دورة أصول الفقه جـ4 | بتاريخ 12-10-1994 | أ.د. علي جمعة

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه نسلم تسليماً كثيراً. استعرضنا سوياً في الحلقات الماضية شيئاً من نظرية الحجية، ثم نظرية الثبوت، ثم بعد ذلك نظرية الدلالة. وكنا نود لو أننا دخلنا اليوم في نظرية القطعية والظنية، ولكننا نريد أن نلقي مزيداً من الضوء على قضية الدلالة. لأنَّ هذه النظرية نظرية الدلالة بمكوناتها تُمثِّل
الجزء الأكبر من أصول الفقه ومن آلياته. عَرَفْنا المرة السابقة أن الكلام منه ما هو طلب ومنه ما هو ليس كذلك، وأن الطلب إما أن يكون طلب فعل أو طلب ترك، وأن الطلب بصياغه المختلفة هو محل النظر الفقهي سواء كان بصيغة فعل الفعل المضارع المقترن باللام مثل "لتفعلنّ"، أو اسم فعل أمر مثل "عليكم أنفسكم"، أو المصدر المقترن بالفاء مثل
"فضرب الرقاب" و"فتحرير رقبة"، أي كأنه يقول: حرروا رقبة، اضربوا الرقاب، أو كان في صيغة خبرية لكن حقيقته هي الإنشاء أو هي الطلب، مثل قوله تعالى: "ومن دخله كان آمناً"، ليس هذا عن حال البيت والكعبة المشرفة بل هو أمرٌ للمؤمنين أن يُؤَمِّنوا من دخل فيه، لأنه على مر العصور رُوِّع الحجيج في بيت الله. هذه المساحة من كتاب الله وسنة رسوله هي أدلة لفظية، وهي مساحة الطلب بصيغها المختلفة كالأمر كما مَسَّنا، أو كالنهي "لا تفعل"، يُطلب من الإنسان فعل
شيء. أو ترك شيء، هذه المساحة هي الحقيقة محل نظر الفقيه. ثم دخلنا وقلنا إنهم يبحثون أشياء حول هذه القضية، فيبحثون الأمر ويبحثون هل هو للتكرار، هل هو للفورية أو للتراخي، هل يفيد التكرار أو يفيد المرة الواحدة. وقلنا إن الجمهور يقول إنه بالمرة الواحدة وأنه لا يفيد الفور بل إنه... على التراخي وأن الأمر بالشيء نهي عن ضده لا أضداده وأن الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء وغير ذلك من المباحث التي وقف عندها الأصولي يتأمل ويتدبر ويسأل ويفكر ثم بعد ذلك طبقاً لتفكيره
وتفكير إخوانه يختلف ويتفق مع الآخرين المهم أن هذا هو مجال البحث وهو أنه نظراً إلى أن القرآن منه طلب ومنه غير طلب، والسنة أيضاً، فلا بد أن نركز على الطلب. منه أمر ونهي، والأمر لا بد أن أفكر فيما يقتضيه ذلك الأمر، ثم بعد ذلك قال إن الأمر للوجوب ما لم تصرفه قرينة تدل على غير ذلك، والأمر والنهي للتحريم ما لم... تصرفه قرينة تدل على غير ذلك، وغير ذلك من المباحث التي تتعلق بهذا الجانب. إنما كان هذا هو الدافع للأصولي أن يفكر وأن يقول هذا، ولذلك عندما نفتح الكتب نجد أنه يتحدث عن شيء اسمه الخاص والعام، ثم في الخاص يتحدث
عن الأمر، والناس يتحدثون أيضاً عن دلالة الألفاظ من جوانب مختلفة وتكلمنا في المرة السابقة عن الكلي والجزئي، والكلي له أفراد كثيرة لكن الجزئي ليس له إلا فرد واحد. فالإنسان هذا كلي، وإبراهيم هذا جزئي. وإن هذا الكلي قد تكون أفراده متساوية فيه فهو المتواطئ في معناه مثل الإنسان أيضاً، أي فرد في إنسانيته، لكنه أيضاً قد يكون مختلفاً. الدرجات مثل البياض والنجاح، وضربنا أمثلتنا بمثل هذا ويسمونه المشكك. وهناك المشترك وهو اللفظ الواحد الذي له معانٍ متعددة كالعين. والمشكك سموه بذلك لأن الناظر فيه يتشكك هل
يُدرج هو من المتواطئ لأن فيه معنى مشتركًا، لأن البياض مشترك بين جميع درجات البياض، والنجاح أيضًا مشترك بين جميع درجات النجاح. أو أنه من المشترك لأن أفراده مختلفة في درجاتها ومتفاوتة في قوتها فيتشكك، ويأخذ الأصولي يبحث في مثل هذه المباحث. اليوم نكمل أجزاءً من هذا الجانب، فنتكلم مثلاً عن كلامهم عن المنطوق والمفهوم لنكمل به قضية التعامل مع الألفاظ للوصول إلى الفهم. هذه هي نظرية الدلالة، أريد أن أستدل بالألفاظ. التي أمامي لا أتوفر إلى معناها على مستوى
اللفظ وعلى مستوى الجملة، وهنا وعندهم المنطوق قسمان: صريح وغير صريح، والمفهوم قسمان: مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة. أما الفارق الأساس بين المنطوق والمفهوم فهو أن المنطوق ما كان في محل النطق، تسمعون بآذانكم الكلام فهذا في محل النطق، هذا
هو المنطوق الذي منه صريح وغير صريح لكن هذا يُسمى عندهم منطوقاً أيضاً. المفهوم هو ما كان في محل السقوط، أي أن المعنى الذي جاء إلى ذهنك جاء في مساحة مسكوت عنها في اللفظ ولكنها مفهومة من الكلام. وهذا المفهوم قد يكون مفهوماً موافقاً للمنطوق، وقد يكون مفهوماً مخالفاً للمنطوق. مثال ذلك أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سائمة الغنم الزكاة،
سائمة أي أنها ترعى في المراعي، وضدها المعلوفة. هي تلك التي تُحبس في الحظائر والزرائب في البيوت، بيت للحيوانات في الحظيرة، ونأتي لها بطعامها وكأنها مدللة. أما تلك التي تسعى على رزقها فتخرج بالنهار مع راعيها وتبحث. في الأرض تأكل من الكلأ والعشب، مرةً تجد ومرةً لا تجد، مرةً ترد مرعىً خصباً ومرةً ترد مرعىً جدباً. فهذه سائمة، والنبي صلى الله عليه وسلم يجعل فيها الزكاة. في
سائمة الغنم الزكاة، هذه الغنم لا تكلف صاحبها شيئاً، هو يتركها ترعى فترعى، فلا تتكلف أي شيء عليه في حين. أن المعلوفة تتكلف عليه لأنه يُحضر لها ولأنه يحبسها، وهذا الحفظ والحبس له مؤنة، فهو يحتاج إلى تنظيف حظيرتها ويحتاج إلى غير ذلك، في مؤنة وكلفة ومشقة وتكلفة زائدة، فعفى النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذ شيء من هذه المعلوفة. من أين هذا الذي أمامنا ليس... في سائمة الغنم الزكاة، أو النص هكذا: "في سائمة الغنم الزكاة". هنا المنطوق يوجب
الزكاة على السائمة، هذا هو المنطوق، ويقول إن السائمة فيها الزكاة. هذا المنطوق، هذا الذي سمعته بأذني، إن الغنم السائمة فيها الزكاة. حسناً، والمعلوفة مسكوت عنها، هو في الحقيقة لم يقل لي إذا كان... في الزكاة أم لا، هو سكت، ولذلك عندما آتي فأحكم على المسكوت عنه بضد وعكس المذكور أمامي. المنطوق أمامي فهذا هو مفهوم المخالفة، أو مع المفهوم أمامي فهذا هو مفهوم الموافقة. فضل المفهوم الذي منطوق أمامي سائمة ذكاة، طيب
ليست سائمة؟ لا، سائمة، إذن لا ذكاة، يعني المعلوفة ليس عليها. ذكاء: إذا فهمتم من النص أن المعلوفة عليها زكاة، فهذا ما يُسمى عند الأصوليين بمفهوم المخالفة، لأنني فهمت عكس الصفة. عرفت أن الزكاة مرتبطة بالسوم، مرتبطة بالرعي. إن لم يوجد السوم فلا توجد الزكاة، وإن وُجد السوم فالزكاة موجودة. وبهذه الحالة، عرفنا ما هو المنطوق وهو نسبة الزكاة إلى السائمة هو المفهوم وهو نسبة عدم الزكاة إلى المعلوفة. هل سمعت من قبل كلمة المعلوفة؟ لا، إنما جاء في ذهني ذلك الفهم بناءً على أنني
نفيت السومة عن المعلوفة، فنفيت ما ارتبط بهذا الوصف وهو الزكاة. لما أن ظهر الوصف، ذهب الحكم معه. هذه العملية عقلية عندي. إذاً، هذه إطلالة سريعة قضية المنطوق والمفهوم إلا أنهم تعمقوا في ذلك وجعلوا من المنطوق ما هو صريح وما هو غير صريح. المنطوق الصريح هو أيضاً ذلك الذي سمعته، هذا الذي مسنا به في سائمة الغنم الزكاة. سمعت عن السائمة، لكن غير الصريح قالوا إنه ثلاثة
أنواع أو أقسام، ما يسمى بدلالة الاقتضاء بالضاد. اقتصاد وما يُسمى بدلالة الإيماء. هو الإشارة على الصف، أي أن الإيماء هو الإشارة، يعني كان شخص يشير أو يومئ إلى الآخر، أي يشير إليه، فتكون دلالة الإيماء. والثالثة هي دلالة النص، وتتضمن أيضاً الإشارة. إذاً إذا كان عندنا ما هو دلالة الاقتضاء، فلا تخلط الأمور، دعها مختلطة لوحدها، ودلالة الإيماء ودلالة الإشارة،
ما هذه الدلالات؟ قال: دلالة الاقتضاء، هذه لا بد أن أُكمل النص الذي أسمعه حتى يتفق مع الواقع أو مع الشرع. الكلام الذي أسمعه لو حملته على حقيقته لكان كذباً، على حقيقته الصلبة الجافة لكان كذباً. النبي صلى الله عليه وسلم عندنا يقول مثلاً لا... صلاة إلا بفاتحة الكتاب، يعني ماذا بالمعنى الجاف الصلب الحقيقي اللغوي المجرد الذي وُضع من أجله النفي
هو الوجود؟ يعني لا توجد صلاة إلا إذا كان المصلي يقرأ بالفاتحة. حسناً، أنا الآن يا رب استقبلت القبلة وكبّرت وقلت الله أكبر ولم أقرأ الفاتحة وركعت وقمت وسجدت وهكذا. ماذا عن هكذا يقول على ماذا؟ يقول على أنني قد صليت. أنا لم أقرأ الفاتحة. إذاً، هذا الذي في الخارج ماذا وجد؟ وجد أن أحدهم يصلي. حسناً، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "لا صلاة إلا بأم الكتاب". معنى هذا - المعنى الجاف في الصلب الحاد - أنه لا يستطيع أحد أن يوقع هل هذا صحيح في الواقع أبداً أنني يمكن أن أقوم وأتحرك حركات الصلاة دون أن أقرأ الفاتحة؟ إذاً، فما
معنى هذا الكلام؟ معنى هذا الكلام هو أن هناك محذوفاً وهو "لا صلاة صحيحة إلا بأم الكتاب". من أين أتيت بالكلمة "الصحيحة"؟ ولماذا أضفتها؟ أضفتها حتى أصحح الكلام. ممكن لا. صلاة كاملة إلا بأم الكتاب كما يقول الحنفية، أجل، ما دام هناك شيء محذوف فيمكن أن أختلف أنا وأنت في تقدير ذلك، فيأتي الإمام الشافعي ويقول: لا صلاة صحيحة إلا بقراءة الفاتحة، ولابد علينا جميعاً أن نقرأ الفاتحة في كل حال، مأمومين وأئمة ومنفردين وفي كل الأحوال، ويأتي الإمام أبو... حنيفة يقول ليس واجباً عليّ أن أقرأها إذا كنت مأموماً مثلاً وليس واجباً عليّ وهكذا. من أين أتى بهذا الكلام؟ النبي عليه الصلاة والسلام يقول: "لا صلاة
إلا بأم الكتاب". قال: هناك دلالة اقتضاء هنا، يوجد شيء محذوف. ما هو؟ قلت له: الصحة، "لا صلاة صحيحة". قال: لا. أنا لن أقول هكذا ستحاسبني، أنا أقول لا صلاة كاملة إلا بأم الكتاب. ما دام أننا دخلنا في أن هناك شيء محذوف فتصبح المسألة واسعة، نستطيع أن نختلف فيها هنا. ولأجل أن هناك دلالة اقتضاء في اللغة العربية، سنجد خلافاً بين الفقهاء، وسنجد أن الفقهاء قد عرفوا ما هو القطعي هو الظني لأنهم هنا تأكدوا
في أنفسهم أن هذا ظني وأنني عندما ملت إلى أن أقدر كلمة صحة الصلاة بدلاً من كمال الصلاة أو الصلاة الكاملة فإنني قدمت لذلك اعتبارات عقلية وليست نقلية، اعتبارات في نفسي وهي أن نفي الصحة أقرب من نفي الوجود الذي هو الحقيقة الصلبة. الذي هو الحقيقة المنطوقة من غير اقتضاء، من غير تقدير ووضع شيء "لا صلاة" يعني بنفي الصلاة. طيب عندما أنفي الصحة، يكون ذلك أقرب إلى نفي الوجود أم عندما أنفي الكمال؟ لا، عندما أنفي الصحة، لأن الصحة معناها لا وجود لها شرعاً، وليس أنه لا وجود لها واقعاً. نعم، أنا يصلي
أمام هذه الحركات لكنها غير مقبولة عند الله، بالضبط كمن يصلي من غير وضوء أو يصلي إلى غير الكعبة أو يصلي ظهر غد اليوم، لا يوجد هذا، لا يؤخذ بفعله وفعله باطل، فهذه الصلاة غير موجودة، غير موجودة في الواقع، أصبحت موجودة في الواقع لأنه قام واستقبل القبلة. وقال الله أكبر، وقال قبل الله أكبر: نويت أن أصلي الظهر غداً. فلما قال هذا: نويت أن أصلي الظهر أو العصر غداً. نعم هو أدى صلاة، لكن هذه الصلاة ليست مقبولة شرعاً ولا صحيحة أبداً. هذه الصلاة كأن لم تكن، كأن لم تكن في الواقع ولا في الشرع، لا في فنفيهم للصحة أقرب إلى نفي الوجود. قال لي أبو حنيفة: "لماذا تدخل هكذا في هذه
المضايق؟ أنا عندي وجهة نظر أخرى. الله سبحانه وتعالى في القرآن لم يقل اقرأ الفاتحة، وقال في القرآن: (فاقرأوا ما تيسر منه)، لم يقل الفاتحة. وما يتيسر هو ما يأتي ويحمي الكلام على..." ما يوافق القرآن يكون أقرب مما يُحمل الكلام على ما لا يوافق القرآن ويزيد عليه. فأنا عندما سمعت حديثاً يقول "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، وسمعت حديثاً آخر يقول "من لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصلاته خداج"، أي ناقصة كالثوب المهلهل، لكنه لم يبطلها. أشعر هكذا بعقلي وإحساسي بمذهب أبي حنيفة. الذي يقول أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يُبطلها، أما أنه كان قال فهي باطلة، فعندما يأتي ليقول لي "لا
صلاة إلا بأم الكتاب"، تكون هنا الصلاة كاملة. صلاة الثوب الجديد فيها تمييز عن الثوب القديم المهلهل، لكن الثوب المهلهل لم يخرج عن كونه ثوباً، فكذلك الصلاة بغير الفاتحة لم. تخرج عن كونه يا صلاة فصحيح نقصه والفتحة أفضل والخروج من الخلاف أولى، لكن هذا شيء وكون أنها ركن من أركان الصلاة شيء آخر. نحن نريد أن نفهم هذا الحوار الذي يجري بينهم بناءً على قضية أن المنطوق غير الصريح له دلالة تسمى دلالة الاقتضاء، ودلالة الاقتضاء هذه تجعلهم يتناقشون. بهذه الطريقة يجعلون هذا النقاش من قبيل ظن القطعي، فلا
يُكفِّر بعضهم بعضاً ولا يُفسِّق بعضهم بعضاً، بل إن له مبرراً لأن الإطار المرجعي واحد، وهو أنهم قد حكَّموا الكتاب والسنة وجعلوهما حجة وتثبتوا من ورودهما، لكن القضية هنا قضية فهم وليست قضية حجية حتى أُكفِّر وأُفسِّق، وليست قضية ثبوت قضية الثبوت فيها ظنية وبعيدة، لكننا جميعاً مرجعنا إلى القرآن، فالقرآن معنا والسنة معنا، ولكن نريد أن نفهم. وهنا نجد المأزق الذي نعيش فيه في هذا العصر، أن كثيراً من الإخوة المخلصين عندما ينظرون إلى الكتاب والسنة وليست معهم فيه دلالة الاقتضاء هذه، فيقول: قال رسول الله صلى الله. عليه وسلم: "لا صلاة إلا بأم الكتاب"، فلا صلاة إلا
بأم الكتاب، وننفي الصحة وننفي الوجود ويبقى قول واحد. فإذا قيل له: "ولكن الأحناف ذوو السلف ما كملوا إلا ويكفرونك ويفسقونك يا فاسق"، أقول: رسول الله يقول وتقول الأحناف؟ كأن الأحناف عندما قالوا إنما اعترضوا على رسول الله صلى الله. عليه وسلم وهذا لم يكن، وكان الأحناف عندما قالوا إنما قالوا وكأنهم يتكلمون في الحجية وهذا لم يكن. هم يعرفون، هذا الذي بين أيدينا ويعرفون أنه لا صلاة إلا بقراءة الكتاب، ولكنهم يتكلمون على ما يسمى بدلالة الاقتضاء وما هو المحدود، أما نحن فنتوصل إلى ذلك بشيء من المنطق. والعقل كما فعل الجمهور، وإما أن نحاول أن نتوصل إليه ببعض القواعد الثانوية
التي تجعل حمل الكلام على ما يوافق القرآن أقرب وأبر من حمله على ما يزيد عليه، كما ذهب الحنفية. وهذا أمر أراده الله سبحانه وتعالى توسعة للأمة، وإعمالاً وتدريباً للفكر، وبناءً لمناهج اختلاف التنوع التي ينبغي أن تكون في العالم وإقرارًا بالتعدد في الفروع، كل هذا يربينا عليه ربنا، فإذا بنا نهدمه بعد أن بناه السلف الصالح، ونجعل القول قولاً واحدًا. النبي صلى الله عليه وسلم على مثل ذلك يقول: "من لم يبيت النية بليل
فلا صيام له"، وهنا يختلف العمل، هل النية بالليل ركن من أركان. الصيام في كل ليلة أو يكفي مرة في أول رمضان؟ هل نويت صيام رمضان هذه السنة؟ أم يجب في كل ليلة؟ إن الشافعي رضي الله عنه يقول لا بد من النية في كل ليلة، وهو والجمهور معه. عندما أقول الشافعية والحنفية، ليس معنى ذلك أنه الواحد أو هذا أحد، وإنما ناسٌ وناسٌ طريقان يعني، فالشيخ يقول: لا بد، لا بد، لأن النفي هنا وهو نفي لا يمكن أن يقع على الواقع. طبعاً، خلاص اتفقنا وفهمنا. لو أنني أخرج بشكل طبيعي وأنا ممتنع عن الطعام وأنا صائم هكذا، إنما لا بد أن يكون هو نفي صحة،
ونفي الصحة أقول به أنا شافعي لأنه أقرب إلى نفي الوجود في حين أن أبا حنيفة يقول هو نفي كمال وعلى ذلك فلا يشترط النية للصيام. وهكذا سنرى أن الفقه قد اختلف باختلاف الأدوات التي يستعملها ذلك الفقه، هذه الأدوات هي التي نسميها بأصول الفقه لأنه قد نظم ذهنه على أن هناك منطوقاً ومفهوماً وأن. المنطوق منه صريح ومنه غير صريح، وأن غير الصريح منه دلالة اقتضاء. فدخل بهذه الكيفية، وجدنا في هذه الألفاظ أن الله سبحانه وتعالى قد بنى الأحكام الشرعية على أوصاف قائمة بذوات، "والسارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما". فنحن الآن سنعالج دلالة الإيماء، سندخل الآن في دلالة الإيماء، ما هي هذه الإيماءة؟ يقول... إن الله سبحانه وتعالى يرتب الحكمة التي هي القطع على وصف الذي هو السرقة. لو لم تكن السرقة علة في القطع، دعنا نسير معاً هكذا، السرقة ليست إلا للقطع. حسناً، لماذا هي مذكورة هنا إذن؟ أليس لذكرها
فائدة؟ "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما". أيديهما، هي واضحة. إنما لا يمكن أن يكون سبب هذه السرقة إلا تلك القطعة، ولذلك وضعوا قاعدة تقول: اكتبوا هذه القاعدة إن بناء الحكم على المشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق. كلام سهل جداً، أن بناء الحكم على المشتق، بناء الحكم على المشتق، بناء القطع على سارق (فاعل)، سارقة (فاعلة). سارقٌ وفاعلٌ، هذه وهذا مشتق، أين المصدر الخاص به؟ سرقة. والزانية والزاني فاجلدوا كل واحد
منهما، أين المصدر الخاص بالزانية؟ الزنا. هذا هو المصدر، والسرقة هذا هو المصدر. طيب أين الأحكام التي بُنيت على هذا المشتق؟ القطع والجلد. طيب هذا يؤذن، هذا يدل، هذا يعلمنا أن الإيذان هو العلم، ولذلك أي نعلم أن في الأذان إعلام، وإذ تأذَّن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم، يعني وإذ أعلمكم ربكم بأنه أخبركم وأفهمكم أنكم إذا شكرتم لأزيدنكم. وسميت الأذن لأنها تُعلمنا أو نعلم عن
طريقها. فإذاً نعم، بناء الحكم على المشتق يُعلمنا بأن ما منه الاشتقاق وهو المصدر، ما منه الاشتقاق الذي هو المصدر هل الزنا والسرقة هو العلة بعلّيّة؟ يعني أيكون شيء إلا بعلّيّة ما منه الاشتقاق؟ هي تركبت هكذا لكنها سهلة الحكم لما رتبناها على مشق. فإن هذا يدل على أن المصدر هو العلة الخاصة بهذا الحكم. هذا مفهوم أم غير مفهوم؟ أليس مفهوماً إطلاقاً؟ مفهوم، أظن هكذا أنه مفهوم. إذن فالعلة السرقة، إليكم هذه دلالة الإيماء. دلالة
الإيماء هي إدراك العلة، وهي مسلك من مسالك العلة التي ستفيدنا في الإلحاق. في نظرية الإلحاق سنستفيد من هذا الجزء، لأنه سيأتي في نظرية الإلحاق ويقول لي: حسناً، هذه السرقة معناها هي في اللغة، لفظها هي سارقة، ومعناها في اللغة هو الأخذ. في خفاء من حرز شيء مغلق، لكن لو كان شيء غير مغلق كهذه العلبة وأخذت منها هكذا، حتى لو لم يكن ملكي، لا يُعتبر سرقة. ربما يُعتبر اقتصاداً، ربما يُعتبر جبروتاً، ربما يُعتبر شيئاً آخر، لكنها ليست سرقة. الأمانة التي عندي وخنتها، ذهبت وأكلتها، أو إذا كانت عندي أمانة وأكلتها، لكن ما يكون سرقة فهي سرقة الأخذ فيها خفاء من شيء مقفل من شيء مُغلق له حرز،
هكذا، الحرز يعني صندوق محرز، فأنا فتحت وأخذت منه ما فيه. الله! إذاً ماذا عن الناس الذين يفتحون القبور ويسرقون الأكفان أو يسرقون جثة الميت؟ أيكون سارقاً أم نباشاً؟ هو في اللغة اسمه ينبش القبر ويأخذ ما فيه، لكن هل يصدق عليه هذا فتُقطع يده أم يأخذ حكماً آخر؟ ماذا يريد الله منا؟ هذا الشخص يسأل نفسه: ماذا يريد الله؟ هل نقطع يد نبّاش القبور قياساً على السارق؟ فهنا إذا ما كانت السرقة هي العلة، وكانت حقيقة السرقة في اللغة باعتبار دلالات الألفاظ... الأخذ في خفاء، وكان هذا متوفراً في قضية النبش، فإنني يمكن أن أستصدر حكماً وأنا
مطمئن بأن النباش كالسارق في الأخذ في خفاء الذي هو علة حكم القطع، فتُقطع يده. وعندما أقوم بهذه الآليات لاستصدار ذلك الحكم، أقوم بها وأنا مطمئن لأنني سرت في خطوات بعيدة عن الهوى، منضبطة واضحة أقصد بها إيذاء أحد بعيني ولا كذا. هذه قوانين أتعامل معها وأدوات أتعامل معها. أحاول أن أكون في ظل وفي إطار مراد الله سبحانه وتعالى بأن ألحق الشبيه بشبيهه والنظير إلى نظيره، وهذا سنفصله في قضية الإلحاق. يتكلمون بعد ذلك عن قضية دلالة
الإشارة، وذلك أن المسكوت عنه هذا يقتضي. ويشير إلى شيء في لفظه بلفظه هذا ليس هو مراد المتكلم، ليس قصد المتكلم. أنا عندما أقول: "والسرقة" فقط، أنا أريد أن أفهمك أن السرقة علة للقطع. وعندما أقول: "والزانية تزني فاجلدوها"، أريد أن أفهمك أن الزنا علة للجلد. عندما أقول: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، أريد أن أفهمك أن ناقصة أو غير صحيحة. أريد أن أفهمك هذا: أنا أقصد هذا، لكن لو
أنني لم أقصد أن أذكر لك هذا الحكم إطلاقاً نهائياً، لم أقصد ذلك، فماذا يكون الحال؟ لو أنني قلت لك في نص شرعي "النية أول العمل"، وجدت نصاً يقول لي هكذا: "النية أول العمل"، فلا بد علي... أن أفهم أن هذا متعذِّب في الصيام لأن أول العمل في الصيام هو تبيُّن الخيط الأسود من الخيط الأبيض من الفجر،
وهذا أمر شبه مستحيل؛ لأنه ليس على المسلمين أن يخرجوا إلى الصحراء ويضعوا أيديهم تحت ذقونهم ويتأملوا متى سينفصل الخيط الأبيض عن الخيط الأسود فيأتي الفجر، وعند ذلك فإنهم ينامون كما يفعلون في التكبير في الصلاة، وكما يفعلون عند إخراج الذكر، وكما يفعلون عند التلبية في الحج، هذا ممكن. وكما يفعلون عند اصطدام أول قطرة ماء بالوجه في الوضوء، هذا ممكن عند الأول، لأن الأول هنا متيسر. إنه الله أكبر، ولم يحاولوا مصاحبته للنيل، لكن الصيام كيف أفعل هذا؟ فلا بد لي أن أفهم من هذا بدلالة الإشارة أن الليل كله
موطن لهذه النية. من أين أتيت بهذا الكلام؟ من الواقع؟ من التصور؟ من أنني أجلس فأتصور كيف أنفذ هذا الأمر؟ لا أستطيع أن أنفذ هذا الأمر إلا بتلك الكيفية، إذاً فلا بد لي أن آخذ إشارة. من هذا بهذا يتكلمون أيضاً، وما دام الأخ قد ذكر دلالة التضمن عن أن اللفظ، ولا أعرف إذا كنا شرحنا في المرة السابقة، لا، لقد شرحناها في المرة الثابتة، طيب، أن اللفظ منه دلالة مطابقة وهو على كمال معناه، أو التضمن
وهو ما كان على جزء معناه، أو الالتزام وهو على شيءٍ خارجٍ عن معناهُ. طيبٌ، يتكلمون أيضاً عما يُسمى بالخاص والعام، ويقولون إنَّ هناك ألفاظاً تستغرق جميع ما تصلح له بالوضع، وهذا هو العام. وهناك ألفاظ تستغرق جميع ما يصلح لها بالوضع، بوضع اللغة، هذا هو العام. هو اللفظ الذي يستغرق جميع ما يصلح له بالوضع، والخاص. بعكسه يعني
الخاص كأنه يدل على شيء واحد، فجلسوا يفكرون هل هناك ألفاظ للعموم؟ تكلم أبو العرب فوجدوا أن هناك ألفاظاً للعموم، وهذه الألفاظ التي للعموم مثل "مَن"، "مَن جاءك فأكرمه" يعني أي شخص جاءك فأكرمه، مثل "ما" "عفوت عما فعلته" أي كل شيء فعلته عفوت عنه، هي "ما" هي فيها كل الأعماق مثل الجمع المُحلّى بالألف واللام "المسلمون" يعني كل المسلمين، مثل الجمع المضاف "أولاد زيد" يعني كل أولاد زيد، وهكذا.
فجلسوا يذكرون صيغ العموم، ثم يتكلمون من تلك الصيغ على أحكامها. ماذا لو حدث أن خُصِّص العام، هل الباقي يكون قاطعاً في معناه أو يكون ظنياً في معناه؟ فبدأ العلماء يكتبون في كيفية هذا التخصيص أبواباً. كيف يتم التخصيص؟ أنا معي لفظ عام، أولاً كيف أعرف أنه عام؟ قالوا: تعرف
أنه عام إذا كان يجوز منه الاستثناء. فوضعوا قاعدة صغيرة هكذا: الاستثناء معيار العموم، يعني الاستثناء هو الذي يكشف لنا إذا ما كان اللفظ عاماً أو غير عام. فإذا جاءني حديث أو جاءتني آية وهذه الآية يجوز لي فيها الاستثناء، يجوز أن أضع الاستثناء فتكتمل بها المعنى، لا بأس، فإن هذه لا تكون عامة. وما دام عامة فهي تستغرق جميع ما يقع لها بوضع واحد،
فإذا ما خُصصت فالباقي فيه خلاف هل هو قطعي أم ظني. بين الشافعية والحنفية وهكذا. المهم أن نفهم هنا كيف يفكرون ولماذا يفكرون بهذه الطريقة. فلو مثلاً قالوا أن الذي يخصص هو الاستثناء، لو جاءني نص يقول: "أقم الصلاة"، هل هذا النص عام أو خاص؟ قال: هذا النص عام لأنه يجوز لغةً أن أقول: "أقم الصلاة إلا صلاة العصر". لو أنه... قال لي هكذا قال: كان يصح لو كان قال هكذا كان يصح، إذا أقام الصلاة، هذه من باب العام، الصلاة هذه جنس الصلاة فهي عامة، آتِ الزكاة
للمسلمين، يمكن أن يقول لي إلا أهل البيت فلا تدفع لهم الزكاة، ادفع الزكاة للمسلمين إلا أهل البيت، فتكون كلمة المسلمين هذه عامة. لأنها جاز فيها الاستثناء، عندما يأتي ويقول لي: "جاهد الكفار"، فهؤلاء الكفار عام، لأنه يمكن أن يقول لي: "إلا أهل الكتاب"، أو "إلا من أخذت منهم الجزية"، أو "إلا من عاهدتهم"، أو "إلا من كان بينك وبينهم عهد". وهكذا يتحدث العلماء عما أسموه بالمجمل والمبين، ويقولون إن
هناك تقسيماً. للألفاظ على الوجه الثاني، المراد في القلم هو النص الذي لا يحتمل إلا المراد، مثل قوله: "والله أحد"، ومثل "فصيام سبعة في الحج، وثلاثة في الحج، وسبعة إذا رجعتم، تلك عشرة كاملة". لا يوجد باب للخلاف، فلو لم يكن هناك "تلك عشرة كاملة"، لحصل خلاف هل هي ثلاثة أو سبعة ثلاثة داخل
فيهم السبعة فيصبح ثلاثة هنا وأربعة هنا، أم ما هي المسألة؟ كان من الممكن أن تكون لغة يحدث فيها خلاف، لكن عندما أراد أن يرفع الكلام ويحسم الأمر فيها، قال: "تلك عشرة كاملة"، انتهى الأمر. عندما يأتي ويقول: "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، انتهى الأمر، لا أصبحت ثلاث مرات، ولذلك اتفق كل المسلمين على أنها ثلاث مرات. مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وفي الثالثة أصبح خلاص، لا يحتمل إلا المراد منه. وهناك الظاهر وهو ما له أو ما يحتمل المراد
وغيره، فهو يحتمل المراد ويحتمل غيره، فله معنى آخر. لكنه في المراد أرجح لو أنه يحتمل المراد وغيره، لكن المراد هو المرجوح.
يعني المراد هنا هو الأرجح، لكن الدلالة واضحة لا تحتمل، ودلالة واضحة تحتمل ولكنها تحتمل الراجح أكثر، ودلالة واضحة لكنها تحتمل المرجوح. "الرحمن على العرش استوى"، يريد أن يفهمها ما معنى استوى، معناها المبدئي ومردودها. في ذهن العربي يجلس الله، فإذا جلس فهو له حيز كالأجسام، لكن الله سبحانه وتعالى يقول
"ولم يكن له كفواً أحد" ويقول "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير". هل هناك معنى مرجوح لكلمة "استوى"؟ قال: نعم، هناك معنى مرجوح وهو الاستيلاء، أنه قهر واستولى. قال: طيب، إذاً نحن لا نستطيع... أن نأخذ بالراجح بالظاهر من السوى جلل، وهذا أمر لا يمكن أن نقول به لأن هذا سيؤدي بنا إلى وصف الله سبحانه وتعالى بما لا يليق بجلاله، فلا بد علينا أن نخرج من ذلك. نخرج من ذلك بما يسمونه التأويل وهو ترك الظاهر. فتركنا الظاهر، لماذا تركنا الظاهر؟ تركنا الظاهر. للأدلة الأخرى العقلية والنقلية ولا
مشابهاً للأجسام، فهناك فارق بين المخلوق والخالق، والرب رب والعبد عبد، والله مفارق للأكوان بائن عن خلقه، وليس كمثله شيء ولم يكن له كفواً أحد. ما معناها؟ يقف السلف هنا ثلاثة مذاهب، بعضهم يقول: الله أعلم، لكن المؤمن هو ليس جسماً فيكون قد خرج. من دائرة الجسمية، سُئل: "إلى أين أنت ذاهب؟" قال: "لستُ ذاهباً، أنا أخرج فحسب". والثاني تجرأ ودخل دائرة أخرى، ففسّر المعنى بالمربوح وقال: "هو الاستيلاء"، وهم الأشاعرة. والثالث وقف في الوسط وقال: "لا، أنا لا أقول نجف، لكنها صفة تليق بجلاله، لا أعرفها كلها لأنني لا أعرف ذات الله
سبحانه وهؤلاء هم المثبتون الذين يقولون إنها صفة كابن تيمية وغيره، هذه المذاهب كلها سواء كانت المفوضة أو المثبتة أو الأشاعرة تركوا الظاهرة، تركوا الراجحة، تركوا أنه جفاء، الكلام هذا يقتضي أنه جفاء، والله سبحانه وتعالى منزه عن هذا، وهذا ما يسمى بالتأويل الإجمالي وعليه الأمة كلها، وبعض الناس يعتقد. أن ابن تيمية لا يقول بالتأويل الإجمالي يعني أنه كفر، فيبدؤون بتكفيره، وهذا خطأ. كل الأمة - ابن تيمية وغيره - يقولون بالتأويل الإجمالي، ولكنهم بعدما خرجوا من دائرة الظاهر، اختلفوا في وجهتهم، فتفرقوا: بعضهم وقف مكانه وقال
"الله أعلم"، وبعضهم وقف مكانه وقال "هي صفة لكنني لا أدرك كنهها"، أخرى وهي دائرة معنى آخر وهو مرجوح فأصبح يؤول تأويلاً تفصيلياً بأن معنى استوى هو استولى وقهر، ويستدلون بأشياء من اللغة وكذلك بقول: "لقد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق"، وأشياء من هذا القبيل حتى يدل على أن معنى استوى هو استولى. أغلب الآيات والأحاديث التي... معي من قبيل الظاهر أنها تكون محتملة للمرء، لكنها في أحدهما أرجح. النصوص قليلة
والتأويلات هذه أيضًا قليلة، ولكن الأغلب هو الظاهر. كل هذا في مقابله ما له دلالة غير واضحة وهو المسمى بالمجمل. الآية التي ذكرناها "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" يبدأ يقول: هذه الآية في ذاتها هكذا مجملة، لماذا؟ قال جملة في موضعين: يطلق القطع ويراد منه الشق. أَشُقُّ الشيء هكذا فيكون قد قطعته. وعندما تحدث الملابس شق،
يقال: انقطع، قُطِع قطعاً. ويطلق ويراد منه الإبانة أو الانفصال. عندما أقطع قطعة وألحمها، خلاص تكون قد فُصِلَت. "اقطعوا" هل يقصد بها الشق أم الإبانة؟ هذه هي الآية التي سمعتها كعربي. أقف عند كل لفظ وأرى معناه، هل هناك في الآية ما يدلني على النقطة معناها شق أو معناها ابن وصل. أبداً، هذا القول من قبيل المجمل الذي يحتاج إلى مبين، وحينئذٍ أحتاج إلى السنة لأنني لو
بحثت في القرآن كثيراً ما وجدت إجابة عن هذا الموطن وهو موطن. خطير وفيه قطع جزء من الإنسان مسألة ليست سهلة، فالقطع هنا ماذا يعني؟ لا بد أن أتوكل، كما أنه مخالف لأصل الدين الذي ينهاني عن أن أعتدي على جسم الإنسان، فلا بد لي من مبين لأنني قد وقفت أمام هذه الكلمة "يقطع" وهي لها معنيان، ما الراجح وما المرجوح، لم؟ أعلم أنني لا أعرف لغة
العرب، فهي لا تساعدني على أن أرجح مثلما رجحت في قضاء الظاهر. قضاء الظاهر كان يعمل كلمة لها معنى، لكن معنى أرجح من معنى آخر، فأذهب إلى الأرجح والمتبادر إلى الذهن. لكنني هنا وقعت في مشكلة وهي أن القيء والشق والإبانة متساوية، فالقطع تنفع لدي هذه هي المصيبة الأولى، والمصيبة الثانية أنه قال "أيديهما"، واليد تطلق من أطراف الأصابع إلى نهاية الكف. انظروا أيضاً إلى هذه المسألة، من أطراف الأصابع إلى نهاية الكف،
كافة، أو من أطراف الأصابع إلى نهاية الكف. في الكلمة زيادة حرف، بمعنى أنه لو كانت تُكتب بسرعة، لاختلط الكف الكتف، وينبغي أن نعرف من أين تُقطع اليد. هل يُقطع الكف؟ أما أنه يُقطع من الكتف؟ من الكف أو من الكتف؟ هذا أمر مهم لأنه طبعاً هناك منفعة لهذا الذراع بحاله، ولو أنه قُطع من الكف لكان ذلك أهون وأقل ضرراً من أن يُقطع من الكتف، حينئذٍ يستطيع أن يحمل يفعل شيئاً يعني لها منافع كما أنها تفيد في اتزان الإنسان في مشيه، فالقضية خطيرة أيضاً. لكن اليد تُطلق على الكف وتُطلق
إلى الكتف، فأي المعنيين أرجح حتى أذهب إليه ويصبح هو الظاهر متساوياً. يبقى هذا في إجمال من أين آتي إذا ما كان المقصد هو الشق. أو غيره وإذا ما كان المقصد هو الكف أو غيره فإنني بهذا الشكل أصبح عندي أربعة احتمالات لتنفيذ هذه الآية. الاحتمال الأول أن أشق الكف أي أعمل جرحاً في الكف، والاحتمال الثاني أن أعمل الجرح في طول اليد، والاحتمال الثالث أن أفصل الكف، والاحتمال الرابع أن أفصل الذراع كله. أو اليد كلها من الكف، فأيهم حكم الله. كل
هذا التفكير فكروا فيه بهدوء، لا يوجد ضغط عليهم ولا شيء آخر. فسنحتاج إلى البيان من السنة، وهنا نرجع مرة أخرى إلى الحجية. إذاً، فلا بد أن تؤيد كل هذه الأشياء قضية حجية السنة، وأنه بدونها لا نستطيع أن نصل إلى شيء من هنا أيضاً سنحتاج إلى قضية الإجماع لأننا أمام نص يحتمل أربعة معانٍ، ولكن الإجماع قد قام على أن اليد تُقطع من الكوع وليس من الكتف، وأنها تُفصل ولا تُشق. فقد حدد واحدة من أمور أربعة، وهذا مهم جداً لفهم دور
الإجماع الأصولي. الإجماع الأصولي لا ينشئ حكماً لكنه... ينفي الظن ويقطع الجدال ويحدد الطريقة ويمنع الخصام ويؤدي وظائف كثيرة جداً نستطيع بموجبها أن نحوّل الظن. أهو ظن يوم أجمل؟ لم أستطع أن أصل فيه بالتحليل اللغوي إلى شيء قطعي، وأن المقصود بالقطعي هنا هو الإبانة، وأن المقصود بالقطعي هنا هو الكف وليس الكف. هل هناك من... يُخالِفُ في ذلك مِنَ الأُمَّةِ؟ هل إذا سألنا أيَّ مُجتهدٍ في أيِّ عصرٍ مِنَ العُصورِ قالَ شيئاً يُخالِفُ ذلك أبداً؟ فشخصٌ
يأتي ويقولُ: "لا، الإجماعُ ليسَ بِحُجَّةٍ، إنَّنا لا نَدري إذا كانَ قد اختَلَفَ". كيفَ لا نَدري؟ لم نَسمَعْ ولن نَسمَعَ أنَّ واحدةً مِنَ الثَّلاثَةِ التي يَحتَمِلُها النَّصُّ لُغَةً هي. المقصود وهنا آلاف المسائل مثل هذه ينقذنا فيها الإجماع، وإلا لأصبح ديننا بموجب الأفهام والقواعد شيئاً لا يُطاق، وهنا تكمن خطورة إنكار الإجماع من هذه الجهة. الإجماع ليس مُنشئاً للحكم، بل هو رافعٌ للنزاع، وهذا أمرٌ هام سنراه دائماً في
كل شيء، ويتحدث الأصوليون كثيراً في هذا المجال. ويأتون بآيات كثيرة، هل هي من قبيل المجمل أو من قبيل الواضح؟ وما هو سبب الإجمال؟ يتكلمون عن سبب الإجمال ويقولون أنه في بعض الأحيان الضمير لا نعرف أين مرجعه أو إلى ما يرجع، فيحدث إجمال. كقوله تعالى: "والذي بيده عقدة النكاح"، من هو الذي بيده عقدة النكاح؟ إنه الولي، ولا الزوج، مَن الذي بيده عُقدة النكاح هذا؟ إما أن يكون الزوج أو يكون... طيب، ما المقصود به في هذه الآية؟ وحتى يوم الدين لن نعرف على سبيل القطع من النص، لن نعرف
لأنه يحتمل ويحتمل، لأن مرجع الضمير هنا غير واضح، لا أعرفه أين هو، يجوز هذا ويجوز. هذا وهكذا سبب الإجمال قد يكون الاشتراك كما فصّلنا في القاعدة سابقاً، وكذلك كلمة لها معنيان مشتركان، أو تردد العبارة بين مجاز شائع وبين حقيقة مهجورة، أو يفضل أن يُعدِّد في أسباب الإجمال. إذاً أيضاً ونحن نقرأ في هذا المجال في أصول الفقه تكون معنا تلك الخريطة وهو أنا الذي... نذهب إلى النص، هذا النص نحاول أن نتبين هل هو لا يحتمل إلا المراد منه ولا يحتمل المراد وغيره،
هل نأخذ بالراجح فيكون ظاهراً، أو ينبغي علينا أن نأخذ بالمرجوح فيكون مؤولاً، أو ينبغي علينا أن نطلب شيئاً خارج النص لأن المسألة قد تساوت فنريد مبيناً له حيث أننا قد... وقعنا في مُجمَل، وهكذا هذا هو أسلوب التعامل مع هذه الأشياء على مستوى الألفاظ وعلى مستوى الجمل أيضاً. يتكلمون عن المطلق والمقيد، وبعضهم يُلحقونه
بالعام والخاص، وبعضهم يجعلونه مبحثاً مستقلاً. فالذي يجعله مبحثاً مستقلاً يقول أن المطلق ما دل على ماهية بلا قيد. صعُب تعريفه هكذا ما دل لفظ. أي: دل على ماهية، تعني حقيقة، أي: على حقيقة بلا قيد. فلو جاء الشرع وقال لي: أعتق رقبة، فهذه الرقبة تدل على رقيق مضروب عليه الرق، وفي هذا المجال "أعتق رقبة" تبقى رقبة مطلقة لأنه لم يصف لي ما الرقبة، أو قال: حرام عليك أن تأكل الدماء، فالدم... هنا مطلق لأنه لم يحدد لي أي أنواع الدم
هي حرام، فدم الخنزير كدم الحيوانات، الدم المسفوح كدم غير المسفوح. إذا ما قال لي "حُرِّمَت عليكم" أو "حُرِّمَت عليكم أكل الدم" وسكت، لكن لو قال لي "رقبة مؤمنة"، "أعتِق رقبة مؤمنة"، فقد قيدها بصفة وهي صفة الإيمان، أعتِق رقبة بحيث... أن يكون ذكراً ومسلماً يُميِّز قيادته بالذكورة وبالإسلام مثل أن يكون كبيراً أو بالغاً أو شيخاً أو امرأة أو، نعم، أي صفة من الصفات ستأتي لي مضافة إلى الماهية الأصلية التي هي قضية الرقبة أو القضية الأصلية التي هي قضية الدم بأن قال حُرِّمت
عليك الدماء المسفوحة التي تجري أما... الدم الذي يكون في الشُعيبات (العروق الدقيقة) في اللحم ليس حراماً. نقوم بنقع اللحم وغسله، وبعد الغسيل نجد أيضاً بعض آثار الدم في العروق الصغيرة، فتذهب هذه الآثار في مياه الطهي وانتهى الأمر. لا يمكن التحرز منها كلياً، فهي غير مسفوحة وليست جارية، أي لا تسيل ولا تقطر قطرات. لو مسفوح والمسفوح هو الجاري، فإذا ما وصفت هذه الأوصاف كانت هذه الأوصاف مقيّدة. وأبدأ الآن أيضاً بمباحث أصول الفقه في التعمق والتوسع في قضية المطلق وقضية المقيّد أيضاً، حتى يُفهم
مجرد فهم. ما زال التعارض إذا تعارض المطلق مع المقيّد ماذا نفعل؟ وإذا تعارض العام مع الخاص ماذا نفعل؟ ماذا نفعل إذا تعارض السياق مع المنسوق؟ ماذا نفعل إذا تعارض الحديث مع القرآن؟ كل هذه مباحث ندرسها في نظرية الإفتاء التي سنتعرف فيها على المقاصد والتعارض والترجيح وإدراك الواقع كما وعدنا وذكرنا في البداية. لكنه الآن جالس يفهم، فقط، وقال: والله أنا حجتي الكتاب والسنة، الكتاب والسنة. همَّ هذا الذي ثبت تحت يدي، فكيف أفهمهم؟ ففهمت منهم الطلب والأمر والنهي، وفهمت منهم العام والخاص،
وفهمت منهم المسَّ والظاهر والمؤول والمجمل والمبين، وفهمت منهم المطلق والمقيد، وهكذا. وأنا فاهم أن هذه الألفاظ تدل على معانٍ، وأن هذه علاقة اللفظ بالمعنى قد تكون مطابقية أو تضمنية أو التزامية، وأن... هذا قد يكون من قبيل الكلي أو الجزئي، أو قد يكون من قبيل المتواطئ أو المشكك أو المشترك. وهكذا يجلس يقول إن النفس، كل هذه أدوات يستطيع بها أن يفهم النص في ألفاظه وفي سياقه وفي سباقه، ما هو الذي يفيده اللفظ وما هو الذي تفيده الجملة وما. هي التي تفيده العبارة بحالها المكونة من جمل متعددة إلى هذا هو في دور الفهم
وهي النظرية التي أسميناها بنظرية الدلالة. بعد ذلك سيحدث له شيء عجيب وهو أنه في بداية الرأي تبدأ التعارضات. حسناً، إذا كنت فاهماً هذه هكذا وهذه هكذا، حسناً، ولكن الاثنان متعارضان مع بعضهما، فكيف؟ نخرج من هذا التعارض الظاهري إلى آليات أخرى وضعوها لفك هذه التعارضات سنراها هناك. إنما هو الآن يفهم. لا أريد أن أدخل في قضية القطعية والظنية، لكن أظن أنني قد ألقيت أضواءً عليها. فالقطعية والظنية عندي
سأراها في قضية الثبوت وسأراها في قضية الدلالة. قطعي وظني ثبوت ودلالة، أصبح عندي أقسام قطعي الثبوت وظني الثبوت قطعي الدلالة وظني الدلالة، وسيصبح عندي ما هو قطعي الثبوت والدلالة وهو النص في القرآن. النص ما لا يحتمل إلا المراد، قطع في الدلالة، وقرآن متواتر فهو قطعي الثبوت والدلالة، وهو النص في القرآن، ليس نص القرآن كله، النص في القرآن لأن القرآن منهما هو. منها ما هو ظاهر ومنها ما هو مؤول.
النص الذي في القرآن هو هذا الذي سيكون قطعي الدلالة قطعي الثبوت. قطعي الثبوت لأنه وارد في القرآن، وقطعي الدلالة أنه لا يشرع به إلا الله سبحانه وتعالى، هذه هي قطعية الدلالة، حتى لو كان التي يشرع بها الله سبحانه وتعالى، هذه الدلالة حتى لو كان فيها دلالة اقتضاء أيضاً قد تكون قطعية الدلالة. عندما يقول: "حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ" إلى آخره. "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ"، ماذا تعني هذه؟ لا بد من وجود اقتضاء هنا. يعني هل حرام عليّ أن أسلّم على أمي؟ "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ"، هو يقول هكذا، فيكون حراماً عليّ ماذا عليّ الزواج بالأم لكن أي شيء آخر لا أقبل. فوق يديها نعم، أحج معها نعم، أحملها على كتفي في حال مرضها أو حاجتها نعم. هي ذات الأمة لم تُحرِّم. "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ" حرّمت الأمهات بمعناها المتبادر إلى الذهن بالحقيقة الصلبة
هي تحريم الزواج، وتحريم الزواج هذا غير وارد في دين. الله أبداً التحريم والأحكام إنما هي أوصاف للأفعال. ما حكم هذا الميكروفون في ذاته؟ هكذا لا حكم له، لكن الحكم في تناوله واستخدامه وما إلى ذلك. الخمر لا حكم لها في ذاتها هكذا، زجاجة مرمية في الصحراء ما حكمها؟ الخنزير ما حكمه؟ الخنزير في ذاته هكذا مخلوق من مخلوقات الله. فالذوات لا حكم لها، هذا الحكم على أكله وشربه وبيعه وشرائه والنظر إليه وحمله. هذه الآية، هذه الآية، الأحكام تأتي على الأفعال. "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ" لا يمكن أن أتصور أنها الذات، إذاً فلا بد من دلالة اقتضاء توضح ما هو
محذوف حتى يتوافق الكلام مع الواقع ويخرج منه الآية الدلالة هذه السذاجة هي دلالة ساذجة لا يؤخذ بها، فيبقى "حُرِّمَتْ عليكم أمهاتكم" هو الكلام الصحيح. وبالرغم من ذلك، فإن هذا المعنى قطعي الدلالة، لأن المسألة هنا لا تحتمل أنها حرمة الذات أو حرمة الزواج. هذا لا يحتمل ولا يقول به عاقل من أهل العربية. بل دلالة الاقتضاء هنا قطعية لما قد استقر في الأذهان واقعاً وشرعاً من أن الأحكام إنما هي خطاب الله متعلق بأفعال وليس بصفات ولا بذوات المكلفين، وقد يكون
الأمر قطعي الثبوت ظني الدلالة كما في القرآن لما يقول: "والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء"، أي ثلاثة، وهذه قطعية، ثلاثة لا شك أربعةٌ أو اثنان لكن "قروء" ليست قطعية لأنها تحتمل أن تكون فترات الطهر ويحتمل أن تكون فترات الحيض، وحينئذٍ تقع المناقشة والنقاش والجدال والتفاهم بين الحنفية والشافعية. فهؤلاء يرون أنها الأطهار وهؤلاء يرون أنها الحيضات، فهي ظنية لكنها قطعية الثبوت لأنها واردة في القرآن الكريم. واضحٌ أنها قروء جاءت. إذاً إذا
كانت الدلالة قطعية الثبوت، فقد انتهينا من هذه المسألة، لكن في الدلالة قد يكون هناك خلاف، فتكون هذه ظنية الدلالة، وقد تكون ظنية الثبوت والدلالة معاً كالأحاديث الواردة إلينا عن طريق الآحاد، فهي ظنية الثبوت، وكذلك هي نفسها قد تحتمل أكثر من معنى، مثلما قال النبي صلى الله لا يصلي أحدكم العصر إلا في بني قريظة، فبعضهم ظن أن ذلك أمراً فلم يصل العصر إلا في بني قريظة ولو أُذّن للعشاء، وبعضهم قال إن المقصد هو الإسراع فلا نضيع الصلاة. وأقرّ النبي الطرفين على فهمهما، وذلك ليتيح لنا حرية
التفكير في النصوص، وأن المسائل الخلافية الفرعية لا نقف كثيراً ما دام المرجع هو الله ورسوله، فعندما عرف العلماء هذا وأدركوا أن هناك قطعية وظنية في المسائل، شعروا بأن قطعية الدلالة قطعي الثبوت هو الأقل، وهي آيات قليلة عبارة عن النص في القرآن، وشعروا أن الدين سيصبح هلامياً لو أننا تركناه هكذا، وسيحدث من الخلاف بين الناس ما يجعلهم يفهمونه فهم بعضهم ويضربون القرآن بعضه ببعض، وهذا
أخس مما فعلته النصارى واليهود. وعلي بن أبي طالب يقول لابن عباس عندما أرسله ليجادل الخوارج: "عليك بسنة رسول الله ولا تحتج عليهم بالقرآن، فإن القرآن حمال أوجه". سيتلاعبون ويخرجون ويأتون لك بآيات ما أنزل الله بها من سلطان في معناها أو هذا إطلاقاً ويأتون يبترونها من أولها ومن آخرها ويربطونها مع آية أخرى وهكذا. وهذا الذي رأيناه في العشرين سنة الماضية في ثلاثين أو أربعين جماعة ظهرت ثم اختفت، كانوا يفعلون هذا إلى أن كفّروا سيدنا أنس، وبعضهم كنا نسميهم "سوبر تكفير"، كانوا يكفّرون سيدنا محمد،
يقول: "ما أنتم مسلمين"، فيقول: نحن مسلمون لكنه أشرك ثم تاب. سيد الخلق أشرك ثم تاب. إلى هذا الحد وهذا الرعب الذي أصاب السلف الصالح هو الذي جعلهم يتمسكون بالإجماع ليحول الظني إلى قطعي فيزيل الخلاف. عندنا في المالكية من قال هذا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يقتل ويستتاب وكان ابن حجر العسقلاني رحمه الله كان شافعياً. والشافعية يقولون: لا يُقتل إن تاب، خلاص تاب الله عليه. أما المالكيون فيقولون: من سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم
يُقتل وإن تاب. فكان ابن حجر إذا جاءه رجل قد سبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذه وغيرها، يكتب على يحول إلى القاضي المالكي ليأخذ القضية هذه لأنه لا يستطيع أن يقضي بغير مذهب، فمحكمة التمييز تنقض كلامه. فماذا يفعل؟ يتركها للجلسة التي فيها الملك لكي يُقتل هذا الإنسان. كأنه يستشعر من قلبه أن هذا الفعل إنما هو فعل طيب وأن قتل مثل هذا الإنسان فيه... ردة عن السفلة المجرمين الذين يتعدون على مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الذي ذهب إليه أمثال ابن تيمية في الصارم المسلول على شاتم الرسول، فقال إنه يُقتل
وتنتهي توبته عند ربه. نحن لا نُحَذِّر أحداً أن يدخل الجنة، حتى لو أدخل الله الخلق جميعاً الجنة لا مشكلة. نحن ممن يريدون دخول الجنة، ولكن القضية قضية عمارة الدنيا، وعمارة الدنيا أساسها عند المسلمين حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن هنا اهتم هؤلاء العلماء بالإجماع كدليل مستقل، وأقاموا عليه الحجج والبراهين، وحددوه بالتحديد وما إلى ذلك. فغفل كثير من المعاصرين عن ذلك وتمسكوا بكلمة هنا وكلمة هناك. دون أن يدركوا أن الإجماع إنما نشأ لرفع النزاع
ولحماية الأمة، وظنوا أن الإجماع مُنشِئ فحزنوا كيف يكون منشِئًا مع كتاب الله وسنة رسوله، فبدؤوا يمكنون الإجماع، خاصةً وأنهم لم يفهموه على الوجه الذي اعتقده الأصوليون وعرضوه من أنه كل قول أو فعل أو تقرير أو سكوت من جماعة المجتهدين. وهو بخلاف الإجماع السكوتي، لأن الإجماع السكوتي إنما يُقرّ أحد المجتهدين فتوى واحد من المجتهدين ويسكت الباقون، فسكوت الباقين محل نظر: هل علموا؟ هل خاف أحدهم؟ هل حدث كذا؟ إلى آخره... فهو محل نظر. أما أن يُفتي في هذا جماعة من المجتهدين ويسكت الباقون، فهذا دليل على أنهم قد رضوا. بهذا، أما واحد فهناك احتمال
أنه لم يسمع بفتوى كثير من المجتهدين، ومن سمع بفتواه قد لا يعلم أن هذا مجتهد، ومن سمع بفتواه قد يكون يريد أن يفكر، وهكذا. لكن عندما تتكلم جماعة من المجتهدين ويسكت الباقي، لأن بعض الناس يقول: ما مثل الشيخ عمر الأشقر فاهم. أن الإجماع معناه أن كل واحد من المجتهدين يتكلم، وهذا ليس ما أراده الأصوليون إطلاقاً بفهمهم. هذا من قال إن الإجماع بالمفهوم الأصولي لم يحدث، لأننا ليست لدينا مسألة حصل فيها إجماع لكل المجتهدين على وجه الأرض في عصر من العصور، ثم نُقلت عنهم الفتاوى واحداً بالأسانيد أنهم وافقوا صحيح لا يوجد هكذا بالضبط، ولكن ليس هذا الإجماع الأصولي الذي أراده الأصوليون
أن يحوّل الظني إلى قطعي بموجب حماية للأمة. إنما الإجماع الأصولي يتمثل في أن جماعة من المجتهدين تتكلم والباقي يوافق إما إقراراً وإما فعلاً وإما سكوتاً. وأحدهم يقول لي: حسناً، أليس هذا هو الإجماع السكوتي؟ فأقول: لا. الإجماع السكوتي الفرق بينه وبين هذه الحالة أن في هذه الحالة جماعة من المجتهدين وفي الإجماع السكوتي واحد كما نص على ذلك الآمدي في الإحكام وأخذ الأصوليون يتكلمون عن هذه القضية، قضية الإجماع، ما تعريفه؟ قال: اتفاق المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى يخرجوا العوام وحتى يخرج المجتهدين من أمة النصارى أو اليهود على أمر من الأمور في عصر من العصور، هل
يجوز حدوث الإجماع بعد الإجماع؟ هل يجوز أن يُجمع أهل عصر على شيء فيأتي أهل عصر آخرون فيُجمعون على ضد ذلك الشيء؟ جماهير الأصوليين على أنها ليست جماهير الأصوليين، لم نرَ في الأصوليين من خالف. في أنه لا يجوز لأن الإجماع الأول حجة ولا يمكن أن ينعقد الإجماع الثاني، ولا مثال لهذه الحالة عندنا، لكن عندي تفصيل وهو على ماذا أُجمع، لأن الإجماع قد يكون على المنهج لا على المسألة، وهنا يُتصور حدوث إجماع من وراء إجماع مخالف له في المسألة لكنه موافق له في مثلاً الإجماع الذي قد اجتمعوا فيه على مصلحة
معينة كما لو أجمع المجتهدون على أن يكون ميدان التحرير فيه موقف للسيارات وأن هذا فيه مصلحة لعموم الناس، ثم بعد ذلك تغيرت البلاد والعباد فيجمعون على أن تُزال هذه المحطة أو هذا التجمع من هذا الميدان بلا خلاف بينهم في الحكم. الثاني هذا في الحقيقة وإن خالفنا في الشورى الحكم الأول إلا أنه يوافقه في مراده وهو تحقيق المصلحة، يعني كأنهم أجمعوا أولاً على تحقيق المصلحة وأجمعوا ثانياً على تحقيق المصلحة وإن اختلفت صور
هذه الإجماعات، أيضاً الإجماعات التي قد تكون على عرف معين، فأجمعوا على أن المتلاعب في الصلاة أو التلاعب في الصلاة ابتلاء، ففي نص عندهم وهم مجمعون على حكم أن من صلى في أرجوحة لا هي إلى السقف معلقة ولا هي على الأرض مستقرة بطلت صلاته لتلاعبه. يخالف أرجوحة، والأرجوحة تخيلوها كما هو واقع الطائرة، لا هي إلى السقف معلقة ولا هي على الأرض مستقرة. ماذا يعني ذلك؟ يا طائرة هكذا، حسناً ومن أين أتت هذه في أذهانهم؟ الذي حصل فصوروا هكذا أرجوحة، فقد كانوا يتصورون أيضاً أن هناك جناً وأن هناك خوارق للعادات، وأنه يمكن
للإنسان أن يطول في الهواء، وتكلموا عن هذا من قبيل خرق العادة، أما وقد صارت عادة، أما وقد صار هناك شيء. يقوم من مكان إلى مكان فيه مصلحة. هل الصلوات في الطائرة تكون باطلة للتلاعب؟ الإجابة: أجمع المجتهدون على أن الصلاة في الطائرة جائزة، خاصة النافلة. اختلفوا في الفرض، لكن في النافلة أجمع مجتهدو العصر على أن الصلاة في الطائرة وهي نافلة للصلاة جائزة. لماذا؟ لأنه لا تلاعب هناك، فهي معللة. فقال لتلاعبه لأنه كان يخص بالله هذا بماذا يفعل هذا عبث ما يكون هذا الصلاة منزهة عن اللعب بقوله تعالى وقوموا ماذا
قالوا فيه إذا هنا الحقيقة أنه قد حدث إجماع بعد إجماع على صورة معينة توقف الأمر أنه ليس هناك خلاف لأن الذي حدث أولاً إنما هو الإجماع على إن التلاعب يُبطل الصلاة وهذا ما زال ساريًا حتى الآن. والذي حدث ثانيًا هو أن الصلاة في هذه المركبة التي تسير في الفضاء تُقاس على المركب الذي يسير على الماء والراحلة، يجوز أداء النافلة فيها فلا بأس بذلك. وهذا لو أن السابقين قد نظروا إليه لقالوا: ماذا أي؟ فهنا عندما إجماع وإن كان في الصورة الخارجية في خلاف إلا أنه في الحقيقة ونفس الأمر لا خلاف بينهم لأن هذا قد أجمع على شيء غير الذي قد أجمع عليه هذا وهكذا إذاً فكلام الأصوليين بأن
هذا غير متحقق إنما يُحمل على أنه غير متحقق في واقعة بعينها من كل جهة وصحيح. لا يمكن أبداً أن يجتمع مجتهدو الأمة على أمرٍ ما، ثم يأتي مجتهدو الأمة بعد ذلك على نفس الأمر من جميع جوانبه فيجتمعون على خلافه. وهم يتناقشون في مباحث الإجماع فيما إذا كان يقدح فيه المخالف الواحد أو الاثنان، عندما تجتمع مجموعة من الناس ويخالفهم مجتهد أو اثنان بينما يتفق فالراجح أنه يقدح لأن حجية الإجماع أن يجتمع الجميع ويتكلمون عن أن الإجماع الأصولي المعتبر إنما هو ما كان إجماع الخاصة
وهو عام، وليس العامة وهو خاص، هكذا يقولون. لننظر بتمعن ما المقصود، كأن لدي كلمتين: كلمة عام وخاص، وكلمة عامة، ولدي القاسم العامة يعني عموم الناس، فهل هو مشترط؟ في الإجماع
أنكَ ثانياً، كلنا الذي يعرف والذي لا يعرف وهكذا، على أمر كلام الغزالي، أوهم عند بعضهم هذا أن الإجماع المقصود هو إجماع الأمة. الغزالي لا يريد هذا، الأمة هنا معناها أهل الحل والعقد في الأمة الخاصة، هم المجتهدون. هؤلاء المجتهدون عموماً في عامة المجتهدين ولا مجتهد كما قال. لا، العام يكون إذا الإجماع الأصولي هو إجماع الخاصة إجماعاً عاماً، يعني كل المجتهدين،
كل. لكن الخاص، هؤلاء المجتهدون المختصون ببلد معين، بطائفة معينة، بعصر معين، بمذهب معين، لا، ليس هذا هو الإجماع الأصولي الذي هو دليل من الأدلة المتفق عليها، ليس هذا هو الإجماع الأصولي الذي يحول الظن. إلى قِطَع. ليس هذا هو الإجماع الأصولي الذي يتحدث عنه الأصوليون بعد الكتاب والسنة. إجماع أهل البيت لا يُعتَدُّ به وليس حجة. إجماع أهل الحرمين ليس بحجة. إجماع الأئمة الأربعة ليس بحجة. إجماع أبي بكر وعمر ليس بحجة. إجماع الخلفاء الأربعة الراشدين ليس بحجة. إجماع المصريين والكوفة والبصرة
ليس بحجة. إجماع عند المالكية شيء يُسمى إجماع أهل فاس. فعندما يجتمع أهل فاس، وهم قوم، فإن ذلك - عند المالكية أيضاً - إجماع أهل المدينة ليس بحجة، لأن هذه الإجماعات إنما هي من قبيل المجتهد الخاص، مجتهد قد اختص بمكان معين أو طائفة معينة أو مذهب معين أو زمن معين أو لا نحن نريد عموم المجتهدين ولا نريد العامة بل نريد الخاصة، إذاً فاجتهاد الخاصة الاجتهاد العام هو مقصود الإجماع. طيب افترض أن المجتهدين هؤلاء في عصر من العصور لم
يتفقوا واختلفوا، لكن اختلفوا على قولين، هل يجوز إحداث قول ثالث أم عندما أُحدث قولاً ثالثاً أكون قد خالفت إجماعهم أنه لا يوجد إلا هؤلاء، فقد اجتمعوا على رأيين: بعضهم قال نعم، وبعضهم قال لا في مسألة هل ينقض لمس المرأة الوضوء أم لا ينقض. هل يجوز لي أن آتي وأقول لك رأياً ثالثاً؟ ما رأيكم يا إخواننا أن نجعلها أن لمس المرأة عندما يكون حراماً ينقض، وعندما لا يكون حراماً لمس زوجتي وتجنب البلاء الذي يدّعي أنني كلما لمستُ زوجتي أتوضأ. لماذا ذلك؟ لكن عندما أصافح امرأة (أجنبية) يجب
أن أتوضأ، وعندما أصافح زوجتي لا أتوضأ؟ هل يجوز هذا؟ افترض يعني... طبعاً هذه المسألة ليست كذلك. هذا المثال مثال معقد هكذا لأنهم اختلفوا في مسألة لمس المرأة، وهي فيها اختلافات حيث إنها ليست منحصرة في اثنين، لا. افترض أن هذه المسألة كانت على هذه الصفة، فبعض الأصوليين قال: نعم، لا يجوز لي أن أُحدث قولاً ثالثاً. وبعضهم قال: لا يجوز لي أن أُحدث قولاً ثالثاً. لماذا؟ لأنه لم يحدث إجماع، لم يحدث إجماع. هل يمكن أن ينتهي أهل الاجتهاد؟ من على وجه الأرض، هل يمكن أن يكون المجتهد واحداً فقط؟ هاتان مسألتان: هل من الممكن
أن يكون شخص واحد فقط هو المجتهد؟ وحينئذٍ كيف يُتصور الإجماع؟ هل يُتصور الإجماع حينئذٍ؟ أم لا بد على الأقل من اثنين؟ فالتحقيق عند الأصوليين أنه لا بد على الأقل من اثنين، لأن الإجماع مجتهدين على ماذا؟ الأرض تصبح كلامهم هو الإجماع. طيب، هل يمكن أن نتصور فقدان المجتهد من على وجه الأرض فلا يكون هناك إجماع أبدًا لأنه لم يعد هناك مجتهد؟ تصور الجويني هذا في القرن الخامس في كتابه "الغياثي"، وتصوره غير واحد منهم الشيرازي في "التبصرة" وغيره، بأنه يمكن أن يحدث لا تخلو الأرض من مجتهد،
وحينئذ فلتسأل العلماء؛ لأنه من الممكن أن يكون هناك عالم لكنه غير قادر على استنباط الأحكام الشرعية التفصيلية من أدلتها، وحينئذ نبدأ بسؤال العلماء حيث أنه لا مجتهد. أظن أننا قد أطللنا إطلالة سريعة على النظريات الأربع، ونكون قد سرنا في الحلقات بالاطراد والحجية. والثبوت والدلالة والقطعية والظنية، ثم بعد ذلك ندخل المرة القادمة إن شاء الله في قضية الإلحاق فقضية الاستدلال فقضية الإفتاء، وبه يتم المقصود إن شاء الله. بقي ثلاث لقاءات، فمن أراد منكم أن يسأل أو يناقش فليتفضل. وإن كنت أراكم متعبين ومجهدين،
أنت فقط الذي لست متعباً. حسناً، لنبدأ. هل يمكن اعتبار ما يُسمى بالأصليين المشكل والمتشابه ضمن ما له دلالة غير واضحة؟ كيف تم وضع هذا التقسيم أو ذلك التقسيم الثاني المختلف؟ لا، وضع التقسيم الثاني مختلف، إنه شيء آخر. لقد ذكرت المشكل، فما هو المشكل؟ لقد ذكرت قطعي الثبوت والدلالة، وقطعي الثبوت ظني الدلالة، وظني الثبوت والدلالة. القطعي الثبوت قطعي الدلالة في... حسناً، هذا أمر. الأمر الثاني في قطعي الثبوت والدلالة من صحيح السنة، يعني ليس من القرآن بل من المتواتر العام. حسناً، تفضل.
حسناً، هو صديق المعصوم، والمفهوم - حضرتك - المثال الذي أعطوه قالوا: سبحان السلام في سائمة الغنم الزكاة. تفهم من خلال هذا النص تجد فيها زكاة. هذا لديه قاعدة، يعني اليوم في قضية أيضاً كالزكاة هكذا. مثلاً بالنسبة لقضية النقاب، مثلاً "لا تنتقب المحرمة ولا ترتدي القفازين". فبعض الناس فصّل أمر أن الأصل في المرأة في غير هذا الحكم، يعني في غير الإحرام، أن المرأة في الأصل منتقبة. فرد عليهم أناس آخرون قالوا... مثلاً قول الله تعالى "فلا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدالَ في الحج"، هذا يعني أنَّ في غير الحج حَلَّ الرفث والفسوق والجدال؟ لكن على حضرتك أن توضح الأمر، فقضية
المفهوم ومفهوم المخالفة محل نظر عند الأصوليين، وبعضهم يرفضها ولا يعتبر مفهوم المخالفة حجة، أي لا يثبت الحكم في شيء ما. تَصِف عليه لا يعني بالضرورة نفي الحكم بل هو مسكوت عنه يحتاج إلى دليل مستقل أو أصحاب الأصل. طيب الأمر الثاني هكذا ما ذكرت المثال الخاص بـ "كل صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج". الإمام أبو حنيفة قال لنا إنها تجوز. حسناً، لماذا أخذ بالقاعدة؟ لماذا أخذ؟ المعنى المقصود هذا، وجعلوا قاعدة، يعني نحن نعرف أنهم لا يشترطون قراءة الفاتحة، هذا هو الأصل عندهم، وإنما الأمر على الجواز، يعني يقولون إنها واجبة وليست ركناً، يقولون إنها واجبة وليست ركناً، يعني واجبة أي لابد أن تفعلها، لكن لو تركتها لا تبطل صلاتك عليه،
الشيخ هذا لم يقرأ الفاتحة، تبطل صلاتك لكنك بذلك ارتكبت إثماً في إيذاء المصلين. إذا قرأ الإمام فلا تقرأ وراءه، هذا أمر آخر. نحن نتحدث عن المنفرد، نعم المنفرد الفاتحة واجبة في حقه، والوجوب هنا في حقه بمعنى أنه يأثم لو تركها، لكن لا تبطل صلاته. يعني يفرقون بين الواجب والفرض. ويفرقون بين ذلك وبين الركن الذي به تبطل الصلاة. لو تُرك الركوع تبطل الصلاة، لكن لو تُركت الفاتحة لا تبطل الصلاة، لكن أيضاً لو ترك الفاتحة يأثم. عنده آخر السؤال بالنسبة لقوة الإجماع، يعني الإجماع متى يكون حجة؟ هل لما لم يصدقوا إجماع للصحابة؟ يعني نجد مثلاً ابن حزم مثلاً هو إجماعُ الصحابةِ في المسألةِ مثلاً الذي فهمتموه، يعني أنه لو اختلف صحابيٌ
أو اثنان مع بقية جمهور الصحابة، لا يُسمى هذا إجماعاً. سنجد في كل المسائل الفرعية، في أي مسألة، من النادر أن تجد أن الأمر متفقٌ عليه. حتى النية اختلفوا عليها، وقراءة الفاتحة اختلفوا عليها إلى حدٍ ما. العورة اختلفوا عليها وهكذا، هل الإجماع هذا يكون في الأمور الأصلية فقط أم أيضًا حصل إجماع في أمور أخرى؟ لا، حصلت إجماعات كثيرة من الأرض والسماء في أمور كثيرة جدًا. وها نحن نقرأ القرآن فإذا به أن الأحكام التي ذكرناها، الطلاق ثلاثة بالرغم من أن النص يقول الطلاق مرتان، السارق إجماع
أن القطع في الكف بالرغم أن هذه مجملة وأن الأحاديث الواردة شيء، فكان يمكن من هذا المدخل أن يحدث خلاف بما فيه من الظن. أجمعت الأمة على أنه لا يجوز التعزير بفصل الإنسان عن زوجته كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المخلفين، ليس للحاكم أن... يفعل هذا وهذا ليس هناك ما يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اختص بهذا، من أين الدليل؟ أجمعت الأمة على جواز بيع المعاطاة في المحقرات، عندما أذهب وأشتري بعشرة
صاغ فول، يُعطيني الرجل عشرة صاغ وآخذ الفول، أو أضع العشرة صاغ وآخذ الجريدة من غير... ما أقول له اشتريتُ منك هذه الجريدة بعشرة قروش فيقول قبلتُ فبعتها لك بهذا أمام شاهدين، فمثل هذا الإجماع توجد إجماعات كثيرة وهي محل نظر، وقلت لك مرة سابقة أن النصوص بعد أن رتبناها وبدأنا نسير فيها بهذا الترتيب ونستخرج منها قواعد تلو قواعد، اتضح أن الرجل لا بد. عليه أن ينتقب ويلبس النقاب وأجمعت الأمة على أنه لا يفعل هذا. إذاً، فلو تركنا الأمر من غير وضع هذا الضابط وهذا السقف الذي يمنع ذلك، لأصبح
الفقه الإسلامي سرطانياً، ولو ضاع في الدنيا فنحن معه وتحت مظلته، وكما تقول أنه حدثت الخلافات الكثيرة هذه فما... بالك من دونه ماذا كنا نتصور ولا حجة لك إلا بالاحتماء بالإجماع في كل هذه العجائب والغرائب التي سيولدها الذهن البشري من التعامل مع الدليل اللفظي، فالإجماع حتمي في حماية الدليل اللفظي من التفكك. نعم، حضرتك، النص المؤول هو الذي يحتمل
المعنى المراد وغيره، لكنه مرجوح المراد. هل من حدود لتفسير هذا القول؟ أليس من المفيد أن تكون هناك حدود لهذا التأويل، كي لا يفتح الباب لكل شخص ليقول أي شيء؟ أم هي مسألة اللغة وتفاعلها مع العقل والشرع؟ يعني أنا لدي ثلاثة أشياء: لدي لغة توضح لي الوضع. اللفظ بالمعاني، وعندي شرع يعطيني تصوراً وحدوداً لا أستطيع أن أخرج منها وإلا أكون مخالفاً له، وعندي عقل يدرك الواقع، وعنده أن هناك واجباً وممكناً ومستحيلاً، ولا يمكن أن أكلفه فوق طاقته. من خلال هذه الثلاثة توجد حدود في
التأويل، فعندما يأتيني نص ويقول: "للرحمن على العرش استوى" فيذهب إلى اللغة أولاً، فأقول: "استوى"، ما معناها عندك؟ يقول: أربعة عشر معنى: استوى بمعنى نبض، واستوى بمعنى جلس، واستوى بمعنى استولى، واستوى بمعنى ارتفع، واستوى بمعنى نبت، وهكذا. فأقول: طيب، "الرحمن على العرش استوى" يعني نبت؟ "الرحمن على العرش استوى" يعني جلس؟ "الرحمن على العرش استوى" يعني مضى؟ هذه الإنسان
يعرف ربه بهذه الصفات بأن له الأسماء والصفات العليا، بأنه ليس كمثله شيء، بأنه لم يكن له كفواً أحد، بأن كل ما خطر ببالك فالله خلاف ذلك، إلى آخر ما هنالك من المحددات الشرعية التي تمنعها. كذلك هناك محددات عقلية، فإذا كان الله جسماً إذاً فله حد، وإذا كان... لا أحد يمكنه الفهم حتى النهاية. هل هو جالس جزء منه على العرش وجزء منه ليس على العرش؟ جزء وجزء يعني أنه مجزأ، وإذا كان مجزأ فهو مركب، وإذا كان مركبًا فله بداية ونهاية. البداية ها هي والنهاية ها هي، وإذا كان له بداية ونهاية فهو مخلوق. هكذا يقول العقل، محدد اللغة هو الذي يحكمني في قضية التجاوز. بالنسبة لحضرتك لقضية الإجماع
يعني والاعتياد، فأنا كنت أرسلت وسألت من هم المجتهدون الآن في عصرنا الحالي؟ يعني هل هم الأصوليون كلهم يجتمعون من جميع بلاد المسلمين لكي يتفقوا على أمر يخص المسلمين؟ أنا كعامة، يعني من عامة المسلمين، أقرأ أن في... اختلافات كثيرة جداً، وتوجد آراء تقضي على اختلافات البيئة. فمثلاً نرى أن النظرة الاقتصادية للمرأة مختلفة تماماً عن النظرة للمرأة في مصر، وبالتالي تكون الأحكام مختلفة تماماً. فهل كان يجب على الأصوليين أن يجتمعوا لبحث مسائل تهمّ أمور المسلمين بحيث لا تحدث اختلافات وانقسامات؟ في نفس البلاد حتى حسب كما قلتم، يعني وصلت مصر فأصبح هناك أكثر من ثلاثين وأربعين جماعة في مصر يصلون وهم يكفّرون الرسول، فما رأيكم في الأوضاع الحالية؟ يعني الاجتهاد الجماعي بدأ في الظهور في المجامع، والمجامع بدأت
في العالم كله، في العالم الإسلامي، مجمع البحوث. الإسلامية في مصر، مجمع الفقه في جدة، مجمع الملك في الأردن، مجمع الفقه في الهند، هذه المجامع وغيرها جمعت أناساً كثيرين ممن يوصفون بالاجتهاد. ليس شرطاً أن يجتمع الجميع، وليس شرطاً أن يكون هؤلاء هم جميع المجتهدين على وجه الأرض إلى آخره، لكنها خطوة. ومنذ ثلاثين عاماً وهذه المجامع تصدر. أحكاماً وصلت إلى مجلدات في مجمع البحوث وإلى مجلدات في مجمع جدة، مجلدات كثيرة، واتفق فيها العلماء على أوضاع كثيرة جداً
كانت محل خلاف في السابق أو كانت لم تُبحث، فأخذت الصفة الجماعية، وهذا يؤذن بأن المسألة ممكنة، وإن كنا نطالب بالمزيد والمزيد من الاجتهاد الجماعي إلى أن نصل إلى أن يكون الإجماع أداة لتطبيق الشريعة بأن يجتمع المجتهدون ويحكمون بما يوافق الشرع وما يلائم الوضع، فتخرج الفتوى محققة للمسلمين مصالحهم في ظل شرعهم، وتكون حجة على الجميع باعتبار أن الإجماع أحد الأدلة. لو وصلنا إلى هذا، فإننا نكون قد وصلنا إلى تفعيل الأدوات التي وضعها لنا السلف، لكننا... لم نصل بعدُ لكننا
أيضاً في طريقنا إلى الوصول إلى ذلك، والمجهودات ضخمة جداً في هذا المجال. نعم، حضرتك قلت إلحاق الشبيه بشبيهه والنظير بنظيره، هل هذا معناه القياس؟ نعم. طيب، هل كل شيء موجود في العصر أو يتجدد له ما يمكن أن نقيس عليه فيما مضى؟ ولا بد أن قضية الإلحاق سننظر فيها بالتفصيل في هذا، وسنرى أن من يقول بالإلحاق سواء كان يسميه قياساً أو يسميه جريان النص على أفراده أو يسميه إلحاق الفرع بمبدئه وقاعدته، هي التي أسميها الإلحاق حتى يشمل كل هذه الصور، فإننا في النهاية سنجد لكل حادثة حكماً لله سبحانه وتعالى. هذا بسبب العلة أنها علة واحدة لكن
مع اختلاف الطريقة، نعم تفضل. طيب، كم شدة تُعوِّض؟ عرِّف الفرق بين الراجح والمرجوح. نحن عندنا نسب مئوية، خمسين في المائة وخمسين في المائة، يعني راجح ومرجوح. الميزان، بالضبط، الكفتان متساويتان، فلا يوجد راجح ولا مرجوح، بل هناك تساوٍ. في خمسين هنا وخمسين هناك، لو أن هنا واحدًا وخمسين وهناك تسعة وأربعين، فيكون الواحد والخمسون هو الراجح والتسعة والأربعون هي المرجوحة. وقس على ذلك، أنا أصلي، غاية ما يكون هنا واحد وهناك تسعة وتسعون وهنا واحد، فهذا هو الراجح الذي هو الأكثر الذي هو الأميل، الإنسان أميل. إليه وهذا هو المربوح الذي
هو أقل ميلاً إليه، فإذا في حال خمسين وخمسين، ثم في حالة رجحان ومرجوحية إذا ما حدث أي اختلال في هذا التساوي، يمكن استخدام الأدوات التي يستخدمها لأصوله لكي يستطيع أن يثبت أحكاماً أو يستطيع أن يقرر القواعد الشرعية، وبالتالي معظم القواعد العقلية منطقية يعني تُستخدم أو قابلة للاستخدام في غيرها من العلوم أو غيرها من المنظور، هل توجد قواعد معينة أو أساليب أو أدوات تختص بها أصول الفقه أو تميزها عن غيرها من العلوم الأخرى؟ يعني نتيجة اجتهاد الأصوليين ونتيجة لوجود نص شرعي هم متمسكون به، هل توجد أمور مميزة؟ قال الزركشي
وابن السبكي، الزركشي في البحر وابن السبكي في المنهاج في شرح المنهاج، إن الأصوليين لهم ما يميزهم، وأن القضية ليست قاصرة على مجموعة من التفاعلات العقلية أو الاستمدادات اللغوية والفقهية، بل إنهم يروون في اللغة ما لم يَرْوِه اللغويون في كتبهم. هكذا ينص بالسبر، ويوافقه الزركشي ومن... هنا فعندهم أصول الفقه إنما هو علم مستقل بذاته قائم بنفسه، وعند غيرهم - وهو مقابل الأصح - هو أنه مجموعة من تلك العلوم، فهو علم بيني، يعني أخذ من هذا فصلاً ومن هذا فصلاً وجمع مثل هذه الأدوات، فلا جديد في أصول الفقه. لكن الراجح كما نقل الأصوليون الأكابر
أن الأصوليين قد أتوا بقواعد لم يفكر فيها أهل المنطق ولم يفكر فيها أهل اللغة ولم يذكرها علماء الكلام وهكذا، هذه واحدة. ثانياً، يقول الرازي في المحصول في آليات استخدام الأصولي لقواعده وأنها غير الآليات الأخرى، يقول إن الأصولي إذا ما استخدم قواعده فوصل إلى
نص إلى حكم، فوصل إلى فوصل بها إلى حكم، فوجد نصاً بخلافه، أخذ بالنص وترك القاعدة. انظري الآن، هذه هي القواعد، وهذا هو الانضباط الذي لا يوجد عند غيره، لأن غيره لا يترك هذا الأمر، بمعنى أنه ليس عند هذه الحدود ولا هذه الآليات التي تتبعها الأصول. ويشير الشيخ ابن عاشور في كتابه المقاصد إلى يفعل نفس الشيء مع المقاصد الشرعية فإنه يستعمل قواعده التي بها يخرج بحكم يرى أنه يعود على المقاصد بالبطلان فيراجع نفسه ويعيد حساباته ليخرج بحكم يؤيد المقاصد
الشرعية وهي الحفاظ على النفس والعقل والدين والنسل والمال ولا يمكن أبداً لمفتٍ أن يرضى لنفسه أن يتوصل إلى حكم يحطم مقصداً من مقاصد الشرع لأنه لا يمكن أن يكون الشرع يريد أن يهدم نفسه بالرغم من أن الآليات التي استعملها توصله إلى هذا. إذا علمنا من ذلك أن موقفه الأصولي من أدواته ليس موقفاً جافاً ولا حاداً، إنما هو موقف جاد يستعمل تلك الأدوات ويصل بها إلى مراده في ظل النصوص والمقاصد. فإن خالفت النصوص أو المقابض عاد في كلامه وترك أدواته كما ينص على ذلك الرازي وغيره مثل ابن عشبة. نعم، في حد ثانٍ، والله طيب فضله. لا، هذه
الكلمة لطيفة. سيقول: تقول ما هو حد سرق لرجل مقطوع اليدين، من هنا مقطوع، من هنا يداه مقطوعتان. من هنا وهناك فسرق بفمه، وهذا الحال موجود؛ أي في شخص على هذه الهيئة قُطعت يداه ورِجلٌ من رجليه، يتسول دائماً أمام المتاجر ويتنقل برجل واحدة، ويأخذ النقود وكذلك بفمه، وعنده تمكن من استعمال ما تبقى لديه
في أن يضع النقود في جيبه. فهذا الرجل لو سرق بفمه، فماذا يكون الفقهاء عندما تحدثوا عن المتكرر منه السرقة تحدثوا عن أنها تُقطع يده اليمنى ثم تُقطع رجله اليسرى ثم تُقطع يده اليسرى ثم تُقطع رجله اليمنى فتُقطع أطرافه، فإن قُطعت أطرافه فلا شيء لأن ذا هذا المحل يذهب الحكم كما لو قُطعت يد رجل فإنه لا يُكلَّف بالوضوء، فهذا هو المعنى. كلامهم ويسميها بعض الأصوليين النسخ العقلي، أي أن هناك إزالة للحكم جاءت من قبيل العقل. وأنا أسميها أثر ذهاب المحل في الحكم. أثر ذهاب المحل وهي اليد أو غيرها في الحكم،
فما الحكم؟ لا شيء، ليس هناك حكم لها لأن محلها لا يوجد. نعم، فهو إن قُطعت أطرافه فلا محل. لها فإن تكرر منه وعاد قلنا فإن عاد في السرقة فلا يُخطئ ولا شيء ولا يُقتل لأن القتل أكبر ولأن المحل غير موجود لكن يُعذب بأن يُحبس بأن يُهان بأنه يُمنع إلى آخره وقبل هذا نُوجد له ما يقتات به يعني نُدخله في الضمان الاجتماعي لكن ليس هكذا نجعله يخاف. على أذنه إذاً لأن من الممكن أن نقطع يد الحاكم السارق هذا ولا يبدو المسؤول عنه قبل أن نقطع يده. نعم، هو سؤال خاص، يعني لست أخبركم فقيركم من ناسه الآن. خاص بمثلاً حضرتك تحدثت إلينا، نحن كنا قد نتحدث ونحن قادمون هنا، هي قضية سب الرسول
عليه. الصلاة والسلام. أنا أيضاً أراه، يعني أن الملكيين نادوا عليه لكي يقولوا أن يفصلوا في أن من يسب الرسول عليه الصلاة والسلام يُعدم ويُقتل. فضيلتان كانت فتنة يتماشون معها، فكان هناك رأي بأنه يُعدم، وفي رأي آخر يقول أنه يعني كان يقص هذه القضية على شيء من السيرة التي هي... عبد الله بن أبي بن سلول هو رأس المنافقين، وهو أول من تحدث في - أي هو الذي صنع الحديث في الإفك - وهو أول من تكلم في عرض السيدة عائشة، لكن هذا أيضاً يُعتبر مثل سب عرض الرسول، أي سب عرض الرسول، لكن لم يُؤمر بقتله. رسول (صلى الله عليه وسلم) كان يقول أو لم يقل أحد إنه يغفر لعبد الله بن أبي ابن سلول، فإن شاء الله إذا كان لقيه، صحيح أم خطأ أصلاً، أو الحق صحيح في محله أم لا؟ نحن نريد أن نعرف يعني الملكين استندا عليها لكي
يزيحا هكذا قضية عبد الله سلول ليس فيها سب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه فيها تأويلات وهو لم يكن يصرّح، ولذلك هو منافق. لأنه لو صرّح لكفر، ولو كان مصرحاً ما وُصف بأنه رأس المنافقين. إن المنافق يُظهر ما لا يُبطن، فهو يُبطن ما نشعر به في لحن كلامه وفي تعريضه واستهزائه وحركاته. وجهه وكذا لكنه لا يصرح وهذه أذية المنافقين، لكن سب الرسول، هؤلاء الناس الذين كنا نتكلم عنهم يقولون أن الرسول كفر، هذا يسب سيدنا رسول الله في نفسه مباشرة هكذا. أما الذي
يسب زوجته فهذا كأنه يشتمه بالتبعية وليس بالذات، وهذا حدث لامرأة لوط. وامرأة نوح كانت تحت عبدين صالحين فخانتهما، فبعض العلماء قالوا: خانتهما يعني ماذا؟ قال: كفر خيانة، أم خانتهما يعني ارتكبتا فاحشة؟ جماهير العلماء، بل كل العلماء، كل السلف يقولون: خانتهما أي كفرتا، لأن كون النبي يكون غير عالم بما يحدث في بيته، هذا نقص في كياسته وفطنته وجاهته وما إلى والله سبحانه وتعالى ينزه
أنبياءه عن هذا، قالوا: "طيب، الكفر أشد من الذنب. امرأة زنت وامرأة كفرت، أيهما أعظم عند الله؟ الكفر طبعاً. الزنا هذا معصية وله حد ومنه توبة، لكن كيف هذا؟ كيف تصف امرأة النبي بالكفر ولا تصفوها بالزنا؟" قالوا: "نعم، لأن الكفر جريمة معنوية، جريمة آراء." وأفكار جريمة عظيمة، فالجرائم السياسية لا تخل بالشرف، وكان من الكفار من كان شريفاً ومن أشراف قريش من خرج يحارب المسلمين. هذا الشريف القرشي كان حسيباً نسيباً محترماً في قومه، وكان يرجو النبي له الإسلام حتى يعز الله به الدين، لكن الفاحشة هذه خساسة ودناءة،
فالنبي منزه عن أن يكون بيته مثل هذه القاذورات لكنه ليس منزهاً من أن يتربى في حجر كافر، فقد تربى إبراهيم في حجر أبيه، وتربى سيد الخلق أجمعين في حجر أبي طالب وهم على الكفر. فالكفر جريمة معنوية، والفاحشة جريمة خسيسة تتعرض للشرف، وهنا ينزه النبي عن أن يحدث في بيته هذا وإن كان لا ينزه عن أن يحدث في بيت ما هو أعظم جُرماً منه ولكنه لا يمس الشرف بحاله، فالذي معنا هو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم. تذهب المالكية إلى تعظيم رسول الله بين الناس، وأننا ليس في القضية على فكرة أن من سب يُقتل أو لا يُقتل، فهناك اتفاق على... أن من سب يُقتل، نحن نتحدث عن من سب ثم تاب قبل التمكن،
أما رجل سب رسول الله وظل على سبه فهذا يُقتل باتفاق، ليس هناك أحد من المسلمين قال بغير هذا، واستدلوا بأن رجلاً قد قتل امرأته وأتى النبي يقول: يا رسول الله، قتلت زوجتي اليوم. فقال ولمَ؟ قال كانت تسبك يا رسول الله، فوضعتُ حديدة حادة في بطنها فوخزتها بها فقتلتها. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: "دمها هدر"، وأقسم بالله: "دمها هدر". وكان ضريراً، كان عنده حمية وغيرة. هكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدر دم امرأة تسب رسول الله من غير عداوة. وطغياناً وهكذا فمن سب رسول الله وظل على ذلك يُقتل باتفاق الناس، لكن الخلاف فيمن تاب قبل أن أقبض عليه، تاب قائلاً: "تبت
إلى الله، كنت غاضباً في تلك اللحظة، أنا لم أسبّه"، يقولون له: "تاب الله عليك، ستدخل الجنة إن شاء الله، وسندفنك مع موتى المسلمين، وسنوزع ميراثك" وهكذا اقتلوه. لو فهم الناس هذا وعرفوا هذا الحكم لا يتجرؤون على رسول الله صلى الله عليه وسلم. رسول الله هو ركن الدين، فإن ذهب فقد ذهب الدين. وهذا هو حالنا الذي نعيش فيه، إننا وكأننا نعامله كأنه فرد من أفراد الناس، وليس الأمر كذلك. لا تجعلوا دعاء الرسول كدعاء بعضكم. لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون أن تحبط أعمالكم أصلاً. هذا ما - والنبي صلى الله عليه وسلم - نادى الله الأنبياء كلهم بأسمائهم في القرآن إلا رسول الله "يا أيها النبي" "يا أيها الرسول" ولم يقل "يا محمد" أبداً.
ماذا تريدون بعد ذلك؟ نعم، هذه حروف مقطعة مثل حم يس هذه ليست من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، فدليل - أي مذهب المالكية - سدًا للذريعة، يسد الذريعة حتى لا تشيع فاحشة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم فينهار الدين وينهار بالكلية. هذا مذهب معروف وعليه الفتوى، وأي شخص يأتي