلى الوسطى إلى النهايات حسب الدربة والاحتمال في إحداث الضرر.
الرجل الحي هذا صدم رأسه ولأي سبب كان لم نستطع ربطها بالآخر، إذاً. قتلنا اثنين، واحد ميت فعلاً وواحد أمتناه نحن لأجل هذا اللعب. نعم، هذا في البدايات، لكن لو أن العملية تكررت مراراً بحيث أصبحت لدينا خبرة وملكة وإمكانية وما إلى ذلك، يتغير الحكم. ولذلك عندما حدثت أمور في بداياتها أفتى الفقهاء - وهم على حق - بحرمتها، ثم بعد ذلك أفتوا بحلها. لماذا؟ لشيوعها خُذْ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ. في مرحلةٍ استعماريةٍ احتُلَّت
فيها بلادُ المسلمين، حرَّم العلماءُ الزيَّ المشابهَ لأزياءِ المستعمرين؛ لأن في ذلك تكثيراً لسوادهم، وليس لأن القبعة أو ربطة العنق أو ما شابه ذلك حرامٌ في ذاتها. فالحرمةُ جاءت من تكثير سواد المستعمر المحتل الذي يريد [السوء] لوطني وأهلي وناسي. وديني وعرضي، السيئ من الأمر أن لهم الحق أنهم في هذا الوقت يحرمون الشيء لغيره وليس لذاته، فلما شاع بعد تطور المواصلات والاتصالات والتقنيات وما إلى ذلك، هذا الزي الذي هو
أكثر ملاءمة مع ركوب المراكب والسيارات والطائرات والقطارات وما إلى ذلك، أصبح حلالاً. فهل يكون الشيء حلالاً في وقت وحراماً؟ في وقت نعم باعتباره الأثر المترتب عليه في هذا الزمان كان فيه تكثير للمحتل الفاجر الطاغية وكان فيه نوع من أنواع التمثل بهم وتكثير سوادهم وتمكينهم في الأرض على غير الحق، بعد ذلك لم يعد الأمر هكذا وأصبح عندما ترتدي أنت هذه الملابس ترتديها لغرض آخر ليس منه تكثير السواد. وليس منه إقرار المحتل أو إقرار الفاسد الفاسق
أو أو أو إلى آخره، حتى نصوا على أن البياضة (لبس البياض) وهي سنة، لو صارت شعاراً للفاجرين في بلد، بحيث أن أول ما ترى شخصاً يرتدي الأبيض يكون فاسقاً. أي أن الفاجرين والفاسقين في البلد اتخذوا لهم شعاراً أنهم يرتدون الأبيض. يحرم عليك لبس الثياب البيضاء التي هي سنة نعم، لأنك لن ترتدي الثياب البيضاء وتسير في الشارع لتقول: "على فكرة يا إخواننا أنا لست منهم"، انتبهوا. ستجن هكذا لأن اللون الأبيض هنا أصبح رمزاً للفساد في هذا البلد في هذا الوقت، فيكون ممنوعاً وقد كان بالأمس سنةً محببةً
إلى القلوب. يعني هذا فعل سيدنا، فإن زال هذا الحال رجعنا ثانيةً نلبس البياض تسنناً وتمثلاً بسيدنا النبي عليه الصلاة والسلام إلى آخره. فتنبه فإن الأمر يختلف من مكان لمكان وزمان لزمان، وهذا منه فننتظر.
    حول ما أثير مؤخرا من محاولة بعض الأطباء نقل رأس إنسان لأخر | أ.د علي جمعة | نور الدين والدنيا