رحلة المصحف | حـ 4 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة

رحلة المصحف | حـ 4 | تفسير القرآن الكريم | أ.د علي جمعة - تفسير, رحلة المصحف
مع كتاب الله سبحانه وتعالى ومع المصحف الشريف الذي وصل إلينا غضاً طرياً عبر العصور بأسانيد بلغت مبلغ الاستفاضة والتواتر والعلو بما تعنيه هذه الكلمات لغةً لا اصطلاحاً، أصبح القرآن الكريم يحفظه كل أحد: العربي والأعجمي، الأطفال والكبار، الرجال والنساء، العلماء والأميون، حفظوا كتاب الله عن ظهر قلب. الشيخ علي لم يكن يعرف القراءة والكتابة وكان حافظًا لكتاب الله. الشيخ عبد العزيز الدباغ لم يكن يعرف القراءة والكتابة وكان حافظًا لكتاب الله. وتجد
أمورًا غريبة في ذلك، فتجد في تركيا ستة آلاف مدرسة تحفظ القرآن، وبعد ذلك الصبي يحفظ القرآن بشكل غريب. ذهبت إلى إحدى هذه المدارس وأخذت أفتح المصحف شيء هكذا ويقول لي: آه، هذه، من هذه؟ الشمال، هذه في الوسط. وهو يقرأ وهو لا يعرف، أنا أقول له فقط بداية الآية. هو لا يعرف اللغة العربية، يعني لو خرجت عن الحفظ وتكلمت باللسان العربي لا يفقه شيئاً. هل هذه ليست كرامة؟ هل يوجد كتاب في الدنيا حصل؟ هناك ملايين من البشر قد حفظوه، فما هو اسم هذا الكتاب؟ أهو من إنشاء البشر أم من تنزيل الله؟ لم يحدث أن أحداً حفظ بهذا القدر، ولا بهذا العدد كله، ولا بهذه الحلاوة فيه. وصل إلينا الكتاب
واستغربت كيف حفظه هذا التركي، فوجدتهم يسمون الكتاب الذي هو مثل... طباعة الملك فهد الآن، ما هي ميزاتها؟ إن كل جزء عشرون صفحة، وكل صفحة خمسة عشر سطراً. عندما تفتح المصحف هكذا، تجد كل جزء عشرين صفحة، فيكون لدينا ثلاثون جزءاً، وهذه الثلاثون جزءاً في عشرين تساوي ستمائة ورقة، فتجده ستمائة واثنتين أو نحو ذلك. لأن سورة الفاتحة وسورة البقرة في البداية هكذا فيها إطار وزخرفة، وكذلك جزء عمّ يحتوي على صورة
صغيرة في أعلاه، فترويس الصورة أيضاً استغرق بعض الوقت. لذا تجد المصحف بهذا الشكل ست مئة وأربعة، ست مئة وكم، دعنا نرى، ست مئة وأربعة، لكنه ست مئة صفحة. ما هي عشرون في تبدأ بآية وتنتهي بآية، أي إذا كانت الآية لا تنقسم بين صفحة وصفحة أخرى مثل مصاحفنا القديمة. لا، تبدأ بآية وتنتهي بآية، وخمسة عشر سطراً، كلها خمسة عشر سطراً، وعشرون صفحة، كل جزء هكذا من أول القرآن إلى آخره. حسناً، وبعد ذلك قال: هذه طريقة تسمى دركنار، ماذا يعني قوله "في الإطار" أي الحاشية التي
هي الإطار، وكأن هناك شيئاً محسوباً في الإطار، فنجعل الصبي يحفظ الصفحة الأولى من الجزء الأول، ثم الصفحة الأولى من الجزء الثاني التي هي رقم واحد وعشرين، ثم الصفحة الأولى من الجزء الثالث التي هي واحد وثلاثين التي هي واحد. وواحد وأربعين، ثم واحد وستين، ثم واحد وثمانين، ثم مائة وواحد، وهكذا إلى أن يحفظ ثلاثين صفحة التي هي الصفحة الأولى من كل جزء، ثم يعود ليحفظ الصفحة الثانية، ثم اثنين وعشرين، ثم اثنين وأربعين، ثم اثنين وستين، وهكذا فيكون قد حفظ ستين صفحة، ثم يحفظ الصفحة الثالثة، فالرابعة، فالعشرين، حسناً، وما فكرة هذا الأمر؟ قالوا: لا نعرف، لا نعرف. حسناً، لماذا يحفظ الصبي
وهو غير راغب؟ قال: لا نعرف. والذي يحفظ بهذه الطريقة، بهذه الكيفية، لا ينسى ويصنع له صورة، أي ذاكرة فوتوغرافية. حسناً، لماذا؟ ما الذي وراء هذه القصة؟ كيف تم عملها؟ من الذي صنعها؟ قال: لا نعلم كيف وصلنا إلى هذا الوضع، وجدنا شيئاً يُسمى نظام "داركنار"، وهذا الداركنار هو كذلك، حسناً، جربه يا أخي ستجده مفيداً جداً. من الغريب أن تكون تجربة بشرية تحتاج إلى بحوث وتحتاج إلى المسلمين أن يتحركوا ويبحثوا ويكتشفوا ماهية ما يحدث في العقل، لكن هذا ما حدث. هذه المصاحف بعد مصحف الملك فهد لأن مصحف الملك فهد عندما انتشر وذاع، تجد
كل المطابع الآن تطبع بطريقة الدركنار هذه، لكنهم لا يقولون دركنار. كان الدركنار قديماً عندنا هنا في مصر، نكتبها على المصاحف من الخارج. عندما ترى المصاحف التي كانت مطبوعة في الصناديقية وفي أماكن أخرى، تجد من يكتب خارجاً طريقة "دركنار" أو على طريقة الكنار لا تقول "در در"، أي في اللغة الفارسية يقال "على طريقة الكنار". المصحف طُبع منذ نحو مائة وثمانين سنة، ولما طُبع كان العلماء خائفين أن يحدث فيه تحريف، والتحريف يكون بالحبر والحبر يكون ثابتاً، لأن النص المكتوب باليد يمكن شطبه وتصحيحه. محمد علي باشا. قال لهم: "لا، نحن نريد أن نطبع المصحف الآن
لأننا دخلنا في عصر جديد ويجب أن يكون المصحف في أيدي الناس، لأن عدد الناس يزداد منذ سنة ألف وثمانمائة وثلاثين والناس في زيادة مطردة، فيجب أن نطبع المصحف". فطبعوا في المطبعة الأميرية مئتي نسخة، فظهر فيها خطأ، فغضب المشايخ وقالوا: قال لهم: "لا عليكم، سأرصد لكم بعض الأموال لتجلسوا وتصححوها كلمة كلمة". فصححوها كلمة ولم تخرج من المطبعة الأميرية إلا وهي مصححة كلمة وفي عصر الشيخ المتولي الكبير، إمام القراءة في مصر، والشيخ عيد رضوان المخللاتي، كُتِبت مقدمة نظافية أضافها أبو زيد على مصحفه. تمسك مصحف. أبو زيد تجد فيه ماذا؟ مقدمة، وأحياناً يُزيلون كراسة المقدمة هذه ويضعونها في النهاية. أحياناً تكون
في البداية وأحياناً تكون في النهاية، وتوجد مصاحف لأبي زيد لا تحتوي على هذه الكراسة. هذه الكراسة من كتابة الشيخ عيد رضوان المخللاتي إمام أهل القراءة في مصر إلى أن جاء هذا المصحف. يطبع الآن. لقد طبعوا محمد علي، وبعد ذلك طبعوا أبا زيد، ثم طبعت المطابع المختلفة تحت رعاية الشيخ المتولي الكبير والشيخ عيد رضوان المخللاتي وهؤلاء الأئمة الكبار، إلى أن جاء الملك فؤاد وقال: "أريد أن أصنع شيئاً لم يحدث من قبل، ونريد أن نكتب هذا القرآن بخط جميل جداً، ليكون قالوا له: يوجد شخص خطه لم يحدث مثله في عصره. قال: من هو؟ قالوا: شخص في تركيا اسمه الشيخ
محمد عبد العزيز الرفاعي. قال: ليأتِ على حسابي ويقيم على حسابي، وأعطوه ما يريده، لكن ليكتب لي المصحف بخط لم يحدث مثله، خط جميل جداً. الجماعة المصريون لا يحبون هكذا، فغضبوا يعني ليس لدينا خطاطون لكي تذهب وتحضر لنا الشيخ محمد عبد العزيز الرفاعي. فأصبح الرجل يأتي هو وابنته، وأسكنهم الملك فؤاد في مكان جيد هكذا، وقال له: ابدأ. فبدأ يكتب المصحف عندما رأى المصريين حزينين. كان الملك فؤاد لديه وطنية، فقال لهم: حسناً، من ترشحون؟ من؟ فيبدو أنهم... قد رشحوا الشيخ محمد خلف الحسين شيخ المقارئ المصرية،
وكان خطاطاً فكتب أصول المصحف بيده الذي هو مصحف الملك فؤاد. بعض الخطاطين يقولون لي: "لا، هذه المعلومة خاطئة، إن جعفر بيك هو الذي كتب المصحف". يرون في آخر مصحف الملك فؤاد إقراراً من الشيخ محمد مخلوف الشهير بالحدات شيخ المقارئ. إنه وكتب أصله بيده فقالوا له: لا، نحن لا نعرف، هذا شيء غريب. هل جعفر بك الذي له الأشياء الخاصة بالشوارع، أسماء الشوارع، ويعمل جعفر بك؟ هو الذي كتب؟ على كل حال، حتى لا يغضبوا أيضاً، ماذا نقول؟ أو جعفر بك هو الذي كتب هذا الخط، فخرج أحسن خط كُتب. به العربية إلى يومنا هذا الذي
هو مصحف الملك فؤاد الذي طُبع في المطابع الأميرية. المسلمون مكانهم الله في حفظ كتابه، وجعلوا محور حضارتهم وحياتهم. والحمد لله رب العالمين الذي جعلنا مسلمين. إلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله.