رحلة المصحف | حـ 3 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

رحلة المصحف | حـ 3 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, رحلة المصحف
فمع كتاب الله سبحانه وتعالى نعيش هذه اللحظات. أبو بكر الصديق أتمّ كتابة المصحف كما ذكرنا قبل ذلك في الحلقة الماضية، وأشهد على كل آية فيه، أشهد عليها بشهادة رجلين إلا أواخر سورة التوبة فشهد عليها رجل واحد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأنه من شهد. له خزيمة فهو حسبه. من شهد له خزيمة فهو بشهادة رجلين. يبقى كل هذه العملية من عند الله. وظل هذا المصحف، ويسمى بالمصحف الإمام عند أبي بكر لأنه خليفة المسلمين. فلما مات أبو بكر، ولأن
المصحف هو محور حضارة المسلمين منه الانطلاق وإليه المرجع وبه التقويم وله. الخدمة هو كتاب رب العالمين وهو حبل الله المتين فإنه صار جزءاً من دولة الإسلام ولذلك انتقل إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بوفاة أبي بكر يعني إذا سيدنا عمر حفظه أناس عندما يريدون أن يكتبوا نسخة يكتبونها منها وأنا عندما أكتب يمكن أن أخطئ ويمكن أن ينسى القلم حرفاً وهو يكتب. بسرعة ولذلك لم يعتمد العرب على الكتابة. هذه الكتابة
وثيقة كوّنتها لجنة علمية دقيقة معجزة. سنرى كيف هي معجزة لأن كل كرامة لولي فهي معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم. فهذه اللجنة التي صنعت القرآن في عهد أبي بكر ظهرت عليها كرامات وهذه الكرامات ما زالت معجزة إلى الآن. معجزة لمن؟ أصبحت معجزة لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصحف. حُفظ عند أبي بكر، فلما مات انتقل إلى رئاسة الدولة، انتقل إلى عمر بن الخطاب. لكن في هذه الفترة مكث أبو بكر سنتين وقليلاً، أما عمر فلا، فقد امتد وقته أكثر، حيث مكث عشر سنين وقليلاً إذا نُسخت منه. مصاحف لكن النسخة الأصلية محفوظة فشاعت
المصاحف وكثرت، لكن الأساس هو أن أناجيلهم لا يبلها الماء. أناجيلهم يعني القرآن الذي هو في وصف المسلمين هكذا في الكتب السابقة. طيب لماذا لا يبلها الماء؟ لأنني حافظ للقرآن ونزلت وأخذت غطساً في النيل، القرآن ابتل، إنه لم يبتل. هو أصله في قلبي ولذلك ما كان في القلب لا يبلى. إذاً القضية ليست قضية صحف يزيد فيها ورقة أو ينقص منها ورقة، تزيد فيها كلمة أو يخطئ الناسخ هنا أو هناك، لا، إنها قضية الحافظ. ولذلك نحن عندنا شيخ المقارئ، شيخ المقارئ هذا عمل مثل القراء الذين كانوا في الزمن الماضي كالإمام عاصم.
والإمام نافع والإمام أبو جعفر والإمام حمزة الزيات والإمام ابن كثير والإمام أبو عمرو والإمام ابن عامر والإمام كثير، عشرة أئمة، كل واحد أخذ بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقة التلاوة. فعندنا المصحف لا يكون مصحفاً إلا إذا أقرّه الشيخ الحافظ، وهذا ما فعلناه عندما طبعنا مرة مصحفاً. وكان الشيخ محمود برانق مصحح المصحف رحمه الله كان قرآننا يمشي على الأرض، كرامة الولي معجزة للنبي. راجعنا هذا المصحف حوالي أربعين مرة، وضبطناه تماماً، فلا يوجد به أي خطأ. وبعد
ذلك أردنا من الشيخ برانق أن يراجعه، فقال: "أرني يا ابن الكتاب، هل راجعتموه؟" قلنا له: "نعم، راجعناه"، فقال: "حسناً". وفتح هكذا قال: "يا أخي، لماذا لا توجد الشدة هنا؟ نعم والله، يا أخي، لماذا لا توجد الشدة هنا؟" قلنا له: "لا، هذا ليس عملاً معتاداً، هذه أمور غريبة. ما الذي يفتح هكذا؟ ما هذا؟ لقد حدث أمامنا، حدث أمامنا." ويقول لك الله: ما الذي يجعلكم مصرين على الإسلام هكذا؟ لأن هذا حدث أمامنا، ما زلنا نرى الله. ماذا سنفعل إذن؟ لسنا قادرين، لسنا قادرين أن نضغط على قلوبنا ونصبح غير مسلمين، لسنا قادرين. شخص لم يرَ
فيقول لي: الله، أنا لا أصدقك. حسناً، أنا لم أقل. لا تصدقني، أنا أقول لك ما حدث، كما لو أقول لك: "إنني رأيت رؤيا في المنام". الرؤيا التي في المنام هذه، والله صدّقتها أم لم تصدقها، هذا شأنك، لكنني رأيتها. فالرجل فتح هكذا وقال: "لا، هنا شدة نقص"، أهي "وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون". شدة وما الذي أفعله هنا؟ هذه؟ لا يوجد شيء اسمه شدة هنا، وضعوها شدة هنا، ما هذا؟ أربعين مرة ومرت من دمشق، الله الله الله، وفعل هكذا في المصحف، الله الله الله، هيا توكلوا على الله. قلنا له: توكل على الله. كيف؟ ألن ترجع؟ قال: ألستم أنتم من أرجعتموها أربعين مرة؟ قلنا ها هو قال: خلاص توكلوا
على الله، نحن خفنا وقلنا أيضاً: الشيخ يعني ربما كسل، ربما حدث شيء ما، وبعد ذلك هذه لا، إنها غلطة. بعد أربعين مرة وجدنا شدة ناقصة، والأساس في الشدة هو الشيخ الذي يحفظ، وليست الطباعة التي تخطئ أو لا تخطئ، وكذلك الشيخ الذي يحفظ لأن القرآن محفوظ يا. إخواننا، راجعنا بعد ذلك سبع عشرة مرة فلم نجد ولا غلطة واحدة. فتأكدنا أن هذه المسألة من عند الله، هو الذي جعل الشيخ محمود برانق هكذا. رحمه الله، ليفعل هذا. إنه ليس بشراً، هذا ليس عمل بشر، إنه عمل من عند ربنا. يا إخواننا، قل لي الآن ما تريد أن تقول. له وتقفز في التلفزيونات كما تشاء واشتم سيدنا رسول الله كما تشتمه، كل ذلك يعلو في قدره الكريم صلى الله
عليه وآله وسلم كما كان يسبه المشركون. إنما الذي حدث هكذا: المصحف محفوظ، محفوظ حفظًا، فجاء عمر بن الخطاب وظل المصحف عنده، بعد عمر بن الخطاب انتشرت النسخ وحُفِظت. حفصة بنت عمر ليست حفصة أم المؤمنين زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هذا جزء من قيادة الدولة الذي يقول لك لا توجد نساء ولا أعرف أين حقوق النساء وحقوق الرجال. لا، المصحف حُفظ عند حفصة، حفصة من؟ بنت عمر. ستعطي شبهة أن
عمر أعطى النسخة لابنته. لا، هذا أعطى النسخة لأحد أركان الدولة، ما اسمها هذه؟ أحد أركان الدولة حفصة، امرأة يعني أم المؤمنين. دعونا نقرأ بشكل صحيح الآن. أنتم يا إخواننا تعالوا اقرؤوا الإسلام بشكل صحيح. ها هو الإسلام، لم يذهب. عثمان ذهب إلى حفصة وظل عندها وهو ما زال في الدولة هكذا، وانتشر المصحف، وأصبح كل... شخص معه نسخة وفي شيوع المصحف المكتوب خطورة لأن الذي أخطأ في كلمة والذي أخطأ في حرف، والأصل هو الحفظ. جاؤوا وقالوا لعثمان: لابد أن نصنع مصاحف معتمدة في كل منطقة ولا يكفي مصحف معتمد واحد
عندكم محفوظ عند حفصة، لأن الناس بدأت والأعاجم بدؤوا يقولون: لا، هذه النسخة خاصتي صحيحة. لا، النسخة التي لدي خاطئة. قال: حسناً، لا بأس، لن يحدث شيء. حفصة، أرسلي لنا النسخة الأصلية. وذهب وشكَّل اللجنة مرة أخرى، وعلى رأسها زيد بن ثابت أيضاً الذي كان في اللجنة الأولى. وذهبوا ينسخون من هذا المصحف الذي كان عند حفصة ست نسخ: نسخة أبقاها معه، ونسخة أرسلها إلى مكة، ونسخة أرسلها... الكوفة ونسخة أرسلتها إلى الشام ونسخة، وهكذا وأصبح لكل دولة مصحفها المرجعي المكتوب كوثيقة، لكن الأساس هو ما يُذكر في الحفظ في الكتاتيب والمساجد والبيوت والشوارع وهكذا.
ولذلك وبذلك حفظ الله القرآن والحمد لله رب العالمين، وإلى لقاء آخر نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.