رحلة المصحف | حـ 1 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. نعيش هذه الدقائق مع كتاب الله سبحانه وتعالى، وقد وصل إلينا غضاً طرياً، أي من غير تحريف ولا تخريف. حفظه الله سبحانه وتعالى بعد أن تكفل بحفظه: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون". فصدق الله، قال تعالى: "قل صدق الله"، صدق الله. فحفظ الكتاب لم يحفظه على عدد سوره ولا آياته ولا ألفاظه ولا حروفه، بل حفظه سبحانه وتعالى حتى بالأداء الصوتي. فنرى
كبار القراء في الإذاعة وعلى أشرطة الكاسيت وهم يقرؤون القرآن قراءة صحيحة، يعطون كل حرف حقه ومستحقه، وحق الحرف أن يخرج من مخرجه ومستحق الحرف مجموعة من الصفات التي تجعلك تنطق به نطقاً عربياً صحيحاً، فالطاء طاء والتاء تاء والثاء ثاء والذال ذال، وهكذا تنطق القرآن. فإذا ما سمعه العربي الذي أُنزل في عصره عرف ما تقول ووعى كلام الله سبحانه وتعالى منك أنت أيها المتأخر بعد ألف وأربعمائة. مرّ ما يقارب ألف وأربعمائة عام من
نزول القرآن أو يزيد. القرآن كتاب الله لا تنتهي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد، فما زال مليئاً بالأسرار والكنوز. "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق". القرآن وسلم فهذا القرآن معجزة الرسالة، ولم يقتصر مجيء رسول الله صلى الله عليه وآله بها أتى بأكثر من ألف معجزة حاكى فيها جميع معجزات الأنبياء وكأنه هو البؤرة التي تجمعت فيها أشعة الأنبياء كلهم فهو سيدهم وهو رأسهم وهو قمتهم وهو
الإنسان الكامل وهو خاتم المرسلين وحبيب رب العالمين صلى الله عليه وآله وسلم فأتى بكل معجزة وردت على يد نبي من قبله كان صلى الله عليه وسلم من معجزاته أن سبح الحصى في يديه، وكان من معجزاته صلى الله عليه وسلم أن تكاثر الماء من بين أصابعه الشريفة فسقى الجيش من كوب ماء، وكان صلى الله عليه وسلم لما ترك الجذع، جذع النخلة في المسجد، وكان يرتقيه يوم الجمعة إلى منبر من عيدان. قد صنعوه له فحنَّ الجذع واشتكى وسمع الصحابة له أنيناً حتى نزل من على منبره الشريف فاحتضنه
فسكن. كانت معجزات النبي الحسية المرئية كثيرة تتراءى لهم حتى قال لهم: "كيف تكفرون وأنا فيكم؟" يعني أما ترون ما يحدث ليلاً ونهاراً من معجزات لا تنتهي؟ فكلمته الدواب وكلمه الجن وكلمته. الجمادات وحدثت البركة بكل أشكالها وكان مستجاب الدعاء صلى الله عليه وآله وسلم وكان مؤيداً من ربه، إلا أن ذلك لم نره، وإنما الذين رأوه هم الصحابة الكرام، أو حتى رآه المشركون. فأبو جهل عندما ماطل رجلاً، ذهب إليه النبي صلى الله
عليه وسلم يطلب منه أن يعطي حق الرجل التي عنده فدخل أبو جهل سريعاً وأتى بالوديعة وأعطاها الرجل. كان اسمه الحكم بن هشام فقالوا له: "ما لك يا أبا جهل ترتعد من محمد؟" قال: "لقد رأيت فحلاً ابل خلفه يفتح فمه يكاد يلتقمني"، وهو صلى الله عليه وسلم ذاهب هكذا من غير جند ولا أعوان ولا شيء. لأنه كان من عند الله ومن كان مع الله كان الله معه صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن معجزة الرسول تنتهي بانتقاله إلى الرفيق الأعلى والتحاقه بالملإ الأعلى صلى الله عليه
وآله وسلم، وتبقى الرسالة. ولأن الرسالة المحمدية رسالة خاتمة، ولأنها للعالمين، لكل الناس أجمعين عبر الزمان والمكان، لكل شخص. وفي كل حال، فكان لا بد لها من معجزة، ومعجزة الرسالة هي القرآن. توجد معجزة الرسول وتلك ألف معجزة موجودة في الكتب، لكننا لا نعتمد عليهم في هذا الخطاب. أأذهب وأقول: يا إخواننا في الإسلام، إن سيدنا رسول الله جرت على يديه معجزات؟ فيقول: حسناً، وما الذي يُعْلِمُني أنا؟ أريد أن أرى المعجزة، حسناً، المعجزة ها هي، هذه هي المعجزة. ومن عرف معجزة القرآن آمن بالله، ومن حُجب عنها لم يؤمن
ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم. معجزة، وسنرى كيف هو معجزة، وسنرى كيف نطلب هدايته، وسنرى كيف أن الله سبحانه وتعالى أبقى هذا الكتاب، فصدق الله وسنرى ربنا في هذا الكتاب وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد. سنرحل مع قصة المصحف الشريف الذي هو دال على كلام الله، ثم ندخل لنسمع كلام الله حرفاً وكلمة
كلمة، نعرضها على العالمين ونتخذ ما أمرنا الله به ديدناً لنا. لا إكراه في الدين قد تبين. قد تبين الرشد من الغي. ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه. أي لا تتركه هكذا فقط، بل عليك أن تبلغه مأمنه أيضاً. ما شاء الله. إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم